بداية الوصول في شرح كفاية الأصول المجلد 8

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: آل شیخ راضی، محمد طاهر، 1904 - م.

عنوان العقد: کفایه الاصول .شرح

عنوان المؤلف واسمه: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول/ تالیف محمد طاهر آل الشیخ راضی (قدس سره)؛ اشرف علي طبعه و تصحیحة محمد عبدالحکیم الموسوي البکاء.

تفاصيل النشر: تهران: دارالهدی، 14 ق. = 20م. = -13.

مواصفات المظهر: ج.

شابک : دوره 964-497-056-X : ؛ ج. 4 964-497-060-8 : ؛ ج.5، چاپ دوم 964-497-061-6 : ؛ ج. 7، چاپ دوم 964-497-063-2 : ؛ ج.8، چاپ دوم 964-497-064-0 :

يادداشت : الفهرسة على أساس المجلد الرابع، 1426ق. = 2005م. = 1384.

لسان : العربية.

ملحوظة : الكتاب الحالي هو وصف "کفایة الاصول" آخوند الخراساني يكون.

ملحوظة : چاپ دوم.

ملحوظة : ج.5، 7 و 8 (چاپ دوم: 1426ق. = 2005م.= 1384).

موضوع : آخوند خراسانی، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق. . کفایه الاصول -- نقد و تفسیر

موضوع : اصول فقه شیعه

معرف المضافة: موسوی بکاء، محمدعبدالحکیم

معرف المضافة: آخوند خراسانی، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق . کفایه الاصول. شرح

تصنيف الكونجرس: BP159/8/آ3ک 70212 1300ی الف

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 2954810

تتمة المقصد السابع

تتمة مبحث الاستصحاب

تكملة روايات الاستصحاب

الخبر الاوّل صحيحة زرارة عدم نقض اليقين بالشك

و منها: صحيحة أخرى لزرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المني، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فحضرت الصلاة، و نسيت أن بثوبي شيئا و صليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه، و علمت أنه قد أصابه، فطلبته و لم أقدر عليه، فلما صليت وجدته، قال عليه السّلام:

تغسله و تعيد، قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا فصليت، فرأيت فيه، قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت:

لم ذلك؟ قال: لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه، و لم أدر أين هو، فأغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها، حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت: فهل علي إن شككت في أنه أصابه شي ء أن انظر فيه؟ قال: لا و لكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك، قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد، إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا، قطعت الصلاة و غسلته، ثم بنيت على الصلاة، لانك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (1).

______________________________

(1)

الخبر الثاني: صحيحة زرارة في الشك في الطهارة من الخبث
اشارة

ان هذه الصحيحة رويت مضمرة كما هي في المتن، و قد عرفت ان إضمارها لا يضرّ كما تقدّم بيانه في الصحيحة الاولى، و رويت ايضا مسندة كما عن محكي العلل (قال: قلت له: اصاب ثوبي دم رعاف او غيره او شي ء من المني فعلّمت اثره الى ان اصيب له الماء، فحضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت، ثم اني ذكرت بعد ذلك، قال عليه السّلام: تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فان لم اكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته و لم اقدر عليه فلما صليت وجدته، قال عليه السّلام:

ص: 1

.....

______________________________

تغسله و تعيد، قلت: فان ظننت انه قد اصاب و لم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه، قال عليه السّلام: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال عليه السّلام: لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا، قلت: فاني قد علمت انه قد اصابه و لم ادر اين هو فاغسله؟

قال عليه السّلام: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت فهل علي ان شككت في انه اصابه شي ء ان انظر فيه؟ قال عليه السّلام: لا و لكنك تريد ان تذهب بالشك الذي وقع في نفسك، قلت: ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة، قال عليه السّلام: تنقض الصلاة و تعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لانك لا تدري لعله شي ء اوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك)(1).

ثم لا يخفى ان فيها موارد من الدلالة: المورد الاول: قوله فعلّمت أثره ... الى قوله ثم اني ذكرت بعد ذلك قال عليه السّلام: تعيد الصلاة و تغسله. و هذا المورد يدل على ان الصلاة مع النجاسة نسيانا توجب الإعادة، و هو يوافق فتوى المشهور بالفرق بين الجهل حال الصلاة لعدم العلم فانهم افتوا فيه بصحة الصلاة و عدم لزوم الاعادة، و بين الجهل حال الصلاة للنسيان و فيه افتوا بلزوم الاعادة.

المورد الثاني: من قوله عليه السّلام قلت فان لم اكن ... الى قوله تغسله و تعيد. و يدل هذا المورد انه قد علم باصابة النجاسة للثوب اجمالا. و في قوله و لم اقدر عليه اشعار ببقاء العلم الاجمالي و انه لم يقدر على تحصيله، لا انه لم يكن له وجود، و لما كان العلم الاجمالي منجزا امره عليه السّلام بالغسل و الاعادة.

المورد الثالث: من قوله قلت: فان ظننت ... الى آخر قوله عليه السّلام فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك، و سيأتي الكلام في وجه دلالتها على الاستصحاب.

ص: 2


1- 1. ( 1) تهذيب الاحكام ج 1، ص 21( ط. النجف الاشرف).

.....

______________________________

المورد الرابع: قوله قلت فاني قد علمت انه اصابه ... الى قوله عليه السّلام حتى تكون على يقين من طهارتك. و حاصل هذا المورد يتضمن السؤال عن انه مع العلم الاجمالي باصابة النجاسة للثوب هل يجب غسل الثوب كله؟ فأجابه عليه السّلام بانه يجب غسل الناحية التي ينحصر بها العلم الاجمالي بالاصابة، لانه بغسلها يحصل اليقين بطهارة الثوب.

المورد الخامس: من قوله فهل عليّ ان شككت ... الى آخر قوله عليه السّلام انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. و حاصله السؤال عن وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية، فأجابه عليه السّلام: ان الفحص فيها لا يجب، و انما فائدته هو حصول اليقين اما بالنجاسة او بعدمها.

المورد السادس: قوله قلت ان رأيته في ثوبي ... الى آخر قوله عليه السّلام فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك. و لا اشكال في دلالة هذا المورد على الاستصحاب لانه عليه السّلام قد فرض وقوع الشك في النجاسة بعد العلم السابق بالطهارة، و بعد فرضه حكم بانه مورد الاستصحاب، و انه مما لا ينبغي له ان ينقص اليقين بالشك. و لكنه قد دفع الاشكال في هذا المورد من ناحية اخرى.

و حاصله: ان ظاهر سؤال السائل في هذا المورد الاخير هو انه قد راى النجاسة في اثناء الصلاة و لم يكن له علم سابق بالاصابة، ففصل الامام عليه السّلام: بانه يلزمه الاعادة فيما اذا كان يحتمل وقوع النجاسة فصلى ثم راى النجاسة في الاثناء، و اذا كان لا يحتمل وقوعها فصلى ثم رآها يبني على صلاته بعد ان يغسل النجاسة. و قوله ثم رأيته رطبا جار مجرى الغالب، فان النجاسة اذا كانت هي النجاسة السابقة فالغالب ان تكون يابسة، و اذا رآها رطبة فيكون مجال لاحتمال ان تكون النجاسة قد وقعت عليه في اثناء الصلاة ... و بعد ان كان هذا ظاهر السؤال و الجواب يقع الاشكال في انه بعد فرض كونه مسبوقا باليقين بالطهارة قبل الصلاة فالقاعدة تقتضي صحة الاجزاء السابقة الواقعة مع النجاسة، و ليس وقوع الصلاة ببعض اجزائها مع

ص: 3

.....

______________________________

النجاسة اعظم من وقوع الصلاة كلها مع النجاسة، و قد حكم الامام بصحة الصلاة فيها كما هو مقتضى المورد الثالث في الصحيحة و هو قوله فان ظننت انه قد اصابه ...

الى آخره.

و قد ذكروا وجوها للتخلص عن هذا الاشكال: الاول: ما حكي عن الجواهر بما حاصله: انه لا فرق بين الشق الاول و الشق الثاني في المورد الاخير من ناحية كون الحكم فيه هو الصحة، فيما اذا لم يكن التطهير موجبا للفعل المنافي في الصلاة، و انما حكم بالاعادة في الشق الاول لان التطهير فيه يستلزم الفعل المنافي، و في الشق الثاني لا يستلزم فعل المنافي.

و فيه، اولا: ان الظاهر ان الشق الاول و الشق الثاني يشتركان في جميع الجهات عدا ان الشق الاول مما يقطع فيه بوقوع النجاسة من الاول، و الشق الثاني مما يحتمل فيه وقوعها في الاثناء، و ليس فيها و لا اشعار بالفرق بينهما من ناحية الفعل المنافي و عدمه.

و ثانيا: ظهور الرواية في ان الفرق بينهما هو ان الاجزاء السابقة كان اتيانها مع فرض الشك في اصابة النجاسة للثوب، و في الشق الثاني لم يكن يحتمل ذلك في حال اتيانه بها و قد حدث شكه بعد الرؤية.

الثاني: ما حكي عن صاحب الوافية في حمل الشق الاول على صورة العلم بالنجاسة و نسيانها و لذا حكم فيه بالاعادة، و الشق الثاني في صورة عدم العلم بالنجاسة و نسيانها و لذا كانت مجرى للاستصحاب.

و فيه: ان ظاهر الرواية فرض الشك في كلا الشقين، الّا انه في الشق الاول قد اتى بالاجزاء مع احتمال الاصابة، و في الشق الثاني لم يكن له احتمال في حال الاتيان، و انما احتماله لذلك بعد الرؤية في اثناء الصلاة .. مضافا الى انه على هذا الحمل يكون قوله: ثم رأيته رطبا، لا فائدة فيه اصلا، لان ما ذكرنا من كونه جاريا مجرى الغالب انما يصح حيث يكون المراد الفرق بين الشق الاول و الثاني هو انه بعد

ص: 4

.....

______________________________

رؤية النجاسة يابسة يحصل اليقين غالبا او الاطمئنان بانها كانت من الاول، و هو فرض الشق الاول الذي حكم فيه بالاعادة. و مع كونها رطبة يكون مجال لاحتمال عدم وقوعها من الاول. و على هذا الحمل يكون المدار على سبق العلم و النسيان فان سبق العلم و النسيان وجبت الاعادة، و ان لم يحصل العلم و النسيان فلا اعادة سواء كانت النجاسة من الاول او في الاثناء، فلا يكون للرطوبة و عدمها فائدة اصلا.

الثالث: الالتزام بان الفرق بين الشق الاول من هذا المورد الاخير و المورد الثالث هو التعبّد، و لازمه ان يكون للرؤية في اثناء الصلاة خصوصية توجب الاعادة، دون رؤيتها بعد الصلاة فانها لا توجب الاعادة.

و فيه: ان الظاهر من الرواية عدم الخصوصية للرؤية، و ان الوجه في عدم الاعادة في المورد الثالث هو الاستصحاب.

الرابع: هو الالتزام باستحباب الاعادة في الشق الاول من المورد الاخير .. و فيه بعد اختصاص الاستحباب بوقوع النجاسة في بعض الاجزاء دون وقوعها كلها فيها.

الخامس: انه يحتمل ان يكون مورد السؤال مع فرض العلم الاجمالي باصابة النجاسة لسبق فرض العلم في المورد الرابع و الخامس، و لعله في قوله عليه السّلام: اذا شككت في موضع منه اشعار بذلك، و وجه الاشعار هو فرض الشك في موضع من الثوب، و اما الشك في اصل اصابة الثوب كأنه مفروغ عنه، و لو كان الفرض هو الشك في اصل اصابة الثوب مع عدم العلم الاجمالي لقال اذا شككت في الاصابة او اذا شككت في نجاسة الثوب. و على هذا فيكون الفرق بين الشق الاول من هذا المورد الاخير و المورد الثاني: هو رؤية النجاسة هنا في الاثناء، و في المورد الثاني كان بعد الصلاة، و هو الداعي لسؤال السائل، فاجاب الامام عليه السّلام بلزوم الاعادة، لعدم الفرق بينهما بعد منجزية العلم الاجمالي، ثم تفضل الامام ببيان ان الحكم ما لم يكن علم اجمالي هو عدم الاعادة. و قوله عليه السّلام ثم رأيته رطبا لبيان صحة الصلاة للاستصحاب مع فرض واضح، و هو فرض الشك في وقوع الاجزاء السابقة

ص: 5

و قد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الاولى تقريب الاستدلال بقوله فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك في كلا الموردين، و لا نعيد (1).

نعم دلالته في المورد الاول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه السّلام: لانك كنت على يقين من طهارتك اليقين بالطهارة قبل ظن الاصابة كما هو الظاهر، فإنه لو كان المراد منه اليقين

______________________________

مع النجاسة، و لذا كان الاستصحاب في الشق الثاني خاليا عن الاشكال الآتي على الاستصحاب في المورد الثالث. و اللّه العالم.

(1) حاصله: ان هذه الصحيحة في المورد الثالث منها و الشق الثاني من موردها الاخير تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك، فان في المورد الثالث حيث كان على يقين من طهارة الثوب قبل ظن الاصابة، و صلى مع احتمال الاصابة، حكم الامام فيه بصحة الصلاة، لان رفع اليد عن اليقين السابق بالشك من نقض اليقين بالشك، و في الشق الثاني من المورد الاخير حيث انه كان على يقين من طهارة الثوب، و بعد رؤية النجاسة الرطبة يحتمل كون الاجزاء السابقة لم تكن مع النجاسة فهو شاك في وقوعها مع النجاسة، فرفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين بالشك، و هو مراده (قدس سره) من الموردين بقوله: ( (في كلا الموردين)). و ظهور هذه الصحيحة في كون قضية الاستصحاب قضية ارتكازية اقوى من ظهورها بذلك في الصحيحة الاولى، لظهور قوله عليه السّلام هنا- فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك- في ان نقض اليقين بالشك مما لا ينبغي، و هو ظاهر في ان الاخذ باليقين السابق مع الشك مما ينبغي، لانه اخذ باليقين و انه من الامور التي ينبغي الاخذ بها بما هي، لا بملاحظة حكم الشارع على طبقها. و لا وجه لكون قضية الاستصحاب من سنخ هذه الامور التي هي بطبعها مما ينبغي الاخذ بها الا لانها قضية ارتكازية.

ص: 6

الحاصل بالنظر و الفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة، كان مفاد قاعدة اليقين، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1)

تقريب دلالتها على الاستصحاب لا على قاعدة اليقين

مراده من المورد الاول هو المورد الاول من الصحيحة المشتمل على قضية لا تنقض، لا بحسب الموارد في الصحيحة فانه المورد الثالث كما عرفت. و على كل فالمورد المشار اليه هو قوله: ( (قلت فان ظننت انه قد اصابة و لم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه، قال عليه السّلام: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت لم ذلك؟ قال عليه السّلام لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا)).

و تمهيدا للمراد نقول: ان هنا قاعدتين: قاعدة الاستصحاب و قاعدة اليقين، و كلاهما متقوّمان باليقين و الشك، الّا ان الشك في قاعدة الاستصحاب لا يسري الى اليقين، كما لو شك في وقوع الحدث بعد اليقين بالطهارة، فان الشك في وقوع الحدث بعد العلم بالطهارة موجب للشك في بقاء الطهارة لا في حدوثها، بخلاف قاعدة اليقين فانه لا بد من سراية الشك فيها الى حدوث اليقين، كما لو تيقّن بنجاسة شي ء اليوم ثم شك بعد ذلك في طهارته، على وجه سرى شكه الى يقينه الذي كان، فيكون الشك اللاحق موجبا لانقلاب اليقين الذي كان بالحدوث الى الشك، ففي قاعدة اليقين لا اجتماع فيها لليقين و الشك لسراية الشك فيها الى اليقين، و في قاعدة الاستصحاب مما يجتمع اليقين فيها و الشك، لعدم المنافاة بين اليقين بالحدوث مع الشك في البقاء، و في قاعدة اليقين حيث يسري الشك فيها الى اليقين بالحدوث فلا يعقل اجتماع اليقين و الشك فيها.

اذا عرفت هذا ... فنقول: ان المراد من جملة فنظرت فلم أر شيئا انه قد حصل له اليقين بطهارة الثوب لما نظر فلم ير شيئا، و يكون له يقينان: يقين قبل ظن الاصابة، ثم ظن بالاصابة، ثم لما نظر و لم ير شيئا حصل له اليقين ثانيا بالطهارة، و بعد ان صلى رأى. و من الواضح انه بعد ان رأى يسري شكه الى يقينه الذي حدث

ص: 7

.....

______________________________

له بعد ان نظر فلم ير شيئا، فتكون لا تنقض دالة على النهي عن نقض اليقين الذي سرى الشك اليه .. و لا يخفى انه انما يكون له الشك الساري بعد الرؤية فيما اذا كان المراد من قوله فرأيت فيه هو رؤيته لنجاسة ما محتملة لان تكون هي النجاسة التي ظن باصابتها، و يحتمل ان تكون نجاسة اخرى غيرها. اما اذا كان المراد من قوله فرأيت فيه هو رؤية تلك النجاسة التي ظن باصابتها فليس له على هذا شك سار الى اليقين بعد الرؤية، بل الذي كان له هو اليقين بعد الرؤية.

و الحاصل: انه اذا نظر فلم ير شيئا فحصل له اليقين بعدم الاصابة بعد الظن بها، ثم بعد الصلاة رأى النجاسة التي كان يظن باصابتها، فالذي يحصل له عند ذلك هو اليقين بالاصابة، و ليس له شك سار الى اليقين، بخلاف ما اذا رأى نجاسة ما يحتمل ان تكون هي النجاسة الاولى و غيرها فانه له- حينئذ- شك سار الى اليقين، لانه مع احتماله فعلا انها هي النجاسة الاولى يكون يقينه بانه لم يصب الثوب بالنجاسة عند نظره في الثوب قد انقلب الى الشك، لفرض احتمال ان تكون هذه النجاسة هي النجاسة الاولى، و احتمال ان تكون غيرها، و لازم ذلك انقلاب يقينه الى الشك.

و حيث كان الظاهر من قوله فرأيت هو رؤية تلك النجاسة التي ظن باصابتها فلا مجال لقاعدة اليقين، لتقومها بالشك، و لا شك فيما اذا كان قد راى النجاسة التي ظن باصابتها. و لما فرض الامام عليه السّلام في كلامه اليقين و الشك، فلا بد و ان يكون المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا هو عدم رؤية النجاسة، لا حصول اليقين بالعدم لاجل عدم الرؤية، و يتعين ان يكون الذي قد حصل له بعد النظر هو الشك في الاصابة، و قد دخل الصلاة في فرض هذا الشك، و يتم بهذا ركنا الاستصحاب، و هما اليقين السابق قبل ظن الاصابة، ثم الشك في النجاسة بعد ان نظر فلم ير شيئا، و يكون الحكم بعدم الاعادة، لان الاعادة بعد الرؤية من نقض اليقين بالشك.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (نعم دلالته في المورد الاول)) و هو مورد قوله قلت فان ظننت انه قد اصابة ( (على الاستصحاب مبني على ان يكون المراد من اليقين في

ص: 8

ثم إنه أشكل على الرواية، بأن الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها، بل باليقين بارتفاعها، فكيف يصح أن يعلّل عدم الاعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟ نعم إنما يصح أن يعلّل به جواز الدخول في الصلاة، كما لا يخفى (1)، و لا يكاد يمكن

______________________________

قوله عليه السّلام لانك كنت على يقين من طهارتك)) هو ( (اليقين بالطهارة)) الذي كان ( (قبل ظن الاصابة)) و لازم هذا ان لا يكون المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا لبيان حصول اليقين له بعدم الاصابة بعد النظر، بل الفرض انه فحص فلم يجد من دون ان يكون قد حصل له اليقين بعدم الاصابة. ثم اشار الى ان الظاهر من الرواية هو هذا، دون اليقين بعدم الاصابة عند النظر بقوله: ( (كما هو الظاهر)) و الوجه في كونه هو الظاهر هو ظهور الرؤية بعد ان صلى في رؤية النجاسة التي ظن باصابتها دون رؤية نجاسة ما. ثم اشار الى انه لو كان المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا هو حصول اليقين له بعدم الاصابة عند النظر، لكان مفاد الرواية قاعدة اليقين بقوله: ( (فانه لو كان المراد منه)) أي لو كان المراد من اليقين في قوله عليه السّلام لانك كنت على يقين من طهارتك هو ( (اليقين الحاصل بالنظر و الفحص بعده)) أي يكون قول السائل فنظرت فلم أر شيئا دالا على حصول اليقين بعد النظر و الفحص، و على هذا يكون ( (الزائل بالرؤية)) للنجاسة ( (بعد الصلاة)) في قول السائل فصليت فرأيت فيه هو اليقين بعدم النجاسة الحاصل له بعد النظر و الفحص، و على هذا الفرض ( (كان مفاد)) أي كان مفاد المورد الاول هو ( (قاعدة اليقين كما لا يخفى)) الّا انك قد عرفت ان لازم كون مفاد المورد قاعدة اليقين هو كون الرؤية للنجاسة بعد الصلاة هي رؤية نجاسة ما، لا رؤية النجاسة التي ظن باصابتها، و قد عرفت انه خلاف الظاهر.

(1)

اشكال تطبيق التعليل على عدم وجوب الاعادة

لا يخفى انه بناء على كون مفاد الرواية قاعدة اليقين لا يرد هذا الاشكال كما سنشير اليه ان شاء اللّه تعالى، و انما يرد الاشكال بناء على كون مفادها هو الاستصحاب.

ص: 9

.....

______________________________

و توضيح الاشكال على الرواية- بناء على دلالتها على الاستصحاب- يتوقف على امور: الاول: ان الاشكال فيها يختص بالمورد الاول الدال على الاستصحاب، دون المورد الثاني الذي هو المورد الاخير، لانه في المورد الثاني لا يقين له بوقوع الصلاة مع النجاسة بعد رؤيتها في اثناء الصلاة و هو واضح.

الثاني: ان النهي عن النقض في المورد الاول وقع علّة لعدم الاعادة بعد رؤية النجاسة بعد الصلاة، لا للدخول في الصلاة.

الثالث: ان الشرط لصحة الصلاة: اما ان يكون هو عدم العلم بالنجاسة حال الصلاة، فلا بد من التعليل به لعدم الاعادة لا بالاستصحاب، لان العلة لعدم الاعادة هو عدم العلم بالنجاسة حال الصلاة، سواء كان هناك استصحاب او لم يكن، كما لو لم يكن له حالة سابقة و صلى جاهلا بالنجاسة، ثم انكشف وقوعها في النجاسة، فان صلاته تقع صحيحة. و اما ان يكون الشرط لصحة الصلاة هو الطهارة الواقعيّة، فالصلاة ان وقعت مع الطهارة واقعا كانت صحيحة، و ان وقعت مع النجاسة واقعا كانت باطلة، و على هذا فالاستصحاب يكون مجوزا للدخول في الصلاة و لصحة الصلاة ما لم ينكشف وقوعها في النجاسة، أما اذا انكشف وقوعها في النجاسة فلا بد من الاعادة، لليقين الحاصل بوقوعها مع النجاسة، و على هذا فالاعادة بعد انكشاف وقوعها في النجاسة يكون من نقض اليقين باليقين، لا من نقض اليقين بالشك.

اذا عرفت هذه الامور ... فنقول: ان ظاهر المتن وقوع الاشكال في الصحيحة بناء على كون الشرط هو الطهارة الواقعيّة، و على هذا فالصحيحة في المورد الاول حيث دلّت على ان العلة لعدم الاعادة- بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة- هو كون الاعادة من نقض اليقين بالشك، يقع الايراد عليها بان الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو من نقض اليقين باليقين، لا من نقض اليقين بالشك.

ص: 10

.....

______________________________

و الحاصل: ان الاشكال في الصحيحة لا من ناحية دلالتها على الاستصحاب، بل من ناحية كون الاستصحاب المتقوم بالشك وقع علة فيها لعدم الاعادة، مع انه بعد رؤية النجاسة يتيقن بوقوع الصلاة مع النجاسة، و لا شك في ذلك حتى تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك، بل الاعادة بعد رؤية النجاسة من نقض اليقين باليقين.

و الحاصل: ان دلالة الرواية على الاستصحاب الواقع علة لعدم الاعادة ينافي كون الشرط للصلاة هو الطهارة الواقعية، لان الاستصحاب متقوم بالشك، و لا شك في عدم الطهارة حال الصلاة، لانه من الواضح انه بعد رؤية النجاسة تيقن بمصاحبة الصلاة لعدم الطهارة، و لا شك له في ذلك، فكيف يصح ان يكون الاستصحاب المتقوم بالشك علة لعدم الاعادة؟

ثم لا يخفى ان هذا الاشكال انما يرد حيث يكون المستفاد من الصحيحة هو الاستصحاب، اما لو كان المستفاد منها قاعدة اليقين فلا يرد الاشكال، لما عرفت من كون دلالتها على قاعدة اليقين منوطا بكون المرئي بعد الصلاة هو نجاسة ما، لا النجاسة الاولى، و لازم كونها نجاسة ما هو الشك في وقوع الصلاة مع النجاسة، لاحتمال كونها نجاسة اخرى غير النجاسة الاولى، فتكون الاعادة من نقض اليقين بالشك، لا من نقض اليقين باليقين، لعدم اليقين بعد رؤية نجاسة ما بوقوع الصلاة مع النجاسة، لاحتمال كونها نجاسة اخرى وقعت على الثوب بعد تمام الصلاة. و قد اشار الى الاشكال- بعد البناء على كون الشرط هو الطهارة الواقعية- في ان الاعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك بقوله: ( (ثم انه اشكل على الرواية)) الظاهرة في كون العلة لعدم الاعادة هي كون الاعادة بعد رؤية النجاسة هي من نقض اليقين بالشك (بان الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة)) مع النجاسة ( (ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها)) لوضوح انه بعد رؤية النجاسة يتيقن بوقوع الصلاة مع النجاسة، و لا شك له في ذلك حتى تكون الاعادة من نقض اليقين

ص: 11

التفصي عن هذا الاشكال إلا بإن يقال: إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها، و لو بأصل أو قاعدة لا نفسها، فيكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها و لو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها، كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز النقض و عدم حجية الاستصحاب حالها، كما لا يخفى، فتأمل جيدا (1).

______________________________

بالشك ( (بل)) الاعادة بعد رؤية النجاسة تكون ( (ب)) سبب ( (اليقين بارتفاعها)) أي بسبب اليقين بارتفاع الطهارة، لحصول اليقين بكون الصلاة كانت فاقدة لشرطها و هي الطهارة الواقعية، و مع هذا ( (فكيف يصح ان يعلل عدم الاعادة بانها نقض اليقين بالشك)) و بالجملة ان دلالة الصحيحة على الاستصحاب ينافي كون الشرط للصلاة هي الطهارة الواقعية، لان الاستصحاب فيها وقع علة لعدم الاعادة، مع ان الاعادة بعد رؤية النجاسة تكون من نقض اليقين باليقين لا من نقضه بالشك.

نعم لو كان الاستصحاب في الصحيحة علة للدخول في الصلاة لما ورد الاشكال، لوضوح انه عند الدخول في الصلاة كان متيقنا بالطهارة السابقة على الظن بالاصابة، و شاكا فيها بعد النظر و الفحص، فيكون عدم دخوله في الصلاة لاجل الشك في النجاسة من نقض اليقين بالشك، و من آثار حجية الاستصحاب جواز الدخول معه في الصلاة، لان معنى البناء على اليقين السابق هو ترتيب آثاره التي منها جواز الدخول في الصلاة في المقام، و الى هذا اشار بقوله: ( (نعم انما يصح ان يعلل به ...

الى آخر الجملة)).

(1)

جواب المصنف عن الاشكال و توجيه التعليل

الظاهر من المصنف انحصار دفع الاشكال بهذا الجواب الذي يذكره، و سيشير في قوله ثم انه لا يكاد يصح التعليل الى جواب آخر لم يرتضه أولا ثم صححه، و هناك اجوبة اخرى لم يشر اليها اكثرها غير خال عن الاشكال.

ص: 12

.....

______________________________

و توضيح الجواب المعتمد عنده (قدس سره) في المتن يتوقف على بيان امرين:

الأمر الاول: انه يحتمل في مرحلة الثبوت في الشرطية و المانعية من حيث الطهارة و النجاسة وجوه، و لكن المصنف اشار الى وجهين منها: الاول: ما بنى عليه الاشكال و هو كون الطهارة الواقعية شرطا يدور الامر في صحة الصلاة و عدمها عليها، و الاستصحاب انما يكفي عنها في حال عدم انكشاف الخلاف، و اما مع انكشاف الخلاف فلا يكفي. الثاني: ما اختاره في المتن من كون الشرط لصحة الصلاة في حال التفات المكلف الى حاله- من كونه واجدا للشرط ام لا- هو احراز الطهارة، اما احراز بالعلم او بالعلمي كالاستصحاب او قاعدة الطهارة. و اما في حال عدم التفاته و غفلته عن حاله فالشرط عدم العلم بالنجاسة فيما اذا لم يكن قد علم بالنجاسة و نسيها لانه قد دلت الاخبار على صحة صلاة من صلى في النجاسة جاهلا مع عدم سبق علمه بها و به افتى المشهور. و على كل فالشرط في حال الالتفات هو احراز الطهارة اما بالعلم او بالعلمي، و على هذا فلا تكون الطهارة الواقعية شرطا واقعيا، و لا خصوص العلم بها شرطا، بل الشرط هو الاحراز لها اعم من كونه بالعلم او بالعلمي.

الامر الثاني: ان قوله عليه السّلام لا صلاة إلّا بطهور- بناء على شمول الطهور للطهارة عن الخبث و عدم اختصاصه بالطهارة عن الحدث- و ان اقتضى كون الطهارة الواقعية شرطا، إلّا انه لا بد من تقديم دلالة مثل الصحيحة عليه المستفاد منها هو كون احراز الطهارة مع الالتفات شرطا، كما يتقدم عليه ايضا الاخبار الدالة على صحة صلاة الجاهل بالنجاسة مع عدم سبق العلم بها و نسيانها، لانهما اخص من لا صلاة إلّا بطهور، لاستلزامها عدم صحة صلاة الملتفت اذا كانت مع النجاسة، و عدم صحة صلاة الجاهل غير الناسي اذا كانت صلاته مع النجاسة، فالدليل الدال على صحة صلاة الملتفت المحرز للطهارة و لو بالاصل و ان كانت مع النجاسة واقعا

ص: 13

.....

______________________________

اخص منه، و كذلك الدليل الدال على صحة صلاة الجاهل غير الناسي و ان كانت صلاته مع النجاسة واقعا اخص منه ايضا، و لا بد من تقديم الخاص على العام.

اذا عرفت ... هذا فنقول: انه اذا كان احراز الطهارة شرطا للملتفت فالمستصحب للطهارة واجد للشرط، و لازم كونه واجدا للشرط انه لا اعادة عليه بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة، و ان اعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها مع النجاسة من نقض اليقين بالشك، لان لازمها عدم الاخذ بالاستصحاب و عدم البناء على ما كان على يقين منه، و لازم الاخذ باليقين السابق هو كونه واجدا لما هو الشرط الذي هو الاحراز، لانه قد احرز الطهارة بالعلمي و هو الاستصحاب. و قد اشار الى ما ذكرنا من كون الشرط للملتفت هو احراز الطهارة و لو بالعلمي كمثل الاصل الاستصحابي او قاعدة الطهارة بقوله: ( (إلّا بان يقال ان الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات الى الطهارة)). و قد عرفت ان قيد الالتفات هو للتنبيه على انه ليس الشرط مطلقا هو الاحراز لصحة صلاة الجاهل غير الناسي مع النجاسة مع انه لا احراز له لا علما و لا عمليا لفرض غفلته، و على كل فالشرط مع الالتفات ( (هو احرازها)) أي احراز الطهارة ( (و لو ب)) العلمي ك ( (أصل)) مثل الاستصحاب ( (او قاعدة)) كقاعدة الطهارة ( (لا نفسها)) أي ليس نفس الطهارة الواقعية شرطا لصحة الصلاة فعلا بالنسبة الى الملتفت، بل احرازها هو الشرط. و قد اشار الى انه اذا كان الشرط فعلا هو احراز الطهارة لا نفسها صح التعليل لعدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة بالاستصحاب، لكون الاستصحاب احرازا بالعلمي، فتقع الصلاة واجدة لشرطها و هو الاحراز الحاصل بواسطة الاستصحاب بقوله: ( (فيكون قضية استصحاب الطهارة ... الى آخر الجملة)). و قد اشار الى انه اذا كان عدم الاعادة مما يقتضيه جريان الاستصحاب و هو عدم نقض اليقين بالشك، فلا بد و ان تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك بقوله: ( (كما ان إعادتها بعد الكشف ... الى آخر الجملة)).

ص: 14

لا يقال: لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم يكن شرطا لم يكن موضوعا لحكم مع أنه ليس بحكم، و لا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم (1).

فإنه يقال: إن الطهارة و إن لم تكن شرطا فعلا، إلا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا، بل هي شرط واقعي اقتضائي، كما هو قضية

______________________________

(1) حاصله: انه لا بد في المستصحب من ان يكون اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي، و الطهارة و النجاسة ليستا حكما مجعولا شرعيا، بل هما امران واقعيان كشف عنهما الشارع، و ليست الطهارة في المقام موضوعا لحكم شرعي، لان الحكم الشرعي في المقام هو الشرطية، و ليست الطهارة على الفرض هي الشرط، بل الشرط احراز الطهارة و ان لم يكن طهارة في الواقع، فلا وجه لاستصحاب الطهارة لاجل صحة الصلاة و كونها واجدة للشرط، لان الطهارة ليست مجعولة بنفسها حتى يصح استصحابها لترتيب آثارها، و ليست موضوعا لحكم شرعي لان الحكم الشرعي هنا هو الشرطية و موضوعها هو الاحراز دون نفس الطهارة، فلا يجري استصحاب الطهارة لانها ليست بنفسها مجعولة و لا موضوعا للحكم المجعول، و لا بد في جريان الاستصحاب من احد الامرين كما عرفت، و لذا قال (قدس سره): ( (لا مجال حينئذ)) أي انه اذا كان الشرط هو الاحراز لم يكن مجال ( (لاستصحاب الطهارة فانه اذا)) كان المفروض كون الاحراز هو الشرط و ( (لم يكن)) الطهارة ( (شرطا لم يكن)) الطهارة ( (موضوعا لحكم)) شرعي في المقام. و اشار الى انها ليست بنفسها من المجعولات الشرعية بقوله: ( (مع انه ليس)) الطهارة ( (بحكم)) مجعول. و اشار الى انه لا بد في الاستصحاب من احد الامرين بقوله: ( (و لا محيص في)) جريان ( (الاستصحاب عن كون المستصحب حكما)) بنفسه مجعولا ( (او موضوعا لحكم)) مجعول، فلا مجال لجريان استصحاب الطهارة في المقام.

ص: 15

التوفيق بين بعض الاطلاقات و مثل هذا الخطاب، هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط، حيث أنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا (1).

______________________________

(1) أجاب عنه بجوابين: الاول: ان الطهارة و ان لم تكن في المقام شرطا فعليا، إلّا انها فيها اقتضاء الشرطية، لان التوفيق بين قوله لا صلاة إلّا بطهور المقتضي لكون الطهارة هي الشرط، و بين مثل الصحيحة المقتضية لكون الاحراز هو الشرط، و بعد تقديم الصحيحة فالشرط الفعلي يكون هو الاحراز، و يحمل حديث لا صلاة إلّا بطهور على كون الطهارة شرطا واقعيا اقتضائيا لا فعليا، و هذا المقدار من الشرطية الاقتضائية الواقعية للطهارة كاف في صحة استصحابها. و الى هذا الجواب الاول أشار بقوله: ( (ان الطهارة و ان لم تكن شرطا فعلا)) لان الشرط الفعلي في المقام هو الاحراز ( (إلّا انها غير منعزلة عن الشرطية رأسا بل هي شرط واقعي اقتضائي)).

و اشار الى ان السبب في حملها على الشرطية الاقتضائية، هو التوفيق بين ما يدل على كونها شرطا واقعيا و باطلاقه على كونه فعليا و هي الاطلاقات مثل قوله لا صلاة إلّا بطهور، و بين ما يدل صريحا على كون الاحراز هو الشرط كمثل الصحيحة بقوله: ( (كما هو قضية التوفيق بين بعض الاطلاقات)) كلا صلاة إلّا بطهور ( (و مثل هذا الخطاب)) و هو الصحيحة الآمرة بعدم الاعادة، لان الاعادة من نقض اليقين بالشك كما عرفت بيانها.

و لا يخفى ان الاستصحاب حيث انه هو البناء العملي فلا بد فيه من كون المستصحب اما حكما فعليا او موضوعا لحكم فعلي، و الشرطية الاقتضائية حكم اقتضائي لا فعلي، و لذا كان المعتمد هو الجواب الثاني. و حاصله: انه يكفي في الاستصحاب ان يكون للمستصحب دخالة في أثر من الآثار الشرعية، و لو بنحو بان يكون متعلقا لما هو الموضوع للحكم، و الموضوع للحكم في المقام هو الاحراز المتعلق بالطهارة، فالشرط الفعلي في المقام هو احراز الطهارة لا غيرها، فيجري الاستصحاب في الطهارة لكونها متعلقا للاحراز، فان احرازها هو الشرط دون

ص: 16

لا يقال: سلمنا ذلك، لكن قضية أن يكون علة عدم الاعادة حينئذ، بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب، مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها، ضرورة أن نتيجة قوله: لانك كنت على يقين .. إلى آخره، أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها، كما لا يخفى (1).

______________________________

احراز غيرها، و الى هذا اشار بقوله: ( (مع كفاية كونها من قيود الشرط)) و الطهارة في المقام من قيود الشرط ( (حيث انه كان)) الشرط ( (احرازها)) أي احراز الطهارة ( (بخصوصها لا)) احراز ( (غيرها)) ... و الحاصل: انه لما كان احرازها لا احراز غيرها ( (شرطا)) كانت من قيود الشرط فيصح استصحابها لذلك.

(1) حاصله: انه لو سلمنا جريان الاستصحاب، و سلمنا كون الاحراز هو الشرط دون الطهارة الواقعية، إلّا انه على هذا يكون العلة لعدم الاعادة هو وجود الشرط الفعلي في حال الصلاة و هو الاحراز، فهو العلة لعدم الاعادة، و الاستصحاب الجاري هو استصحاب الطهارة التي كانت متيقنة، و ان اليقين السابق بها لا ينقض بالشك، و مرجعه الى البناء على الطهارة، و يكون الاستصحاب موجبا لكون الطهارة محرزة تعبدا به، و ان هذه الطهارة التي اقتضاها الاستصحاب هي العلة لعدم الاعادة، و لازم هذا كون الطهارة المستصحبة هو الشرط لا الاحراز. و الحاصل انه لو كان العلة لعدم الاعادة هو الاحراز لكان نفس الاستصحاب هو العلة لعدم الاعادة لا الطهارة المستصحبة، و الذي تدل عليه الصحيحة هو كون العلة لعدم الاعادة نفس الطهارة المستصحبة دون الاستصحاب، لان قوله عليه السّلام في مقام بيان العلة لعدم الاعادة: لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك، معناه ان عدم جواز نقض اليقين السابق بالطهارة في مقام الشك يقتضي البناء على الطهارة، و ان العلة لعدم الاعادة حيثية انه متطهر في حال

ص: 17

.....

______________________________

الصلاة، و لازم هذا كون نفس الطهارة المستصحبة هي الشرط، و لو كان الشرط هو الاحراز لكان يقول مثلا: لانك كنت على استصحاب للطهارة، و به يحصل الاحراز الذي تصح به الصلاة فلا اعادة، او امثال ما يؤدي ذلك.

فاتضح مما ذكرنا: انه بناء على كون الشرط هو الاحراز يكون نفس الاستصحاب هو الشرط لانه احراز تعبدي، و لا دخل للطهارة في ما هو الشرط الا كونها متعلقة للاحراز، و به يقتضي ان يكون التعليل لعدم الاعادة، مع ان ظاهر الصحيحة كون نفس الطهارة المستصحبة هي الشرط، و بين الامرين فرق واضح ...

فظهر: ان كون الاحراز هو الشرط و ان اندفع به الاشكال، إلّا ان ظاهر الصحيحة يأباه.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (لا يقال سلمنا ذلك)) أي سلمنا انه اذا كان الشرط هو الاحراز يندفع الاشكال ( (لكن قضية)) أي لكن قضية كون الشرط هو الاحراز يقتضي ( (ان يكون علة عدم الاعادة حينئذ بعد انكشاف)) الخلاف و ( (وقوع الصلاة في النجاسة هو احراز الطهارة حالها)) أي حال الصلاة ( (باستصحابها)) أي باستصحاب الطهارة، لان نفس الاستصحاب احراز تعبدي و هو الشرط ( (لا)) ان الشرط هو ( (الطهارة المحرزة بالاستصحاب)). و اشار الى ان هذا و ان صح ثبوتا إلّا ان دليل الاثبات لا يساعد عليه، بل المستفاد من دليل الاثبات و هو الصحيحة كون العلة لعدم الاعادة هي الطهارة المستصحبة لا استصحابها بقوله: ( (مع ان قضية التعليل ان تكون العلة له)) لعدم الاعادة ( (هي نفسها)) أي هي نفس الطهارة المحرزة بالاستصحاب ( (لا)) ان العلة لعدم الاعادة هو ( (احرازها ضرورة ان)) المستفاد من ( (نتيجة قوله)) عليه السّلام ( (لانك كنت على يقين)) من طهارتك ( (... الى آخره)) انه بعد سبق يقينه بالطهارة، و الشك فيها يبنى على الطهارة و انه متطهر حال الصلاة، و كونه متطهرا حال الصلاة هو العلة لعدم الاعادة ( (لا انه مستصحبها)) أي لا ان العلة لعدم الاعادة هو كونه مستصحبا للطهارة، حتى يكون لازم ذلك كون الشرط هو نفس الاستصحاب لانه احراز تعبدي.

ص: 18

فإنه يقال: نعم، و لكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال، لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب، و أنه كان هناك استصحاب مع وضوح استلزام ذلك لان يكون المجدي بعد الانكشاف، هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة، و إلا لما كانت الاعادة نقضا، كما عرفت في الاشكال (1).

______________________________

(1) ينبغي ان لا يخفى ان المصنف اجاب عنه بجوابين، و اشار ايضا الى جواب ثالث في طي ايراده عليه، ثم اجاب عما اورده على الجواب الثالث.

و على كل فحاصل ما ذكره اولا يتضمن جوابين عما ذكر في لا يقال.

توضيح الجواب الاول بأمرين:

الاول: ان الشرط اذا كان هو الطهارة المستصحبة فبعد انكشاف الخلاف يتبين انه لم تكن صلاته مع الطهارة، و لازم كونها هو الشرط هو جواز الدخول و كفاية استصحابها حيث لا ينكشف الخلاف، و على هذا فلا يصح تعليل عدم الاعادة بلحاظ حال الانكشاف. و اما اذا كان الشرط هو الاحراز فحيث انه لا انكشاف فيه للخلاف بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة، لان الشرط هو الاحراز حال الاتيان بالصلاة، و قد حصل و تمت الصلاة بواسطته مستوفية لشرطها، و لازم هذا كون الاحراز مما يصح ان يكون علة للدخول و لعدم الاعادة، و يصح التعليل به لعدم الاعادة بلحاظ حال الصلاة، و بلحاظ حال ما بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة.

الامر الثاني: ان الظاهر من الصحيحة هو التعليل لعدم الاعادة بلحاظ حال ما قبل الانكشاف، و من الواضح انه في حال ما قبل الانكشاف سواء كان الشرط هو الطهارة المحرزة، او كان هو الاحراز بالاستصحاب فلا تجب الاعادة، و لما كان بهذا اللحاظ لا ينحصر التعليل لعدم الاعادة بالاحراز، بل يصح التعليل لها بالطهارة

ص: 19

.....

______________________________

المحرزة بالاستصحاب ايضا، و انما علل بها مع انها ليست هي الشرط للتنبيه على ان الاحراز الذي هو الشرط كان باستصحابها، لا بقاعدة اخرى كقاعدة الطهارة.

و الحاصل: ان التعليل لعدم الاعادة لما كان بلحاظ حال الصلاة و هو حال ما قبل الانكشاف، و كان التعليل لعدم الاعادة يصح بكل منهما، علل بالطهارة المستصحبة للتنبيه على ان الشرط الذي هو الاحراز كان لاستصحاب الطهارة لا غيرها. و قد اشار المصنف الى انه اذا كان التعليل لعدم الاعادة بلحاظ حال ما قبل الانكشاف يصح بكل منهما بقوله: ( (نعم)) لو كان التعليل بلحاظ حال الانكشاف لا نحصر التعليل بالاحراز الحاصل بنفس الاستصحاب لا بالطهارة المستصحبة ( (و لكن)) حيث كان ( (التعليل انما هو بلحاظ حال قبل الانكشاف)) و قد عرفت انه اذا كان كذلك صح التعليل بكل منهما، و انما عبر بالطهارة المستصحبة ( (لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب و انه كان هناك استصحاب)) يحصل به الاحراز الذي هو الشرط، و لم يكن الاحراز لاجل قاعدة اخرى غير الاستصحاب.

الجواب الثاني: لا يخفى ان هذا الجواب الثاني هو بلحاظ ما بعد الانكشاف.

و مجمله: ان التعليل بلحاظ ما بعد الانكشاف ينحصر في كون الشرط هو احراز الطهارة بالاستصحاب لا نفس الطهارة المستصحبة.

و توضيحه: ان المستفاد من الصحيحة هو استصحاب الطهارة في مقام الشك، و استصحاب الطهارة هو عبارة عن نفس الاستصحاب- بما هو احراز- و عن الطهارة المستصحبة، و يمكن ان يكون كل منهما هو الشرط، و لكن حيث وقع التعليل لعدم الاعادة بعد انكشاف الخلاف باستصحاب الطهارة في حال الشك و هو حال ما قبل الانكشاف، فلا بد و ان يكون العلة هو ما يكون أثره بعد الانكشاف هو عدم الاعادة، فتكون الاعادة على نحو انه بعد الانكشاف من نقض اليقين بالشك، و من الواضح ان الذي يكون اثره في حال الانكشاف هو عدم الاعادة- لانها من نقض اليقين بالشك- هو كون الشرط نفس الاستصحاب الذي هو الاحراز التعبدي. و اما لو كان الشرط

ص: 20

.....

______________________________

هو الطهارة المستصحبة فلا يكون له الاثر بعد الانكشاف، لوضوح ان الشرط لو كان هو الطهارة المستصحبة فبعد انكشاف الخلاف لا تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك، بل من نقض اليقين باليقين، و انما تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك حيث يكون الشرط هو نفس استصحاب الطهارة، لانه يكون بما هو احراز تعبدي شرطا، و اذا كان- بما هو احراز- شرطا فليس له كشف الخلاف، و انما كشف الخلاف للطهارة المستصحبة، لانه بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ينكشف انه لا طهارة في حال الصلاة، و لا ينكشف بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة انه لم يكن له احراز حال الصلاة، بل الاحراز التعبدي قد تحقق و وجد، و لا يعقل ان ينكشف بعد فرض تحقق الوجود انه لا وجود، فالاحراز لا انكشاف فيه للخلاف بعد تحققه.

فاتضح: ان التعليل لعدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة بان الاعادة من نقض اليقين بالشك تستلزم كون الشرط هو الاحراز، و ان الاستصحاب احراز تعبدي و هو الشرط. و من البين ان المصلي لما كان له استصحاب في حال الصلاة و هو احراز تعبدي و هو الشرط تكون الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة من عدم العمل بالاستصحاب و عدم ترتيب آثاره، لان من ترتيب آثاره هو عدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة.

و اما دعوى كون الظاهر ان العلة لعدم الاعادة هو الطهارة المستصحبة.

فيرده، اولا: انه لا وجه لدعوى الظهور بعد قيام القرينة و هي كون العلة بلحاظ ما بعد الانكشاف، و قد عرفت ان الذي يكون الاعادة من نقض اليقين بالشك في حال الانكشاف انما هو حيث يكون الشرط هو نفس الاحراز الحاصل بالاستصحاب.

و ثانيا: انه لا وجه لدعوى الظهور بكون العلة هو الطهارة دون الاستصحاب، بل الظاهر منه هو انه لا اعادة لاستصحاب الطهارة، فذكر الطهارة انما هو لكونها متعلقة للاستصحاب، و ان استصحابها هو العلة لعدم الاعادة.

ص: 21

ثم إنه لا يكاد يصح التعليل، لو قيل باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، كما قيل، ضرورة أن العلة عليه إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء و عدم إعادتها، لا لزوم النقض من الاعادة كما لا يخفى (1)،

______________________________

و على كل فقد اشار الى ما ذكرناه اولا بقوله: ( (مع وضوح استلزام ذلك)) أي ان التعليل لعدم الاعادة بان الاعادة من نقض اليقين بالشك مع فرض انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة يستلزم ( (لان يكون المجدي)) في المقام ( (بعد)) فرض ( (الانكشاف هو ذاك الاستصحاب)) لكون الشرط هو الاحراز و الاستصحاب احراز تعبدي ( (لا)) ان الشرط هو ( (الطهارة)) المستصحبة ( (و إلّا)) أي و لو كان الشرط هو الطهارة المستصحبة ( (لما كانت الاعادة)) بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ( (نقضا)) لليقين بالشك، بل كانت من نقض اليقين باليقين ( (كما عرفت في الاشكال)).

(1)

التعليل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء و الايراد عليه

هذا هو الجواب الثالث عن الاشكال المتقدم بكون الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ليست من نقض اليقين بالشك، بل هي من نقض اليقين باليقين.

و حاصل هذا الجواب: ان العلة في المقام لعدم الاعادة هو الامر الظاهري- بناء على اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء- فان المصلي لما كان في حال الصلاة شاكا بعد اليقين و عليه ان لا ينقض يقينه في تلك الحال، فهو مأمور في تلك الحال بأمر ظاهري، بان يصلي في ذلك الثوب المشكوك طهارته لاجل الاستصحاب، و الامر الظاهري يقتضي الاجزاء كما قيل به في بابه، و من البين ان كون الامر الظاهري مقتضيا للاجزاء مستلزم لعدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة، كسائر موارد الاجزاء في الامر الظاهري بعد انكشاف الخلاف.

و قد اورد عليه: بانه مناف لما يستفاد من الصحيحة، لان الظاهر منها كون العلة لعدم الاعادة هو كون الاعادة من نقض اليقين بالشك و لازم هذا كون العلة هي الاستصحاب بما هو استصحاب، لا لانه من مصاديق قاعدة الاجزاء في الامر

ص: 22

اللهم إلا أن يقال: إن التعليل به إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، بتقريب أن الاعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف و عدم حرمته شرعا، و إلا للزم عدم اقتضاء ذاك الامر له، كما لا يخفى، مع اقتضائه شرعا أو عقلا (1)،

______________________________

الظاهري. و قد اشار المصنف الى هذا الجواب في طي الايراد عليه بقوله: ( (ثم انه لا يكاد يصح التعليل)) لعدم الاعادة في المقام بان الامر الظاهري يقتضي الاجزاء بناء على القول باقتضائه لذلك، و اليه اشار بقوله: ( (لو قيل باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء)) و قد عرفت تقريبه. و قوله ( (كما قيل)) اشارة الى ضعف هذا التعليل و انه لا يكاد يصح. و اشار الى الوجه في كون هذا التعليل مما لا يكاد يصح بقوله:

( (ضرورة)) انه بناء على هذا التعليل تكون العلة لعدم الاعادة هو اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، لا ان الاستصحاب في المقام هو العلة لعدم الاعادة ف ( (ان العلة)) لعدم الاعادة بناء ( (عليه)) أي على هذا التعليل ( (انما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء و)) هو المقتضي ل ( (عدم اعادتها)) لتحققه في احد مصاديقه و هو الاستصحاب ( (لا)) ان المقتضي لعدم الاعادة هو الاستصحاب و ( (لزوم النقض من الاعادة)) و قد عرفت ان ظاهر الرواية كون العلة لها هو نفس الاستصحاب و لزوم النقض من الاعادة، لا ان الاستصحاب من مصاديق الامر الظاهري الذي هو العلة لعدم الاعادة.

(1)

تصحيح التعليل و دفع ما اورد عليه

هذا تصحيح منه لهذا الجواب، و دفع لما أورده عليه. و حاصله: ان الجواب بكون الامر الظاهري هو العلة للاجزاء يرجع الى صغرى و هي استصحاب الطهارة في حال الشك، و كبرى و هي انه بعد جريان الاستصحاب يكون هناك امر ظاهري بالصلاة في الثوب المشكوك الطهارة، و لازم هذا القياس المؤلف من هذه الصغرى و الكبرى هو الاجزاء، لما قيل به في محله من استلزام الامر الظاهري للاجزاء، و اذا كان الاجزاء ناتجا عن صغرى و كبرى كان لكل منهما دخل في الاجزاء الذي هو

ص: 23

.....

______________________________

نتيجتهما، و يجوز الاكتفاء باحدهما في مقام التعليل، و انما اكتفى بالصغرى لاجل التنبيه على حجية الاستصحاب و انها من مصاديق الامر الظاهري.

و بعبارة اخرى: ان الامر الاستصحابي هو الامر الظاهري، غايته انه: تارة بما هو استصحاب يكون علة، و اخرى بما انه امر ظاهري يكون علة، و اذا كان الامر كذلك صح التعليل بالاستصحاب لعدم الاعادة.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان هذا الجواب كالجواب السابق، التعليل فيه بلحاظ حال ما قبل الانكشاف، و هو حال الصلاة في الثوب المشكوك، و من آثاره عدم الاعادة بعد انكشاف الخلاف، و على هذا فتكون الاعادة بعد الانكشاف مما تستلزم نقض اليقين بالشك، و ان لا يكون نقض اليقين بالشك منهيا عنه، لما عرفت من انه لو كان نقض اليقين بالشك محرما و منهيا عنه و انه كان مأمورا بالبناء على اليقين في حال الشك، لكان ذلك مستلزما لعدم الاعادة بعد الانكشاف.

ثم لا يخفى ان هذا كله مبني على كون حجية الاستصحاب بمعنى جعل الحكم المماثل التي هي الشرطية في المقام. و اما بناء على ان حجية الاستصحاب بمعنى جعل المنجزية و المعذرية فلا يكون هناك حكم ظاهري حتى يقتضي الاجزاء. و حيث قد تقدم منه البناء على جعل الحكم المماثل فلذلك صحح هذا الجواب، بان التعليل في المقام صحيح، و ان العلة لعدم الاعادة و ان كان هو الحكم الظاهري إلّا انه لما كان هو الامر الاستصحابي فلذا صح التعليل به.

و لا يرد عليه: من انه عليه لا بد و ان يكون التعليل بالامر الظاهري لا بالاستصحاب، لما عرفت من انه لما كان الامر الظاهري هو الامر الاستصحابي صح التعليل به. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (اللهم إلّا ان يقال ان التعليل به ...)) أي لعدم الاعادة بالاستصحاب انما كان صحيحا ( (بتقريب)) ان الامر الاستصحابي هو الامر الظاهري في المقام، فلذلك كان التعليل لعدم الاعادة بالاستصحاب صحيحا لاجل ( (ان الاعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة ل)) عدم حرمة ( (نقض

ص: 24

فتأمل (1).

______________________________

اليقين بالشك في الطهارة)) في حال الصلاة التي هي حال ما ( (قبل الانكشاف)) و بهذا اشار الى ان هذا الجواب كالجواب السابق في انه بلحاظ ما قبل الانكشاف، و ان من لوازم حال ما قبل الانكشاف هو عدم الاعادة بعد الانكشاف لاستلزام الامر الاستصحابي ذلك، و إلّا للزم احد الامرين: اما كون الاستصحاب غير حجة ( (و عدم حرمته شرعا)) أي و عدم حرمة نقض اليقين بالشك، او كون الامر الظاهري غير مقتض للاجزاء، و الى هذا اشار بقوله: ( (و إلّا للزم عدم اقتضاء ذاك الامر له)) فانه حيث يكون الاستصحاب حجة فلا بد من ان الالتزام بعدم اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، و قد عرفت ان هذا الجواب كان مبنيا على اجزاء الامر الظاهري و انه أمر مفروغ عنه، و قد اشار الى كونه امرا مفروغا عنه بقوله: ( (مع اقتضائه)) أي مع اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ( (شرعا)) ان فرض الاجزاء لدليل شرعي خاص يدل عليه انما هو حيث يكون الفائت بقدر الالزام و كان ممكن التدارك، ففي مثل هذا الفرض لا بد من قيام دليل شرعي على الاجزاء، و انه لا بد و ان يكون الاجزاء لمصلحة اخرى ارجح من المصلحة الفائتة الممكنة التدارك ( (او)) لاقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ( (عقلا)) و ذلك حيث يكون الفائت لا بقدر الالزام، او كان مما لا يمكن تداركه، او كان الامر الظاهري وافيا بتمام المصلحة، فان الاجزاء بناء على احد هذه الامور يكون عقليا و هو واضح.

(1) لقد اشار الى وجه التأمل في هامش الكتاب 2] بما حاصله: ان اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء مع كون التعليل لعدم الاعادة بالاستصحاب مما يلزمه كون اجزاء

ص: 25

و لعل ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على إجزاء الامر الظاهري.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل، مع أنه لا يكاد يوجب الاشكال فيه- و العجز عن التفصي عنه- إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب، فإنه لازم على كل حال، كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين، مع بداهة عدم خروجه منهما، فتأمل جيدا (1).

______________________________

الامر الظاهري امرا مفروغا عنه حتى يحسن التعليل بالاستصحاب بملاحظته، و كون اجزاء الامر الظاهري امرا مفروغا عنه بحيث كان من الواضحات التي يمكن ان تطوى لوضوحها محل اشكال و تأمل.

(1) قوله (قدس سره): ( (مع انه لا يكاد يوجب الاشكال ... الخ)) توضيحه: انه لا ريب في ان الصحيحة اما ان تكون دالة على الاستصحاب، او على قاعدة اليقين، لان اليقين فيها اما ان يكون هذا اليقين ما قبل ظن الاصابة فيكون المراد بها الاستصحاب، و اما ان يكون المراد به اليقين الحاصل بعد ظن الاصابة من جهة الفحص و عدم الوجدان فيكون مدلولها قاعدة اليقين، فهي لا تخلو عنهما و لما كان الاشكال المتقدم مشترك الورود و هو وارد سواء كان مدلولها قاعدة الاستصحاب او قاعدة اليقين، فالعجز عن حله لا يوجب خللا في دلالة الرواية على الاستصحاب.

نعم لو كان الاشكال مما يختص وروده على قاعدة الاستصحاب لأوجب ذلك خللا في دلالة الصحيحة على الاستصحاب، و لزم حملها على قاعدة اليقين لخلوها عن الاشكال. و لما كان الظاهر من الصحيحة كون المراد باليقين فيها هو اليقين ما قبل ظن الاصابة فتكون ظاهرة في الاستصحاب، هذا مراده (قدس سره) مما في المتن.

إلّا أنّك قد عرفت ان قاعدة اليقين لا يرد عليها الاشكال المتقدم: من ان الاعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك، لان قاعدة اليقين منوطة بكون النجاسة المرئية بعد الصلاة هي نجاسة ما، لانها لو كانت النجاسة هي النجاسة التي ظن باصابتها، ثم لما نظر حصل له اليقين بانها لم تصبه، ثم بعد الصلاة رآها،

ص: 26

.....

______________________________

لما كان له شك في زمان اصلا، لانه في حال الصلاة كان متيقنا بعدمها و بعد الصلاة رآها فتيقن بوجودها، فلا بد في فرض قاعدة اليقين من كون النجاسة نجاسة ما، و لازم كونها نجاسة ما لا خصوص النجاسة التي كان يحتمل اصابتها، فبعد رؤيتها يكون مما يحتمل وقوع الصلاة مع النجاسة و عدم وقوعها معها، لاحتمال ان تكون هذه النجاسة هي النجاسة التي كان يحتمل اصابتها، و ان تكون نجاسة اخرى قد اصابته بعد الانتهاء من الصلاة، و لاجل ذلك ينقلب يقينه الذي حصل من الفحص و عدم الوجدان الى الشك. و من الواضح ان الشك في قاعدة اليقين لا بد و ان يكون هو الشك بملاحظة ما بعد الرؤية للنجاسة، و هو حال ما بعد الصلاة، فهو بعد رؤيته للنجاسة يكون شاكا في وقوع الصلاة معها، لاحتمال كونها نجاسة اخرى قد وقعت عليه بعد الصلاة، فبناء على كون المراد بالصحيحة قاعدة اليقين تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك لا باليقين حتى يرد الاشكال المتقدم، فالاشكال المتقدم مما يختص بالاستصحاب بناء على كون النجاسة المرئية هي النجاسة التي كان يظن باصابتها، و الاستصحاب و ان كان يمكن ان يتأتي- ايضا- بناء على كون النجاسة نجاسة ما اذا كان المراد من اليقين هو يقين ما قبل ظن الاصابة، إلّا انه لما كان الوجه في ترجيح الاستصحاب هو ظهور كون النجاسة المرئية هي النجاسة المظنونة لا انها نجاسة اخرى، لذا كان احتمال الاستصحاب مع كون المراد بالنجاسة المرئية نجاسة ما ضعيفا.

و لا يخفى انه بناء على كون المراد هو الاستصحاب مع فرض كون النجاسة هي نجاسة ما لا يرد الاشكال ايضا، و الحال فيه كالحال في قاعدة اليقين، إلّا انه لما كان الاستصحاب على هذا الفرض ضعيفا، فيكون الظاهر من الصحيحة هو الاستصحاب، و ان النجاسة المرئية هي النجاسة المظنونة لا نجاسة اخرى، فالاشكال مختص به.

ص: 27

و منها: صحيحة ثالثة لزرارة و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع، و قد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى و لا شي ء عليه، و لا ينقض اليقين بالشك، و لا يدخل الشك في اليقين، و لا يخلط أحدهما بالآخر، و لكنه ينقض الشك باليقين، و يتم على اليقين فيبنى عليه، و لا يعتد بالشك في حال من الحالات (1).

و الاستدلال بها على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا و الشك في إتيانها (2).

______________________________

(1)

الخبر الثالث: صحيحة زرارة في الشك في الركعات
اشارة

لا يخفى ان هذه الصحيحة قد وردت مسندة عن احدهما عليه السّلام فلا اضمار فيها، و قد رواها الكليني 3] عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى، و رواها عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى. و لا اشكال في انها بالطريق الاول من الصحاح، و اما بالطريق الثاني فقيل انها صحيحة ايضا، و قيل انها حسنة، و ذلك للخلاف في محمد بن اسماعيل هل انه ثقة او مقبول الرواية، لانه من مشايخ الاجازة، و على كل فهي معتبرة.

(2) حاصله: ان في هذه الصحيحة احتمالين: الاول: كون المراد من اليقين في قوله عليه السّلام و لا ينقض اليقين بالشك ... الى آخر الحديث هو اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة، و عليه تدل على الاستصحاب، و لكنها تبتلى بالاشكال الآتي.

الثاني: ان يكون المراد به هو اليقين بتحصيل الفراغ باتيان ركعة الاحتياط، و على هذا فلا يرد الاشكال، و لكنها لا تدل على الاستصحاب.

و توضيح ذلك: ان دلالتها على الاستصحاب منوطة بان يكون المراد بقوله عليه السّلام و لا ينقض اليقين بالشك هو اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة، المفهوم ذلك من قوله و اذا لم يدر في ثلاث هو او في اربع و قد احرز الثلاث، الراجع الى فرض

ص: 28

و قد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة، ضرورة أن قضيّته إضافة ركعة أخرى موصولة، و المذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة (1)، و على هذا يكون المراد باليقين اليقين

______________________________

كونه محرزا للثلاث و غير محرز للرابعة، و من الواضح سبقه قبل ان يشك في الثلاث و الاربع باليقين بعدم اتيان الرابعة، و على هذا فدلالة الصحيحة على الاستصحاب ظاهرة، لانه جعل الامر باتيان الرابعة- بقوله عليه السّلام قام فاضاف اليها اخرى و لا شي ء عليه- من آثار عدم جواز نقض اليقين بالشك، و انه حيث كان على يقين من عدم الاتيان بها ثم شك في اتيانها فعليه ان يبني على يقينه و لا ينقضه بالشك، و لازم البناء على يقينه هو ترتيب آثار اليقين بعدم الاتيان بالرابعة، و لذا امر عليه السّلام بان يقوم فيضيف الرابعة حتى يحصل له اليقين، ثم أكّد ذلك بقوله و يتمّ على اليقين فيبني عليه، و لا يعتد بالشك في حال من الحالات. و الى ما ذكرنا اشار بقوله:

( (و الاستدلال بها)) أي بهذه الصحيحة ( (على الاستصحاب مبني على ارادة اليقين)) في قوله و لا ينقض اليقين هو اليقين ( (بعدم الاتيان بالركعة الرابعة)) الذي كان عنده ( (سابقا)) قبل ان يشك في انه في ثلاث هو او اربع ( (و)) المراد من الشك في قوله بالشك هو ( (الشك في اتيانها)) أي الشك في اتيان الرابعة حين عرض له الشك فيها المفروض في قوله: و اذا لم يدر في ثلاث هو او اربع.

(1)

الاشكال على الصحيحة

توضيحه: انه لا يمكن ارادة الاستصحاب من هذه الصحيحة بان يكون المراد من اليقين فيها هو اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة، لان البناء على عدم الاتيان لازمه كون الركعة المضافة ركعة موصولة، لوضوح انه لو كان متيقنا بعدم اتيانها حقيقة لكان عليه ان يأتي بركعة موصولة، و يلزم في الاستصحاب ترتيب آثار اليقين بعدم الاتيان، و عليه فلازم دلالة الصحيحة على الاستصحاب هو الاتيان بركعة موصولة.

و من الواضح ان اجماع الخاصة- أي الشيعة أي الامامية الاثني عشرية- قائم على لزوم الاتيان- بعد التسليم و البناء على الاربع- بركعة مفصولة مفتتحة بالتكبير

ص: 29

بالفراغ، بما علمه الامام عليه السّلام من الاحتياط بالبناء على الاكثر، و الاتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة (1).

______________________________

و مختومة بالتسليم ايضا، و هو صريح اخبار الاحتياط في الشك بين الثلاث و الاربع ايضا، و اذا كان ظهور الصحيحة في الاستصحاب منافيا لما هو المقطوع به، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها فيه، و هو المراد من قوله: ( (و قد اشكل)) في دلالة الصحيحة على الاستصحاب ( (بعدم امكان ارادة ذلك على مذهب الخاصة)) لان لازم دلالتها على الاستصحاب هو الاتيان بالركعة الموصولة، و اليه اشار بقوله: ( (ضرورة ان قضيّته)) أي قضيّة الاستصحاب هو ( (اضافة ركعة اخرى موصولة و)) هذا مخالف لما عليه ( (المذهب)) لان مذهب الخاصة ( (قد استقر على اضافة ركعة بعد التسليم مفصولة)) عن الصلاة التي سلّم عليها، و مفتوحة تلك الركعة المضافة بالتكبير و مختومة بتسليم ثان عليها.

(1) هذا هو الاحتمال الثاني في المراد من اليقين، و حاصله: انه بعد ان كان ارادة اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة- المستفاد منه حجيّة الاستصحاب- مخالفا لما عليه المذهب، فلا بد و ان يكون المراد من اليقين ما يلائم ما قام عليه المذهب، و هو الاتيان بالركعة المفصولة، و حينئذ فالمراد من اليقين هو اليقين بالفراغ الحاصل بعد الاتيان بالركعة المفصولة، و المراد من قوله و لا ينقض اليقين: أي لا يسوغ لمن شك بين الثلاث و الاربع ان يترك ما يحصل له به اليقين بالفراغ و هو الاتيان بالركعة المفصولة، و انه لو لم يأت بها لكان شاكا في الفراغ، لاحتمال ان صلاته كانت ثلاث ركعات لا اربع.

لا يقال: ان حمل اليقين على اليقين بالفراغ الذي مرجعه الى الاتيان بالركعة المفصولة ليس له اشارة في الصحيحة.

فانه يقال: ان بيان الامام عليه السّلام لركعة الاحتياط المفصولة في مقام الشك بين الثلاث و الاربع كان معلوما للسائل، كما وردت به ادلة الاحتياط في المقام، و كان

ص: 30

و يمكن الذّبّ عنه بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة، بل كان أصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الامر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض، و قد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة و غيره، و أن المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة (1)،

______________________________

الامام قد سبق منه التعليم بذلك، في ان الشاك بين الثلاث و الاربع يبني على الاكثر و يسلّم، ثم يأتي بركعة الاحتياط المفصولة مفتوحة بالتكبير و مختومة بالتسليم، و على هذا فلا دلالة للصحيحة على الاستصحاب فانه لا سبق له باليقين بالفراغ، و انما يحصل له بعد الاتيان بركعة الاحتياط، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و على هذا)) أي و على كون المراد من اليقين هو اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة- المستفاد منه دلالة الصحيحة على الاستصحاب- يلزم مخالفة المذهب، لان لازمه هو الركعة الموصولة المخالفة لما استقر عليه المذهب، فلا بد من ان ( (يكون المراد باليقين)) هو ( (اليقين بالفراغ)) الحاصل له بعد الاتيان بالركعة المفصولة. و قد اشار الى انه مما سبق تعليم الامام به بقوله: ( (بما علمه الامام عليه السّلام من)) ان ( (الاحتياط)) في المقام هو ( (بالبناء على الاكثر)) و التسليم ( (و الاتيان بالمشكوك بعد التسليم)) و هو ركعة ( (مفصولة)).

(1)

الذّبّ عن الاشكال

المراد بالذّبّ عنه هو الذّبّ له: أي و يمكن ذب هذا الاشكال و الجواب عنه.

و حاصل الجواب: ان دلالة الصحيحة على الاستصحاب بان يكون المراد باليقين فيها هو اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة لا ينافي ما استقر عليه المذهب من الاتيان بالركعة المفصولة في المقام.

و توضيح ذلك: ان للصحيحة دلالتين: دلالة بالنص، و دلالة بالاطلاق. اما دلالتها بالنص هو كون لازم اليقين بعدم اتيان الرابعة هو اضافة ركعة اليها، و اما دلالتها بالاطلاق فهو اطلاق البناء على اليقين في المقام و انه كاليقين الحقيقي هو الاتيان بالركعة الموصولة كسائر موارد البناء على اليقين بلزوم ترتيب آثاره، و من

ص: 31

.....

______________________________

الواضح ايضا ان الاجماع و الاخبار في المقام بلزوم الاتيان بالركعة المفصولة مناف لاطلاق دلالة الصحيحة- لا لنصّها- و هو البناء على عدم اتيان الرابعة و لزوم الاتيان بها، فتكون اخبار الاحتياط و الاجماع مقيدا لدلالتها الاطلاقية.

و بعبارة اخرى: ان للصحيحة دلالتين: دلالة على حجية الاستصحاب و ان اللازم البناء على اليقين بعدم الاتيان بالرابعة، و دلالة ثانية بالاطلاق و هو كون كيفيّة الاتيان بالرابعة على نحو أن تكون موصولة، و اخبار الاحتياط تنافي هذه الدلالة الثانية و ان كيفيّة الاتيان بنحو أن تكون الركعة مفصولة. و من الواضح انه لا مانع من تقييد الاطلاق في الصحيحة باخبار الاحتياط، فتكون الصحيحة دالة على الاستصحاب و لزوم البناء على عدم الاتيان بالرابعة، و بعد تقييد اطلاقها بادلة الاحتياط يكون اللازم الاتيان بالركعة مفصولة.

فتحصل مما ذكرنا: ان اصل لزوم الاتيان بالرابعة هو بواسطة دلالة الصحيحة على لزوم البناء على اليقين بعدم اتيان الرابعة، و كيفيّة الاتيان بها بعد تقييد اطلاق الصحيحة مستفاد من ادلة الاحتياط. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (بان الاحتياط كذلك)) بان الاتيان لا بد و ان يكون بركعة مفصولة لا ينافي دلالة الصحيحة على الاستصحاب و ( (لا يأبى عن ارادة اليقين)) بانه هو اليقين السابق ( (بعدم الرّكعة المشكوكة بل كان اصل الاتيان بها)) أي بالركعة الرابعة ( (باقتضائه)) أي باقتضاء البناء فيها على اليقين بعدم الرابعة، و ان المراد من اليقين فيها هو هذا اليقين المستفاد منه حجية الاستصحاب، و هذه هي الدلالة الاولى في الصحيحة كما عرفت، و لا منافاة لاخبار الاحتياط لهذه الدلالة، و انما تنافي الدلالة الثانية المستفادة من الاطلاق بان كيفية الاتيان بالركعة بنحو الايصال، و هذه الدلالة هي التي تنافيها ادلة الاحتياط، و لا بد من تقييدها بها.

فاتضح: ان دلالة لا تنقض على نفس الاستصحاب لا تنافي ادلة الاحتياط، و دلالة لا تنقض بالاطلاق على كيفية الاتيان تنافي ادلة الاحتياط، و لكنه يقيد بادلة

ص: 32

فافهم (1).

و ربما أشكل أيضا، بأنه لو سلّم دلالتها على الاستصحاب كانت من الاخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد، لا العامة لغير مورد، ضرورة ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل، و مرجع الضمير فيها هو

______________________________

الاحتياط، و الى هذه الدلالة الثانية اشار بقوله: ( (غاية الامر اتيانها مفصولة ينافي اطلاق النقض)) في الصحيحة ( (و قد قام الدليل على التقييد في)) مقام ( (الشك في الرابعة)) الذي هو مورد الصحيحة ( (و)) في ( (غيره)) من موارد الشك التي قام دليل الاحتياط فيها على كيفية الاتيان بالمشكوك ( (و ان)) الركعة او الركعات ( (المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة)).

(1)

اشكال اختصاص الصحيحة بالشك في الركعات

لعله اشارة الى ان هذا كلّه مبني على كون الركعة المفصولة الواجبة بادلة الاحتياط تكون جزءا من الصلاة مفصولا عنها اذا كانت الصلاة ناقصة، و تكون نافلة على فرض كون الصلاة تامة. و اما بناء على كون ادلة الاحتياط موجبة لانقلاب التكليف و انه في مقام الشك يجب التسليم على الثلاث لو كانت الصلاة ناقصة، و ركعة الاحتياط يجب الاتيان بها لذاتها، غايته ان مصلحة التكليف بها تكون اهم من فوات الركعة، فانه بناء على هذا لا يكون اصل الاتيان بالركعة المشكوكة باقتضاء الاستصحاب.

و الحاصل: ان ظاهر النصوص ان عنوان الشك بين الثلاث و الاربع، او بين الاثنين و الاربع او غير ذلك، هو الموجب لتبدّل التكليف اما واقعا او ظاهرا، و هو الموجب للاتيان بالصلاة المفصولة المفتتحة بالتكبير و المختومة بالتسليم من دون دخل للاستصحاب في ذلك، فلا مناص إمّا من الحمل على التقيّة او الحمل على اليقين بعد الفراغ، و ان كان خلاف الظاهر لان اليقين الفراغي متأخر عن العمل بالاحتياط، و الظاهر من الصحيحة ان اليقين فيها متقدّم على العمل كما هو واضح.

و اللّه العالم.

ص: 33

المصلي الشاك، و إلغاء خصوصية المورد ليس بذاك الوضوح (1)، و إن كان يؤيده تطبيق قضية لا تنقض اليقين و ما يقاربها على غير مورد.

______________________________

(1) و حاصل الاشكال: انه لو سلّم دلالة الصحيحة على الاستصحاب، فالمستفاد منها حجية الاستصحاب للمصلي الشاك بين الثلاث و الاربع، و لو تعدّينا عن هذا فانما يكون التعدّي الى المصلي الشاك، سواء كان الشك بين الثلاث و الاربع او كان بين غيرها من الركعات في موارد الشكوك التي ورد لها العلاج بالاحتياط، و غاية ما يمكن ان يستفاد منها حجية الاستصحاب في الصلاة في الشك في غير الركعات، لا حجيته مطلقا في كل مورد .. و الوجه في هذا الاشكال ان الفقرات الواردة في الرواية هي مبنية للفاعل، لوضوح كون فقرة قوله و لا ينقض اليقين بالشك ظاهرة في البناء للفاعل، لان الضمير فيها هو الضمير في قوله عليه السّلام قام فاضاف اليها اخرى، و كالضمير في قوله عليه السّلام لا شي ء عليه. فالمتحصل منها: ان من لم يدر انه في ثلاث او اربع، قام هذا الذي لم يدر فاضاف اليها و لا شي ء على هذا الذي لا يدري، و لا ينقض هذا الذي لا يدري اليقين بالشك. و مثل هذه الفقرات الثلاث الفقرات الأخر، كفقرة و لا يدخل الشك، و لا يخلط، و لكنه ينقض الشك باليقين، و يتمّ على اليقين، و لا يعتد بالشك. و من الواضح ان الظهور في عدم خصوصية المورد- لا يستفاد من الصيغة المبنية للفاعل، لان مرجع الضمير فيها هو من لم يدر في ثلاث هو او اربع و هو المصلي الشاك في الرّكعات بناء على التعدّي فيها عن خصوصية الشك في الثلاث و الاربع، او الى مطلق المصلي الشاك و لو في غير الركعات و الغاء حتى خصوصية المصلي- لا قرينة عليه فلا ظهور لهذه الصحيحة في حجية الاستصحاب مطلقا.

نعم لو كانت الفقرات في القضية مبنية للمفعول لكان مجال لدعوى التعدّي الى مطلق المتيقن و الشاك، باعتبار دعوى ظهور البناء للمفعول في انها قضية مفروغ عنها لا تختصّ بفاعل خاص. اما مع كونها مبنية للفاعل فيحتمل ان يكون لعنوان الفاعل

ص: 34

بل دعوى أن الظاهر من نفس القضية هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لاجل ما في اليقين و الشك، لا لما في المورد من الخصوصية، و إن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك، غير بعيدة. (1)

______________________________

خصوصية، و مع هذا الاحتمال لا مجال للتعدّي الى غير عنوان المصلي الشاك. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و ربما اشكل ايضا)) على هذه الصحيحة ( (بانه لو سلّم دلالتها على الاستصحاب)) لما كان المستفاد منها حجية الاستصحاب مطلقا، كما هو مفروض البحث في هذه المسألة من دعوى دلالة الاخبار على حجية الاستصحاب مطلقا، بل ( (كانت)) هذه الصحيحة ( (من الاخبار الخاصة الدالة عليه)) أي الدالة على الاستصحاب ( (في خصوص المورد لا)) انها من الاخبار ( (العامة)) الشاملة لهذا المورد و ( (لغير مورد)) من موارد الاستصحاب. و اشار الى الوجه في كونها من الاخبار الخاصة لا العامة الشامل لحجية الاستصحاب مطلقا بقوله: ( (ضرورة ظهور الفقرات)) الواردة في هذه الصحيحة ( (في كونها مبنية للفاعل و)) اذا كانت مبنية للفاعل فان ( (مرجع الضمير فيها)) يكون ( (هو)) عنوان ( (المصلي الشاك، و إلغاء خصوصية المورد)) فيها بالغاء عنوان المصلي الشاك ( (ليس بذاك الوضوح)) مع كون الفقرات فيها مبنية للفاعل، نعم لو كانت الفقرات فيها مبنية للمفعول لكان لهذه الدعوى مجال.

(1)

الجواب عن الاشكال

هذا اشارة الى الجواب عن هذا الاشكال، و حاصله: انه يؤيّد دعوى الغاء خصوصية المورد امران: اشار الى الاول منهما بقوله: ( (و ان كان يؤيّده)) أي و ان كان يؤيد الغاء خصوصية المورد ( (تطبيق قضية لا تنقض اليقين و ما يقاربها على غير مورد)) من موارد اليقين و الشك غير المختصّ بالصلاة، بل يعمّ جميع موارد اليقين و الشك، و حاصله: انه ورد هذا المضمون و ما يقاربه من المضامين الأخر في غير مورد المصلي الشاك، و لازم هذا كون ورودها في مورد عنوان المصلي الشاك لانه احد مواردها لا لخصوصية في خصوص عنوان المصلي الشاك .. و انما ذكره تأييدا

ص: 35

و منها قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فإن الشك لا ينقض اليقين أو بإن اليقين لا يدفع بالشك و هو و إن كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين، و إنما يكون ذلك في

______________________________

لاحتمال ان يقال: ان الكلام في كون نفس هذه الصحيحة دالة على حجية الاستصحاب مطلقا، و كون هذا المضمون و ما يقاربه قد ورد في غير عنوان المصلي لا يجعل للصحيحة ظهورا في العموم، و انما يكون العموم مستفادا من الظهور في الموارد الأخر لا من هذا الظهور.

الجواب الثاني 4]: هو ان قضية لا تنقض حيث كانت ارتكازية فلا فرق فيها بين كونها واردة بنحو البناء للفاعل او المفعول، لان كونها ارتكازية يقتضي ان مناط حرمة النقض لليقين بالشك هو اليقين بما هو يقين، لا لانه متعلق بخصوص عنوان خاص ككونه مصليا، بل نفس وثاقة اليقين ارتكازا تمنع عن ان ينقض بمثل الشك لوهنه، و يظهر ذلك من الفقرة الاخيرة و هي قوله عليه السّلام و لا يعتد بالشك في حال من الحالات، فانه ظاهر في ان عدم الاعتناء بالشك لا يختص بالعنوان في المقام، بل في أي حال من الحالات لا يعتد بالشك و لا ينقض به اليقين. و الى ما ذكرنا اشار بقوله:

( (بل دعوى ان الظاهر من نفس القضية)) لكونها ارتكازية ( (هو ان مناط حرمة النقض انما يكون لاجل ما في اليقين)) من الوثاقة ( (و)) ما في ( (الشك)) من الوهن، فاليقين بما هو يقين لا ينقض بالشك بما هو شك ( (لا لما في المورد من الخصوصية)) ككونه مصليا ( (و ان)) حرمة النقض لاجل ان ( (مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك)).

قوله: غير بعيدة هذا خبر للمبتدا- في صدر الجملة- و هو دعوى، و التقدير بل دعوى ان الظاهر غير بعيدة.

ص: 36

القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمكان اتحاد زمانهما (1)، إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة، و لعله بملاحظة

______________________________

(1)

الخبر الرابع: رواية الخصال
اشارة

لا يخفى انهما روايتان جمع بينهما بنحو من الخلط بين بعض الفاظهما: احدها:

(من كان على يقين فشك فليمض على يقينه، فان الشك لا ينقض اليقين)(1).

ثانيهما: (من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه، فان اليقين لا يدفع- او لا يرفع- بالشك)(2).

و قد وقع الكلام في ان المستفاد منهما هل هو الاستصحاب أو قاعدة اليقين؟ ...

و لا بد من تمهيد مقدمة تتضمن الفرق بين القاعدتين.

و حاصلها: ان في الاستصحاب و قاعدة اليقين يقينا و متيقنا و هو متعلق اليقين، و شكا و مشكوكا و هو متعلق الشك، و لا بد في الاستصحاب من تقدم المتيقن على المشكوك في الزمان، كأن يكون المتيقن هو طهارة الشي ء- مثلا- يوم الخميس، و المشكوك هو طهارته يوم الجمعة ... و منه يظهر انه لا اتحاد في الزمان بين المتيقن و المشكوك في الاستصحاب.

و اما اليقين و الشك فيمكن ان يتقارن حدوثهما في الزمان، بان يحصل في حال الشك في طهارة الشي ء يوم الجمعة اليقين بطهارته في يوم الخميس. و يمكن ان يتقدّم الشك على اليقين بان يحصل- أولا- يوم الجمعة الشك في طهارة الشي ء، ثم بعد حصول الشك بمقدار من الزمان يحصل اليقين بطهارته في يوم الخميس. و يمكن ان يتقدم اليقين بان يحصل في يوم الخميس اليقين بطهارة الشي ء و في يوم الجمعة يحصل الشك في طهارته، و هذا الاخير هو الغالب وجوده في الاستصحاب .. و قد ظهر ايضا من لزوم عدم الاتحاد في الزمان بين المتيقن و المشكوك انه لا بد في الاستصحاب

ص: 37


1- 5. ( 1) الخصال، باب الواحد الى المائة، حديث: 10، ص 619( ط. مكتبة الصدوق).
2- 6. ( 2) بحار الانوار ج 2، ص 272، نقلا عن الارشاد.

.....

______________________________

ان لا يسري الشك الى اليقين، و الّا لاتحد المتيقن و المشكوك في الزمان.

و اما قاعدة اليقين فلا بد فيها من تقدّم اليقين على الشك في الزمان، بان يحصل اليقين- أولا- بطهارة الشي ء- مثلا- في يوم الخميس، ثم يوم الجمعة يحصل الشك في طهارته على وجه يسري الشك الى يوم الخميس، و ذلك بسبب الخلل في العلّة التي اوجبت اليقين بالطهارة في يوم الخميس، و من فرض لزوم سراية الشك الى اليقين في قاعدة اليقين يظهر لزوم اتحاد المتيقن و المشكوك في الزمان ... فتبيّن ان قاعدة اليقين لا بد فيها من تقدّم زمان اليقين على الشك، و من اتحاد المتيقن و المشكوك في الزمان.

و لا يخفى ايضا ان الرواية الثانية و هي قوله عليه السّلام: من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه، فان اليقين لا بدفع بالشك- تختلف عن الرواية الاولى و هي قوله عليه السّلام: من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ان الشك لا ينقض اليقين، فان الرواية الثانية يحتمل ان يكون الضمير في اصابه راجعا الى اليقين، و عليه فيتعيّن ان يكون المراد بها قاعدة اليقين، لان اصابة نفس اليقين بالشك معناه سراية الشك الى اليقين، و هذا مما يختصّ بقاعدة اليقين، لوضوح لزوم عدم السراية في الاستصحاب، كما انه لا بد من لزوم السراية في قاعدة اليقين.

اشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب

اذا عرفت هذا، فنقول: قد استشكل في دلالة الروايتين على الاستصحاب، بان الظاهر من عطف الشك بالفاء فيهما على اليقين هو الترتيب الزماني بينهما، و لازم ذلك تقدم اليقين في الزمان على الشك، و هذا مما يختص بقاعدة اليقين مضافا الى ما ذكرنا من الرواية الثانية من احتمال كون ضمير اصابة راجعا الى اليقين و عليه يتعين ان يكون المراد بها قاعدة اليقين كما عرفت و قد عرفت ايضا مما ذكرنا ان قاعدة اليقين تختص بملازمين: تقدم اليقين فيها على الشك في الزمان، و اتحاد المتيقن و المشكوك فيها، و يكفي في الدلالة عليها ظهور الروايتين في احد اللازمين، لوضوح كفاية الدلالة على الشي ء باحد لوازمه، و لا حاجة الى ذكر جميع لوازمه، فيكفي في دلالة الروايتين على قاعدة اليقين ظهورهما في تقدم اليقين على الشك زمانا، من دون

ص: 38

اختلاف زمان الموصوفين و سرايته إلى الوصفين، لما بين اليقين و المتيقن من نحو من الاتحاد، فافهم. هذا مع وضوح أن قوله: فإن الشك لا ينقض .. إلى آخره. هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (1).

______________________________

حاجة الى استظهار دلالتهما على اتحاد المتيقن و المشكوك فيهما. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (و هو)) أي العطف بالفاء في الروايتين ( (و ان كان يحتمل قاعدة اليقين)) فيهما ( (لظهوره)) أي لظهور العطف بالفاء ( (في اختلاف زمان الوصفين)) أي اختلاف زمان نفس اليقين و الشك ( (و)) من الواضح انه ( (انما يكون ذلك في القاعدة)) أي ان اختلاف الزمان في نفس اليقين و الشك انما هو من لوازم قاعدة اليقين ( (دون الاستصحاب)) كما عرفت، و قد اشار الى ان الاستصحاب لا لزوم فيه لتقدم اليقين على الشك في الزمان، بل قد يتحد حدوثهما زمانا و قد يتقدم زمان الشك، و قد يتقدم زمان اليقين كما مر بيانه بقوله: ( (ضرورة امكان اتحاد زمانهما)) أي اتحاد زمان اليقين و الشك في الاستصحاب، و اكتفى بالاشارة الى الاتحاد فقط لكفايته في الفرق بين الاستصحاب و قاعدة اليقين.

(1)

الجواب عن الاشكال

هذا شروع في الجواب عن هذا الاشكال، و هو عبارة عن جوابين: الاول: انه لا ظهور للعطف بالفاء في الترتيب الزماني، بحيث يستلزم ظهور الروايتين في قاعدة اليقين بحيث يكون لهما ظهور في لزوم تقدّم اليقين على الشك في الزمان، و انه مما لا بد من اختلاف اليقين و الشك في الزمان حدوثا المستلزم ذلك لقاعدة اليقين، لان هذا التعبير و هو عطف الشك بالفاء على اليقين كما يكون في قاعدة اليقين، كذلك يصحّ ان يكون هذا التعبير في الاستصحاب ايضا، و لعلّ السبب في صحة هذا التعبير في الاستصحاب هو ما عرفت، من ان الاستصحاب لا بد فيه من تقدّم المتيقن على المشكوك في الزمان، و لما كان اليقين و المتيقن وصفا و موصوفا و بين الوصف و الموصوف نحو من الاتحاد واضح، فجاز لذلك سراية لازم الموصوف الذي هو

ص: 39

.....

______________________________

المتيقن الى الوصف و هو اليقين، فالعطف بالفاء الظاهر في الاختلاف في الزمان انما أسند الى نفس وصف اليقين و الشك باعتبار المتيقن و المشكوك الذي هو موصوفهما، و اذا كان هذا التعبير متعارفا في الاستصحاب فلا يكون هناك ظهور للروايتين في قاعدة اليقين. و الى هذا الجواب اشار بقوله: ( (الّا ان المتداول في التعبير عن مورده)) أي عن مورد الاستصحاب ( (هو مثل هذه العبارة)) و هي العطف بالفاء ( (و لعلّه)) أي و لعلّ صحة التعبير بالعطف بالفاء في مورد الاستصحاب ( (بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين)) أي المتيقن و المشكوك ( (و سرايته)) أي سراية هذا اللازم من الموصوفين ( (الى الوصفين)) و هما اليقين و الشك ( (لما بين اليقين و المتيقن من نحو من الاتحاد)).

قوله: ( (فافهم)) لعله اشارة الى ان هذا الاتحاد انما يصحّح الاسناد المجازي، و حيث ان الظاهر كونه بنحو الاسناد الحقيقي، فلا يمنع صحة التعبير في مقام الاستصحاب عن الظهور في ان العطف بالفاء للشك على اليقين جار بحسب الحقيقة، و هو تقدّم نفس اليقين على الشك المستلزم هذا الظهور لقاعدة اليقين.

أو أنه اشارة الى ان صحة التعبير بالعطف بالفاء و تعارفه في مورد الاستصحاب غايته يجعل الامر في الروايتين مجملا لا ظاهرا في خصوص الاستصحاب.

و يحتمل ان يكون اشارة الى ما ذكرنا: من ان الاستصحاب و ان كان مما يمكن اتحاد زمان حدوث اليقين و الشك فيه و يمكن تقدّم كلّ منهما على الآخر، الّا انه قد عرفت ان الغالب فيه هو تقدّم اليقين في الزمان على الشك، و على هذا فيكون تعارف التعبير في العطف بالفاء واردا مورد الغالب، و لكنه مع ذلك لا يجعل الكلام ظاهرا في الاستصحاب، و انما غايته ان يكون مجملا. و اللّه العالم.

الجواب الثاني- و هو العمدة-: ان عدم صحة نقض اليقين بالشك في الاستصحاب قضية ارتكازية، بخلاف نقض اليقين بالشك في قاعدة اليقين فانها لا ارتكاز فيها، لانقلاب نفس اليقين فيها الى الشك، و الظاهر في هذه القضية كونها

ص: 40

و منها: خبر الصفّار، عن علي بن محمد القاساني، قال: كتبت إليه- و أنا بالمدينة- عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان، هل يصام أم لا؟

فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية و افطر للرؤية حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه و زواله بدخول شهر رمضان، و يتفرّع عليه عدم وجوب الصّوم إلّا بدخول شهر رمضان (1).

______________________________

ارتكازية، و ان عدم صحة نقض اليقين بالشك من القضايا الجارية على طبعها ارتكازا، و هي بنفسها القضية الواردة في مورد علم بانه من الاستصحاب لا من قاعدة اليقين كالصحيحة الاولى. و الى هذا اشار بقوله: ( (هذا مع وضوح ان قوله عليه السّلام فان الشك لا ينقض ... الخ هي القضية المرتكزة ... الى آخر الجملة)).

(1)

الخبر الخامس: مكاتبة القاساني

و الاستدلال بها على الاستصحاب على نحو ما اشار اليه في المتن، ان قوله عليه السّلام- في الجواب- اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية و افطر للرؤية، ظاهر في ان تفريع الصّوم للرؤية على اليقين بعدم دخول شهر رمضان و بقاء شهر شعبان، و تفريع الافطار للرؤية على اليقين ببقاء شهر رمضان و عدم دخول شهر شوال.

و الحاصل: ان قوله عليه السّلام: صم للرؤية و افطر للرؤية، بعد قوله: اليقين لا يدخل فيه الشك، ظاهر في كون الصّوم و الافطار من متفرعات البناء على اليقين و عدم مزاحمته بالشك، فان المراد من ان اليقين لا يدخل فيه الشك هو عدم مزاحمة اليقين بالشك، و انه لا بد من البناء على اليقين بترتب آثاره، و من آثاره هو البناء على اليقين بشهر شعبان حتى تتحقق الرؤية لهلال شهر رمضان و حينئذ يصام، و من آثاره هو البناء على اليقين بشهر رمضان حتى تتحقق الرؤية لهلال شوال و حينئذ يكون الافطار. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و منها)) أي و من اخبار الاستصحاب ( (خبر الصّفار عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت اليه- و انا بالمدينة- عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام ام لا؟ فكتب)) عليه السّلام ( (اليقين لا يدخل فيه الشك

ص: 41

و ربما يقال: إن مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان، و أنه لا بد في وجوب الصوم و وجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان و خروجه، و أين هذا من الاستصحاب (1)؟ فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهدا عليه.

______________________________

صم للرؤية و افطر للرؤية)) و اشار الى كيفية الاستدلال بها على الاستصحاب بقوله:

( (حيث دلّ على ان اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه)) بان يكون المراد من مدخولية الشك في بقائه هو رفع اليد عنه بسبب الشك في بقائه ( (و زواله)) لاحتمال بقائه ببقاء شهر شعبان، و احتمال زواله ( (بدخول شهر رمضان و يتفرّع عليه)) أي و يتفرع على عدم مدخوليّة الشك في اليقين و لزوم البناء على اليقين ببقاء شهر شعبان ( (عدم وجوب الصوم الّا بدخول شهر رمضان)) برؤية هلاله، و مثله الحال في لزوم البناء على بقاء شهر رمضان و عدم جواز الافطار الّا برؤية هلال شوال.

(1) حاصله: الاشكال في دلالة هذا الخبر على الاستصحاب، بان مناط الاستدلال به على الاستصحاب هو ان يكون المراد من اليقين الذي لا يدخل الشك فيه هو اليقين بشعبان، فانه يقين متحقق الحدوث مشكوك البقاء، و المراد من النهي عن دخول الشك فيه هو لزوم البناء على هذا اليقين المتحقق حدوثه، و عدم رفع اليد عنه بالشك في بقائه و زواله لاحتمال بقاء شهر شعبان، و عليه فيوم الشك يكون منه واقعا، و احتمال زواله و دخول شهر رمضان، و عليه فيوم الشك يكون من رمضان واقعا.

اما اذا كان المراد من اليقين في الخبر هو اليقين بدخول شهر رمضان فتكون الرواية اجنبية الدلالة على الاستصحاب، لان اليقين بدخول شهر رمضان ليس متحقق الحدوث مشكوك البقاء حتى يستصحب، بل هو في يوم الشك لا تحقق له،

ص: 42

.....

______________________________

و يكون المراد من الخبر على هذا هو ان الصوم منوط باليقين بدخول شهر رمضان، شأن كل حكم متعلّق بشي ء في انه لا بد من احراز ذلك الشي ء المتعلّق به باليقين حتى يكون فعليا منجزا، و بهذا المضمون وردت اخبار في صوم يوم الشك منها خبر الخزاز: (ان شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظني)(1)، و منها رواية ابن مسلم (اذا رأيتم الهلال فصوموا و اذا رأيتموه فافطروا و ليس بالرأي و لا بالتظني و لكن بالرؤية)(2) و غيرها مثلها في الدلالة على ان صوم رمضان منوط باليقين بدخوله و الافطار منوط باليقين بدخول شوال، و لا ربط لهذا المعنى بالاستصحاب، لان اليقين في خبر الصّفار اذا كان المراد منه هو اليقين بشهر رمضان لا يكون متحققا حتى يلزم البناء على بقائه، و يكون مدلوله اجنبيا عن ذلك.

و بالجملة: ان مقتضى هذه الاخبار هو ان عدم وجوب الصوم في يوم الشك لعدم احراز موضوع الصوم باليقين، لا للتعبد ببقاء اليقين بشهر شعبان، و الاستصحاب منوط بالثاني دون الاول. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (ان مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك)) كالاخبار التي مرّ ذكرها فانه من مراجعتها يكون الشخص ( (يشرف القطع بان المراد باليقين)) في الخبر ( (هو اليقين بدخول شهر رمضان و انه لا بد في وجوب الصوم و وجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان)) ليحصل اليقين بفعلية الحكم ( (و)) في الافطار لا بد من اليقين ب ( (خروجه)) و المراد من اليقين بخروج شهر رمضان هو اليقين بدخول شهر شوال، لوضوح كون الافطار موضوعه دخول شوال، و لازمه خروج شهر رمضان. و على كلّ فانه اذا كان المراد من اليقين في الخبر هو اليقين بالدخول يكون مدلوله اجنبيا عن الاستصحاب كما عرفت، و اليه اشار بقوله: ( (و اين هذا من الاستصحاب)).

ص: 43


1- 7. ( 1) وسائل الشيعة: ج 4، باب 11 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 10.
2- 8. ( 2) وسائل الشيعة: ج 4، باب 11 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 11.

و منها: قوله عليه السّلام: كلّ شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر، و قوله عليه السّلام: الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنه نجس، و قوله عليه السّلام: كل شي ء حلال حتى تعرف أنه حرام (1).

و تقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب (2) أن يقال: إن الغاية فيها إنما هي لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعا من

______________________________

(1)

الخبر السادس و السابع و الثامن: من اخبار الحل و الطهارة
اشارة

الروايات المشار اليها في المتن بهذا المضمون ثلاث: الاولى: رواية الشيخ عن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر، فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك)(1). و الثانية: رواها الشيخ ايضا و الكليني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام ايضا (الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر)(2). و الثالثة: رواها الكليني بسندها عن ابي عبد اللّه ايضا (كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه)(3) و قد اتضح ان ما في المتن اما نقل بالمضمون أو انه غلط من النسخ، لوضوح ان الرواية الاولى كلّ شي ء نظيف لا طاهر و الرواية الثانية حتى تعلم انه قذر لا نجس، و الرواية الثالثة كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام لا كل شي ء حلال حتى تعرف.

(2) لا يخفى ان المشهور ذهبوا الى أن مفاد الروايتين الاوليين قاعدة الطهارة فقط، كما ان مفاد الرواية الثالثة قاعدة الحلّ فقط. و ذهب المصنف في حاشيته على الرسائل ان مفاد الروايتين الاوليين الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية و قاعدة الطهارة في مقام الشك و الاستصحاب، و مفاد الثالثة الحليّة الواقعية للاشياء و قاعدة الحلّ في مقام الشك و الاستصحاب.

ص: 44


1- 9. ( 1) وسائل الشيعة: ج 2، باب 37، من ابواب النجاسات حديث 4.
2- 10. ( 2) الكافي: ج 3، ص 1.
3- 11. ( 3) و كذا في وسائل الشيعة: ج 13، باب 4، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.

.....

______________________________

و ظاهره في المتن دلالة الروايتين الاوليين على الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية و على الاستصحاب، كما ان مفاد الاخيرة هي الحلية الواقعية و الاستصحاب، و لا دلالة في جميعها على القاعدة، لا قاعدة الطهارة في الاوليين و لا قاعدة الحلية في الاخيرة ... و ينسب لصاحب الفصول دلالة الروايتين الاوليين على قاعدة الطهارة و على الاستصحاب، و لازمه دلالة الاخيرة ايضا على قاعدة الحلية و الاستصحاب. و هناك احتمالات أخر اعرضنا عن ذكرها حذرا من التطويل.

اما وجه المشهور فهو ان الغاية و هو قوله حتى تعلم، اما غاية للموضوع بان يكون المراد ان الشي ء الى ان يعلم بانه قذر هو طاهر، و المستفاد منه هو الحكم بطهارة هذا الموضوع المستمر الى زمان العلم، و حيث انه لا معنى لاستمرار الشي ء بعنوانه الاولي كالماء- مثلا- الى زمان العلم، لوضوح ان بقاء العنوان الاولي ببقاء ذاته لا بالعلم، فلا بد و ان يراد بالشي ء هو المجهول بما هو مجهول، و من الواضح ان جعل الحكم للمجهول بما هو مجهول الى زمان العلم هو حكم ظاهري للشي ء بما هو مجهول او مشكوك، و المتحصّل منه على هذا هو الحكم الظاهري بطهارة الشي ء ما لم يعلم انه قذر، و هذا معنى قاعدة الطهارة.

و اما ان يكون حتى يعلم غاية للحكم، و عليه فالمستفاد منه ايضا قاعدة الطهارة، لان الحكم المغيّى بالعلم هو الحكم الظاهري، لبداهة كون الحكم الواقعي هو الحكم للشي ء بعنوان ذاته و لا يكون مغيّا بالعلم، و منه تعرف ان كون الحكم حكما ظاهريا لا بد و ان يكون للشي ء لا بعنوانه الاولي، بل بعنوان ثانوي ككونه مجهولا او مشكوكا.

لا يقال: ان كونه حكما ظاهريا لا يستلزم كون المفاد قاعدة الطهارة، لامكان ان يكون المراد هو الاستصحاب فانه ايضا حكم ظاهري مستمر الى زمان العلم.

فانه يقال: ان الاستصحاب و ان كان حكما ظاهريا مستمرا الى زمان العلم الّا انه متقوّم باليقين السابق، و ليس في الرواية دلالة على ان هذا الحكم لاجل اليقين

ص: 45

.....

______________________________

السابق. و بالجملة: انه ليس كل حكم مستمر الى زمان العلم هو الاستصحاب، بل الاستصحاب هو الحكم ببقاء الواقع المتيقن تعبّدا الى زمان العلم، و ليس في الروايات من هذا اثر.

و اما وجه ما ذكره المصنف في حاشيته على الرسائل فحاصله كما ذكره (قدس سره) في حاشيته: ان قوله كل شي ء نظيف، او كل شي ء طاهر، هو جعل الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاوليّة، فان عنوان الشي ء هو العنوان الجامع لجميع العناوين الاوليّة، و حيث انه له اطلاق يشمل ثبوته للشي ء مع أي عنوان لحق ذلك الشي ء، و من جملة العناوين اللاحقة للشي ء هو الشك، فيدل الاطلاق على طهارة الشي ء المشكوك، و من الواضح ان الحكم الثابت للمشكوك هو حكم ظاهري.

و الحاصل: ان كلّ شي ء طاهر يدل على الحكم الواقعي و هو الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية بعمومه الافرادي الدّال عليه لفظة كل، و باطلاقه الدّال على ثبوت الحكم بالطهارة في جميع احواله التي منها حال الشك، فهو يدل باطلاقه الاحوالي على الطهارة الظاهرية، لان الحكم بالطهارة للشي ء المشكوك هو الحكم الظاهري، فقوله كل شي ء طاهر- الذي هو المغيّى- يدل على حكمين: واقعي للعموم الافرادي، و ظاهري للاطلاق الاحوالي. و اما دلالته على الاستصحاب فيدل عليه الغاية، فان استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم بالقذارة لا بد و ان يكون لاستصحابه، لان الحكم الواقعي بالطهارة غير منوط بالعلم بالنجاسة، بل منوط بالنجاسة واقعا دون العلم بها، و الحكم الواقعي انما يكون مستمرا الى زمان العلم انما هو لاجل التعبّد ببقائه، فالرواية حيث دلّت على استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم، فلا محالة من ان ذلك امر تعبّدي باستمرار الواقع الى زمان العلم، و هذا هو معنى الاستصحاب.

ص: 46

.....

______________________________

فتلخّص من جميع ما ذكرنا: ان المغيّى و هو قوله كل شي ء طاهر يدل على الطهارة الواقعية بعمومه الافرادي، و يدل على الطهارة الظاهرية باطلاقه الاحوالي، و اما الغاية فهي دالة على الاستصحاب، فيكون المستفاد من هذه الرواية- مغيّا و غاية- احكاما ثلاثة: حكم واقعي بطهارة الاشياء، و قاعدة الطهارة و هو الحكم بطهارة المشكوك، و الاستصحاب للتعبّد باستمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم، و الحكمان الاولان من المغيّى، و الثالث الذي هو الاستصحاب من الغاية .. و لعلّ الوجه في اعراض المصنف عنه و اختياره لما في المتن: من كون الروايات تدلّ على الطهارة الواقعية للاشياء و على الاستصحاب و لا دلالة لها على قاعدة الطهارة، هو ان دلالة المغيّى على الحكم الواقعي و الظاهري غير معقول، لان الحكم الواقعي موضوعه الماهية لا بشرط، لوضوح كون موضوع الطهارة الواقعية هو الماء غير المأخوذ فيه شي ء، و موضوع الحكم الظاهري هو الماهية المقيدة بعنوان المشكوك و هو الماهية بشرط شي ء، و لا اشكال في ان تعيّن الماهية بالتعيّن اللابشرطي غير تعيّنها بالتعيّن بشرط شي ء، و حيث لا اهمال في مقام جعل الحكم، و لا جامع بين التعيّن لا بشرط و التعيّن بشرط شي ء فلا يعقل ان يكون المراد كلا التعيّنين، فلا يعقل ان يكون المغيّى و هو قوله الماء كله طاهر دالا على الحكم الواقعي للاشياء بعناوينها الاولية و هو الماء مثلا و هو الماهية لا بشرط، و على الحكم الظاهري و هو الحكم للماهية بشرط شي ء و هو الماء المشكوك.

هذا، مضافا الى ان الاطلاق ان كان جمعا بين القيود فلازمه كون الحكم الواقعي حكما و موضوعا لحكم متأخر قد فرض في رتبته، لان الشك الذي هو الموضوع للحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي، فالحكم الواقعي في حال لحاظه حكما لموضوعه قد لحظ موضوعا لحكم متأخر بذاته عنه، ففرض كونه موضوعا لحكم فرض تحققه و فرض تقدمه على الحكم الذي هو موضوعه، و لما كان

ص: 47

الطهارة و الحلية ظاهرا، ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه، لا لتحديد الموضوع، كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته، و ذلك لظهور المغيى فيها في بيان الحكم للاشياء بعناوينها، لا بما هي مشكوكة الحكم، كما لا يخفى. فهو و إن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة و لا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب، حيث انها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه (1)، كما أنه لو صار مغيّا لغاية، مثل الملاقاة

______________________________

فرض كونه موضوعا للحكم الظاهري قد كان في حال لحاظه حكما واقعيا بنفسه، فيلزم لحاظ كونه موضوعا للحكم المتأخر عن تحققه قد فرض في حال تحققه.

و ان كان الاطلاق ليس هو الجمع بين القيود بل هو عدم لحاظ القيود، فلازمه كون الحكم الواقعي ثابتا لموضوعه و هو العنوان الاولي مع عدم دخالة الشك، و معناه كون الحكم الواقعي في حال الشك فيه ثابتا لموضوعه، و ليس لهذا المعنى دلالة على الحكم الظاهري، لان الحكم الظاهري هو الحكم الثابت للمشكوك بما هو مشكوك، و هذا غير كون الحكم الواقعي ثابتا لموضوعه الاولي و لا دخالة للشك فيه.

مع امكان ان يقال: ان هذا الاطلاق الاحوالي موجود في كل دليل دل على الحكم الواقعي، و عليه فيكون جميع الاحكام الظاهرية مستفادة من دليل الحكم الواقعي، و لا حاجة الى اقامة دليل على حدة على الحكم الظاهري، و من البعيد جدا الالتزام بذلك، و لعله لاجل ذلك عدل المصنف عما في الحاشية و اختار ما في المتن من دلالة المغيى على الطهارة الواقعية و الغاية على الاستصحاب كما سيأتي بيانه.

(1)

دلالة المغيى على الحكم الواقعي و الغاية على الاستصحاب

حاصله: ان الرواية يدل المغيى فيها على الطهارة الواقعية، لظهور قوله كل شي ء طاهر في كون الطهارة في كونه حكما للشي ء بعنوانه الاولي، ككونه ماء او شجرا او حجرا او غير ذلك من العناوين الاولية للاشياء، و حيث انه لا معنى لاستمرار الحكم

ص: 48

.....

______________________________

الواقعي بالطهارة الى زمان العلم بالنجاسة، بل الحكم الواقعي مستمر الى حدوث النجاسة لا الى العلم بها، فلا بد و ان تكون الغاية لاستمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم هي غاية له باعتبار استمراره تعبدا، و من الواضح ان الاستمرار التعبدي للواقع هو بقاؤه تعبدا، و ليس الاستصحاب إلّا الحكم ببقاء الواقع تعبدا، فالمستفاد من المغيى هو الحكم الواقعي بالطهارة و هو قوله كل شي ء طاهر، و الاستصحاب مستفاد من الغاية و هي قوله حتى تعلم انه قذر، فيكون المستفاد من مجموع المغيى و الغاية ان الاشياء بعناوينها طاهرة واقعا، و هذه الطهارة مستمرة تعبدا الى زمان العلم بالنجاسة و معنى هذا هو الاستصحاب. و منه يظهر ان الغاية على هذا غاية تعبدا للحكم الواقعي و حد له لا غاية للموضوع، كما مر في احد الوجهين لمستفاد المشهور من كون مدلول الرواية هو قاعدة الطهارة، لان الغاية اذا كانت غاية للموضوع فلا تكون دالة على الاستصحاب، بل تكون دالة على ان هذا الحكم هو حكم لهذا الموضوع المحدد بالعلم، و لازم ذلك كون الموضوع هو الشي ء بما هو مجهول او مشكوك، لانه هو الذي يمكن ان يكون محددا بالعلم بالنجاسة، و عليه فيكون المستفاد منها قاعدة الطهارة دون الاستصحاب، و لما كان الظاهر كون الطهارة حكما للشي ء بعنوانه الاولي فلا بد و ان يكون الحكم بالطهارة في المغيى هو الحكم الواقعي، و حيث دلت الغاية على الاستمرار تعبدا فلا بد و ان يكون المستمر تعبدا هو الحكم الواقعي، و عليه فيتعين كون الغاية غاية للحكم في المغيى، و ان المستفاد من الغاية هو الاستصحاب كما عرفت ... فاتضح ان الغاية غاية للحكم لا للموضوع و ان معناها هو الاستصحاب. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و تقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب ان يقال ان الغاية فيها)) و هي قوله حتى تعلم انه قذر ( (انما هي لبيان استمرار ما حكم على الموضوع)) و هو الحكم بالطهارة ( (واقعا)) الذي دل عليه المغيى ( (من الطهارة)) الواقعية ( (و الحلية)) الواقعية ( (ظاهرا)) أي ان الغاية تدل على استمرار هذا الحكم الواقعي ظاهرا، لما عرفت من عدم امكان كون

ص: 49

.....

______________________________

الحكم مستمرا الى زمان العلم بالنجاسة، و انما الذي يكون مستمرا الى زمان العلم بالنجاسة هو الحكم التعبدي باستمرار هذا الحكم الواقعي، و هو الحكم الظاهري الاستصحابي لا حكم قاعدة الطهارة، و لما كان الحكم الظاهري هو المنوط بعدم العلم دون الحكم الواقعي اشار اليه بقوله: ( (ما لم يعلم بطروء ضده او نقيضه)).

و ينبغي ان لا يخفى ان قوله (قدس سره) بطروء ضده او نقيضه للاشارة الى كون النجاسة ان كانت امرا وجوديا و الطهارة امرا وجوديا كان طروء النجاسة طروء الضد، و ان كانت الطهارة امرا وجوديا و النجاسة امرا عدميا و هو عدم الطهارة، او كانت النجاسة امرا وجوديا و الطهارة امرا عدميا و هي عدم النجاسة كان طروء النجاسة من طروء النقيض.

و اشار الى ان الغاية في المقام لا بد و ان تكون غاية للحكم الواقعي تعبدا لا للموضوع، و انها لو كانت غاية للموضوع لدلت على قاعدة الطهارة بقوله: ( (لا لتحديد الموضوع)) أي ان الغاية كما عرفت غاية لاستمرار الحكم لا غاية و تحديد للموضوع ( (كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته)) و هي قاعدة الطهارة ( (او حليته)) و هي قاعدة الحلية. و اشار الى الوجه في كون الغاية غاية للحكم و ان المستفاد منها هو الاستصحاب هو ظهور الحكم في المغيى بكونه حكما واقعيا، و ان استمرار الحكم الواقعي الى زمان العلم لا معنى له بل لا بد ان يكون استمراره تعبديا، و لازم ذلك كون الغاية غاية للحكم و ان المستفاد منها هو الاستصحاب بقوله: ( (و ذلك لظهور المغيى فيها)) و هو قوله كل شي ء طاهر، و كل شي ء حلال ( (في بيان الحكم للاشياء بعناوينها)) الاولية ( (لا)) للاشياء بعناوينها الثانوية و ( (بما هي مشكوكة الحكم كما لا يخفى فهو)) أي ان ما دل عليه المغيى ( (و ان لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة)) أي بالقاعدة أي قاعدة الطهارة ( (و لا)) له مساس ايضا بقاعدة ( (الاستصحاب إلّا انه بغايته)) و هي قوله عليه السّلام حتى تعلم انه قذر، و حتى تعرف انه حلال قد ( (دل على الاستصحاب)) لما عرفت

ص: 50

بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة، لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا، و لم يكن له حينئذ بنفسه و لا بغايته دلالة على الاستصحاب (1).

______________________________

من عدم معقولية استمرار الحكم الواقعي بنفسه الى زمان العلم بالنجاسة، فلا بد و ان يكون استمراره الى زمان العلم استمرارا تعبديا، و معنى ذلك هو الاستصحاب، و الى هذا اشار بقوله: ( (حيث انها)) أي الغاية ( (ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا)) المستفاد ذلك من استمراره الى زمان العلم، و اليه اشار بقوله:

( (ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه)) و قد عرفت ان كون النجاسة من طروء الضد مبني على كون النجاسة و الطهارة أمرين وجوديين، كما ان كون النجاسة من طروء النقيض مبني اما على ان النجاسة امر وجودي و الطهارة امر عدمي او بالعكس.

(1) حاصله: ان الغاية حيث كانت هي العلم بالنجاسة كانت دالة على الاستصحاب، لما عرفت من ان الطهارة الواقعية غايتها هي حدوث النجاسة او ملاقاتها للشي ء لا العلم بها، فلما كانت الغاية هي العلم بالنجاسة كان الاستمرار تعبديا و معناه هو الاستصحاب، و لو كانت الغاية هي حدوث النجاسة او ملاقاتها للشي ء لما استلزم ذلك كون الاستمرار تعبديا، بل كان الاستمرار عقليا، لبداهة ان ارتفاع الشي ء بنقيضه أو بضده امر عقلي لا شرعي، و اذا كان الارتفاع بالضد او النقيض امرا عقليا فاستمرار الشي ء الى حدوث ضده أو تحقق نقيضه امر عقلي ايضا.

و لا يخفى ايضا انه اذا كانت الغاية للطهارة الواقعية هو حدوث النجاسة أو ملاقاتها، فيكون المستفاد من ذلك هو الحكم بالطهارة الواقعية لا غير من دون دلالة على الاستصحاب، لان المستفاد من المغيى هو الطهارة الواقعية، و المستفاد من الغاية هو استمرارها عقلا الى حدوث الضد او النقيض. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (كما انه لو صار مغيّا لغاية)) غير العلم بالنجاسة بان كانت الغاية ( (مثل الملاقاة بالنجاسة)) فيما دل على الطهارة الواقعية ( (او)) كانت الغاية لما دل على الحلية الواقعية هي ( (ما يوجب الحرمة)) ككون الخل- مثلا- حلالا حتى يكون خمرا دون

ص: 51

و لا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين اصلا، و إنما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع و قيوده غاية لاستمرار حكمه، ليدل على القاعدة و الاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للاشياء أصلا (1)، مع وضوح ظهور مثل كل شي ء

______________________________

العلم بالحرمة ( (لدل)) ذلك ( (على استمرار ذاك الحكم واقعا و لم يكن له)) أي للمغيا ( (حينئذ بنفسه و لا بغايته دلالة على الاستصحاب)) لما عرفت من ان الدلالة على الاستصحاب منوطة بكون الغاية هي العلم بالنجاسة او العلم بالحرمة.

(1)

الايراد على صاحب الفصول

حاصله: انه بناء على ما اختاره من كون الروايات دالة على الحكم الواقعي من جهة المغيى و على الاستصحاب من جهة الغاية .. لا يرد عليه ما يورد على ما اختاره صاحب الفصول على ما حكي عنه، من دلالة الروايات على قاعدة الطهارة و على الاستصحاب، و على قاعدة الحلية و الاستصحاب، لان دلالتها على قاعدة الطهارة و الحلية من جهة المغيى و كون الغاية فيه لتحديد الموضوع و ان الشي ء المحدد بالعلم هو طاهر و حلال، و دلالتها على الاستصحاب- منوطة بكون الغاية لتحديد هذا الحكم الظاهري و استمراره تعبدا الى زمان العلم، و لازمه كون الغاية قد اريد بها تحديد الموضوع و تحديد الغاية في استعمال واحد و هو من استعمال اللفظ في معنيين.

اما بناء على كون الروايات دالة على الحكم الواقعي فلا تكون الغاية لتحديد الموضوع، بل تكون لمحض استمرار الحكم و تحديده تعبدا بالعلم المستفاد منه الاستصحاب، و عليه فالغاية لم تستعمل الا في معنى واحد و هو تحديد استمرار الحكم فقط من دون كونها تحديدا للموضوع حتى يرد ما اورد على صاحب الفصول.

و بالجملة: انك قد عرفت ان ما ينسب الى صاحب الفصول هو دلالة الروايات على قاعدة الطهارة و قاعدة الحلية و الاستصحاب، لان المستفاد من روايات الطهارة قاعدة الطهارة و الاستصحاب، و المستفاد من روايات الحل قاعدة الحلية

ص: 52

حلال، أو طاهر في أنه لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاولية، و هكذا الماء كله طاهر، و ظهور الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه، كما لا يخفى، فتأمل جدا (1).

______________________________

و الاستصحاب، و قد عرفت ان استفادة قاعدة الطهارة و قاعدة الحل انما هو حيث تكون الغاية من حدود الموضوع، و استفادة الاستصحاب منوطة بكون الغاية لتحديد استمرار الحكم، فيرد عليه انه يستلزم ذلك استعمال اللفظ في معنيين، و لا يرد ذلك على ما اختاره من دلالة الروايات على الحكم الواقعي للاشياء بعناوينها الاولية و على الاستصحاب كما مر بيانه تفصيلا. و قد اشار الى ان مختاره لا يستلزم استعمال اللفظ في معنيين بقوله: ( (و لا يخفى انه لا يلزم ... الى آخر الجملة)). و اشار الى ان ذلك انما يرد على ما نسب الى صاحب الفصول بقوله: ( (و انما يلزم)) استعمال اللفظ في معنيين ( (لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع ...)) لتدل على قاعدة الطهارة و الحلية ( (غاية)) ايضا ( (لاستمرار حكمه)) لتدل على الاستصحاب، و قد عرفت ان هذا مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين. و قد اشار الى انه على هذا تكون الروايات دالة على قاعدة الطهارة و الحلية و على الاستصحاب، و لا دلالة لها على الطهارة الواقعية بقوله: ( (ليدل على القاعدة و الاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للاشياء اصلا)) و هي الطهارة الواقعية التي هي حكم واقعي للاشياء بعناوينها الاولية.

(1)

ايراد آخر على صاحب الفصول

يشير الى ايراد آخر على صاحب الفصول، و حاصله: انه مخالف لظهورين في الروايات: الاول: ظهور المغيى في كون الحكم فيه حكما واقعيا للاشياء بعناوينها الاولية، فان قوله كل شي ء طاهر ظاهر في ذلك.

الثاني: ظهور الغاية في كونها غاية للحكم في الرواية، فان قوله طاهر او حلال حتى تعلم انه قذر او حرام ظاهر في كون الغاية غاية لقوله طاهر و حلال و هو الحكم، و ليست الغاية تحديدا للموضوع بان يكون الموضوع للحكم بالطهارة او الحلية هو

ص: 53

و لا يذهب عليك انه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية و الطهارة و بين سائر الاحكام، لعم الدليل و تم (1).

______________________________

الشي ء الذي لم يعلم بانه نجس او حرام حتى يستفاد منها قاعدة الطهارة أو الحلية، بل الظاهر من الغاية كونها غاية لنفس الطهارة و الحلية.

و قد اشار الى الاول بقوله: ( (مع وضوح ظهور مثل كل شي ء حلال او طاهر)) الذي هو جملة المغيى ( (في انه)) أي في ان اللفظ فيه و هو الطاهر و الحلال ( (لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاولية)) و معناه كون الطهارة فيه و الحلية حكمين واقعيين.

و قد اشار الى الثاني بقوله: ( (و ظهور الغاية في كونها حدا للحكم ... الى آخر الجملة)).

لا يخفى ايضا ان ظاهر ما اورده الشيخ الاعظم على صاحب الفصول هو استلزامه لتقدم الشي ء على نفسه، لان استفادة القاعدة منوطة بكون الغاية قيدا للموضوع، و استفادة الاستصحاب منوطة بكون الغاية قيدا للحكم لتدل على استمراره، و لازم كون هذه الغاية قيدا للموضوع و للحكم تقدمها على نفسها، باعتبار ان لازم كونها قيدا للموضوع تكون متقدمة على الحكم لذلك الموضوع، و باعتبار كونها قيدا للحكم الذي هو حكم ذلك الموضوع لازمه تاخرها عن ذلك الحكم، فتكون الغاية بما هي قيد للموضوع متقدمة، و بما هي قيد للحكم متأخرة.

(1) حاصله: ان المستفاد من الروايات المذكورة على ما اختاره هو الدلالة على استصحاب الطهارة و استصحاب الحلية، و ليس لها عموم و لا اطلاق للدلالة على الاستصحاب في غير ذلك من الموارد، لوضوح ان الغاية المستفاد منها الاستصحاب هي عدم العلم بالطهارة و الحلية و ليس لها عموم و لا اطلاق، و لكن بضميمة عدم القول بالفصل بين حجية الاستصحاب في الطهارة و الحلية، و بين حجيته في الموارد الأخر يتم حجية الاستصحاب في جميع الموارد. و لا يخفى ان مراده من عدم القول بالفصل هو القول بعدم الفصل لانه هو النافع، و ان القائل بحجية الاستصحاب في

ص: 54

ثم لا يخفى أن ذيل موثقة عمار فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها، من كون الحكم المغيى واقعيا ثابتا للشي ء بعنوانه، لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه، لظهوره في أنه متفرع على الغاية وحدها، و أنه بيان لها وحدها، منطوقها و مفهومها، لا لها مع المغيى، كما لا يخفى على المتأمل (1).

______________________________

الطهارة و الحلية، و القائل بحجيته في بقية الموارد قائل بعدم الفصل و الانفكاك بينهما، و إلّا فمجرد القول بحجيته في الطهارة و الحلية و القول بحجيته في بقية الموارد ما لم يقل بالتلازم بينهما لا ينفع، لامكان كون القول بكل منهما لدليله الخاص لا للتلازم بينهما، لانه هو الذي يكون مرجعه الى الاجماع المركب. و قوله: ( (لعم ... و تم)) هو خبر لانه في قوله ( (و لا يذهب عليك انه)).

(1) موثقة عمار هي قوله (كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر، فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك) و الذيل هو قوله فاذا علمت ... الى آخره.

و حاصل التأييد: ان ظاهر هذا الذيل انه تفريع على الغاية وحدها. و توضيحه يتوقف على بيان امرين:

الاول: ان الغاية و هي قوله حتى تعلم الواقعة بعد الحكم على المغيى و هو قوله نظيف اذا كانت غاية للحكم، تكون دالة بمنطوقها على ثبوت النظافة: أي الطهارة في حال عدم العلم، و بمفهومها تدل على انتهاء هذا الحكم بالعلم و مع حصول العلم بالقذارة يكون المعلوم قذرا، و اذا كانت الغاية قيدا للموضوع لا تكون مسوقة لبيان الحكم منطوقا و مفهوما، بل يكون الغرض منها بيان محض القيدية للموضوع، و ان الشي ء غير المعلوم حكمه النظافة.

الثاني: ان ذيل الموثقة قد اشتمل على الحكمين المدلول عليهما بالغاية: الحكم المفهومي المدلول عليه بقوله فاذا علمت فقد قذر، و الحكم المنطوقي و هو قوله و ما لم تعلم فليس عليك.

ص: 55

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار، فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الاقوال، و النقض و الابرام فيما ذكر لها من الاستدلال. و لا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع (1)، و أنه حكم

______________________________

فظهر مما ذكرنا: ان كون الذيل مشتملا على الحكمين يقتضي ان تكون الغاية غاية للحكم لا للموضوع، و لازم هذا كون حكم المغيى و هو قوله كل شي ء نظيف حكما واقعيا، لانه لو كان ظاهريا لكانت الغاية غاية للموضوع و لا تكون مسوقة لبيان حكمين، و لما كان ذيل الموثقة قد ذكر لبيان الحكمين فيقتضي ذلك كون الغاية غاية للحكم، و ان الذيل قد ذكر لبيانهما. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (ثم لا يخفى ان ذيل موثقة عمار)) و هو قوله: ( (فاذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها)) و هو الدلالة على الحكم الواقعي بالطهارة للاشياء بعناوينها الاولية و على الاستصحاب المستفاد من الغاية، فعلى هذا فالمستفاد ( (من)) الموثقة ( (كون الحكم المغيى)) و هو قوله كل شي ء نظيف حكما ( (واقعيا ثابتا للشي ء بعنوانه)) الاولي ( (لا)) ان المستفاد منها كونه حكما ( (ظاهريا ثابتا له)) أي للشي ء ( (بما هو مشتبه ل)) ما عرفت من ( (ظهوره)) أي ظهور الذيل بعد ان اشتمل على بيان الحكمين ( (في انه متفرع على الغاية وحدها و انه)) أي و ان الذيل ( (هو بيان لها)) أي الغاية ( (وحدها منطوقها)) المدلول عليه في الذيل بقوله و ما لم تعلم فليس عليك ( (و مفهومها)) المدلول عليه في الذيل بقوله فاذا علمت فقد قذر، و قد عرفت ان الغاية لو كانت قيدا للموضوع لا تكون مسوقة لبيان الحكمين فلا يكون الذيل تفريعا عليها. و الى هذا اشار بقوله: ( (لا لها مع المغيى)) أي ليست الغاية قيدا للمغيا الذي مرجعه ان تكون قيدا للموضوع.

(1) لا يخفى ان المستفاد من الاخبار المتقدمة هو حجية الاستصحاب مطلقا، و ان حجيته بما هو قضية ارتكازية و الارتكاز العرفي لليقين، و لا يفرق الارتكاز العرفي في اليقين بين كونه متعلقا بما فيه استعداد البقاء و عدمه، كما هو مستند التفصيل بين

ص: 56

مستقل بالجعل كالتكليف، أو منتزع عنه و تابع له في الجعل، أو فيه تفصيل، حتى يظهر حال ما ذكر هاهنا بين التكليف و الوضع من التفصيل (1).

______________________________

الشك في المقتضي و الرافع بحجيته في الثاني دون الاول، و لا يفرق العرف بين كون متعلقه الوجود او العدم، الى غير ذلك من التفصيلات المذكورة في رسائل الشيخ الاعظم و غيرها، و حيث ان مبنى الكتاب على الاختصار فلا داعي للتعرّض لادلة التفصيلات و بيان وجه ابرامها و نقضها ... و لكنه لما كان احد الاقوال هو التفصيل بين الاحكام التكليفية و الاحكام الوضعية بجريان الاستصحاب في خصوص الحكم الوضعي كما ذهب اليه الفاضل التوني، فلذا ناسب البحث عن الحكم التكليفي و الحكم الوضعي، ليعرف حال التفصيل في جريان الاستصحاب و عدمه.

(1)

الاحكام الوضعية

اشارة

سيأتي بيان ان ما يطلق عليه الحكم الوضعي: تارة يكون مجعولا مستقلا، و اخرى يكون منتزعا عن التكليف و تابعا له، و ربما يطلق على ما ليس بمجعول اصلا لا بالاستقلال و لا بالتبع. و سيظهر ان الحق هو التفصيل و ان الحكم الوضعي ليس مطلقا مجعولا مستقلا، و ايضا ليس- دائما- منتزعا عن التكليف و تابعا له، و يظهر من المصنف المفروغية عن كون الحكم التكليفي مجعولا مستقلا، و لم يعتن بما قيل من عدم الجعل في الاباحة بالخصوص، و بما قيل من عدم الجعل للتكليف في جميع الاحكام الخمسة: من الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الاباحة بناء على ان الاحكام هي الارادات المبرزة بالانشاء، او انه منتزع عنها.

و على كلّ فالحكم التكليفي هو البعث المنشأ اما بداعي جعل الداعي الى الوجود لزوما او رجحانا، او الى العدم لزوما او رجحانا، او بداعي ارخاء العنان، و بهذا اللحاظ يقسّم الحكم التكليفي الى الاقتضائي و التخييري. و الحكم الوضعي هو اعتبار خاص قد اعتبر لان يترتب عليه احكام خاصة كالملكية و الزوجية.

ص: 57

فنقول و باللّه الاستعانة: لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف و الوضع مفهوما، و اختلافهما في الجملة موردا، لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية و مفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة و المباينة (1).

كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي و الوضعي، بداهة أن الحكم و إن لم يصحّ تقسيمه إليهما ببعض معانيه و لم يكد يصح إطلاقه على الوضع، إلّا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر

______________________________

(1)

اختلاف الحكم الوضعي و الحكم التكليفي

قد عرفت ان حقيقة الحكم التكليفي هو الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء او تخييرا، و حقيقة الحكم الوضعي هو اعتبار خاص. و منه يتضح اختلاف مفهومهما، لوضوح لزوم اختلافهما مفهوما بعد اختلافهما ماهيّة و حقيقة.

و اما اختلافهما موردا فالنسبة بينهما هي العموم من وجه، اذ ربما يكون المورد حكما تكليفيا لا حكم وضعي فيه كاباحة المباحات مثل الماء و الكلأ، و ربما يكون حكما وضعيا لا حكم تكليفي فيه كجعل الحجية لخبر الواحد مثلا، و ربما يتصادقان موردا كالافطار فانه يطلق عليه كونه سببا لوجوب الكفارة و هو متعلق الحرمة التكليفيّة ايضا. و الى هذا اشار بقوله: ( (و اختلافهما في الجملة موردا)) و اشار الى اختلاف الحقيقة فيهما المستلزمة لاختلافهما مفهوما بقوله: ( (لبداهة ما بين مفهوم السببيّة او الشرطية)) فان المفهوم منهما كون الشي ء له دخل في وجود شي ء اما بنحو كونه سببا له او شرطا له، و سيأتي الاشارة الى المراد من السببية في المقام، و السببية و الشرطية مما يطلق عليه الحكم الوضعي ( (و)) من الواضح ان مفهوم السببية او الشرطية هو غير ( (مفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب)) و هما من اقسام الحكم التكليفي .. فظهر بوضوح ما بينهما ( (من المخالفة و المباينة)) لان حقيقة الحكم التكليفي هو الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء او تخييرا، و الحكم الوضعي هو اعتبار خاص له احكام خاصة.

ص: 58

إليهما (1) و صحة إطلاقه عليه بهذا المعنى، مما لا يكاد ينكر، كما لا يخفى، و يشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم، و الالتزام بالتجوز فيه،

______________________________

(1) بعد ما عرفت من وضوح اختلاف الحكم الوضعي و الحكم التكليفي حقيقة و مفهوما- تعرف انه لا ينبغي ان يكون اختلافهما مورد النزاع لأحد، و ايضا لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي الى الحكم الوضعي و الحكم التكليفي و عدمها.

و الوجه في ذلك ان الحكم قد يطلق و يراد به خصوص المجعول الاقتضائي و التخييري، و بهذا الاطلاق لا يراد منه الّا الحكم التكليفي، فلا يصح تقسيمه بهذا المعنى الى الحكم الوضعي و التكليفي، لوضوح عدم صحة صدق خاص على خاص آخر، و مع عدم الصدق لا يصح التقسيم. و قد يطلق الحكم و يراد به ما يؤخذ من الشارع، و بهذا المعنى مما لا ريب في صحة تقسيمه اليهما لبداهة كون كلا منهما مما اخذ من الشارع. و قد اشار الى ما ذكرنا من الوجه في عدم صحة النزاع في جواز التقسيم اليهما و عدمه بقوله: ( (بداهة ان الحكم و ان لم يصحّ تقسيمه اليهما ببعض معانيه)) و هو ما اذا اريد منه عند اطلاقه خصوص المجعول الاقتضائي و التخييري، فانه بهذا المعنى لا يصح تقسيمه اليهما بالبداهة لما عرفت، و اليه اشار بقوله: ( (و لم يكد يصحّ اطلاقه على الوضع)) أي ان من الواضح انه لا يكاد يصح اطلاق الحكم على الوضع فيما اذا اريد به خصوص المجعول اقتضاء او تخييرا، و حيث لم يصح اطلاقه لا يصح تقسيمه اليهما. و اشار الى صحة اطلاق الحكم على الوضع فيما اذا اريد منه ما يؤخذ من الشارع بقوله: ( (الّا ان صحة تقسيمه بالبعض الآخر اليهما)) لما عرفت من صحة اطلاقه على الحكم الوضعي حيث يراد به ما يؤخذ من الشارع، لانه كما ان الحكم التكليفي مما اخذ من الشارع فان الحكم الوضعي ايضا مما اخذ من الشارع، و اذا صحّ اطلاقه عليهما صحّ تقسيمه اليهما.

ص: 59

كما ترى (1). و كذا لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة، كالشرطية و السببية و المانعية- كما هو المحكي عن العلامة- أو مع زيادة العلية و العلامية، أو مع زيادة الصحة و البطلان، و العزيمة و الرخصة، أو زيادة غير ذلك- كما هو المحكي عن غيره- أو ليس بمحصور، بل كلما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه و موضوعه، أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم (2)، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص

______________________________

(1)

انحصار الحكم الوضعي و عدمه

حاصله: ان اطلاق الحكم على الحكم الوضعي مما لا ريب فيه، لبداهة اطلاق الحكم على الملكية و الزوجية، فلو لم يكن الحكم موضوعا للمجعول الذي يؤخذ من الشارع بان كان موضوعا لخصوص الحكم التكليفي، لكان اطلاقه على الحكم الوضعي اطلاقا مجازيا، و مع كثرة الحاجة لاستعماله في مطلق المجعول الذي يؤخذ من الشارع لا وجه لوضعه لخصوص الحكم التكليفي، مع انه لو كان اطلاقه عليه مجازا للزم لحاظ العلاقة في مقام الاستعمال فيه، و لا نرى في انفسنا في مقام استعماله في مطلق ما يؤخذ من الشارع لحاظ العلاقة. و قد اشار الى كثرة استعمال الحكم في مطلق المجعول الذي يؤخذ من الشارع بقوله: ( (و يشهد به ... الى آخر الجملة)).

و اشار الى المحذورين بقوله: ( (و الالتزام بالتجوز فيه كما ترى)).

(2) حاصله: انه بعد ما عرفت من اطلاق الحكم على مطلق ما يؤخذ من الشارع غير الاحكام التكليفية- تعرف انه لا وجه لان يقع النزاع في انحصار الحكم الوضعي و عدم انحصاره، كما قيل بانحصاره في الشرطية كشرطية البلوغ مثلا للتكليف، و في السببية كسببية دلوك الشمس مثلا للتكليف بالصلاة، و في المانعية كمانعية الحيض مثلا عن الصلاة، و الانحصار في هذه الثلاثة منقول عن العلامة (قدس سره).

أو انه منحصر في خمسة: الثلاثة المذكورة، مع زيادة العلية ككون الاتلاف علّة للضمان، و العلاميّة ككون خفاء الجدران- مثلا- علامة لحدّ الترخص، و هو المحكي عن الشهيد الثاني (قدس سره).

ص: 60

.....

______________________________

أو انه في تسعة: الخمسة المذكورة، مع زيادة الصحة و البطلان، و امثلتهما واضحة، و العزيمة و الرخصة كما هو المحكي عن الآمدي.

و لا يخفى ان المراد من العزيمة و الرخصة ليس الوجوب و الاباحة، فان المراد من العزيمة هو الاعتبار المقابل للرخصة.

و الحاصل: ان الوجوب هو الطلب اللزومي المترتّب على اطاعته استحقاق الثواب و على معصيته العقاب، و الاباحة هو جعل ارخاء العنان من ناحية الفعل و الترك. و العزيمة هي نفس اعتبار اللزوم من دون ان يكون بنحو البعث اليه و طلبه، كما يقال في ان سقوط الاذان و الاقامة لمن ادرك الجماعة من باب العزيمة، فان المراد منها هو نفس اعتبار لزوم السقوط للاذان و الاقامة، او الرخصة و هو اعتبار عدم هذا اللزوم كما يقول به من يرى صحة الاذان و الاقامة لمن ادرك الجماعة.

او ان الحكم الوضعي لا ينحصر في هذه التسعة، كما هو المحكي عن صلاح الدين فانه اضاف اليها موردين:

الاول: تنزيل الموجود منزلة المعدوم كتنزيل الماء المحتاج اليه لحفظ النفس منزلة العدم في صحة التيمم مع وجوده، و تنزيل المعدوم كالموجود كتنزيل المقتول كالحي الموجود في استحقاق الدّية، و يطلق على هذا القسم التقديرات، لانه قدّر فيها الموجود منزلة المعدوم، و المعدوم منزلة الموجود.

الثاني: ما اطلق عليه لفظ الحجاج، و مراده منه هو ما يستند اليه الحاكم من بيّنه او اقرار في مقام فصل الخصومات.

او ان الحكم الوضعي لا ينحصر في عدد خاص من المذكورات، بل هو كل مجعول لم يكن حكما تكليفيا، سواء كان له دخل في حدوث التكليف كسببية الدلوك لوجوب الصلاة، او كان له دخل في عدمه كمانعية الحيض عن التكليف، او كان له دخل في متعلق التكليف و موضوع التكليف، كالجزئية الصادقة على ابعاض ما يتألف منه موضوع التكليف المركب كالصلاة و الحج، و الشرطيّة لصحة التكليف

ص: 61

بها بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها، مع أنه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك (1)، و إنما المهم في النزاع (2) هو أن

______________________________

كالطهارة من الحدث للصلاة، أو لم يكن للحكم الوضعي دخل اصلا في التكليف، كحجيّة الخبر فانها بنفسها مجعول شرعي يتعلق بالخبر، و ليس هو كسببية الدلوك و لا كجزئية الجزء.

و لا يخفى ان ما له دخل في الحكم حدوثا او منعا هو النحو الاول، و ما كان له دخل في متعلق التكليف هو النحو الثاني، و ما ليس له دخل في التكليف اصلا هو النحو الثالث ... و سيجي ء التعرّض لها كلها.

(1)

الاشارة الى وجهين لكون الانحصار و عدمه لا وقع له

يشير الى وجهين لكون النزاع في الانحصار و عدمه لا وقع له: الاول: انه لا وجه للقول بالانحصار بعد وضوح اطلاق الحكم الوضعي على غير الموارد التي قالوا بانحصاره فيها، و اليه اشار بقوله: ( (ضرورة انه لا وجه للتخصيص بها)) أي بتلك الموارد ( (بعد كثرة اطلاق الحكم)) الوضعي ( (في الكلمات على غيرها)).

الثاني: ان النزاع في الانحصار و عدمه لا ثمرة عمليّة مهمّة له و لا ثمرة علميّة له ايضا، اما انه لا ثمرة عملية له فلأجل انه تترتب عليه آثاره سواء اطلق عليه الحكم او لم يطلق، نعم لو تعلّق نذر ناذر بانه اذا اطلق عليه لفظ الحكم يتصدق كانت هناك ثمرة، الّا انها نادرة اذا قلنا بصحة مثل هذا النذر، و اما عدم الثمرة العملية فلان صحة اطلاق الحكم عليه و عدم صحته ليست من الامور التي للبحث عنها اهميّة، و اليه اشار بقوله: ( (مع انه لا تكاد تظهر ثمرة مهمّة ... الى آخر الجملة)).

(2) لا يخفى انه انما كان المهمّ هو البحث عن كون الحكم الوضعي مجعولا بالاستقلال، او انه منتزع عن المجعول بالاستقلال و هو الحكم التكليفي و يكون الحكم الوضعي مجعولا بالتبع، او انه ليس بمجعول اصلا لا بالاستقلال و لا بالتبع، لانه لا ثمرة عملية كصحة استصحابه فيما اذا كان مجعولا و لو بالتبع و عدم صحة استصحابه حيث لا يكون مجعولا اصلا كما سيأتي التنبيه من المصنف على ذلك.

ص: 62

الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه، أو غير مجعول كذلك، بل إنما هو منتزع عن التكليف و مجعول بتبعه و بجعله (1).

______________________________

(1) توضيحه ببيان امور: الامر الاول: ما استشكل على المصنف من انه سيأتي منه تقسيم ما عدّ من الوضع الى مجعول بالاستقلال، و مجعول بالتبع، و ما ليس بمجعول اصلا، فكان عليه ان يشير الى التفصيل في الوضع و ان منه ما ليس بمجعول اصلا.

و لعل عدم الاشارة اليه لانه كان في مقام بيان المجعول التشريعي، و حيث ان ما عدّ من الوضع مما هو ليس بمجعول اصلا فلا يكون هو من التفصيل في المجعول التشريعي.

الامر الثاني: بيان كون الحكم التكليفي من المجعولات التشريعية و انه ليس هو الارادة و الكراهة او منتزعا عنها. و توضيح ذلك: ان الجعل هو الايجاد فالموجد هو الجاعل و الموجود هو المجعول، فاذا كان المجعول من موجودات عالم التكوين كان الموجود مجعولا تكوينيا و كان جعله هو الجعل التكويني، كالعالم كلّه الموهوب له الوجود من اللّه بجميع ما فيه من مجرده و مادّيه. و لا يخفى ان الغرض من هذا الجعل راجع الى ما يتعلّق بعالم التكوين.

و اذا كان الجعل منه تبارك و تعالى لا بما هو جاعل الكون، بل بما هو ناظر الى مصالح العباد مما يتعلق بافعالهم، و حيث انهم لا يهتدون الى مصالحهم بانفسهم و كانت تلك المصالح مما تترتب على افعال العباد بانفسهم تفضّل الشارع على عباده فأمرهم باشياء و نهاهم عن اشياء و رخّص لهم في اشياء، ليكون ذلك داعيا لهم لان يفعلوا بعض الافعال و لان يتركوا بعضها. فظهر من هذا ان الجعل في المقام منه- تبارك و تعالى- بما هو شارع و ناظر الى مصالح عباده لا بما هو مكوّن و موجد.

ص: 63

.....

______________________________

و ظهر مما ذكرنا: ان نفس الإرادة ليست جعلا تشريعيا، لان الجعل التشريعي هو جعل ما يكون داعيا للعباد لان يفعلوا و لان يتركوا، و الذي يكون داعيا للمكلف هو امر المولى و نهيه لا ارادته و كراهته.

لا يقال: ان الامر و النهي حيث انه يكون كاشفا عن الارادة و الكراهة يكون داعيا فالداعي في الحقيقة هو الارادة و الكراهة.

فانه يقال: ان الارادة و الكراهة هي الشوق الى الفعل و الى الترك، فاذا كان الفعل مما ترجع مصلحته و مفسدته الى المولى فان كان الشوق المتعلّق به بما هو فعل مباشري للمولى كان هو المتولي للفعل و الترك، و ان كان الشوق قد تعلق به بما هو صادر من غيره دعاه ذلك الى ان يأمر عبده بالفعل و الترك.

و اما اذا كانت المصلحة و المفسدة مما ترجع الى العبد نفسه من دون تعلق لها بالمولى اصلا، فلا يعقل ان يتعلّق شوق من المولى الى ايجاد الفعل و لا الى تركه، لان الشوق من النفس انما يتعلق بما يعود اليها لا الى غيرها، و لما كان اللّه عزّ و جلّ و شانه مما لا يعقل ان يعود الغرض من المامور به اليه، فلا يكون امره و نهيه مما يكشف عن ارادته و كراهته للفعل بما هو راجع اليه.

فان قلت: على هذا تكون أوامره و نواهيه ارشادية لا مولوية، لان الداعي الى الامر و النهي اذا كان مما يتعلق بالغير فيكون أمره و نهيه لبّا لبيان المصلحة و المفسدة، و الامر و النهي اذا كان بداعي ان في الفعل مصلحة أو مفسدة كان الامر و النهي للإرشاد اليهما لا أمرا و نهيا مولويا بداعي كونه مولى آمرا و ناهيا.

قلت: لما كان الداعي الى الامر و النهي هو اللطف لان يصل العباد الى ما فيه مصالحهم، كان ذلك اللطف داعيا ايضا لان يأمر و ينهى بما هو مولى يترتب على اطاعة امره الثواب و على معصيته العقاب، لان نوع المكلفين انما يتحركون بداعي الخوف و الرجاء، لا بداعي كون الفعل ذا مصلحة او مفسدة، و لا سيما فيما اذا

ص: 64

.....

______________________________

كانت المصالح و المفاسد نوعية، فان اللطف يدعو الى الامر بما هو مولوي يترتب على اطاعته و عصيانه الثواب و العقاب.

فظهر مما ذكرنا: ان الحكم التكليفي هو نفس الامر و النهي، و ليس هو الارادة و لا منتزعا عنها، لان امره و نهيه هو المجعول للشارع بما هو شارع لا بما هو موجد و مكون، و هو الذي يكون داعيا للمكلف الى ان يفعل و يترك.

الامر الثالث: ان المجعول التشريعي: تارة يكون مجعولا بالاستقلال ليس بتابع لجعل آخر كوجوب الصلاة و حرمة الزنا مثلا. و اخرى يكون مجعولا يتبع في جعله جعلا آخر كوجوب مقدمة الواجب و هو مجعول بالاستقلال ايضا. و ثالثة: يكون جعلا لشي ء أولا و بالذات، و لآخر ثانيا و بالعرض، بان لا يكون هناك الّا جعل واحد يكون ذلك الجعل بالنسبة لشي ء جعلا تشريعيا بالذات و للآخر بالعرض، كحرمة ترك الواجب و وجوب ترك الحرام فانه ليس هناك الّا جعل واحد و هو جعل الوجوب و الحرمة، و لكنه لازم الوجوب المتعلّق بالفعل عدم الرضا بالترك، لزوما لا لمفسدة في نفس الترك، بل للمصلحة اللزومية في نفس الفعل كان ترك الواجب حراما بهذا اللحاظ، ففي الحقيقة ليس هناك الّا جعل الوجوب و هو جعل استقلالي للزوم الاتيان بالفعل أولا و بالذات للمصلحة اللزومية التي هي في نفس الفعل و هو جعل بالعرض لحرمة الترك و ليس هناك جعلان استقلاليان و لو بالتبع كجعل المقدمة التابع لجعل وجوب ذيها. و لا يخفى ان مراد المصنف من المجعول بالتبع في المقام الذي به فسر انتزاع التكليف هو هذا القسم الثالث، لما سيأتي من تصريحه بكون الحكم الوضعي المجعول بالتبع عنده ليس له جعل استقلالي و لو بالتبع لجعل آخر كجعل وجوب المقدمة، بل ليس هناك الّا جعل واحد يكون متعلقه هو المجعول بالاستقلال و الحكم الوضعي منتزع عنه و لا جعل له بالذات اصلا.

اذا عرفت ما ذكرنا اتضح مراد المصنف من قوله: ( (هو ان الوضع كالتكليف)) في كون التكليف مفروغا عن مجعوليته التشريعية و انه ليس هو الارادة و الكراهة

ص: 65

و التحقيق أن ما عدّ من الوضع على أنحاء:

منها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا، لا استقلالا و لا تبعا، و إن كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك.

و منها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلّا تبعا للتكليف.

و منها: ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه، و تبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه، و إن كان الصحيح انتزاعه من إنشائه و جعله، و كون التكليف من آثاره و أحكامه (1)، على ما يأتي الاشارة إليه.

______________________________

و لا منتزعا عنهما. و اتضح ايضا ما اشار به الى المجعول التشريعي الاستقلالي و هو قوله: ( (في انه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه)) أي يصح انتزاع عنوان التكليف الاستقلالي عنه ( (بمجرد انشائه)) فانه بمجرد انشائه بقوله: افعل الصلاة او الصلاة واجبة ينتزع من هذا الجعل الاستقلالي عنوان التكليف. و اتضح ايضا ان قوله: ( (او غير مجعول كذلك)) أي غير مجعول بالاستقلال ( (بل إنما هو منتزع عن التكليف و مجعول بتبعه و بجعله)) لا يتمّ الّا بان يكون هو المجعول بالعرض دون المجعول بالتبع، مثل وجوب المقدمة المجعول بتبع جعل وجوب ذي المقدمة.

(1)

اطلاق الحكم الوضعي على ثلاثة أنحاء

حاصله: ان المستفاد من القوم اطلاق الحكم الوضعي على ثلاثة اقسام: الاول:

مثل السببيّة و الشرطية للتكليف و امثالهما، و سيأتي ان هذا القسم ليس بمجعول لا استقلالا و لا تبعا بالجعل التشريعي بل هو من المجعولات التكوينيّة، و لازم ذلك ان عدّ من الحكم الوضعي في غير محله، لان الحكم لا بد من ان يكون مجعولا تشريعيا و لو بنحو الجعل بالعرض.

الثاني: ما يكون مجعولا بالتبع أي بالعرض و لا يكون مجعولا بالاستقلال، و هو كالجزئية و الشرطية للمأمور به و امثالها فانها من المجعول بالتبع و ليست من المجعولات بالاستقلال.

الثالث: هو المجعول بالاستقلال كالملكية و الزوجية.

ص: 66

.....

______________________________

و اشار الى القسم الاول بقوله: ( (منها ما لا يكاد يتطرق اليه الجعل ... الى آخر الجملة)) و مراده من قوله: ( (بعين جعل موضوعه كذلك)) هو ان مثل عنوان السببية و الشرطية للتكليف ليس بمجعول تشريعي اصلا و انما هو من المجعول التكويني، و لما لم يكن الجعل التكويني متعلقا بنفس عنوان السببية و عنوان الشرطية و انما كان متعلق الايجاد، و الجعل التكويني متعلق بنفس الدلوك الذي هو السبب و هو الموضوع الذي ينتزع منه عنوان السببية، اشار الى ذلك بقوله: ( (و ان كان مجعولا تكوينا عرضا)) فان عنوان السببية من المجعول بالعرض الذي يكون جعله ( (بعين جعل موضوعه)) و هو ذات السبب كالدلوك ( (كذلك)) أي بالجعل التكويني. و اشار الى القسم الثاني بقوله: ( (و منها ما لا يكاد يتطرق اليه الجعل التشريعي الّا تبعا للتكليف)) كالجزئية و الشرطية للمأمور به. و اشار الى القسم الثالث بقوله: ( (و منها ما يمكن فيه الجعل استقلالا بانشائه و تبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه)) أي يكون التكليف منشأ لانتزاع الحكم الوضعي، و عليه فيكون الحكم الوضعي المجعول بالتبع لا بالاستقلال.

و انما جعل هذا القسم مما يمكن فيه الجعل الاستقلالي و الجعل التبعي للخلاف بين مختار المصنف من ان هذا القسم من المجعول بالاستقلال و هو ظاهر المشهور ايضا، و بين الشيخ الاعظم المنكر لجعل الحكم الوضعي استقلالا مطلقا حتى في هذا القسم، و حتى مثل الملكية و الزوجية ليستا من المجعول بالاستقلال و انما هما منتزعان عن التكليف بجواز التصرّف و جواز الوطء و امثال هذه التكاليف المترتبة على عقد البيع و عقد النكاح. و بعد ان اشار الى الخلاف اشار الى مختاره بقوله: ( (و ان كان الصحيح انتزاعه)) أي انتزاع مثل عنوان الملكية و الزوجية ( (من)) نفس ( (انشائه)) أي انشاء الشارع لهذا الحكم الوضعي ( (و)) من نفس ( (جعله)) له تشريعا بمثل قوله احلّ اللّه البيع ( (و)) لازم ذلك ( (كون التكليف)) مثل جواز التصرّف و جواز الوطء ( (من آثاره)) أي من آثار هذا الجعل التشريعي لنفس هذا الحكم الوضعي استقلالا

ص: 67

أما النحو الاول: فهو كالسببية و الشرطيّة و المانعيّة و الرافعيّة لما هو سبب التكليف و شرطه و مانعة و رافعه (1)، حيث أنه لا يكاد يعقل انتزاع

______________________________

( (و)) تكون تلك من ( (احكامه)) المترتبة عليه لا ان المجعول بالاستقلال هي نفس تلك التكاليف و الحكم الوضعي منتزع عنها كما هو مختار الشيخ الاعظم.

(1)

عدم مجعولية النحو الاول لا تبعا و لا استقلالا

توضيحه ببيان امور ثلاثة: الاول: ان هذا النحو الاول هو الذي عدّه القوم من الحكم الوضعي المجعول تشريعا، و هو ليس كذلك لانه ليس بمجعول اصلا لا بالاستقلال و لا بالتبع.

الثاني: ان قوله: ( (لما هو سبب التكليف و شرطه و مانعة و رافعه)) هو من النشر المرتّب، لان السبب هو المنتزع منه عنوان السببية، و الشرط هو المنتزع منه عنوان الشرطية، و المانع هو المنتزع منه عنوان المانعية، و الرافع هو المنتزع منه عنوان الرافعيّة. و مثال السبب للتكليف هو مثل اذا زالت الشمس فصلّ، و مثال الشرط للتكليف هو مثل قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا(1) و مثال المانعية للتكليف هو مثل الجنون الحادث قبل البلوغ، المستمر الى ما بعد البلوغ و مثال الرافعيّة للتكليف هو مثل حدث الحيض الرافع للتكليف بالصلاة.

الثالث: ان الفرق بين المانع و الرافع واضح، لان المانع ما يمنع عن الحدوث للتكليف كالجنون في حال البلوغ فانه مانع عن حدوث التكليف، و الرافع ما يرفع التكليف بعد حدوثه فيكون رافعا لما هو الحادث، كالحيض فانه يرفع التكليف بعد حدوثه ... و منه يظهر ان الرافع هو المانع عن استمرار التكليف و بقائه فالرافع هو المانع عن التكليف لكنه مانع عنه بقاء لا حدوثا، بخلاف المانع فانه الذي يمنع عن اصل حدوثه.

ص: 68


1- 12. ( 1) آل عمران: الآية 97.

.....

______________________________

و اما الفرق بين السبب و الشرط فلا يخلو عن اشكال، لان السبب للموجود الممكن الذي هو العلّة له منحصر في أربع: العلّة الصورية: و هي التي منها يسري فيض الوجود الى المادة كالصور المتعاقبة على المادة المنوية، من كونها علقة و مضغة و لحما حتى تكون انسانا.

و العلّة المادية: و هي نفس المادة المتحصلة فعلا بالصورة، فان المادة هي التي تتحصّل بالصورة المائية مثلا فيكون ماء بالفعل، و تتحصّل بالصورة البخارية فتكون بخارا بالفعل، أو تتحصّل بالصورة الكلبية فتكون كلبا بالفعل، و تتحصل بالصورة الملحية فتكون ملحا .. و هذان هما علل القوام، لان ما يتقوّم منه الجوهر المركب هو صورته و مادته.

و العلّة الفاعلية: و هو الفاعل الموجد للشي ء ككون الشخص فاعلا لحركاته كمشيه و جلوسه و ساير افعاله الاختيارية، و مثل اللّه تبارك و تعالى المفيض للوجود على كل الموجودات فانه عزّ شانه هو الفاعل للوجود.

و العلّة الغائية: و هي الغرض الداعي للفاعل لان يفعل، كالمعرفة الداعية له جلّ جلاله ان يخلق الخلق، كما في الحديث: (كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي أعرف)(1).

و من الواضح ان التكليف ليس من الموجودات المادية حتى تكون له علّة صورية و مادية، و من الواضح ايضا ان فاعل التكليف هو الشارع لا الزوال. و بعد ما مرّ عليك من ان الغاية للتكليف هي المصالح و المفاسد، تعرف ان الزوال ليس هو العلّة الغائية ايضا، و غاية ما يمكن ان يقال هو دخالة الزوال في ترتب المصلحة، فهو دخيل في العلّة الغائية.

ص: 69


1- 13. ( 1) بحار الانوار ج 84، ص 199( الطبعة الثانية المصححة 1403).

هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا، حدوثا أو ارتفاعا (1)، كما أن اتصافها بها ليس إلا لاجل ما عليها من الخصوصية المستدعية

______________________________

و مما ذكرنا يتضح الاشكال في الفرق بين السبب و الشرط لانحصارهما في الدخالة في العلة الغائية، فما هو الفارق الموجب لان يكون السبب غير الشرط؟

و يمكن ان يقال: ان الدخالة في ترتّب المصلحة: تارة تكون بنحو ان يكون ذلك الشي ء بالنسبة اليها له دخالة بنحو الاقتضاء، بان تكون الصلاة الخاصة المقيدة بالوقت الخاص هي الموجبة لترتّب المصلحة بنحو ان يكون ذات الصلاة من دون تقيّدها بالوقت الخاص لا اقتضاء فيها لترتب المصلحة. و اخرى تكون ذات الصلاة مما لها الاقتضاء و لكن تأثيرها في فعلية المصلحة يكون مشروطا بالوقت الخاص.

او ان يقال: ان التعبير بالسببية و الشرطية لا لاجل الفرق بينهما حقيقة، بل انما هو لان لسان الدليل و لو بحسب مناسبة الحكم و الموضوع، تارة يكون له ظهور في كون ذلك الشي ء سببا، و اخرى يكون لسان الدليل ظهوره بان يكون ذلك الشي ء شرطا، فان مثل قول القائل ان كان زيد عالما فاكرمه ظاهر في كون العلم هو السبب للاكرام، و مثل قوله ان جاءك زيد العالم فاكرمه ظاهر في كون المجي ء شرطا لا سببا.

و اللّه العالم.

(1)

ايراد المصنف (قده) على دعوى الشيخ الاعظم (قده) من كون السببيّة و الشرطية منتزعة عن التكليف

لا يخفى ان ظاهر الشيخ الاعظم كون السببية و الشرطيّة و امثالهما امورا منتزعة عن التكليف، و ينسب الى المشهور كونها امورا مجعولة بالاستقلال، و مختار المصنف انها امور تكوينية لا منتزعة عن التكليف لتكون من المجعول بالعرض كما هو ظاهر الشيخ، و لا مجعولة بالاستقلال كما ينسب الى المشهور.

و قد اورد المصنف على دعوى كونها منتزعة عن التكليف بما حاصله: انه لا يعقل ان تكون هذه الامور منتزعة عن التكليف، لان مراد الشيخ من كونها منتزعة عن التكليف هو ان السببية منتزعة عن انشاء الشارع ايجاب الصلاة عند الدلوك .. و الوجه في عدم معقولية هذه الدعوى هو ان السببية هي عنوان السبب

ص: 70

.....

______________________________

و هو الدلوك لاجل ما فيه من الخصوصية الداعية لايجاب الصلاة عند الدلوك، فالسبب لما فيه من الخصوصية كان هو الداعي للايجاب، و من الواضح ان الداعي للايجاب متقدم على الايجاب المنشأ بقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ 14] و اذا كان السبب متقدّما على الايجاب المنشأ فعنوان السببية المنتزعة منه تكون مقدّمة ايضا على الايجاب المنشأ.

و منه يتضح: ان السببية لا يعقل ان تكون منتزعة عن ايجاب الصلاة عند الدلوك، للزوم تقدّم منشأ الانتزاع على ما ينتزع منه، و اذا كان منشأ انتزاع السببية هو انشاء ايجاب الصلاة عند الدلوك فلا بد و ان تكون السببية متأخرة عن هذا الانشاء، و قد عرفت ان السببية حيث انها منتزعة عن السبب الداعي لهذا الجعل و الانشاء، فلا بد و ان تكون متقدّمة عليه، فالالتزام بكونها منتزعة عن هذا الانشاء لازمه فرض كون ما هو متقدّم بالذات متأخرا بالذات، فكون السببية منتزعة عن الانشاء لازمه كونها متأخرة بالذات عن هذا الانشاء التي هي متقدّمة عليه بالذات، لما عرفت من انها منتزعة عن السبب المتقدّم بالذات على هذا الانشاء و الجعل. و الى ذلك اشار بقوله:

( (حيث انه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها)) و هي السببية و الشرطية و المانعية و الرافعية ( (من التكليف)) الذي هو انشاء الايجاب عندها او انشاء عدمه عندها ( (المتأخر)) ذلك الانشاء ( (عنها)) أي عن هذه العناوين ( (ذاتا)) لان هذه العناوين منتزعة عما هو متقدّم بالذات على التكليف المنشأ فتكون متقدمة عليه ايضا ذاتا و هو متأخر عنها ذاتا ( (حدوثا)).

لا يخفى ان صريح بعض المحشين ان قوله: ( (حدوثا)) اشارة الى السببية و الشرطية، و قوله: ( (ارتفاعا)) اشارة الى المانعية و الرافعية، و لكن اطلاق الارتفاع على المانعية لا يخلو عن شي ء، لان الرفع هو اعدام الموجود و المنع هو الدفع عن الوجود.

ص: 71

.....

______________________________

و صريح البعض الآخر ان قوله: ( (حدوثا)) اشارة الى السببية و الشرطية و المانعية، و قوله: ( (ارتفاعا)) اشارة الى خصوص الرافعية، و اطلاق الحدوث على السببية و الشرطية واضح لان السبب و الشرط متقدم بالذات على المسبب و المشروط، و حدوث المسبب و المشروط متأخر عن حدوث السبب و الشرط.

و اما تأخر التكليف المنشأ حدوثا عن المانعية فلان المانع هو ما يمنع عن وجود التكليف و حدوثه، و من البيّن تقدّم المانع بالذات على الممنوع، لتقدم حدوث المانع على عدم الممنوع و حدوث الممنوع في رتبة عدمه. فهذه الثلاثة اشار اليها بقوله:

( (حدوثا)) أي ان التكليف المنشأ حدوثه عند حدوثها كما في السببية و الشرطية او المنشأ عدم حدوثه عند حدوث ما يمنع عنه هو متأخر عنها لتأخر حدوثه عن حدوثها، و تأخر عدم حدوثه عن حدوث مانعة، و اذا كان عدم حدوث التكليف متأخرا عن حدوث المانع فلا بد و ان يكون حدوث الممنوع متأخرا ايضا، لان الحدوث نقيض لعدم الحدوث، و النقيضان في مرتبة واحدة، و المتقدّم رتبة على احد النقيضين متقدّم ايضا على النقيض الآخر، و لما كان حدوث المانع متقدما على عدم حدوث الممنوع فيكون متقدما ايضا على حدوث الممنوع، لان حدوث الممنوع و عدم حدوثه من النقيضين و هما في رتبة واحدة، فحدوث المانع المتقدّم رتبة على عدم حدوث الممنوع هو متقدّم رتبة ايضا على حدوث الممنوع.

و قد اشار الى تقدّم الرافعية على التكليف بقوله: ( (او ارتفاعا)) لا يخفى ان تقدّم الرافع على المرفوع انما هو في مرحلة البقاء دون الحدوث، لفرض كون الرافع رافعا لما حدث، و لما كان الرافع مانعا عن استمرار التكليف في مرحلة البقاء كان وجود الرافع متقدّما على ارتفاع التكليف في مقام البقاء، فارتفاع التكليف متأخر رتبة عن وجود الرافع، و الرافعية حيث انها منتزعة من وجود الرافع فتكون متقدّمة على ارتفاع التكليف ايضا، و اذا كانت منتزعة عن انشاء ارتفاع التكليف كانت متأخرة عن ارتفاع التكليف، للزوم تقدّم منشأ الانتزاع على ما ينتزع منه، و قد

ص: 72

لذلك تكوينا، للزوم أن يكون في العلة بأجزائها من ربط خاص، به كانت مؤثرة في معلولها، لا في غيره، و لا غيرها فيه، و إلّا لزم أن يكون كل شي ء مؤثرا في كل شي ء، و تلك الخصوصية لا تكاد توجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين، و مثل قول: دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاء لا إخبارا، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببيّة له، من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقدا لها، و إن الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها، و معه تكون واجبة لا محالة و إن لم ينشأ السببية للدلوك أصلا.

و منه انقدح أيضا، عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده، لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة (1).

______________________________

عرفت انها منتزعة عما هو متقدم بالذات على ارتفاع التكليف، فكونها منتزعة عن انشاء ارتفاع التكليف لازمه فرض ما هو متقدم بالرتبة متأخر بالرتبة.

و لا يخفى ايضا ان هذا الايراد مختص بما ادعاه الشيخ: من كون هذه العناوين احكاما مجعولة بالعرض و هي منتزعة عن التكليف المنشأ عند تحقق ما هو سبب او شرط او انها منتزعة عن عدم التكليف المنشأ عند تحقق المانع او الرافع.

و اما ما هو منسوب الى المشهور: من دعوى كونها مجعولة بالاستقلال و منتزعة من نفس جعل السبب و الشرط المانع و الرافع، فلا يرد عليه ما ذكر، لعدم استلزام هذه الدعوى لتأخر المتقدّم كما هو واضح، و لكن يرد عليه ما اشار اليه بقوله:

( (كما ان اتصافها بها ... الى آخره)) كما سيأتي بيانه.

(1)

الايراد على ما ينسب الى المشهور

هذا هو الايراد على ما ينسب الى المشهور: من كون هذه العناوين مجعولة بالاستقلال و انها منتزعة من نفس جعل السبب و الشرط و المانع و الرافع. و لا يخفى ان هذا الايراد كما يدل على بطلان جعلها بالاستقلال يدل ايضا على بطلان كونها منتزعة عن التكليف المنشأ عند احد هذه الامور.

ص: 73

.....

______________________________

و الحاصل: ان هذا الايراد يتكفّل عدم صحة ما ذهب اليه الشيخ ايضا فهو مشترك الورود على كلا الدعويين.

و توضيحه: ان دخالة شي ء في وجود شي ء او في عدمه ليس جزافا، بل هو لاجل كون تلك الدخالة لاجل خصوصية ذاتية موجبة لذلك، و لا فرق في تلك الدخالة بين ان تكون بنحو التأثير في وجود الشي ء او في علّته الغائية كما في المقام، لوضوح انه لو لم تكن الدخالة لاجل تلك الخصوصية الذاتية لجاز ان يكون كل شي ء دخيلا في كل شي ء، و هو واضح البطلان لعدم امكان ان تصدر البرودة من النار و الحرارة من الماء، و من البيّن ان تلك الخصوصية الموجبة لانتزاع عنوان السببية من السبب و الشرطية من الشرط هي في نفس السبب و الشرط و هي خصوصية ذاتية فيهما تكوينا، فان كون الدلوك سببا لوجوب الصلاة انما هو للخصوصية الذاتية الموجودة فيه الموجبة لكونه سببا لذلك، و هذه الخصوصية متحققة في السبب سواء انشأ الشارع ذلك او لم ينشأ، لوضوح ان قول الشارع الدلوك سبب لوجوب الصلاة- انما هو لخصوصية في الدلوك اقتضت كونه سببا- لا يجعل الدلوك سببا و ان لم تكن فيه الخصوصية الموجبة لكونه سببا، و يدل على ذلك انه اذا لم ينشأ الشارع و كان في الدلوك تلك الخصوصية فهو سبب حقيقة و واقعا و ان لم يقل الشارع الدلوك سبب.

فاتضح انه لا دخل لجعل الشارع- بما هو شارع- في كون السبب سببا و انما هو لخصوصيّة ذاتية تكوينية فيه، نعم السبب مرتبط بالشارع بما هو مكوّن و جاعل للتكوين لا بما هو شارع و جاعل للتشريع، و من الواضح ان الكلام في الحكم الوضعي التشريعي المرتبط بالشارع بما هو شارع لا بما هو مكوّن.

و اتضح مما ذكرنا: ان الخصوصية الذاتية الموجبة لكون السبب سببا هي تكوينية لا تشريعية، و على هذا فلا يكون انشاء الشارع بما هو شارع موجبا لانتزاع عنوان السببية من السبب، و لا يكون انتزاعها منوطا بقول الشارع- إنشاء- الدلوك سبب، لما عرفت من انها من التكوينيات لا التشريعيات. نعم الشارع المطّلع على الحقائق

ص: 74

.....

______________________________

يخبر عن تلك الخصوصية، فقوله الدلوك سبب يكون من الاخبار لا الانشاء، فلا يكون انشاؤه هو الموجب لانتزاع تلك المفاهيم من منشأ انتزاعها، فالسببية و الشرطية و المانعية و الرافعية مفاهيم تنتزع من السبب و الشرط و المانع و الرافع لخصوصيات ذاتية تكوينية موجودة فيها و لا ربط لانتزاع تلك المفاهيم بعالم التشريع.

و مما ذكرنا ظهر: انه لا وجه لما ينسب الى المشهور من كون هذه الامور من المجعولات الاستقلالية التشريعية، بل هي تكوينية و ليست من المجعولات التشريعية اصلا ... و ظهر ايضا انه لا وجه لما عن الشيخ الاعظم من كونها من المجعولات التشريعية بالعرض، لانها لما كانت تكوينية تكون خارجة عن عالم التشريع و عن قابليتها للجعل التشريعي من رأس، فلا هي مجعولات بالاستقلال و لا مجعولات بالعرض. و قد اشار المصنف الى كونها من الامور التكوينية بقوله: ( (كما ان اتصافها)) أي كما ان اتصاف تلك الامور و هي السبب و الشرط و المانع و الرافع ( (بها)) أي بعنوان السببية و الشرطية و المانعية و الرافعية ( (ليس الّا لاجل ما عليها)) أي ليس الّا لاجل ما على تلك الامور ( (من الخصوصية)) الذاتية ( (المستدعية لذلك)) أي لانتزاع تلك المفاهيم منها ( (تكوينا)) لا تشريعا. و اشار الى البرهان على ذلك بقوله: ( (للزوم ان يكون في العلة باجزائها)) و لو بنحو دخالة الاجزاء في الغاية ( (ربط خاص)) ذاتي ( (به كانت مؤثرة)) أي بذلك الربط الخاص الذاتي كانت العلة مؤثرة ( (في معلولها)) الخاص ( (لا في غيره)) من المعاليل الآخر ( (و لا)) يكون ( (غيرها)) أي غير هذه العلة مؤثرة ( (فيه)) أي في هذا المعلول الخاص ( (و إلّا لزم ان يكون كل شي ء مؤثرا في كل شي ء)). و اشار الى ان تلك الخصوصية لما كانت تكوينية ذاتية لا تكون مربوطة بانشاء الشارع و جعله التشريعي بقوله: ( (و تلك الخصوصية)) الذاتية الموجبة لانتزاع عنوان السببية و اخواتها ( (لا تكاد توجد فيها)) أي في تلك الامور من السبب و اخوته ( (بمجرد انشاء)) الشارع ( (مفاهيم العناوين)) المذكورة ( (و)) ان ( (مثل قول)) الشارع ( (دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة

ص: 75

.....

______________________________

إنشاء لا اخبارا)) لا يكون موجبا لتلك الخصوصية اذا لم تكن موجودة واقعا، و اذا كانت موجودة واقعا فلا اثر لانشاء الشارع فيها ( (ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل انشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها)) أي لوجوب الصلاة مثلا ( (او)) بقاء الدلوك على ما هو قبل الانشاء من كونه ( (فاقدا لها)) أي فاقدا لتلك الخصوصية. و اشار الى ان وجوب الصلاة منوط بالخصوصية الواقعية التكوينية في الدلوك لا في الانشاء و الجعل التشريعي بقوله: ( (و ان الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك)) شي ء واقعي في الدلوك من ( (ما يدعو الى وجوبها)) أي الى وجوب الصلاة عند الدلوك ( (و معه)) أي و مع وجود ذلك الشي ء الواقعي في الدلوك الموجب لوجوب الصلاة ( (تكون)) الصلاة ( (واجبة لا محالة و ان لم ينشأ)) الشارع ( (السببية للدلوك اصلا)) و انما اخبر بها اخبارا لا إنشاء.

و لما اتضح مما ذكره عدم كون هذه الامور من المجعولات الاستقلالية اشار الى ورود هذا الايراد على مسلك الشيخ ايضا بقوله: ( (و منه انقدح ايضا عدم صحة)) كونها من المجعولات بالعرض بان يكون ( (انتزاع السببية له)) أي للسبب ( (حقيقة)) حاصلة ( (من)) انشاء الشارع ( (ايجاب الصلاة عنده)) أي عند الدلوك بمثل قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لما عرفت من كون السبب الواجد للخصوصية الذاتية يتصف بالسببية سواء انشأ الشارع ايجاب الصلاة عنده او لم ينشأ، و الى هذا اشار بقوله: ( (لعدم اتصافه بذلك ضرورة)) أي ان الضرورة قائمة على ان السبب الواجد للخصوصية غير منوط اتصافه بالسببية بايجاب الشارع وجوب الصلاة عند الدلوك، بل هو متصف بالسببية لوجدانه لتلك الخصوصية الذاتية واقعا لا لانشاء الشارع ايجاب الصلاة عند الدلوك.

ص: 76

نعم لا بأس باتصافه بها عناية، و اطلاق السبب عليه مجازا، كما لا بأس بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك- مثلا- بأنه سبب لوجوبها فكني به عن الوجوب عنده (1).

______________________________

(1) لما مرّ منه محالية الجعل الاستقلالي و الجعل العرضي لهذه الامور نبّه على أمرين:

الاول: انه يصح اطلاق السبب التشريعي و الشرط التشريعي و اخوانهما على هذه الامور مجازا، و يصح ايضا انتزاع عنوان السببية و الشرطية التشريعي و اخواتهما عنهما بنحو المجاز ايضا.

و توضيحه: ان الشارع اذا انشأ الوجوب عند السبب مثلا كما في قوله تعالى:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فهذا السبب كونه سببا واقعا و ان كان غير منوط بهذا الانشاء، الّا انه لا اشكال في كون الوجوب عنده- الذي هو المسبب- أمرا مجعولا تشريعيا، و في حال هذا الجعل التشريعي للوجوب فان السبب ثابت ايضا لإناطة وجوب الصلاة به، فالجعل التشريعي ثابت لوجوب الصلاة حقيقة و هو المسبب، و لعلاقة السببية يصح اطلاق وصف المسبب على سببه مجازا فيصح اطلاق الجعل التشريعي و السبب التشريعي على السبب الحقيقي بنحو المجاز، و يصح ايضا اطلاق السببية التشريعية مجازا على عنوان السببية المنتزعة من ذات السبب بملاحظة العلاقة المذكورة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (نعم لا بأس باتصافه)) أي لا باس باتصاف السبب ( (بها)) أي بعنوان السببية التشريعية ( (عناية)) و مجازا عند انشاء الشارع و جعله لوجوب الصلاة عند الدلوك ( (و)) يصح ايضا ( (اطلاق السبب)) التشريعي ( (عليه مجازا)) في تلك الحال.

الامر الثاني: ان انشاء الجعل الاستقلالي او العرضي التبعي حقيقة لهذه الامور محال كما عرفت، الّا انه لا مانع من انشاء الجعل بنحو الكناية لها، بان ينشأ وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا، لان يكنى بهذا الانشاء عن كون الدلوك هو السبب واقعا لوجوب الصلاة فيقول اقم الصلاة لدلوك الشمس، فيكون هذا الانشاء الدال بظاهره

ص: 77

فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببيّة و سائر ما لاجزاء العلة للتكليف، إلّا عمّا هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كلّ فيه على نحو غير دخل الآخر، فتدبر جيدا (1).

و أما النحو الثاني: فهو كالجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية، لما هو جزء المكلف به و شرطه و مانعة و قاطعه، حيث أن اتصاف شي ء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالامر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي، و لا يكاد يتصف شي ء بذلك- أي كونه جزءا أو شرطا للمأمور به- إلّا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه مقيدا

______________________________

على انشاء السببية للدلوك هو بنحو الكناية عن كون الدلوك سببا واقعيا لوجوب الصلاة. و الى هذا اشار بقوله: ( (كما لا بأس بان يعبر عن انشاء وجوب الصلاة ...

الى آخر الجملة)).

(1) هذا اجمال لما مرّ تفصيله من ان انتزاع السببية- واقعا- و اخواتها لا يعقل ان يتطرقه الجعل التشريعي لا استقلالا و لا بالتبع، بل انتزاع تلك العناوين و المفاهيم عنها منوط بالخصوصيات الذاتية الموجودة فيها تكوينا لا تشريعا، فللسبب خصوصية توجب انتزاع عنوان السببية له، و للشرط خصوصية اخرى توجب انتزاع عنوان الشرطية، و للمانع خصوصية غير خصوصية السببية و الشرطية توجب انتزاع عنوان المانعية له، و للرافع ايضا خصوصية غير تلك الخصوصيات توجب انتزاع عنوان الرافعية له. و الى ذلك اشار بقوله: ( (فظهر بذلك)) أي فظهر بواسطة ما ذكرناه من البرهانين ( (انه لا منشأ لانتزاع السببية)) حقيقة ( (و سائر ما لأجزاء العلة للتكليف)) من العناوين كالشرطية و المانعية و الرافعية الحقيقية الّا تلك الخصوصيات الذاتية الموجودة فيها تكوينا، و لا يصح انتزاع هذه العناوين المختلفة ( (الّا عمّا هي عليها من الخصوصية)) المختلفة ( (الموجبة لدخل كل)) جزء من اجزاء العلّة ( (فيه)) أي في انتزاع ذلك العنوان الخاص منه ( (على نحو)) يكون دخل كلّ ( (غير دخل الآخر)).

ص: 78

بأمر آخر، و ما لم يتعلّق بها الامر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية، و إن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية، و جعل الماهية و اجزائها ليس إلّا تصوير ما فيه المصلحة المهمّة الموجبة للأمر بها، فتصوّرها بأجزائها و قيودها لا يوجب اتصاف شي ء منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الامر بها بالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الامر به، بلا حاجة إلى جعلها له، و بدون الامر به لا اتصاف بها أصلا، و إن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصوّر أو لذي المصلحة، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1)

مجعولية النحو الثاني تبعا للتكليف

هذا النحو الثاني هو الذي لا يتطرق اليه الجعل التشريعي الاستقلالي، و انما هو من المجعول التشريعي بالتبع ... و توضيحه ببيان امور:

الاول: ان الجزئية و الشرطية لها ثلاث مراتب:

الاولى: كون الشي ء جزءا او شرطا في المرتبة الماهويّة، فانه اذا كان مجموع امور يترتب عليها غرض واحد أو مصلحة واحدة يكون مجموع تلك الامور هو كل ما يترتب عليه ذلك الغرض، و بعض تلك الامور هو بعض ما يترتب عليه ذلك الغرض او تلك المصلحة، و من هذا البعض ينتزع عنوان الجزئية الماهويّة، و اذا كان تأثير هذا المركب منوطا بشي ء كان ذلك الشي ء هو الشرط و منه ينتزع عنوان الشرطية الماهويّة، و لما كانت الماهية في مرتبة ماهويتها غير مجعولة: لا بالجعل التكويني، لوضوح ان مجعوليتها تكوينا انما هي لها بحيث تترتب عليها الآثار بالفعل بناء على انها هي المجعولة بالاصالة، او لوجودها بناء على اصالة الوجود و اعتبارية الماهية، و لا بالجعل التشريعي لما سيأتي من كون الجعل انما هو للماهية في مقام تعلق الامر و الطلب بها.

ص: 79

.....

______________________________

مضافا الى ان الجعل التشريعي هو الايجاد للماهية في مرحلة التشريع، و حيث ان هذه الجزئية منتزعة من نفس الماهية في نفس الواقع في حال ما قبل الايجاد فلا يعقل ان تكون من المجعول التشريعي.

الثانية: هي الجزئية و الشرطية في مقام اللحاظ و التصوّر، فان كلّ ما تعلق به الامر و الطلب لا بد و ان يكون مسبوقا بتصوّر الطالب و لحاظه لذلك الشي ء قبل تعلق طلبه به، و مقام اللحاظ و التصوّر ليس من الجعل التشريعي، بل هو جعل تكويني ذهني للشي ء، فالآمر في مرحلة التصوّر قد جعل ما تصوّره ذهنا لانه أوجده في عالم الذهن، فهو في هذا المقام موجد و مكوّن، لا انه جاعل و مشرّع، و في هذا المقام عند تصوّر الشي ء المركب الذي يترتب عليه غرض واحد و مصلحة واحدة يكون مجموع ذلك المركب المتصوّر هو كلّ ذلك الشي ء الذي يتعلق به الغرض، و بعضه بعض ما يتعلق به الغرض، و اذا كان لذلك الشي ء شي ء آخر غير نفس المركب مما يتوقف عليه تأثيره في ترتب الغرض كان ذلك هو الشرط للمركب، و من هذا المقام ينتزع عنوان الجزئية لما هو جزء من المركب المتصوّر، و عنوان الشرطية للشرط المتصوّر، و قد عرفت ان الماهية في هذه المرحلة مجعولة بالجعل التكويني الذهني لا التشريعي.

لا يقال: ان الماهية المخترعة للشارع مقام تصورها للشارع هو مقام اختراعها بما هو شارع مخترع، و اذا كان هذا المقام مما هو للشارع بما هو شارع كان ذلك هو الجعل التشريعي، اذ ليس الجعل التشريعي الّا الجعل الذي يكون للشارع بما هو شارع.

فانه يقال: فرق واضح بين تصوّر الشارع للشي ء بما هو شارع و بين جعله له تشريعا بما هو شارع، و تصوّر الشارع للشي ء ليس هو الّا ايجاد تكويني ذهني لذلك الشي ء في مقام تصوّره له، لوضوح ان مقام التصور ليس هو مقام امر الشارع و نهيه، و انما مقام امره و نهيه هو مقام تعلّق طلبه، فهو مقام جعله و تشريعه على المكلفين دون مقام تصوّره له.

ص: 80

.....

______________________________

الثالثة: مرحلة تعلّق الامر و الطلب بالماهية، و في هذه المرحلة يكون مجموع المركب المتعلّق به الامر هو كل المأمور به، و بعض هذا المركب المتعلق به الامر هو بعض المامور به، و الشي ء الخارج عنه المنوط به تأثيره هو شرط المامور به، و من الواضح ان مقام تعلّق الامر للشارع هو المقام الذي يكون الجعل فيه للشارع بما هو شارع و آمر.

فاتضح: ان انتزاع الجزئية- مثلا- في مرحلة ذات المركب و ماهيّته ليست بمجعولة لا تكوينا و لا تشريعا، و انتزاعها في مرحلة التصوّر مجعول بجعل منشأ انتزاعها تكوينا لا تشريعا، و في مرحلة الامر و البعث الذي هو المقام الذي يكون للشارع بما هو شارع تكون الجزئية مجعولة بجعل منشأ انتزاعها بالجعل التبعي التشريعي. و لا يخفى ان الجزئية في هذا المقام منتزعة من بعض ما تعلق به الامر لا من نفس الامر، لوضوح ان نفس الامر و الطلب ليس بجزء بل الامر و الطلب اوجب كون بعض ما تعلّق الامر به جزءا و كون المنوط به تأثير المركب المتعلق به الامر شرطا.

الامر الثاني: انه قد اتضح الفرق مما ذكرنا بين الجزء و الشرط. و اما المانع فهو الذي يكون مانعا بوجوده عن التأثير، فلذا كان عدمه شرطا في التأثير. و اما الفرق بين المانع و القاطع فقد تقدّم بيانه.

الامر الثالث: انه ما الفرق بين هذا النحو الثاني و النحو الاول، حيث ان المصنف اختار هناك عدم الجعل التشريعي للسببية و الشرطية و المانعية و الرافعية كما مرّ بيانه فيه، و في هذا النحو اختار كون الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعيّة من المجعولات بالجعل التشريعي التبعي.

و حاصل الفرق على ما يستلزمه كلامه (قدس سره): هو ان العناوين المذكورة في النحو الاول هي علل للتكليف على الفرض، فان السبب- مثلا- كالدلوك المفروض فيه انه سبب للوجوب، هو سبب للجعل التشريعي، و حيث ان السبب متقدّم بالذات على المسبب فالسببية منتزعة منه قبل الجعل، و مثله الحال في الشرطية

ص: 81

.....

______________________________

للوجوب و المانعية عنه و الرافعية له، بخلاف الجزئية و الشرطية للمأمور به فان فرض كونهما مما يتعلقان بالمأمور به بما هو مأمور به هو فرض تأخرهما عن الجعل التشريعي، اذ المأمور به انما يكون مامورا به بعد تعلّق الوجوب مثلا- الذي هو المجعول التشريعي- به، فالعناوين في النحو الاول منتزعة مما قبل الجعل التشريعي و لذا لم تكن من المجعولات التشريعية، و العناوين في هذا النحو منتزعة مما بعد التشريع فلذا كانت من المجعولات التشريعية، و اما كونها من المجعولات بالتبع لا بالاستقلال فسيتضح قريبا مما يذكر في الامر الرابع.

الامر الرابع: انه ليس في الطلب المتعلّق بالمامور به المركب الّا جعل تشريعي استقلالي واحد و هو الجعل المتعلّق بالمجموع، و من الواضح ليس هنا جعلان استقلاليان: جعل يتعلّق بالمجموع، و جعل استقلالي آخر يتعلق باجزائه، بل هذا الجعل الاستقلالي الواحد لما تعلّق بالمركب ابعاض هذا المركب بعض ما تعلّق الجعل الاستقلالي به، فهذا الجعل الواحد هو جعل استقلالي تشريعي للمركب، و جعل بالتبع لابعاضه التي هي اجزاء هذا المركب، لان هذا الجعل الواحد المتعلق بالمركب يكون جعلا بالتبع لاجزائه، لانه بفرض كون هذا الجعل متعلقا بالمجموع تكون اجزاؤه مجعولات بتبع هذا الجعل، لان فرض كونه مركبا فرض كونه ذا اجزاء، لوضوح كون عنوان الجزئية منتزع من هذا المقام، و هو مقام تعلق الجعل الاستقلالي بمركب ذي اجزاء، و بعد كون عنوان الجزئية يستلزمها الجعل المتعلق بالمركب لا وجه لجعل الجزئية استقلالا.

و اذا انشأ الشارع عنوان الجزئية او الشرطية للجزء او الشرط بان يقول- مثلا-:

الفاتحة جزء من الصلاة او الطهارة شرط لها، فهو بلحاظ الجعل المتعلق بالمركب الصلواتي الذي كانت الفاتحة جزءا منه و الطهارة شرطا له، و مرجع هذا الانشاء الى الجعل التبعي، لما عرفت من عدم معقولية الجعل الاستقلالي لكل جزء من اجزاء المركب بعد الجعل الاستقلالي لنفس المركب، و مثله الحال في الشرط و المانع و القاطع.

ص: 82

.....

______________________________

و اتضح مما ذكرنا: انه قبل مقام تعلق الامر و الطلب بالمركب لا يكون الجزء- مثلا- جزءا للمركب المامور به بما هو مامور به، فلا يعقل انشاء الشارع الجزئية للمامور به قبل تعلق الطلب و الامر به، لانه قبل تعلّق الامر بالمامور به ليس الجزء جزءا للمامور به بما هو مامور به.

نعم، قبل ذلك المقام الجزء جزء للمركب المتصوّر لا للمامور به و جزء للمركب في مقام ماهويّته، و قد عرفت ان مقام التصوّر مقام الجعل التكويني الذهني، و مقام الماهية ليس فيه جعل لا تكوينا و لا تشريعا.

فظهر مما ذكرنا: ان الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعيّة للمامور به هي من المجعولات التشريعية بالتبع لا بالاستقلال. و قد اشار الى ان هذا النحو الثاني من المجعولات التشريعيّة بقوله: ( (حيث ان اتصاف شي ء بجزئية المامور به او شرطيته او غيرهما)) و هي المانعية و القاطعية للمامور به ( (لا يكاد يكون)) تلك العناوين منتزعة عنها ( (الّا بالامر بجملة امور مقيدة بامر وجودي او عدمي)) فانه ينتزع من ابعاض ما تعلق الامر بمجموعه عنوان الجزئية، و من الشي ء الخارج عمّا تعلق به الامر و كان منوطا به تأثيره عنوان الشرطية، و من الخارج المنوط بعدمه التأثير عنوان المانعية و القاطعيّة، و قد اشار الى انها من المجعولات بالتبع بقوله: ( (و لا يكاد يتصف شي ء بذلك)) أي بعنوان الجزئية- مثلا- المنتزعة مما هو جزء للمامور بهذا القيد، و لذا فسره بقوله: ( (أي كونه جزءا او شرطا للمامور به)) فالجزء و الشرط بقيد كونهما جزءا و شرطا للمامور به لا يتصفان بالجزئية و الشرطية ( (الّا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه)) و هو المركب المشتمل على الجزء بان يكون ( (مقيدا بامر آخر)) خارج عنه و هو الشرط ( (و)) من الواضح انه ( (ما لم يتعلق بها)) أي بالجزئية و الشرطية ( (الامر كذلك)) أي ما لم يكن الامر متعلقا بما يشتمل على الجزء و انه مقيد بامر آخر ( (لما كاد)) يصح ان يكون ذلك الجزء أو الشرط قد ( (اتصف بالجزئية او الشرطية)).

و قد اشار الى ان الشارع و ان انشأ الجزئية للجزء و الشرطية للشرط فلا يكون ذلك

ص: 83

.....

______________________________

الجزء و الشرط من المجعولات بالتبع الّا في مقام تعلق امر بالمركب بقوله: ( (و ان انشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية)).

و قد اشار الى ان مرحلة التصوّر و مرحلة الماهية ليستا من المجعول التشريعي بقوله: ( (و جعل الماهية و اجزائها ليس إلّا تصوير ما فيه المصلحة المهمة)) فان قوله تصوير هي مرحلة التصوّر، و قوله ما فيه المصلحة هي مرحلة الماهية، و اليها اشار بقوله: ( (الموجبة للامر بها)) لان اشتمالها على المصلحة المهمة هو الذي دعا الشارع لان يتصورها ثم يتعلق بها امره. و اشار الى ان الماهيات المخترعة تصورها ليس من مرحلة جعلها التشريعي المنوط بمرحلة الامر بقوله: ( (فتصوّرها باجزائها و قيودها لا يوجب اتصاف شي ء منها بجزئية المامور به او شرطه)) لوضوح ان مرحلة التصوّر او الماهية هي مما ( (قبل الامر بها)) و مع كونها مما قبل الامر فلا يعقل ان يتصف الجزء و الشرط في المراحل السابقة على الامر ( (ب)) عنوان ( (الجزئية للمامور به او)) بعنوان ( (الشرطية له)) أي للمامور به و ( (انما ينتزع)) عنوان الجزئية ( (لجزئه)) أي لجزء المامور به ( (او)) عنوان الشرطية لما هو ( (شرطه)) أي لشرط المامور به ( (بملاحظة الامر به)).

و قد اشار الى انه مع الجعل التشريعي الاستقلالي المتعلق بالمركب من الاجزاء و ما له من الشروط لا يعقل ان يكون للاجزاء و الشروط جعل استقلالي آخر و انما تكون مجعولة بالجعل التبعي بقوله: ( (بلا حاجة الى جعلها له و بدون الامر به)) أي بالمركب المشتمل على الاجزاء و المقيد بالشروط ( (لا اتصاف بها اصلا)) أي لا اتصاف للجزء و الشرط بعنوان الجزئية و الشرطية للمامور به التي هي المجعولة بالتبع للجعل الاستقلالي للمركب ( (و ان اتصف)) الجزء أو الشرط ( (بالجزئية أو الشرطية للمتصوّر)) في مرحلة التصوّر و في مرحلة الماهية للمركب الذي تترتب عليه المصلحة و الغرض. و الى هذا اشار بقوله: ( (او لذي المصلحة)) إلّا انه قد عرفت ان هاتين

ص: 84

و أما النحو الثالث: فهو كالحجيّة و القضاوة و الولاية و النيابة و الحريّة و الرقية و الزوجيّة و الملكيّة إلى غير ذلك، حيث أنها و إن كان من الممكن انتزاعها من الاحكام التكليفية التي تكون في مواردها- كما قيل- و من جعلها بإنشاء أنفسها، إلّا أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرّد جعله تعالى، أو من بيده الامر من قبله- جلّ و علا- لها بإنشائها، بحيث يترتّب عليها آثارها، كما تشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكيّة و الزوجيّة و الطلاق و العتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف و الآثار، و لو كانت منتزعة عنها لما كاد يصحّ اعتبارها إلّا بملاحظتها (1)، و للزم

______________________________

المرحلتين لم يتعلق بهما الجعل التشريعي لانه في مرحلة التصور الجعل تكويني ذهني، و في مرحلة الماهية لا جعل اصلا لا تكوينا و لا تشريعا.

(1)

مجعولية النحو الثالث أصالة لا تبعا للتكليف

هذا النحو الثالث هو الذي كان محل الخلاف بين الشيخ الاعظم: من كونها من المجعول بالتبع للتكليف بمعنى كون الملكية- مثلا- ليست من المجعولات بالاستقلال، و انما هي منتزعة من الحكم التكليفي في موردها، كجواز التصرّف في الشي ء من بيعه و هبته و جواز الوطء في الزوجة و امثال هذه الاحكام التكليفية الثابتة في موارد هذه العناوين، و المراد من الجعل بالتبع هو الجعل بالعرض كحرمة ترك الواجب و بالعكس من وجوب ترك الحرام، دون ما كان له جعل نشأ من جعل آخر كوجوب مقدمة الواجب.

أو انها من المجعول بالاستقلال و انها بذاتها اعتبارات خاصة يترتب عليها احكام تكليفية في مواردها كما هو ظاهر المشهور، و مختار المصنف.

و قبل الشروع في ما اقامه المصنف على كونها من المجعولات التشريعية بالاستقلال لا بالتبع لا بأس ببيان امور توضيحا لهذا النحو الثالث:

ص: 85

.....

______________________________

الاول: بيان موارد العناوين و المفاهيم المذكورة في المتن. و هي الحجية التي هي جعل المنجزية و المعذرية لمثل الخبر الواحد و البينة بناء على مختار المصنف الذي مرّ تفصيله في مبحث الظن.

و القضاوة: و هي جعل الشارع المجتهد مرجعا في فصل الخصومات و المنازعات.

و الولاية: و هي كجعل الاب و الجد له سلطنة التصرف في اموال الولد الصغير.

و النيابة: و هي كجعل المجتهد نائبا عن الامام عليه السّلام في جملة من الامور ككونه ولي من لا ولي له و كونه وليا على اليتيم و غير ذلك من الامور المجعولة للمجتهدين.

و الحرية: و هي كون الشخص مطلقا غير مملوك لا نفسا و لا تصرفا لاحد، كالحرية الحاصلة بالعتق.

و الرقية: و هي كون الشخص مملوكا للغير نفسا و تصرفا.

و الزوجية: و هي كون المرأة زوجة و الرجل زوجا.

و الملكية: و هي اعتبار الاحاطة بالشي ء، و سيأتي مزيد توضيح للملكية في وهم و دفع ... و لا يخفى ان قول المصنف الى غير ذلك هو كمثل الصحة و الفساد و مثل اعتباراته لشي ء منزلة شي ء، كاعتبار كون الرضاع لحمة كلحمة النسب.

الثاني: ان هذه العناوين من الاعتبارات و ليست من الموجودات المتأصلة، لان الموجود المتأصّل منحصر في مقولة الجوهر و العرض، و من الواضح كونها ليست من مقولة الجوهر، و اما انها ليست من المقولات العرضيّة فلوضوح انها ليست من مقولة الكيف و الكم، و لا من مقوله الوضع و هي الهيئة الحاصلة من نسبة الشي ء بعضه لبعض و الى ما هو الخارج عنه كهيئة الركوع و السجود، و لا من مقولة ان يفعل و ان ينفعل لانهما من التأثير و التأثّر الخارجين ككون النار مسخنة للماء و كون الماء متسخنا بها، و لا من مقولة الزمان و المكان و هو واضح، و لا من مقولة الجدة لان مقولة الجدة هي الهيئة الحاصلة من احاطة شي ء بشي ء خارجا، و لا من مقولة الاضافة لان مقولة الاضافة و ان كانت من الموجود بوجود منشأ انتزاعه، الّا انها ليست مما تختلف

ص: 86

.....

______________________________

باختلاف الانظار و لا تتوقف على اعتبار معتبر لها، فان الفوقية و التحتية متحققة في جميع الانظار و ليست مثل حجية الخبر و لا ساير هذه العناوين و المفاهيم من الامور المتحققة في جميع الانظار، و الفوقية و التحتية متحققة لا يتوقف تحققها على اعتبار معتبر لها، بل يكفي في تحققها وجود ما هو فوق و ما هو تحت، بخلاف مثل الحجية و الملكية و العناوين الأخر المذكورة فانها ما لم يعتبرها معتبر كالشارع او العقلاء لا يكون لها تحقق، فيتعيّن انها من الاعتباريات التي يكون تحققها منوطا باعتبار معتبر لها.

الثالث: ان الجعل التشريعي كما عرفت فيما تقدّم منحصر في الجعل الاستقلالي و التبعي.(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 8 ؛ ص87

ا عرفت هذا ... فنقول قد ذكر المصنف وجوها ثلاثة تدل على كون هذه الامور من المجعولات الاستقلالية:

الاول: ان هذه المفاهيم المذكورة و ان امكن ثبوتا ان يكون كلها او بعضها من المجعول بالتبع، كما لو قلنا بان حجية الخبر هو جعل الحكم المماثل، فان الحجية تكون منتزعة من جعل هذا الحكم المماثل و مجعولة بتبعه، الّا ان الواقع اثباتا كما يشهد به الوجدان انها مجعولة بالاستقلال، فان الملكية- مثلا- تارة تكون اعتبارا قهريا من الشارع كما في الميراث، و اخرى يكون الشارع قد جعل امر ايجادها بيد المتسبب اليها، كما في الملكية الحاصلة بعقد البيع المركب من الايجاب و القبول، و كالزوجية الحاصلة بعقد النكاح من المتعاقدين، او بالايقاع كالحرية الحاصلة من ايقاع المعتق كقوله انت حر او اعتقتك، فان من الواضح ان هذه العناوين تحصل من نفس العقد و الايقاع من دون لحاظ للتكليف، و لو كانت منتزعة من التكليف لكان لا بد للعاقد و فاعل الايقاع ان يكون الملحوظ له التكليف لتنتزع منه هذه الامور، و الوجدان شاهد بان الزوجية تحصل من نفس عقد النكاح الذي انشأه الموجب و قبله القابل، الذي كان لحاظ الموجب فيه التسبب الى الزوجية و لحاظ القابل قبول ذلك، و ليس

ص: 87


1- 15. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

.....

______________________________

لهما لحاظ اصلا للتكليف المترتب على الزوجية بينهما، و مثله الحال في الموجب لعقد البيع فان لحاظه التمليك بالعوض و لحاظ القابل ذلك التمليك، و ليس لهما نظر الى التكليف المترتب على هذه الملكية المتبادلة، و لو كانت امرا انتزاعيا من التكليف لكان مما لا بد منه كون الملحوظ للمتعاقدين لحاظ التكليف لينتزع منه الملكية و الزوجية، بل ربما يكون لا تكليف اصلا كما في الصبي و المجنون و مع ذلك لكل منهما ملكية. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (حيث انها و ان كانت)) هذه العناوين ( (من الممكن)) ثبوتا ( (انتزاعها من الاحكام التكليفية التي تكون في مواردها كما قيل)) فتكون من المجعول بالتبع ( (و من)) الممكن ايضا ( (جعلها)) استقلالا ( (بانشاء انفسها إلّا انه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى)) كما في الملكية الارثية ( (او)) بجعل الشارع و اعتباره لها في حصولها من ( (من بيده الامر من قبله)) كالموجب و القابل أو المنشئ للايقاع، فان حصول الزوجية و الملكية بتسبيبهما انما هو لاعتبار الشارع حصول ذلك بتسبيبهما، و كذلك حصول الحرية من ايقاع المعتق فان تحققها انما هو من جملة اعتباره ( (جلّ و علا لها)) في انها تحقق ( (بانشائها)) واجدة للشرائط ( (بحيث يترتب عليها آثارها)).

و لا يخفى انه ما ذكرنا في تفسير قوله من بيده الامر هو واحد الاحتمالين، لانه يحتمل ان يكون مراده منه هو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السّلام الذي جعل لهم من قبله اعتبار حصول هذه الامور من المتعاقدين او من فاعل الايقاع، و على هذا فيكون قوله بانشائها من متعلقات قوله بمجرد جعله تعالى، لا من متعلقات قوله من بيده الامر من قبله. و قد اشار الى نفس الوجه الاول بقوله: ( (كما تشهد به)) أي كما تشهد بالجعل الاستقلالي الحاصل من انشاء تلك العناوين بانفسها هو ( (ضرورة صحة انتزاع الملكية و الزوجية و الطلاق و العتاق بمجرد العقد و الايقاع)) المتضمنين لانشاء نفس هذه العناوين ( (ممن)) جعل الشارع ( (بيده الاختيار)) في التسبب اليها ( (بلا ملاحظة)) من المتسبب الى ( (التكاليف و الآثار و لو كانت)) هذه العناوين

ص: 88

أن لا يقع ما قصد، و وقع ما لم يقصد (1).

______________________________

ليست مجعولة استقلالا بل كانت مجعولة بالتبع فتكون ( (منتزعة عنها)) أي عن التكاليف ( (لما كاد يصح اعتبارها)) أي لما كاد يصح حصولها ( (الّا بملاحظتها)) أي بملاحظة التكاليف، لوضوح انه لو كانت منتزعة من التكاليف و مجعولة بتبعها لما امكن ان تحصل الّا بقصد تحقق منشأ انتزاعها و هي نفس التكاليف، اذ لا يعقل تحقق الامر الانتزاعي الّا بتحقق منشأ انتزاعه، فلو فرض كونها من المجعول بالتبع للتكليف لكان حصولها متوقفا على ملاحظة التكليف في مقام قصد تحققها بالانشاء، و قد عرفت ان العاقد و فاعل الايقاع لم يلاحظ التكليف في مقام انشائه، و انما كان المقصود بالانشاء منه هو ملاحظة نفس تلك العناوين من دون ملاحظة له للتكاليف و الآثار التي تكون في مواردها.

(1) هذا هو الوجه الثاني الذي استدل به على جعل هذه العناوين بالاستقلال لا بالتبع، و حاصله: انه بعد ما عرفت من كون المنشئ للعقد و للايقاع قاصدا تحقق نفس هذه العناوين بانشائه لها، فلو لم تكن هي المجعولة بالاستقلال لتحصل بنفسها بمجرد انشائها، للزم ان يكون ما قصده المنشئ بانشائه لم يقع و ان ما وقع مما لم يقصده المنشئ بانشائه، لان الالتزام بالجعل التبعي لازمه ان يكون الواقع بانشاء المنشئ هو نفس التكاليف التي هي منشأ انتزاع هذه العناوين، و من الواضح ان المنشئ للعقد مثلا لم يقصد بانشائه الّا نفس مفاهيم هذه العناوين دون التكاليف، فما قصد انشاؤه لم يقع و ما وقع لم يقصد انشاؤه. و الى هذا اشار بقوله: ( (و للزم ان لا يقع ما قصد)) أي لو كانت هذه العناوين من المجعولات بالتبع للتكاليف للزم ان يكون ما قصد انشاؤه الذي هو نفس هذه العناوين لم يقع ( (و)) ان يكون قد ( (وقع ما لم يقصد)) لان المفروض ان الذي وقع بالانشاء هو التكاليف التي هي منشأ الانتزاع لهذه العناوين، و التكاليف لم يقصد انشاؤها.

ص: 89

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها، فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات، و لا الزوجية من جواز الوطء (1)، و هكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود و الإيقاعات (2).

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثالث الذي استدل به المصنف على كون هذه العناوين المذكورة ليست منتزعة عن التكاليف و غير مجعولة بتبعها. و حاصله: انه لو كانت منتزعة عن التكاليف لكان اللازم تحققها كلما حصلت و تحققت تلك التكاليف، لعدم معقولية عدم حصول الامر الانتزاعي مع فرض تحقق منشأ انتزاعه، فمع فرض كون الملكية في البيع- مثلا- منتزعة من جواز التصرّف لكان كلما تحقق جواز التصرّف تحققت الملكية، و اذا لم يتحقق جواز التصرف لم تتحقق الملكية، و ليس كذلك لان جواز التصرّف للولي في اموال الصبي متحقق مع كون الملكية للصبي لا للولي، و مثله الحال في جواز الوطء فان الزوجية لو كانت منتزعة من جواز الوطء المتحقق بعقد النكاح لكان كلما تحقق جواز الوطء تحققت الزوجية، و ليس الواقع كذلك فان جواز الوطء في الامة المحلّلة من مالكها للغير يتحقق بتحليلها جواز الوطء، و ليست هي زوجة لمن حلّلت له. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (كما لا ينبغي ان يشك في عدم صحة انتزاعها)) أي لا ريب في عدم صحة انتزاع تلك العناوين ( (عن مجرد التكليف في موردها)) كالملكية و الزوجية مثلا ( (ف)) انه ( (لا ينتزع الملكية عن)) مجرد ( (اباحة التصرّف)) كما في جواز تصرّف الولي فانه لا تنتزع منه الملكية للولى و انما الملكية للصبي مع ان جواز التصرف للولى لا للصبي ( (و لا)) تنتزع الزوجية ( (من)) مجرد ( (جواز الوطء)) كما في الامة المحللة فانه يجوز وطؤها و ليست بزوجة.

(2) أي ان المقصود في جميع موارد العقود و الايقاعات هو نفس تلك العناوين، دون التكاليف و الآثار التي تكون في مواردها، فان المقصود بعقد الاجارة- مثلا- هو ملكية منفعة العين و ملكية الثمن دون جواز التصرف للمستأجر في منفعة العين،

ص: 90

فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها، يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف، لا مجعولة بتبعه و منتزعة عنه (1).

- وهم و دفع: أما الوهم: فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل و الانشاء التي تكون من خارج المحمول، حيث ليس بحذائها في الخارج شي ء، و هي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا تكاد تكون بهذا السبب، بل بأسباب أخر كالتعمم

______________________________

و جواز التصرّف للمؤجر في الثمن، و كذلك المقصود بإيقاع اجازة المجيز المالك هو اجازة ما قصد إنشاؤه بالعقد دون الاحكام المترتبة عليه.

(1) هذا مجمل ما فصّله و استدل عليه، و هو انه بعد ان تبيّن ان هذه العناوين من الاعتباريات و ليست من المقولات، فلا بد و ان تكون مجعولة باعتبار الشارع لها، اما اختراعا او إمضاء. و بعد ان تبيّن ايضا انها ليست من المجعول بالتبع لجعل التكليف فيتعيّن انها من المجعول بالاستقلال، و لذا قال (قدس سره): ( (فانقدح بذلك)) و قد تبيّن وجه الانقداح، و انه قد ظهر ( (ان مثل هذه الاعتبارات)) للعناوين المذكورة ( (انما تكون مجعولة بنفسها)) و بالاستقلال لا بالتبع لجعل التكاليف بحيث ( (يصح انتزاعها)) كالملكية و الزوجية مثلا ( (بمجرد انشائها)) بالعقد ( (كالتكليف)) فانه يصح انتزاع الوجوب بمجرد انشاء الشارع للطلب بقوله افعل ( (لا)) انها ( (مجعولة بتبعه)) أي بتبع التكليف ( (و منتزعة عنه)) بل هي منتزعة عن جعلها بنفسها انتزاع العنوان عن معنونه، فالملكية تنتزع عن العقد المقصود بانشائه التمليك و قبوله، و الزوجية تنتزع عن العقد المقصود بانشائه كون المرأة زوجة و قبوله.

ص: 91

و التقمص و التنعل، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك، و أين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه (1)؟

______________________________

(1)

وهم و دفع

توضيح هذا الوهم: انه قد مرّ ان الملكية من الاعتباريات، و الامور الاعتبارية هي في قبال الموجودات المتأصّلة في الخارج، لان الموجودات المتاصّلة انما تحصل باسباب وجودها الخارجية، و الاعتباريات تحصل بمحض اعتبار المعتبر لها.

و لا يخفى ان اهل المعقول قسموا العارض المحمول على المعروض الى: المحمول بالضميمة، و هو عارض الوجود الذي له ما بحذاء في الخارج، كالاعراض المتأصّلة و غير المتاصّلة كمقولة الاضافة و كلها من عوارض الوجود، و الوجه في تسميتها المحمول بالضميمة هو ان حملها على معروضها يحتاج الى ضميمة كلفظة (ذو) أو مشتق مبدؤه المقولة، كالبياض فان حمله على الجسم انما يصح بواسطة لفظة (ذو) فيقال الجسم ذو بياض، او بواسطة المشتق و هو الابيض الذي مبدؤه البياض، فيقال الجسم ابيض.

و الى الخارج المحمول، و هو عارض الماهية كالامكان، و هو ليس من الموجودات المقوليّة لانه مما يعرض الموجودات الامكانية كلها، فلو كان هو موجودا من الموجودات الامكانية للزم التسلسل، فانه لو كان الامكان موجودا خارجيا لكان له امكان و ننقل الكلام الى امكانه و هلم جرا ... و الوجه في تسميته بخارج المحمول واضح لانه خارج عن الموجود الممكن و محمول عليه. و يظهر من المصنف ان الامور الاعتبارية هي من خارج المحمول عنده، و قد مرّ منه ان الملكية من جملة العناوين المذكورة التي هي من الاعتباريات، و الحال ان الملكية هي عنوان الملك، و من المسلّم انه من مقولة الجدة و هي من المقولات المتأصّلة ايضا و من المحمولات بالضميمة ايضا، و مقولة الجدة مما تحصل باسباب وجودها الخاصة، و ليس تحققها منوطا بالاعتبار، لان مقولة الجدة هي الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط بحيث ينتقل المحيط بانتقال

ص: 92

و أما الدفع: فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك، و يسمى بالجدة أيضا، و اختصاص شي ء بشي ء خاص، و هو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه، ككون العالم ملكا للباري جلّ ذكره، أو من جهة

______________________________

المحاط كالتختم و التقمّص، و من الواضح ان التختم و التقمّص مما يحصل باسبابه الخاصة لا باعتبار المعتبر.

فحاصل الوهم: ان الملكية كيف تكون من الاعتباريات المعدودة من خارج المحمول و لا وجود له في الخارج، و الموجود في الخارج منشأ انتزاعه: أي ان خارج المحمول موجود بوجود منشأ انتزاعه، فالملكية الحاصلة باعتبار المعتبر من خارج المحمول، مع ان الملك من مقولة الجدة التي هي من الموجودات الخارجية و من المحمول بالضميمة التي يكون تحققها باسبابها الخاصة الموجبة لتحققها خارجا، فليس هي من الاعتباريات المنوط تحققها باعتبار المعتبر الحاصل ذلك الاعتبار بمجرد الجعل و الانشاء ممن بيده ذلك. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (اما الوهم فهو ان الملكية كيف جعلت من الاعتباريات)) المنوطة باعتبار المعتبر ( (الحاصلة بمجرد الجعل و الانشاء)) و حيث يرى ان الاعتباريات من خارج المحمول قال ( (التي هي من خارج المحمول)) ثم فسّر خارج المحمول بقوله: ( (حيث ليس بحذائها في الخارج شي ء و)) الحال ان الملكية ( (هي احدى المقولات)) المتأصلة و من ( (المحمولات بالضميمة)) لانها هي مقولة الجدة ( (التي لا تكاد تكون بهذا السبب)) أي بالاعتبار ( (بل)) تكون الملكية ( (باسباب أخر)) موجبة لوجودها خارجا ( (كالتعمّم و التقمّص و التنعّل)) الذي هو في قبال الاعتبار، و لما كان الملك هو مقولة الجدة و هي الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط فالهيئة الحاصلة للشخص بواسطة التقمّص هي الملك اشار اليها بقوله:

( (فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك)).

فاتضح ان الملك من الموجودات الخارجية و ليس من الاعتباريات، و لذا قال (قدس سره): ( (و اين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد انشائه)).

ص: 93

الاستعمال و التصرف فيه، ككون الفرس لزيد بركوبه له و سائر تصرفاته فيه، أو من جهة إنشائه و العقد مع من اختياره بيده، كملك الاراضي و العقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا و عرفا. فالملك الذي يسمى بالجدة أيضا، غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد، أو غير اختياري كالإرث، و نحوهما من الاسباب الاختيارية و غيرها، فالتّوهّم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا، و الغفلة عن أنه بالاشتراك بينه و بين الاختصاص الخاص و الاضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم، أو المقولية كملك غيره لشي ء بسبب من تصرف و استعمال أو إرث أو عقد أو غيرها من الاعمال (1)، فيكون شي ء ملكا لاحد بمعنى، و لآخر بالمعنى الآخر،

______________________________

(1) و حاصل الدفع: ان لفظ الملك مشترك لفظي بين مقولة الجدة، و بين مفهوم الاختصاص الحاصل من اضافة شي ء لشي ء، و هذه الاضافة: تارة تكون هي الوجود و الايجاد المفاض من الواجب تعالى على ماهيات الممكنات، و به تكون موجودة و تسمّى بالاضافة الاشراقية، اما بالاضافة فلان الوجود و هو الربط بين الماهيات الممكنة و الواجب جلّ و علا، و اما بالاشراقية فلانه به تشرق الماهيات بنور الوجود.

و اخرى تكون الاضافة حاصلة بسبب مقولة الاضافة، ككون الفرس لزيد لاجل تصرّفه فيه و استعماله له.

و ثالثة تحصل الاضافة بسبب الجعل و الاعتبار القهري كالارث، او بالاختيار الحاصل بالعقد المنشأ من المتعاقدين، فالملكية التي هي من الاعتباريات ليست هي مقولة الجدة بل هي من مصاديق مفهوم الاختصاص، و هي من الاضافة التي تحصل بالاعتبار لا من مقولة الجدة ... و السبب في هذا الوهم هو الخلط بين الملك بمعنى

ص: 94

.....

______________________________

الجدة و الملك بمعنى الاختصاص. و أشار الى ما ذكرنا من الاشتراك في لفظ الملك بقوله: ( (و اما الدفع)) لهذا الوهم ( (فهو ان الملك يقال بالاشتراك)) اللفظي ( (على ذلك)) و هو الهيئة الحاصلة من احاطة محيط بمحاط بحيث ينتقل الاول بانتقال الثاني، كالتختم هو من احدى المقولات المتأصّلة ( (و يسمى بالجدة ايضا)) كما يسمى بالملك ( (و)) على ( (اختصاص شي ء بشي ء خاص)). و قد اشار الى الاضافة الاشراقية بقوله: ( (و هو ناشئ اما من جهة اسناد وجوده اليه ككون العالم ملكا للباري جلّ ذكره)) و هو تعالى مالك الملك و الى الاضافة المقولية اشار بقوله: ( (او من جهة الاستعمال و التصرف ككون الفرس لزيد ب)) سبب ( (ركوبه له و سائر تصرفاته فيه))، و اشار الى الاضافة الحاصلة بالجعل و الاعتبار ( (او من جهة انشائه و العقد مع من اختياره بيده)) و قد اشار الى كون الملك بهذا المعنى ليس من مقولة الجدة بالضرورة بقوله: ( (كملك الاراضي)) الكبيرة ( (و العقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا و عرفا)) و من أوضح الواضحات انه مع كون الاراضي متسعة و بعيدة بوجودها عن المشتري ليس الملك هنا من مقولة الجدة، لعدم امكان تحقق الهيئة الحاصلة من احاطة المحيط بالمحاط بين المشتري و تلك الاراضي، و لذا فرّع عليه بقوله: ( (فالملك الذي يسمى بالجدة ايضا)) و هي احدى المقولات المتأصّلة هو ( (غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ)) من الجعل و الاعتبار تارة ( (من سبب اختياري كالعقد)) الذي امره باختيار المتعاقدين ( (او غير اختياري كالارث)) اخرى ( (و نحوهما من الاسباب الاختيارية و غيرها)) كالملك الحاصل من عقد الصلح- مثلا- فانه من الامور الاختيارية للمتصالحين، و كالملك الحاصل بسبب الاقالة- مثلا- فان رجوع ملك العين الى البائع و ملك الثمن الى المشتري قهري بعد تحقق الاقالة، و كملك المتلوف منه مثل ماله التالف في ذمة من تلف المال في يده فانه قهري بالنسبة الى المتلوف منه.

ص: 95

فتدبر (1).

______________________________

و اشار الى ان سبب الوهم هو اطلاق لفظ الملك على مقولة الجدة فتوهّم منه انه بمعنى واحد يطلق عليها و على الملك الحاصل بالعقد مثلا، و قد اتضح ان سببه هو الغفلة عن كون لفظ الملك مشتركا لفظيا فيهما يطلق على مقولة الجدة بوضع، و على الاختصاص بماله من المصاديق بسبب وضع آخر بقوله: ( (فالتوهّم انما نشأ من اطلاق الملك على مقولة الجدة ايضا)) مع انه يطلق ايضا على الملك الحاصل بالعقد ( (و)) قد كان سبب هذا الوهم هو ( (الغفلة عن انه)) انما يطلق عليهما بسبب ( (الاشتراك بينه)) أي بين الملك بمعنى الجدة ( (و بين)) الملك بمعنى ( (الاختصاص الخاص)) ...

ثم اشار الى مصاديق الاختصاص و هي الثلاثة المذكورة بقوله: ( (و الاضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم او)) الاضافة ( (المقولية كملك غيره)) تعالى ( (لشي ء)) ككون الفرس لزيد ( (بسبب من تصرّف و استعمال او)) الاضافة الحاصلة من الاعتبار بسبب غير اختياري مثل ( (ارث)) الوارث ( (او)) سبب اختياري مثل ( (عقد)) المتعاقدين ( (او غيرهما من الاعمال)) كالملك الحاصل بالاختيار من فعل المتعاطيين او غير الاختيار كالتلف- كما تقدّم بيانه- و هو ملك المتلوف منه مثل ماله التالف في ذمة المتلف له فانه ملك قهري لا اختياري.

(1) هذا تفريع على ما ذكره من اختلاف مصاديق الاختصاص الموضوع له لفظ الملك، فان الاضافة المقولية ككون الفرس لزيد لركوبه له او تصرفه فيه، و الاضافة الجعلية الشرعية الحاصلة من العقد- مثلا- قد يجتمعان في الفرس مثلا، و لكن يكون الملك بمعنى الاضافة المقولية لشخص لكونه وكيلا عن غيره او غاصبا، و يكون الملك بمعنى الاضافة الجعلية الشرعية الحاصلة بالانشاء لشخص آخر، فيكون الفرس مملوكا شرعا لشخص، و يكون المتصرّف فيه و المستعمل له شخصا آخر.

و اما كونه ليس من الخارج المحمول كالامكان، بل هو من المحمول بالضميمة لان حمل الملكية على زيد يحتاج اما الى (ذو) او الى الاشتقاق، فيقال زيد ذو ملكية أو مالك.

ص: 96

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل، فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل، لعدم كونه حكما شرعيا، و لا يترتب عليه أثر شرعي، و التكليف و إن كان مترتّبا عليه إلّا أنه ليس بترتب شرعي (1)،

______________________________

فجوابه: انه كالخارج المحمول في كونه ليس بمتأصّل في الخارج لانه امر اعتباري، و كل امر اعتباري ليس من الموجودات المتأصلة: أي ليس من المقولات الخارجية لانه لا جوهر و لا عرض، اما انه في مقام حمله لا بد له من واسطة للحمل اما (ذو) او الاشتقاق فلم يتقدّم ذلك من المصنف.

(1)

جريان الاستصحاب و عدمه في الانحاء الثلاثة

قد عرفت ان ما يطلق عليه الوضع عند القوم على انحاء ثلاثة، و ان النحو الاول ليس بمجعول تشريعي لا بالاستقلال و لا بالتبع بل هو مجعول تكويني، و قد مرّ غير مرة انه لا بد في الاستصحاب من ان يكون المستصحب اما بنفسه مجعولا تشريعيا او كان موضوعا لاثر مجعول بلا واسطة .. و منه تعرف ان هذا النحو الاول لا مجال لجريان الاستصحاب فيه، لان الاستصحاب اما لعنوان السببية- مثلا- و هو عنوان انتزاعي عقلي من ذات السبب و ليس لنفس عنوان السببية اثر جعلي شرعي، و اما لنفس ذات السبب فانه لا مجال له ايضا، لان نفس ذات السبب امر تكويني لا مجعول تشريعي و ليس موضوعا لاثر جعلي شرعي، لان اثره اما عنوان السببية و هو امر عقلي او التكليف المسبب عنه، و التكليف و ان كان مجعولا تشريعيا الّا ان ترتبه على سببه عقلي لان وجود المعلول عند وجود علته امر عقلي لا شرعي. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (اذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل)) من كون بعضه جعله تكويني و بعضه مجعول تشريعي تارة بالتبع و اخرى بالاستقلال ( (ف)) لا بد انه ( (قد عرفت)) من ذلك ( (انه لا مجال لاستصحاب)) النحو الاول و هو ( (دخل ما له الدخل في التكليف)) كالسببية و الشرطية مثلا ( (اذا شك في بقائه)) أي في بقاء ما له الدخل ( (على ما كان عليه من الدخل)) و قد عرفت انه لا مجال لاستصحاب عنوان السببية

ص: 97

فافهم (1).

و إنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل، حيث أنه كالتكليف (2)، و كذا ما كان مجعولا بالتبع، فإن

______________________________

و لا لاستصحاب ذات المسبب ( (لعدم كونه حكما شرعيا)) بل هو مجعول تكويني ( (و لا يترتب عليه اثر شرعي)) لان عنوان السببية انتزاعي عقلي لا شرعي ( (و التكليف و ان كان مترتبا عليه)) كما في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ( (الّا انه)) قد عرفت ان ترتب المسبب على سببه من باب ترتّب المعلول على علته و هو ترتّب عقلي و ( (ليس بترتب شرعي)).

(1) لعله اشارة الى انه مع فرض كونه المترتّب امرا جعليا شرعيا و هو التكليف يكون ذات السبب مما فيه مجال للاستصحاب، لانه يكون موضوعا للاثر الشرعي، فان ترتّب الجعل الشرعي على السبب معناه انه مما يدعو الشارع الى جعل التكليف عند حدوثه، و حيث ان التكليف مما لا بد فيه من ان يكون بالاختيار و الارادة فلا يكون الترتّب في السبب هنا من باب ترتّب المعلول على علته، بل يكون السبب هنا بمعنى الداعي الى الجعل، و لما جعل الشارع التكليف عند تحقق هذا السبب فلازم ذلك كون السبب موضوعا لاثر شرعي فيكون لجريان الاستصحاب فيه مجال واضح.

(2) هذا هو النحو الثالث و هو المجعول بالاستقلال، و قد عرفت انه بنفسه حكم شرعي مجعول مثل الحكم التكليفي من حيث الجعل و التشريع، فهو مما يجري فيه الاستصحاب بلا اشكال، لانه مضافا الى كونه بنفسه حكما مجعولا شرعيا، هو مما يترتّب عليه الاحكام التكليفية التي هي آثار شرعية، فالملكية مثلا هي مجعول تشريعي وضعي و يترتّب عليها احكام تكليفية ايضا. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و انه لا اشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل حيث انه كالتكليف)) في كون كل منهما مجعولا تشريعيا استقلاليا.

ص: 98

أمر وضعه و رفعه بيد الشارع و لو بتبع منشأ انتزاعه (1)، و عدم تسميته حكما شرعيا لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا (2)،

______________________________

(1) هذا هو النحو الثاني كالجزئية فانه من المجعول الشرعي بالتبع كما مرّ بيانه، و هذا النحو و ان لم يكن مجعولا بالاستقلال بل هو من المجعول بتبع جعل المركب المشتمل عليه المتعلق به الطلب، إلّا انه لا فرق بينه و بين المجعول بالاستقلال في جريان الاستصحاب، لان الاستصحاب انما يجري في المجعول بالاستقلال لان امر وضعه و رفعه مما يرجع الى الشارع، و المجعول بالتبع مثله من هذه الجهة، و لا فرق بينهما الّا في كون المجعول بالاستقلال مما يتعلق به الرفع و الوضع بلا واسطة، و المجعول بالتبع مما يتعلق به الرفع و الوضع بالواسطة، فان جزئية الجزء- مثلا- مما يمكن رفعها و وضعها برفع المركب المشتمل عليه و وضعه الذي هو منشأ الانتزاع لجزئية الجزء، و اللازم في الاستصحاب كون المستصحب امرا شرعيا منوطا بالشارع، و من الواضح ان كون الجزء مما يرجع امره الى الشارع مما لا ريب فيه لما عرفت من امكان رفعه و وضعه بالواسطة، غاية الامر انه غير مجعول بالاستقلال لكفاية جعل المركب المشتمل عليه في جعله كما مرّ بيانه، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و كذا ما كان مجعولا بالتبع)) في انه لا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب فيه، لما عرفت من ان صحة جريان الاستصحاب منوطة بكون المستصحب امر رفعه و وضعه بيد الشارع، و من الواضح ان المجعول بالتبع كذلك ( (فان امر وضعه و رفعه بيد الشارع و لو بتبع منشأ انتزاعه)) فجزئية الجزء مثلا مما يجري فيها الاستصحاب، لان امر وضعها و رفعها بيد الشارع غاية الامر انه بواسطة وضع المركب و رفعه.

(2) هذا جواب عن سؤال مقدّر، حاصله: انه يشترط في جريان الاستصحاب كون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي، و المجعول بالتبع و ان كان من انحاء المجعول الشرعي الّا انه لا يصح اطلاق لفظ الحكم عليه، و قد اشار اليه بقوله:

( (و عدم تسميته حكما شرعا)) ... و اجاب عنه بجوابين:

ص: 99

نعم لا مجال لاستصحابه، لاستصحاب سببه و منشأ انتزاعه (1)،

______________________________

الاول: انه لا نسلّم عدم صحة اطلاق لفظ الحكم على المجعول بالتبع، لان الحكم بمعنى كونه مما يؤخذ من الشارع الشامل للحكم الوضعي مما يشمل المجعول بالتبع، لانه لا ريب في كونه مما يؤخذ من الشارع.

الثاني: انه لو سلّمنا عدم صحة اطلاق الحكم على المجعول بالتبع، الّا ان الملاك المصحح لجريان الاستصحاب فيما يطلق عليه الحكم موجود فيه ايضا، لما عرفت من ان مناط جريان الاستصحاب هو كون المستصحب مما تناله يد الرفع و الوضع شرعا، و ان التصرّف فيه مما يرجع الى الشارع، و هذا المناط موجود في المجعول بالتبع. و الى هذا اشار بقوله: ( (لو سلم غير ضائر)) أي لو سلّم عدم صحة اطلاق الحكم عليه لكنه لا يضر بجريان الاستصحاب ( (بعد كونه)) أي بعد كون المجعول بالتبع ( (مما تناله يد التصرّف شرعا)).

(1) توضيحه: ان الشك في جزئية الجزء مسبب عن الشك في الامر بالمركب المشتمل عليه، فالشك في الامر بالمركب من الشك في السبب، و الشك في جزئية الجزء من الشك في المسبب، و من المسلّم انه مع جريان الاستصحاب في السبب لا مجال لجريان الاستصحاب في المسبب كما سيأتي الاشارة اليه ان شاء اللّه تعالى، فجزئية الجزء و ان كان مما يجري فيه الاستصحاب لانه من المجعول الشرعي لما عرفت من ان المجعول بالتبع مما يرجع امر وضعه و رفعه الى الشارع، الّا انه حيث يجري الاستصحاب في الامر بالمركب المشتمل عليه اما في وجوده او عدمه لا مجال لجريان الاستصحاب في جزئية الجزء، لانه مع جريان الاستصحاب في السبب لا مجال لجريانه في المسبب.

و الى هذا اشار بقوله: ( (نعم)) و ان كان جزئية الجزء مما يجري فيه الاستصحاب، الّا انه ( (لا مجال لاستصحابه ل)) أجل ( (استصحاب سببه و منشأ انتزاعه)) لان جزئية الجزء انما تنتزع من المركب المشتمل عليه.

ص: 100

فافهم (1 ثم إن انها تنبيهات: الاول: إنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك و اليقين، فلا استصحاب مع الغفلة، لعدم الشك فعلا و لو فرض أنه يشك لو التفت، ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك، و لا شك مع الغفلة أصلا (2)، فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل و صلى ثم شك

______________________________

(1) لعله يشير الى ان جريان الاستصحاب في جزئية الجزء انما يكون لا مجال له حيث يجري الاستصحاب في الامر بالمركب الذي هو السبب للشك فيه، و اما مع عدم جريان الاستصحاب في الامر بالمركب الذي هو السبب فلا مانع من جريان الاستصحاب في جزئية الجزء، لما هو المعلوم من انه مع عدم جريان الاستصحاب في السبب يجري الاستصحاب في المسبب، و قد عرفت في مبحث الاقل و الاكثر ان عدم تعلّق الامر بالاكثر معارض بعدم تعلّق الامر بالاقل، و حيث يتعارض الاستصحابان في السبب و هو الامر بالمركب فلا مانع من جريان الامر في عدم جزئية الجزء المشكوك الذي هو المسبب. و اللّه العالم.

(2)

تنبيهات الاستصحاب

الاول: اعتبار فعلية الشك و اليقين
اشارة

حاصل هذا التنبيه انه يعتبر في جريان الاستصحاب كون الشك الذي هو احد ركني الاستصحاب فعليا، و انه لا يجري الاستصحاب فيما اذا كان الشك تقديريا.

و المراد من فعلية الشك هو كونه موجودا عند المكلف المستصحب بالفعل، و المراد من تقديرية الشك هو كون المكلّف بحيث لو التفت لحصل عنده الشك، و معنى هذا عدم وجود الشك بالفعل.

و الوجه في اشتراط جريان الاستصحاب بكون الشك فيه فعليا، هو ان الالفاظ و ان كانت موضوعة لنفس المعاني من دون تقيدها بشي ء، إلّا ان الظاهر من الالفاظ المستعملة في الاحكام الشرعية هو كونها مستعملة بما هي فانية في مطابقها الموجود، فقوله عليه السّلام لا تنقض اليقين بالشك ظاهر في كون الشك في هذه القضية قد رتّب عليه الحكم بما هو فان في مطابقه، و من الواضح ان مطابقه هو التردد الموجود في افق

ص: 101

.....

______________________________

النفس، و ما لم يكن التردد موجودا لا يكون الشك الذي هو موضوع الحكم في هذه القضية بمتحقق، و قد عرفت ان الشك احد ركني الاستصحاب و لا جريان له الّا مع تحقق كلا ركنيه، ففي حال فعلية الشك يتحقق كلا ركني الاستصحاب، و في فرض كونه تقديريا يكون احد ركني الاستصحاب مفقودا، و لا جريان للاستصحاب مع فقد احد ركنيه، و يتفرّع على هذا انه لا جريان للاستصحاب في حال غفلة المكلف و عدم التفاته، لعدم تحقق الشك عنده فعلا، و ان كان هو بحيث لو التفت لحصل له الشك.

و لا يخفى ان ما ذكرناه من الوجه في اشتراط فعلية الشك جار في اشتراط فعلية اليقين ايضا، و ان الظاهر من اليقين هو اليقين الفعلي لا التقديري، و لذا قال (قدس سره): ( (يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك و اليقين))، و اشار الى انه مع فرض الغفلة لا يجري الاستصحاب لعدم فعلية الشك بقوله: ( (فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا)) و اشار الى المراد من الشك التقديري بقوله: ( (و لو فرض انه يشك لو التفت)) و اشار الى وجه اشتراط الفعلية بقوله: ( (ضرورة ان الاستصحاب وظيفة الشاك)) و هو المتلبّس بالشك بالفعل، لما عرفت من ان الظاهر من قوله و لا تنقض اليقين بالشك كون المراد من الشك و اليقين المأخوذين في هذه القضية هو اخذهما بما هما فانيان في مطابقهما، و قد عرفت ان مطابق الشك هو التردد المتحقق في افق نفس الشاك، كما ان مطابق اليقين هو الانكشاف التام المتحقق في نفس المكلف ايضا، فمع فرض الغفلة عن اليقين لا يقين بالفعل و ان كان بحيث لو التفت لتيقّن، و مع الغفلة عن الشك لا شك بالفعل و ان كان بحيث لو التفت لشك.

و لما كان الغرض من هذا التنبيه هو بيان احكام الفروع الآتية المبتنية على الغفلة عن الشك جعله محل الاستدلال فيه في قوله: ( (ضرورة ان الاستصحاب وظيفة الشاك و)) انه ( (لا شك)) بالفعل ( (مع الغفلة اصلا)) و لكن قد عرفت ان الوجه

ص: 102

في أنه تطهر قبل الصلاة (1)، لقاعدة الفراغ (2)، بخلاف من ألتفت قبلها و شك ثم غفل و صلى، فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره

______________________________

المذكور جار في اليقين كما هو جار في الشك، و لذا اشترط فعليتهما معا في اول كلامه.

(1)

الاشارة الى فروع ثلاثة

توضيحه: ان المصنف يشير في المتن الى فروع ثلاثة:

الاول: ان يتيقن بالحدث و يغفل و يصلي، ثم بعد الفراغ من صلاته يشك في كونه صلى واجدا للطهارة لاحتماله ان يكون قد تطهر بعد الحدث في حال غفلته و صلى مع الطهارة، و يحتمل ان يكون قد صلى من غير طهارة و انه في حال غفلته لم يتطهر.

الثاني: ان يتيقن بالحدث ثم قبل ان يصلي يحصل له الشك في الطهارة، لاحتماله ان يكون قد تطهر بعد ان أحدث و بعد التفاته الى يقينه بالحدث و شكه في الطهارة تحصل له الغفلة و يصلي، و من الواضح انه حيث كان شاكا في الطهارة قبل ان يصلي فهو ايضا يكون شاكا في الطهارة بعد ان يصلي، و قد فرض في هذا الفرع ان شكه في الطهارة بعد الصلاة هو بعينه شكه فيها قبل الصلاة، و لازم هذا الفرض انه لا يحتمل ان يكون قد تطهر بطهارة اخرى بعد شكه الاول في الطهارة.

الثالث: هو هذا الفرع بتمامه إلّا انه يكون محتملا لان يكون قد تطهر بطهارة اخرى في حال الغفلة بعد ان حصل له اليقين بالحدث و الشك في الطهارة، و في هذا الفرع يكون للمصلي بعد فراغه شكان: الشك الاول: و هو الذي قد حصل له قبل ان يغفل و يصلي. و الشك الثاني: و هو احتمال ان يكون قد تطهر بطهارة اخرى في حال غفلته.

(2) لا يخفى ان الفرع الاول و هو من تيقن بالحدث ثم غفل و صلى، و بعد الفراغ يحتمل ان يكون قد تطهر في حال غفلته. و تبتني صحة الصلاة في هذا الفرع على عدم جريان الاستصحاب قبل الصلاة و لا في حال الصلاة، لانه مع فرض الغفلة لا شك

ص: 103

.....

______________________________

فعلي و انما الشك التقديري، و قد عرفت اشتراط جريان الاستصحاب بفعلية الشك، فالفرض في هذا الفرع انه لا شك له بالفعل لا في حال ما قبل الصلاة و لا في حال الصلاة، و انما يكون شكه بالفعل بعد فراغه من الصلاة، و في هذه الحال و هي حال ما بعد الفراغ من الصلاة لا مجرى للاستصحاب ايضا و ان كان الشك فعليا مسبوقا باليقين، لجريان قاعدة الفراغ المقدمة على الاستصحاب، و لذا حكموا بصحة الصلاة فيه.

و لا يخفى ان جريان قاعدة الفراغ مبني على انها قاعدة للشاك كما تدل عليه رواية الخاتم، لا انها من باب الطريقية و انه حين يعمل اذكر منه حين يشك، لوضوح ان فرض الغفلة فرض عدم الذكر في حال العمل. و على كل فقد اشار الى صحة الصلاة في هذا الفرع بقوله: ( (فيحكم بصحة صلاة من احدث)) و هو ملتفت الى انه قد أحدث ( (ثم غفل و صلى ثم)) بعد الفراغ من صلاته ( (شك في انه تطهر قبل الصلاة)) لاحتماله ان يكون قد تطهر في حال غفلته، و قد عرفت انه لا جريان للاستصحاب في حال ما قبل الصلاة و لا في حال الصلاة، لان جريانه انما يصح حيث يكون الشك اعم من الفعلي و التقديري، و قد عرفت قيام الظهور باختصاصه بالشك الفعلي، و مع فرض الغفلة فالشك تقديري فلا يجري الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة و لا في حال الصلاة، و لا جريان للاستصحاب في حال الفراغ لانه مجرى قاعدة الفراغ المقدمة على الاستصحاب و الحاكمة بصحة الصلاة، و لذا اشار الى ان الوجه في صحة الصلاة في هذا الفرع هي قاعدة الفراغ بقوله: ( (لقاعدة الفراغ)).

فاتضح مما ذكرنا: ان سبب صحة الصلاة في هذا الفرع امران: عدم جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة و لا في حال الصلاة، و جريان قاعدة الفراغ في حال ما بعد الصلاة، و لو جرى الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة و في حال الصلاة لما جرت قاعدة الفراغ بعد الصلاة، لوضوح انه لا مجرى لها في الحالتين

ص: 104

بعد الشك، لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (1).

______________________________

السابقتين لعدم الفراغ و موضوعها هو الشك في حال الفراغ و لا مجرى لها في حال الفراغ، لان الصلاة تكون محكوما عليها بالفساد و قبل تحقق موضوع قاعدة الفراغ.

(1) هذا هو الفرع الثاني، و هو من أيقن بالحدث ثم شك في الطهارة ثم غفل و صلى، و لا يحتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة فشكه بعد الفراغ هو شكه الاول، و قد حكموا في هذا الفرع بفساد الصلاة، لانه بعد ان تحقق الشك الفعلي يتحقق موضوع الاستصحاب قبل الصلاة، و يكون بموجب هذا الاستصحاب محكوما بعدم الطهارة، و لازمه كونه قد صلى على غير طهارة، و لذلك حكموا بفساد صلاته في هذا الفرع، و لا مجرى لقاعدة الفراغ فيه لان مجراها هو الشك في الصلاة غير المحكوم عليها بالفساد و لو بحسب الحكم الظاهري، و في المقام الصلاة محكومة بالفساد بسبب جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة، الذي قد عرفت ان لازم جريانه هو الحكم بفساد الصلاة، لان استصحاب عدم الطهارة بقاء لازمه وقوع الصلاة مع عدم الطهارة، فلا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ، لان لازم الحكم الاستصحابي بعدم الطهارة هو عدم الاعتناء بالشك بالصحة بعد الفراغ و البناء على عدم الطهارة و انه لا شك في الطهارة، فلا وجه للاعتناء بالشك في الطهارة في حال الفراغ بعد الحكم بلزوم عدم الاعتناء به و البناء على عدم الطهارة، فلا مجرى لقاعدة الفراغ.

لا يقال: ان الغفلة كما تمنع عن حدوث الاستصحاب كما هو مناط الحكم بالصحة في الفرع الاول، كذلك تمنع عن بقاء الحكم الاستصحابي عند عروضها، فلا مجرى للاستصحاب بقاء هنا كما انه لم يكن له مجرى حدوثا في الفرع الاول، و من الواضح ان الفرض هو عروض الغفلة قبل الصلاة و استمرارها في حال الصلاة الى حين الفراغ، ففي حال ما قبل الصلاة و في حال الصلاة لا مجرى للاستصحاب بقاء لاجل الغفلة، و في حال الفراغ لا مجرى له لجريان قاعدة الفراغ، و على هذا

ص: 105

.....

______________________________

فاللازم هو الحكم بصحة الصلاة في هذا الفرع كما حكموا بصحتها في الفرع الاول، و لا وجه لان يقال بالفرق بين الحدوث و البقاء، و ان الغفلة تمنع عن حدوث الاستصحاب و لا تمنع عن بقائه، لعدم النص من الشارع على هذا الفرق، فيكون المناط في منع الغفلة عن الاستصحاب هو كون الشك معها يكون تقديريا، و تقديرية الشك كما تمنع عن الحدوث تمنع عن البقاء ايضا.

فانه يقال: الفرق بين الغفلة في الفرع الاول و هذا الفرع واضح، لان الغفلة و عدم الالتفات في الفرع الاول توجب عدم فعلية الاستصحاب، بخلاف الغفلة و عدم الالتفات في هذا الفرع فانها غفلة عن فعليته لا عن أصله.

و بعبارة اخرى: ان الاستصحاب في الفرع الاول لا فعلية له لان الغفلة مانعة عنها، و الاستصحاب في هذا الفرع لا استمرار لتنجزه لفرض تحققه و فعليته و تنجزه قبل الغفلة، فالغفلة في هذا الفرع تمنع عن استمرار تنجزه لا عن فعليته، و لا اثر للغفلة عن التنجز بعد تحقق الفعلية، و من الواضح ان الآثار منوطة بالفعلية، و لذا يحكم بعدم الصحة في الجهل عن تقصير، بخلاف الجهل عن قصور لتحقق الفعلية في مقام التقصير دون القصور.

فاتضح: ان الفرق بين الفرعين لا من جهة الفرق بين الحدوث و البقاء، بل لان الغفلة في الفرع الثاني حيث كان الفرض فيه انها بعد الالتفات الى اليقين و الشك، و انه قبل عروض الغفلة كان الاستصحاب فعليا منجزا، فلا بد و ان تكون مانعة عن استمرار التنجز لا عن أصله و فعليته. و على كل فقد اشار الى فساد الصلاة في هذا الفرع بقوله: ( (بخلاف من التفت قبلها)) أي قبل الصلاة ( (و)) حصل له ( (شك)) في الطهارة فانه بتحقق الشك يكون الاستصحاب فعليا ( (ثم)) بعد فعلية الاستصحاب يكون قد ( (غفل و صلى فيحكم)) لاجل فعلية الاستصحاب في هذا الفرع ( (بفساد صلاته)). و قد اشار الى انه لا بد في هذا الفرع ان لا يحتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة و ان لا يكون له الا شك واحد و هو الشك الاول بقوله:

ص: 106

لا يقال: نعم، و لكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (1).

______________________________

( (فيما اذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك)) أي بان يقطع بانه في حال الغفلة لم يتطهر، فان كان متطهرا واقعا فهو لانه كان متطهرا قبل الغفلة فلا شك له في الطهارة الا شكه الاول فيها قبل ان يغفل، و الاستصحاب قد حكم بالبناء على عدمه، و ان احتمال كونه متطهرا واقعا لا اثر له و لا بد من الغائه.

و لا يخفى انه قد اشار ايضا الى الفرع الثالث بمفهوم هذه الجملة، و انه فيما اذا لم يقطع بعدم التطهير في حال الغفلة بان كان يحتمل ان يكون انه قد تطهر في حال الغفلة فسيأتي ان الحكم فيه هو صحة الصلاة. و على كل فقد اشار الى الوجه في الحكم بالفساد في هذا الفرع الثاني بقوله: ( (لكونه محدثا قبلها)) أي قبل الصلاة ( (بحكم الاستصحاب)) لان المفروض في هذا الفرع كونه قد ايقن بالحدث و شك في الطهارة قبل ان يغفل و يصلي، و هذا فرض فعلية الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة، و حيث ان المفروض ايضا انه لا شك له الا الشك الاول، فلا بد و ان يكون قاطعا بانه بعد ان جرى الاستصحاب الحاكم بالبناء على الحدث و عدم الطهارة، و لم تحصل منه طهارة اخرى رافعة لهذا الاستصحاب، فالاستصحاب مقطوع الفعلية و مقطوع بعدم نقضه بيقين آخر بعد عروض الشك الاول فلا رافع لفعليته، و الى هذا اشار بقوله: ( (مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي)).

(1) هذا الاشكال مرتبط بالفرع الاول، و حاصله: ان الغفلة في الفرع الاول و ان كانت توجب عدم جريان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة و في حال الصلاة لكون الشك تقديريا، إلّا انه بعد الفراغ يتحقق موضوع الاستصحاب و هو اليقين السابق بالحدث و الشك اللاحق بالطهارة بعد الفراغ من الصلاة، و هذا الشك فعلي لا تقديري، فتكون الصلاة بحسب هذا الاستصحاب محكومة بالفساد، فكيف حكموا بالصحة في هذا الفرع الاول مع ان الاستصحاب الجاري بعد الفراغ يقتضي

ص: 107

فإنه يقال: نعم، لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (1).

______________________________

فسادها؟ لان استصحاب الحدث من زمان اليقين الى حال الفراغ يقتضي كونه محدثا في حال الصلاة فيكون هذا الاستصحاب حاكما بوقوع الصلاة مع الحدث، و لازم ذلك فسادها ايضا كما كان الاستصحاب في الفرع الثاني موجبا للحكم بالحدث في حال الصلاة. و الى هذا اشار بقوله: ( (نعم)) و ان كان الاستصحاب تقديريا في حال الغفلة ( (و لكن)) بتحقق الشك بعد الفراغ يكون فعليا و لازمه ان يكون ( (استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت)) و حصل له الشك ( (بعدها)) أي بعد الصلاة ( (يقتضي ايضا فسادها)) أي فساد الصلاة، لما عرفت من ان استصحاب الحدث الى ما بعد الفراغ لازمه كونه محدثا في حال الصلاة ايضا، كما كان الاستصحاب في الفرع الثاني موجبا لكونه محدثا في حال الصلاة.

(1) حاصله: ان جل موارد قاعدة الفراغ هي مجرى للاستصحاب، و حيث ان من المسلم تقدمها على الاستصحاب فهذا الشك الحاصل بعد الفراغ و ان كان فعليا إلّا انه لا يجري به الاستصحاب، بل به تجري قاعدة الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة، نعم لو جرى هذا الاستصحاب لكان لازمه الحكم بالحدث في حال الصلاة إلّا انه لا يجري، و الاستصحاب في حال الصلاة و في حال ما قبل الصلاة لا يجري لكون شكه تقديريا، بخلاف الفرع الثاني فان الاستصحاب في حال ما قبل الصلاة جار لكون شكه فعليا لا تقديريا، و مع جريانه قبل تحقق موضوع القاعدة و هو الفراغ تكون الصلاة بحسبه باطلة، فلا يبقى مجال لجريان قاعدة الفراغ، و لذا قال (قدس سره): ( (نعم لو لا قاعدة الفراغ ... الى آخر الجملة)).

الفرع الثالث: من تيقن بالحدث و شك في الطهارة ثم غفل و صلى، و لكنه بعد الفراغ احتمل ان يكون قد تطهر في حال الغفلة، و قد اشار المصنف الى هذا الفرع بمفهوم قوله: ( (فيما اذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك)) أي بعد الشك الاول، و في

ص: 108

الثاني: إنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شي ء على تقدير ثبوته، و إن لم يحرز ثبوته فيما رتّب عليه أثر شرعا أو عقلا؟

إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين، و لا بد منه، بل و لا شك، فإنه

______________________________

هذا الفرع حكموا بصحة الصلاة، و ان كان مقتضى الاستصحاب الجاري قبل الغفلة هو البناء على الحدث، و لكنه حيث كان هناك شكان: الشك الاول الذي كان قبل الغفلة، و الشك الثاني المسبب عن احتمال التطهير في حال الغفلة، و الاستصحاب و ان اقتضى البناء على الحدث إلّا انه بالنسبة الى الشك الاول، و اما بالنسبة الى الشك الثاني ففي حال الغفلة لا مجرى للاستصحاب، لان الشك تقديري، و بعد الفراغ قاعدة الفراغ مقدمة على الاستصحاب، و لذلك حكموا في هذا الفرع بصحة الصلاة كالفرع الاول.

لا يقال: انه في الفرع الاول لا مجرى للاستصحاب لفرض الغفلة فيه بعد اليقين من غير فصل، و الاستصحاب في هذا الفرع جار لفعلية الشك فيه قبل الغفلة.

فانه يقال: ان غاية الامر هو جريان الاستصحاب في هذا الفرع من حيث الشك الاول، إلّا انه لما كان هنا شك ثان و هو احتمال التطهير في حال الغفلة، فالاستصحاب و ان اقتضى البناء على الحدث قبل الغفلة، إلّا انه من حيث الشك في حال الغفلة لا مجرى له، و بعد الفراغ قاعدة الفراغ مقدمة و مقتضاها الصحة.

و بعبارة اخرى: ان الاستصحاب قبل الغفلة و ان كان مقتضاه البناء على الحدث، إلّا ان هذا الاستصحاب بالنسبة الى الشك الاول ليس بأعظم من تيقن الحدث قبل الغفلة، و لكنه حيث كان هنا شك ثان و في هذا الشك الثاني لا مجرى للاستصحاب و قاعدة الفراغ مقتضاها الصحة، لذلك كانت هي الجارية و اثرها صحة الصلاة، و اللّه العالم.

ص: 109

على تقدير لم يثبت (1)، و من أن اعتبار اليقين إنما هو لاجل أن التعبد و التنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث، فيكفي الشك فيه على

______________________________

(1)

الثاني: استصحاب مؤديات الامارة

توضيحه: ان الامارة: تارة تدل على ثبوت الحكم كما لو قلنا في الامارات بالسببيّة، و لا كلام في هذا لعدم الاشكال في الاخذ بما دلت عليه الامارة من الحكم سواء بعمومها او باطلاقها. و اخرى: تكون الامارة دالة على محض ثبوت الحكم لو كان، بان تكون منجزة له لو كان و معذّرة عنه، كما لو قلنا بجعل محض الحجيّة، فانه لو كان المجعول نفس الحجية فلا تستلزم الامارة ثبوت الحكم على طبق مؤداها، بل حتى لو قلنا بالحكم الطريقي فانه حيث كان منبعثا عن مصلحة الواقع فلا يكون فيما اذا أخطأت الامارة حكم على طبقها من دون دلالة لها لا بالعموم و لا بالاطلاق، فهل يجري استصحاب الحكم الذي دلّت الامارة على محض ثبوته أي على تنجيزه أو لا يجري؟ و هذا التنبيه الثاني معقود لبيان ذلك، و انه هل يجري الاستصحاب في هذا الفرض أو لا يجري؟

و لا يخفى ان المراد من العنوان المذكور في هذا التنبيه هو ما ذكرنا لا ما توهمه ظاهر العبارة من كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت في جريان الاستصحاب، لان فرض كون الثبوت تقديريا هو فرض عدم الثبوت بالفعل، و قد عرفت انه لا بد في الاستصحاب من كون الثبوت فيه فعليا، و مع عدم الثبوت بالفعل لا يجري الاستصحاب.

و توضيح الاشكال ببيان امرين: الاول: ان المستفاد من دليل لا تنقض هو انه لا بد في مجرى الاستصحاب من يقين سابق متعلق بحكم أو بموضوع ذي حكم، و شك لاحق متعلق بما تعلق به اليقين السابق، فاليقين السابق و الشك اللاحق بهما يتقوّم الاستصحاب، فاذا فقد احدهما فلا وجه لجريان الاستصحاب، لعدم تحقق ما به يتقوّم الاستصحاب.

ص: 110

.....

______________________________

الثاني: ان المسالك في الامارة ثلاثة: الاول: السببيّة و لازمها تحقق حكم واقعي ثانوي على طبق ما قامت عليه الامارة. الثاني: الحكم الطريقي و معناه جعل الحكم المماثل للحكم الواقعي بعنوان ما قامت عليه الامارة. و على هذين المسلكين تكون الامارة دالة على حكم واقعي على الاول و حكم طريقي على الثاني، فالشك اللاحق في بقاء هذا الحكم يتحقق فيه ركنا الاستصحاب و هما اليقين و الشك، لبداهة تحقق اليقين بالحكم بناء عليهما أما واقعا او ظاهرا، و لكن قد عرفت ان الاشكال جار حتى على الحكم الطريقي. الثالث: كما هو مختار المصنف ان المجعول هو نفس الحجية: أي المنجزية و المعذرية، و عليه فاذا قامت الامارة على حكم لا يقين بالحكم لا واقعا و لا ظاهرا، و انما يكون هناك يقين بقيام الحجة الموجبة لتنجيز الواقع لو اصابت و العذر عنه لو أخطأت.

فاذا عرفت هذا ... نقول: انه لو قامت الامارة على حكم ثم عرض الشك في بقائه- بناء على هذا المسلك الاخير- يشكل القول بجريان الاستصحاب، لانه لا يقين سابق بالحكم، لوضوح انه لم يحصل من قيام الامارة على حكم اليقين بالحكم لا واقعا و هو واضح و لا ظاهرا، لانّه لم يجعل حكم على طبق مؤدى الامارة ظاهرا، بل المجعول فيها نفس المنجزية و المعذرية.

و بعبارة اخرى: انه اذا قامت الامارة- بناء على جعل الحجية- فالحاصل لنا عند قيامها هو اليقين بالحجيّة، و هو انه على فرض الاصابة يكون الحكم الواقعي منجزا بها، و على فرض الخطأ فعدم الامتثال للحكم الواقعي لا عقاب عليه لتحقق المعذّر عنه، و اما بالنسبة الى الحكم الواقعي فليس لنا من جهته الّا احتماله و لا حكم ظاهري على الفرض، فلا يكون لنا عند قيام الامارة يقين متعلق بحكم اصلا، بل ليس لنا الّا احتمال ثبوته.

بل يمكن ان يقال: انه لا شك لاحق ايضا- بناء على هذا المسلك- لان الشك اللاحق الذي به يتقوّم الاستصحاب هو الشك المتعلق ببقاء ما تعلق به اليقين،

ص: 111

تقدير الثبوت، فيتعبد به على هذا التقدير، فيترتّب عليه الاثر فعلا فيما كان هناك أثر، و هذا هو الاظهر، و به يمكن أن يذب عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها، و قد شك في بقائها على تقدير ثبوتها، من الاشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي، و لا يكون هناك حكم آخر فعلي، بناء على ما هو التحقيق، من أن قضية حجية الامارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الاصابة و العذر مع المخالفة، كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا، كالقطع و الظن في حال الانسداد على

______________________________

و حيث لا يقين بثبوت الحكم فلا شك لاحق متعلق ببقاء ما تعلق به اليقين، و ان كان لنا شك في الحكم، إلّا انه ليس من الشك المتعلق ببقاء ما تعلق به اليقين، فركنا الاستصحاب اللذان هما اليقين بالثبوت و الشك في البقاء مفقودان في المقام، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (اشكال)) في جريان الاستصحاب فيما اذا قامت الامارة على محض الثبوت و الى وجه الاشكال اشار بقوله: ( (من عدم احراز الثبوت)) لعدم اليقين بالحكم لا واقعا و لا ظاهرا ( (فلا يقين و)) قد عرفت انه ( (لا بد منه)) لتقوم الاستصحاب بركنين احدهما اليقين السابق المتعلق اما بحكم او بموضوع ذي حكم.

و قد اشار الى انه لا شك في البقاء ايضا بقوله: ( (بل و لا شك)) في البقاء لما عرفت من انه عند قيام الامارة لا يقين الا بالحجة و اما الحكم فلا يقين به، و ليس لنا عند قيامها سوى احتمال ثبوته، و الظاهر انه هو مراده من قوله: ( (فانه على تقدير لم يثبت)) أي ان الشك لا بد و ان يكون فيما ثبت، و المفروض في المقام احتمال الثبوت عند قيام الامارة، فلا يكون لنا شك فيما ثبت، بل ليس لنا إلّا احتمال الثبوت على تقدير اصابة الامارة، و على تقدير عدم اصابتها لا ثبوت، و ليس هناك حينئذ الا المعذرية فيما لو كان الحكم الواقعي على خلاف ما قامت عليه الامارة، كما لو قامت على اباحة شي ء و كان واقعا واجبا او حراما فالحكم الواقعي على تقدير ثابت و على تقدير لم يثبت، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما ثبت.

ص: 112

الحكومة، لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية، كما هو ظاهر الاصحاب.

و وجه الذب بذلك، إن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء، فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا، للملازمة بينه و بين ثبوته واقعا (1).

______________________________

(1) المتحصل من مجموع ما في المتن- اولا و آخرا- في دفع هذا الاشكال و انه يجري الاستصحاب بمجرد قيام الامارة على محض الثبوت: أي على تنجيزه لو كان ...

يتوقف توضيحه على امور ثلاثة:

الاول: ان الملازمة اذا كانت بين شيئين سواء كانت عقلية أو جعلية شرعية فان الدليل القائم على احد المتلازمين يكون دليلا على الملازم الآخر، و المنجز لاحد المتلازمين شرعا يكون منجزا شرعا للملازم الآخر ايضا، و يكفي في ثبوت جعل الملازمة الشرعية بين امرين جعل الشارع لامر مرتبا على امر آخر، فان لازم هذا الجعل هو الملازمة الشرعية بينهما.

الثاني: ان الظاهر من اليقين في اخبار الاستصحاب و في كل مقام اخذ اليقين فيه هو كونه طريقا الى الواقع، و ليس لصفة اليقين بما هي يقين موضوعية في ترتب الحكم، بل اليقين انما يثبت به الحكم لانه انكشاف تام للواقع، لا لان لصفة اليقين خصوصية في ترتب الحكم، و لازم هذا ان قول الشارع لا تنقض اليقين بالشك مرجعه الى جعل الملازمة بين ثبوت الشي ء واقعا و التعبد ببقائه عند الشك فيه، و ان قوله لا تنقض اليقين بالشك بمنزلة قوله اذا ثبت شي ء واقعا و شك في بقائه يجب ابقاؤه.

الثالث: انه يتضح مما ذكرنا ان الملازمة الشرعية في المقام هي بين ثبوت الشي ء واقعا و التعبد ببقائه في مقام الشك في بقائه، لانه رتب الشارع وجوب التعبد بالبقاء

ص: 113

.....

______________________________

عند الشك على ثبوته واقعا، و منه تنتزع الملازمة بين الثبوت الواقعي و التعبد بالبقاء في حال الشك.

فاذا عرفت هذا ... نقول: انه بناء على جعل الحجية في مورد الامارة، و ان كان لا يقين بالحكم الواقعي و لا شك في بقاء ما ثبت، بل الموجود هو الشك في البقاء على تقدير الثبوت، إلّا انه لما كانت الملازمة بين وجوب التعبد بالبقاء و الثبوت الواقعي، و كانت الامارة القائمة على محض الثبوت حجة على الثبوت الواقعي و محرزة له، و كان الدليل على احد المتلازمين دليلا على الملازم الآخر- اتضح انه لا مانع من جريان الاستصحاب حتى بناء على جعل الحجية، لان الامارة لما كانت حجة على الثبوت الواقعي كانت دليلا على ثبوت التعبد بالبقاء ايضا، فانه و ان كان وجدانا ان الموجود عندنا هو الشك في البقاء على تقدير الثبوت، إلّا ان معنى حجية الامارة هو تحقق الثبوت، و هي دليل ايضا على وجوب التعبد بقاء بهذا الثبوت المتحقق بالامارة، لما عرفت من ان الدليل على احد المتلازمين يكون دليلا على الملازم الآخر، فلا وجه للاشكال بعدم تمامية الاستصحاب بناء على كون المجعول في الامارة هو الحجية.

و مما ذكرنا يتضح: ان اليقين اذا كان طريقيا لا تعبد فيه في الاستصحاب، و انما التعبد فيه حيث يكون لصفة اليقين موضوعية في مقام الاستصحاب، و ينحصر التعبد في الاستصحاب بجعل البقاء في حال الشك بمنزلة الثبوت الواقعي، فاذا شككنا في بقاء شي ء على تقدير ثبوته و قام الدليل على احراز ثبوته و تنجيزه بذلك الدليل القائم عليه، كان ذلك الدليل دليلا ايضا على التعبد ببقائه و قد اشار الى ما ذكرنا في مقام الجواب عن الاشكال بقوله: ( (و من ان اعتبار اليقين)) هو على نحو الطريقية لا الموضوعية كما هو الحال في ساير ما اخذ فيه اليقين. و اذا كان اليقين على نحو الطريقية فلازمه جعل الملازمة بين الثبوت و وجوب التعبد بالبقاء عند الشك، و لازمه ايضا عدم الجعل في اليقين لان ذكر اليقين بناء على الطريقية هو بمنزلة قوله اذا

ص: 114

.....

______________________________

ثبت شي ء واقعا، فذكر اليقين انما هو لكونه طريقا الى الواقع لا لاجل التعبد بصفة اليقين على نحو الموضوعية فيه. و على هذا فيكون ذكر اليقين ( (انما هو لاجل ان التعبد و التنزيل شرعا انما هو)) أي منحصر ( (في)) خصوص التعبد ب ( (البقاء لا في الحدوث)) و المتحصل منه حينئذ هو جعل الملازمة بين التعبد بالبقاء و بين الثبوت واقعا ( (ف)) لازم ذلك انه ( (يكفي الشك فيه)) أي يكفي الشك في البقاء ( (على تقدير الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير)) فيما اذا قام الدليل و هو الامارة على الثبوت، لانها تكون دليلا ايضا على التعبد بالبقاء للملازمة ( (فيترتب عليه الاثر)) أي فيترتب على البقاء الاثر ( (فعلا فيما كان هناك اثر و هذا هو الاظهر)) أي كون المراد من اليقين هو الطريقية لا الموضوعية و ان الملازمة بين الثبوت الواقعي و التعبد بالبقاء هو اظهر من كون اليقين مأخوذا على نحو الموضوعية ليرد الاشكال المذكور.

و على هذا فلا مانع من جريان الاستصحاب عند قيام الدليل على محض ثبوته و شك في بقائه، و لذا قال (قدس سره): ( (و به)) أي و بما ذكرنا ( (يمكن ان يذب)) أي ان يجاب ( (عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارة المعتبرة على مجرد ثبوتها)) من دون أن يكون للامارة المعتبرة عموم او اطلاق يقتضي البقاء و الاستمرار ( (و قد شك في بقائها)) أي في بقاء تلك الاحكام ( (على تقدير ثبوتها)) واقعا ( (من الاشكال بانه لا)) يكون هناك ( (يقين لا بالحكم الواقعي)) لان المفروض قيام الامارة عليه و هي ظنية لا توجب يقينا به ( (و لا يكون هناك حكم آخر فعلي)) لانه ليس البناء على كون المجعول في الامارة هو الحكم النفسي و لا الطريقي بل ال ( (بناء على ما هو التحقيق من ان قضية حجية الامارة ليست إلّا تنجز التكاليف مع الاصابة و العذر مع المخالفة)) و ان المجعول في الامارة شرعا هو كونها ( (كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع)) فان كونه حجة لا بجعل جاعل ( (و)) مثله ( (الظن في حال الانسداد على الحكومة)) لا الكشف، و على هذا فلا يجري الاستصحاب لعدم اليقين بالحكم و لا الشك في بقائه ايضا كما مر بيانه، فلا تحقق لكلا ركني الاستصحاب. هذا بناء

ص: 115

إن قلت: كيف؟ و قد أخذ اليقين بالشي ء في التعبد ببقائه في الاخبار، و لا يقين في فرض تقدير الثبوت (1).

______________________________

على ما هو التحقيق في جعل حجية الامارة ( (لا)) بناء على غير ما هو التحقيق من ان حجية الامارة عبارة عن ( (انشاء احكام فعلية شرعية)) اما نفسية او طريقية ( (ظاهرية كما هو ظاهر الاصحاب)) المشعر بذلك ظاهر قولهم ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم، فانه بناء على هذا يجري الاستصحاب لتحقق كلا ركنيه.

( (و وجه الذب)) أي وجه الدفع لهذا الاشكال ( (بذلك)) و هو ما مر بيانه من ( (ان)) الملازمة انما هي بين الثبوت الواقعي و التعبد بالبقاء، لان الظاهر من اليقين كونه طريقيا لا موضوعيا، و عليه فيكون ( (الحكم الواقعي الذي)) قامت عليه الامارة و ( (هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء)) لما مرت الاشارة اليه من ان الدليل على احد المتلازمين دليل على الآخر ( (فتكون الحجة)) القائمة ( (على ثبوته حجة)) ايضا ( (على بقائه تعبدا للملازمة بينه)) أي للملازمة بين ثبوته بقاء تعبدا ( (و بين ثبوته واقعا)) كما عرفت تفصيله.

(1) حاصله: ما مر في الاشكال من كون الاستصحاب متقوما باليقين لقوله عليه السّلام لا تنقض اليقين بالشك، و بناء على ان المجعول هو المنجزية و المعذرية لا يقين بالحكم، و اذا كان لا يقين فلا تعبد بالبقاء لانه تعبد بابقاء اليقين، و لذا قال (قدس سره): ( (كيف)) يجري الاستصحاب ( (و قد اخذ اليقين بالشي ء)) كموضوع ( (في)) مقام ( (التعبد ببقائه)) في ظرف الشك ( (في)) ظاهر ( (الاخبار)) الدالة على حجية الاستصحاب ( (و)) المفروض انه ( (لا يقين)) بالحكم ( (في فرض تقدير الثبوت)) أي في فرض قيام الامارة على محض الثبوت، بناء على ان المجعول فيها هو المنجزية و المعذرية.

ص: 116

قلت: نعم، و لكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه و مرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه، و التعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه (1)، فافهم (2).

______________________________

(1) حاصله: ما مرت الاشارة اليه ايضا، من ان هذا الاشكال انما يتم على الموضوعية في اليقين، و قد عرفت ان الظاهر من اليقين كونه طريقا لا موضوعا، فاليقين قد اخذ بما هو كاشف و مرآة للثبوت الواقعي، و ان الظاهر هو جعل الملازمة بين الثبوت و التعبد بالبقاء، و انه لا تعبد في اخذ اليقين و انما التعبد بالبقاء في ظرف الشك لا غير، فتارة يكون الثبوت متعلقا لليقين فيجب التعبد به بقاء، و اخرى يكون التعبد بالبقاء على فرض الثبوت كما مر بيانه. و الى ما ذكرنا اشار بقوله:

( (نعم)) أي ان الاشكال انما يتم بناء على الموضوعية في اليقين ( (و لكن الظاهر انه قد اخذ)) اليقين بنحو ان يكون طريقا و ( (كشفا عنه)) أي عن الشي ء ( (و مرآة لثبوته)) واقعا و لم يؤخذ اليقين لان يتعبد به، بل اخذ ( (ليكون التعبد في بقائه في)) ظرف الشك ( (و)) على هذا فيكون ( (التعبد مع فرض ثبوته انما يكون)) في مقام الشك ( (في بقائه)) كما مر بيانه مفصلا.

(2) لعله اشارة الى التكليف الظاهر في هذا الوجه في دفع الاشكال، مضافا الى ان الظاهر كون اليقين قد اخذ في اخبار الاستصحاب لوثاقته، و قد مر منه البناء منه على ذلك في اول المبحث، مضافا الى ان لازم ما ذكره من كون اليقين طريقيا و ان الملازمة مجعولة بين الثبوت الواقعي و التعبد بالبقاء ان لا يجري الاستصحاب لو تعلق اليقين السابق بحكم، و كان ذلك الحكم في ظرف تعلق اليقين السابق به لا تحقق له واقعا، بان كان في ذلك الوقت اليقين مخطئا و غير مصيب للواقع، و كان ثبوت الحكم واقعا، بان كان في ذلك الوقت اليقين مخطئا و غير مصيب للواقع، و كان ثبوت الحكم واقعا في ظرف الشك في بقائه لا في الزمان السابق، و لا اظن ان يلتزم به المصنف.

فالاولى في الجواب عن الاشكال ان يقال: ان الظاهر ان المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب هو مطلق الحجة الموجبة للتنجز عند الاصابة و للعذر عند المخالفة، فاليقين في اخبار الباب قد اخذ على نحو الموضوعية، و لكنه لا بما هو يقين،

ص: 117

الثالث: إنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الاحكام، أو ما يشترك بين الاثنين منها، أو الازيد من أمر عام (1) فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه و ارتفاعه، كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام (2)، و إن كان

______________________________

بل بما هو حجة قاطعة للعذر، و عليه فلا فرق بين الامارة المجعولة منجزة و معذرة و بين اليقين في تحقق كلا ركني الاستصحاب فيما اذا شك في البقاء و هو واضح.

و اللّه العالم.

(1)

الثالث: استصحاب الكلي و أقسامه الثلاثة
اشارة

لا شبهة في جريان الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب حكما جزئيا او موضوعا جزئيا ذا حكم، و هل يجري الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب موضوعا كليا او حكما كليا؟

و المصنف قد تعرض لما اذا كان المستصحب حكما كليا، و لم يتعرض لما اذا كان المستصحب موضوعا كليا، و لعله لان الحال في الحكم كالحال في الموضوع، و المختار له هو جريان الاستصحاب في الحكم الكلي في قسمين منه، و لذا قال (قدس سره):

( (لا فرق في المتيقن السابق بين ان يكون خصوص احد الاحكام)) أي الحكم الجزئي ( (او)) كان المتيقن السابق ( (ما يشترك بين الاثنين منها او الازيد)) من الاثنين كما لو كان كليا يشترك فيه الكل، و اليه اشار بقوله: ( (او الازيد من امر عام)).

القسم الاول من اقسام الاستصحاب الكلي

(2) لا يخفى ان اقسام استصحاب الكلي ثلاثة: الاول: ان يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في بقاء الخاص، كما لو شككنا في بقاء زيد بعد تيقن وجوده، فانه لا اشكال في كون زيد هو فرد من الانسان، لانه عبارة عن حصة من طبيعي الانسان مع زيادة التشخص، فاليقين بوجود زيد يقين بوجود الانسان المتحقق فيه بحصة منه، و الشك في بقاء زيد شك في بقاء الانسان ايضا، و هذا مما لا إشكال فيه لتحقق كلا ركني الاستصحاب من اليقين و الشك فيه كما هما متحققان في استصحاب الخاص، و الى هذا اشار بقوله: ( (فان كان الشك في بقاء

ص: 118

.....

______________________________

ذاك العام)) الذي هو الكلي كان مسببا ( (من جهة الشك في بقاء الخاص)) كزيد فيما اذا شك في بقائه بعد تيقّن وجوده، فان الشك في بقاء زيد يكون سببا للشك في بقاء الكلي ( (الذي كان في ضمنه و ارتفاعه)) أي و ارتفاع ذلك الخاص الذي كان الكلي في ضمنه ... و الحاصل: ان الشك في كون ذلك الخاص هل باق او مرتفع موجب للشك في بقاء الكلي و ارتفاعه.

و اشار الى انه لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه من جهة تحقق اركان الاستصحاب فيه، و ان حالها كالحال في تحقق أركان الاستصحاب في الخاص بقوله:

( (كان استصحابه)) أي كان استصحاب العام ( (كاستصحابه)) أي كاستصحاب الخاص من جهة تحقق اركان الاستصحاب، و انما الاشكال في ان الاثر الذي لاجله كان التعبّد بالبقاء: ان كان واحدا فهو اما ان يكون اثرا للكلي او للفرد، و لا يعقل ان يكون اثرا لهما معا، لان لازم كون الاثر الواحد اثرا لهما هو كون خصوصية التشخّص الموجبة لتحقق الفرد دخيلة في تحقق الاثر و غير دخيلة فيه، و هو تناقض واضح لان لازم كونه اثرا للفرد هو كون لخصوصية التشخّص دخل في تحقق الاثر، و لازم كونه اثرا للكلي هو عدم دخل خصوصية التشخّص في ترتيب الاثر، فاذا كان لا يعقل ان يكون اثرا لهما معا فلا يجري الاستصحابان استصحاب الكلي و استصحاب الفرد، لما هو واضح من ان الاستصحاب انما هو لاجل ترتب الاثر، و حيث ان الاثر لاحدهما، فلا يجري الّا استصحاب ماله الاثر، فان كان للكلي جرى استصحابه دون استصحاب الفرد، و ان كان للفرد جرى استصحابه دون استصحاب الكلي.

و ان كان متعدّدا جرى استصحابهما معا، فيستصحب الكلي و يترتب عليه اثره و يستصحب الفرد و يترتب عليه اثره ... و هل يكفي استصحاب احدهما عن استصحاب الآخر، او لا بد من استصحابهما معا؟

ص: 119

.....

______________________________

و يظهر من المصنف في تعليقته على الرسائل ان استصحاب الكلي لا يكفي عن استصحاب الفرد الّا بناء على الاصل المثبت، بخلاف استصحاب الفرد فانه بناء على كون الطبيعي- عقلا- عين فرده في الخارج فاستصحابه كاف عن استصحاب الكلي و ليس من الاصل المثبت. لكنه لما كان الكلي و الفرد بنظر العرف اثنين، و ان الكلي و الفرد بنظر العرف بينهما العلية و المعلولية، و ان الفرد كمعلول للكلي، فيكون استصحاب الفرد ايضا لاثبات الكلي من الاصل المثبت بنظر العرف، لان اثبات المعلول لعلته من اللوازم العقلية لا الشرعيّة، فيتوقف كفاية استصحاب الفرد لاثبات الكلي على صحة الاصل المثبت. و حيث انه سيأتي كما مرّت الاشارة اليه في المباحث المتقدّمة ان جريان الاستصحاب في مقام تعيين مجراه موكول لنظر العرف، و بمقتضاه لا يكفي جريان استصحاب الفرد عن استصحاب الكلي بعد ان كانا بنظر العرف اثنين و بينهما العلية، و لا معوّل على ما يقتضيه من الوحدة خارجا عقلا، لان جريان الاستصحاب ليس موكولا اليه، بل هو موكول لنظر العرف ... و الوجه في كون استصحاب الكلي غير كاف عن استصحاب الفرد بنظر العقل بخلاف استصحاب الفرد فانه مغن عقلا عن استصحاب الكلي، هو ان الكلي بمنزلة الجنس للفرد، و ليس خصوصية الفردية مقوّمة لحقيقة الجنس، بل هي مقوّمة لحقيقة الشخص، فلا يكون استصحاب الكلي مغنيا عن استصحاب الفرد، بل يكون ملازما له، و اثبات الملازم بالملازم يتوقف على صحة الاصل المثبت، بخلاف استصحاب الفرد عند العقل فانه حيث كان الكلي مقوّما للفرد فاستصحاب الفرد هو استصحاب الكلي الذي في ضمنه ايضا، فلذلك كان استصحاب الفرد مغنيا عن استصحاب الكلي لثبوت الكلي بثبوت فرده، فلا يكون اثبات الكلي باستصحاب الفرد من الاصل المثبت. و اللّه العالم.

ص: 120

الشك فيه من جهة تردّد الخاص الذي في ضمنه، بين ما هو باق أو مرتفع قطعا (1)، فكذا لا إشكال في استصحابه، فيترتّب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه و لوازمه (2)، و تردّد ذاك الخاص- الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه و يكون وجوده بعين وجوده- بين متيقن الارتفاع و مشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه، غير ضائر

______________________________

القسم الثاني من اقسام الاستصحاب الكلي

(1) هذا هو القسم الثاني من استصحاب الكلي، و هو ما اذا كان الشك في الكلّي مسببا عن تردد الكلّي بين كونه متحققا في ضمن الفرد المقطوع الارتفاع لو كان هو الحادث، و بين كونه مقطوع البقاء لو كان هو الحادث، كما لو علمنا بوجود حيوان في الدار تردّد امره بين ان يكون بقّا او فيلا- بناء على ان البق لا يعيش اكثر من ثلاثة ايام- فبعد الثلاثة يشك في وجود الكلي في الدار، لانه ان كان هو المتحقق في ضمن البق فقد ارتفع بموت البق، و ان كان هو المتحقق في ضمن الفيل كان باقيا قطعا، و مثله ما لو علمنا بنجاسة شي ء ترددت نجاسته بين كونها دما او بولا- بناء على لزوم التعدّد في غسل البول دون الدم- فبعد الغسلة الاولى يشك في بقاء النجاسة، لانها ان كانت دما فقد ارتفعت بالغسلة الاولى قطعا، و ان كانت بولا فهي باقية قطعا لاحتياج البول الى غسلتين.

(2) حاصله: انه لا ينبغي الاشكال في جريان الاستصحاب في نفس الكلي لتحقق كلا ركني الاستصحاب فيه، لفرض التيقّن بحدوثه قبل انقضاء الثلاثة ايام و الشك في بقائه بعد انقضاء الثلاثة، و بعد تحقق كلا ركني الاستصحاب فيه يجري استصحابه و يترتب عليه آثاره، و لذا قال (قدس سره): ( (لا اشكال في استصحابه)) لتحقق كلا ركني الاستصحاب بالنسبة اليه ( (فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا)) كوجوب اطاعته فيما اذا كان مثل الوجوب ( (او شرعا)) كالحكم بنجاسة المحل المرددة نجاسته بين كونها دما أو بولا، و على كلّ فيترتب على استصحاب بقاء الكلي ما له ( (من احكامه و لوازمه)).

ص: 121

باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه، مع عدم إخلاله باليقين و الشك في حدوثه و بقائه (1)، و إنما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد

______________________________

(1) لا يخفى ان الشيخ الاعظم في رسائله ذكر اشكالين في استصحاب هذا القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي: الاول ما اشار اليه بقوله: و تردد ذاك الخاص.

و حاصله: انه لا شك في بقاء الكلي في هذا الفرض، بل الكلي مقطوع الارتفاع وجدانا و تعبدا.

و توضيحه: ان الكلي لا وجود له بذاته في الخارج و انما يوجد في الخارج بوجود فرده، و وجود الكلي في ضمن الفرد القصير العمر مقطوع الارتفاع وجدانا، و وجوده في ضمن الفرد الطويل العمر مشكوك الحدوث، و يجري استصحاب عدم حدوثه و لازمه التعبد بارتفاعه، فالكلي مقطوع الارتفاع في احد الفردين وجدانا و في الفرد الآخر تعبدا، فلا شك في بقاء الكلي بقاء حتى يجري الاستصحاب فيه. و اليه اشار بقوله: ( (و تردد ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه و يكون وجوده)) أي يكون وجود الكلي ( (بعين وجوده)) أي بعين وجود الفرد فما يلحق الفرد لا بد و ان يكون لاحقا لما كان وجوده بعين وجوده، و من الواضح ان الفرد المردد بين القصير و الطويل مقطوع الارتفاع اما وجدانا او تعبدا، و الى هذا اشار بقوله: ( (بين متيقن الارتفاع)) و لان المفروض القطع بارتفاع الفرد القصير العمر بعد الثلاثة ايام، و بين الفرد الطويل العمر ( (و)) هو ( (مشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه)) تعبدا بحكم الاستصحاب الجاري فيه لانه متيقن العدم مشكوك الحدوث بقاء.

و الجواب عنه: ان للكلي مقامين: مقام الوجود خارجا، و مقام العلم و التصور، و في مقام الوجود الخارجي حيث ان الكلي لا متعين و لا يكون له التعين في مقام الوجود إلّا بالفرد، فليس له إلّا نحو واحد من التحقق و هو وجوده متعينا بوجود فرده، و اما في مقام العلم و التصور فله نحوان من التحقق، لانه تارة يتعلق

ص: 122

الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما، لإخلاله باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب، كما لا يخفى.

______________________________

العلم بوجود الكلي بما هو متعين باحد التعينات، و اخرى يتعلق العلم بوجود ذات الكلي من دون تعلق العلم بتعينه، و حيث ان المفروض الجهل بالتعينات لفرض عدم العلم بكون الموجود هو الفرد القصير او الطويل، فلم يتعلق العلم بالكلي بما هو متعين، و انما تعلق العلم به بذاته من دون تعينه باحد التعينات، و الكلي المردد بين الفرد المقطوع الارتفاع وجدانا و المقطوع الارتفاع تعبدا هو الكلي المتعين، لا الكلي غير المتعين، و لا مانع في مقام جريان الاصول من التفكيك بين الكلي المتعين و الكلي غير المتعين، و ليس مجرى الاستصحاب هو الكلي المتعين، لفرض الجهل بالتعين، فما هو مجرى الاستصحاب ليس بمقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا لانه هو الكلي اللامتعين، و ما هو مقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا ليس بمجرى الاستصحاب، بل ما هو مجرى الاستصحاب و هو الكلي اللامتعين هو وجدانا متيقن الحدوث مشكوك البقاء، و الى هذا اشار بقوله: ( (غير ضائر باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه)) أي في ضمن الفرد، لان اليقين قد تعلق بوجود الكلي اللامتعين، فلا يكون متعلق اليقين مقطوع الارتفاع وجدانا او تعبدا، فمتعلق اليقين و هو الكلي و ان كان في مقام تحققه في الخارج يكون في ضمن الفرد و متعينا بتعينه، إلّا انه في مقام العلم قد تعلق العلم بذاته و هو متيقن الحدوث مشكوك البقاء، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه ( (مع عدم اخلاله باليقين و الشك في حدوثه و بقائه)) و انه بالوجدان متيقن الحدوث مشكوك البقاء.

ص: 123

نعم، يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين، فيما علم تكليف في البين (1). و توهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في

______________________________

(1) قد عرفت ان استصحاب الكلي لا مانع منه، و هل يمكن استصحاب الفرد المردد أو لا؟ .. يظهر من السيد في حاشيته على مكاسب الشيخ امكان استصحاب الفرد المردد، كما يمكن استصحاب الكلي.

و حاصل ما ذكره: ان جهلنا بالخصوصية المفردة لا تنافي علمنا بوجود فرد مشخص بما له من التشخص و هو متعلق اليقين بهذا العنوان، ثم نشك في بقائه بعد الثلاثة ايام او نشك في بقائه بعد الغسلة الاولى، و يصح استصحاب هذا الفرد بما له من هذا العنوان المذكور، و لا مانع من استصحابه و ان جهلنا بخصوصيته المفردة له.

و الجواب عنه: ان استصحاب الفرد المردد بعنوان كونه مرددا غير معقول، اذ الفرد معين و مشخص و ما لا تشخص له لا وجود له، فالفرد بعنوان كونه مرددا لا وجود له و لا تحقق، و ما لا وجود له و لا تحقق لا يعقل ان يتعلق به العلم، و من الواضح انه ليس في الخارج الا الطبيعي المضاف الى الخصوصية المشخصة، و حيث فرض الجهل بالخصوصية فلا علم لنا الا بالطبيعي، و الفرد المردد الذي نعلم به وجدانا هو نفس هذا الطبيعي المضاف الى الخصوصية من دون علم بالخصوصية، فاستصحاب الفرد المردد الذي يدعيه السيد هو بنفسه استصحاب الكلي، و ليس مرادهم من استصحاب الكلي هو الموجود المضاف الى الماهية المطلقة، بل مرادهم منه هو الطبيعي المضاف الى احد الخصوصيتين، و هو الجامع بينهما و يترتب عليه الاثر المشترك بينهما لانه هو الاثر للطبيعي المضاف الى احد الخصوصيتين مع فرض الجهل بالخصوصية، و اما استصحاب الفرد بما له من الخصوصية فهو معلوم العدم لفرض الجهل بالخصوصية.

ص: 124

.....

______________________________

لا يقال: انا بالوجدان نعلم بتحقق فرد بما له من الخصوصية فنستصحب ذلك المتحقق بالعنوان المذكور، و هذا غير استصحاب الطبيعي و هو الحصة المضافة مع حذف المضاف اليه.

فانه يقال: انه عند التأمل ان علمنا بالوجدان بتحقق فرد بما له من الخصوصية ليس هو إلّا العلم بتحقق حصة مضافة الى التشخص.

و بعبارة اخرى: انه فرق بين ان نعلم بوجود فرد بخصوصه و لكنا نجهل تفصيل حاله، و في مثل هذا يكون متعلق العلم عنوانا معلوما له مطابق خاص قد جهلنا تفصيل ما هو مطابقه، و لا مانع من جريان الاستصحاب فيه بعد الشك في بقائه، و بين ان نعلم بما هو مردد بين خصوصيتين، فان متعلق العلم ليس هو إلّا الجامع بين هاتين الخصوصيتين، و لا علم لنا في مثل هذا بعنوان معلوم مطابقه مجهول التفاصيل كما في الفرض الاول المذكور.

و الحاصل: ان الفرد المردد بما هو مردد لا تحقق له، و بما هو جامع بين الخصوصيتين مرجعه الى استصحاب الكلي، فلا وجه لاستصحاب الفرد المردد.

و على كل ان كلا من الخصوصيتين بعد ان فرض الجهل بهما لا وجه لاستصحاب الوجود فيهما، لانه لا يقين به، و لا وجه لاستصحاب عدمهما معا، فانه و ان كان مجرى للاستصحاب للعلم بعدمهما معا سابقا، و لكن بعد العلم بوجود احدهما يكون عدم كل منهما معارضا بمثله. هذا اذا قلنا بجريان الاستصحاب في مورد العلم الاجمالي، و إلّا فلا مجال لاستصحاب عدم كل منهما، فهو من موارد العلم الاجمالي، و بمقتضى منجزية العلم الاجمالي يجب الاحتياط في رعاية التكاليف المعلومة بالاجمال فيما اذا كانا متباينين، و الاتيان بها جميعا رعاية لمنجزية العلم الاجمالي، و إلّا فلا بد من الاتيان بما هو المتيقن كما مر تفصيله في مباحث الاشتغال.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و انما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب احد الخاصين)) بخصوصه ( (اللذين كان امره)) أي امر الفرد ( (مرددا بينهما لاخلاله

ص: 125

ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعا (1)، لعدم كون بقائه

______________________________

باليقين)) في مقام استصحاب وجود الفرد الخاص، و من الواضح انه مع الجهل بالخصوصية المفردة لا يقين بالفرد الخاص، و حيث لا يقين لا مجرى للاستصحاب، لان اليقين ( (الذي هو احد ركني الاستصحاب)) مما لا بد من تحققه في جريان الاستصحاب، و استصحاب عدمهما و ان كان متعلقا لليقين إلّا انه إما لا مجرى له في مورد العلم الاجمالي، أو انه ساقط بالمعارضة لفرض العلم بتحقق نقيض احد العدمين المستصحبين. و الى منجزية العلم الاجمالي حيث يعلم بتحقق احد الفردين اشار بقوله: ( (نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة اجمالا المترتبة على الخاصين ...

الى آخر الجملة)).

(1) حاصله: التعرض للاشكال الثاني على استصحاب الكلي من الاشكالين اللذين اشار اليهما الشيخ الاعظم. و توضيحه: ان الكلي بعد ان كان مرددا بين ما كان مرتفعا قطعا و باقيا قطعا، فبعد انقضاء الزمان الذي بانقضائه يقطع بانتفاء الفرد القصير العمر فلا محالة يكون الشك في بقاء الكلي بالفعل مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر، اذ لو لم يحتمل حدوث الفرد الطويل العمر لا يكون بالفعل شاكا في بقاء الكلي، و لما كان السبب للشك في بقاء الكلي هو الشك في حدوث الفرد الطويل العمر، فاذا جرى الاصل في السبب لا يبقى مجال معه لجريان الاصل في المسبب، و من الواضح جريان الاصل فعلا في عدم حدوث الفرد الطويل العمر، و معه لا يجري الاصل في بقاء الكلي الذي هو المسبب، بعد ان كان لازم التعبد بعدم حدوث الفرد الطويل الذي هو السبب هو البناء على عدم المسبب، فلا مجرى للاصل في الكلي بعد جريان الاصل في سببه، و لا يجري الاصل في عدم حدوث الفرد القصير العمر حتى يكون معارضا للاصل الجاري في عدم الفرد الطويل العمر لفرض القطع بارتفاعه، فلا مجرى الا للاصل في عدم حدوث الفرد الطويل العمر

ص: 126

و ارتفاعه من لوازم حدوثه و عدم حدوثه، بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء (1)، مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو

______________________________

اللازم من جريانه عدم جريان الاصل في الكلي المسبب عنه. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و توهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك)) الفرد ( (المردد مسببا)) بعد انقضاء المدة التي لا يبقى معها الفرد القصير العمر ( (عن الشك في حدوث الخاص)) و هو الفرد الطويل العمر ( (المشكوك حدوثه المحكوم)) بمقتضى الاستصحاب الجاري فيه ( (بعدم الحدوث ب)) واسطة استصحاب ( (اصالة عدمه)) و لازم هذا الاستصحاب هو البناء تعبدا على عدم بقاء الكلي فعلا تعبدا، لان لازم الاصل الجاري في السبب عدم جريان الاصل في مسببه. و قوله: ( (فاسد قطعا)) هو خبر قوله و توهم: أي ان هذا التوهم فاسد قطعا.

(1) اجاب المصنف عن هذا التوهم باجوبة ثلاثة:

الاول: ما اشار اليه بقوله لعدم ... الى آخره، و توضيحه: انه لا يعقل ان يكون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر، لان المفروض هو القطع بحدوث الكلي المردد وجوده بين كونه في ضمن الفرد القصير او الطويل، و حيث كان حدوث الفرد الطويل مشكوكا من اول الامر، فمع فرض الشك في حدوث السبب بحسب دعوى هذا المتوهم كيف يمكن ان يحصل القطع بحدوث المسبب؟ فلا يعقل ان يكون الشك في بقاء الكلي- مثلا- مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل العمر، لان السبب في البقاء هو السبب في الحدوث، فكيف يعقل ان يكون الشك في الكلي بقاء مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل مع كون الكلي مقطوع الحدوث و سببه الذي هو الفرد الطويل مشكوك الحدوث؟ .. و انما السبب للشك في بقاء الكلي فعلا هو كونه مرددا وجوده بين ان يكون في ضمن الفرد الباقي او في ضمن الفرد المرتفع، و ليس الشك في بقائه مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل.

ص: 127

بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه (1)، على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا، و لا يكاد

______________________________

و مما ذكرنا يظهر المعارضة بين الاصل في عدم حدوث الفرد القصير و بين الاصل في عدم حدوث الفرد الطويل، و ان كان بعد القطع بارتفاع الفرد القصير، لان مجرى الاصل هو الحدوث لا البقاء حتى لا يكون مجرى للاصل في الفرد القصير للعلم بارتفاعه. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (لعدم كون بقائه و ارتفاعه)) أي بقاء الكلي و ارتفاعه ( (من لوازم حدوثه و عدم حدوثه)) أي من لوازم حدوث الفرد الطويل و عدم حدوثه ( (بل)) السبب للشك في بقاء الكلي هو تردده بين الفردين و انه ( (من لوازم كون الحادث المتيقن)) الحدوث هو ( (ذاك)) الفرد القصير ( (المتيقن الارتفاع او)) انه من لوازم ذاك الفرد الطويل المتيقن ( (البقاء)) فعلا لو كان هو الحادث.

(1) هذا هو الجواب الثاني عن هذا التوهم، و حاصله: ان الكلي و فرده ليس من قبيل السبب و المسبب، لوضوح ان لازم السببية و المسببية هو الاثنينية الخارجية، و كون السبب خارجا غير المسبب في الخارج، و من الواضح ان الكلي عين فرده في الخارج و لا سببية اصطلاحية بينهما و لا علية و لا معلولية خارجية بينهما، و قولهم ان الفرد مجرى فيض الوجود الى الطبيعي ليس معناه العلية و المعلولية الاصطلاحية، بل معناه ان الطبيعي حيث انه لا تعين له الا في ضمن فرده و هو اللامتعين، فالفرد هو الذي به يتحصل الكلي و يتعين، و حاله حال الصورة بالنسبة الى المادة فان تعين المادة انما هو بتعين الصورة، و ليس هذا من العلية و المعلولية و السببية و المسببية الاصطلاحيين حتى يكون الشك في الكلي بقاء مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل و هو سبب له. و الى هذا اشار بقوله: ( (مع ان بقاء القدر المشترك)) بين الفردين الذي هو الكلي ليس من قبيل السبب و المسبب و ( (انما هو)) أي و انما بقاء

ص: 128

يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه و أحكامه شرعا (1).

و أما إذا كان الشك في بقائه، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه (2)، ففي

______________________________

الكلي ( (بعين بقاء الخاص الذي)) يكون الكلي ( (في ضمنه لا انه من لوازمه)) بحيث يكون نسبة الفرد اليه نسبة السبب الى المسبب.

(1) هذا هو الجواب الثالث، و حاصله: ان لو سلمنا كون الفرد سببا للكلي إلّا ان هذه السببية عقلية لا شرعية، و الاستصحاب الجاري في السبب انما يكون لازمه التعبد بالمسبب، انما هو في السببية و المسببية الشرعية، بان يظهر في مقام من المقامات اعتبار الشارع لكون الفرد سببا للكلي، و لم يرد في مورد من الموارد من الشارع كون الفرد سببا للكلي حتى يكون التعبد بالسبب الشرعي تعبدا بمسببه. و الى هذا اشار بقوله: ( (على انه لو سلم انه من لوازم حدوث المشكوك)) أي لو سلمنا كون الكلي من لوازم الفرد و ان الفرد سبب له إلّا ان هذه السببية عقلية لا شرعية، و من الواضح انه لا يترتب بالاصل الشرعي الا اللوازم و الآثار الشرعية لا العقلية، و لذا قال (قدس سره): ( (فلا شبهة في كون اللزوم عقليا و لا يكاد يترتب باصالة عدم الحدوث)) الشرعية ( (الا ما كان من لوازمه و احكامه شرعا)) أي لا يترتب بالاصل الشرعي الا السببية الشرعية.

(2)

القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي
اشارة

هذا هو القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، و هو ما اذا شك في بقاء الكلي لاحتمال بقاء الكلي في ضمن فرد آخر اما مقارنا لوجود الكلي في ضمن الفرد المتيقن الوجود و الارتفاع، او مقارنا لارتفاع الكلي في ضمن الفرد المتيقن الارتفاع.

و توضيحه: انه لو علمنا بوجود الانسان- مثلا- في ضمن زيد ثم قطعنا بارتفاع زيد و لكن شككنا في ارتفاع الانسان، و منشأ الشك في ارتفاعه: تارة يكون هو احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لوجود زيد بان كنا في حال علمنا بوجود زيد نحتمل وجود الانسان في ضمن عمرو، و اخرى يكون سبب الشك في

ص: 129

استصحابه إشكال، أظهره عدم جريانه، فإن وجود الطبيعي و إن كان بوجود فرده، إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له، بل متعدد حسب تعددها، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها، لقطع بارتفاع وجوده، و إن شك في وجود فرد آخر (1)

______________________________

ارتفاع الانسان هو احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لارتفاعه في ضمن زيد ... فهل يجري استصحاب الكلي مطلقا في هذا القسم- كالقسم الاول و الثاني- أو لا يجري مطلقا؟ او نقول بالتفصيل بين الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لوجود الفرد المرتفع، و بين الشك في الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لارتفاع الفرد المتحقق ارتفاعه؟

(1)

مختار المصنف (قده) في القسم الثالث عدم الجريان مطلقا

مختار المصنف (قدس سره) عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم مطلقا، سواء كان منشأ الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود الفرد المقارن لوجود الفرد الذي كان متيقنا وجودا و ارتفاعا، او كان لاحتمال وجود الكلي في الفرد المقارن لارتفاع الكلي في ضمن فرده الذي كان متيقنا وجودا و ارتفاعا.

و الوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث مطلقا: هو ان الكلي في مقام تحققه خارجا منحصر في تحقق فرده، إلّا ان لازمه تعدد وجوده خارجا بتعدد وجود افراده، و ليس للكلي وجود واحد في الخارج، و الافراد من قبيل اللوازم لهذا الوجود الواحد، فلا تعين واحد بالذات للكلي في الخارج، بل الكلي في الخارج له تعينات متعددة بتعدد تعينات افراده. و اما في مقام تعلق العلم به فتارة يكون العلم متعلقا بذات الكلي اللامتعين من دون تعلق له بتعينه كما في القسم الثاني المتقدم، و اخرى يكون العلم قد تعلق بالكلي المتعين في ضمن الفرد، فان علمنا بوجود الانسان في ضمن زيد علم بالكلي المتعين في ضمن هذا الفرد، و من الواضح ان العلم بوجود الكلي المتعين هو العلم بالحصة الخاصة المتعينة باضافتها الى الفرد من هذا الكلي، و المفروض هو ارتفاع هذه الحصة الخاصة المضافة المتعينة،

ص: 130

.....

______________________________

و وجود الكلي بحصة اخرى مشكوك الحدوث لا يقين به، فما هو متعلق اليقين هو مقطوع الارتفاع فلا مجرى لاستصحابه، و ما هو مشكوك الحدوث لا مجرى لاستصحابه لعدم اليقين به.

و منه ظهر انه لا فرق في احتمال الحدوث بين كونه مقارنا لما هو المقطوع بحدوثه، و بين كونه مقارنا لما هو المقطوع بارتفاعه: أي لا فرق بين احتمال وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لوجوده في ضمن زيد، او مقارنا لارتفاعه في ضمن ارتفاع زيد، فانه في كلا الفرضين لا يقين بوجود الانسان في ضمن عمرو، و لذا قال (قدس سره):

( (اظهره عدم جريانه)) أي الاظهر عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث ( (فان وجود الطبيعي و ان كان)) في مقام الخارج ( (بوجود فرده)) إلّا ان وجوده الخارجي متعدد فانه له وجودات متعددة بتعدد وجود افراده، و ليس له وجود واحد في الخارج و الافراد لوازم هذا المتعين الواحد.

فاتضح: ان الكلي و ان كان موجودا في الخارج ( (إلّا ان وجوده في ضمن المتعدد من افراده)) معناه وجوده متعددا في الخارج و ( (ليس)) وجوده في الخارج ( (من نحو وجود واحد له بل)) وجوده في الخارج ( (متعدد حسب تعددها)) أي حسب تعدد افراده، و المفروض انه لم يكن بذاته من دون تعين من التعينات متعلقا للعلم، بل كان اليقين قد تعلق به بما هو متعين في ضمن فرده، و لازم ذلك كون ما هو متعلق اليقين من الكلي مقطوع الارتفاع، و ما هو مشكوك البقاء منه مشكوك الحدوث، فلا يقين به حتى يكون مجرى الاستصحاب، و لذا قال بعد فرض كون الكلي متعدد الوجود خارجا، و بعد كونه بما هو متعين متعلق العلم ( (فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها)) أي من افراده ( (لقطع بارتفاع وجوده)) أي لقطع بارتفاع وجود الكلي الذي في ضمنها، و احتمال وجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث من اول الامر لا يقين به حتى يجري استصحابه، و لذا قال (قدس سره): ( (و ان شك في وجود فرد آخر)).

ص: 131

مقارن لوجود ذاك الفرد، أو لارتفاعه (1) بنفسه أو بملاكه، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث (2).

______________________________

(1) يشير الى الاحتمالين المذكورين، من كون احتمال وجوده في ضمن فرد آخر:

تارة يكون مقارنا لوجود الكلي المتيقن حدوثه في ضمن الفرد الذي كان متيقنا حدوثه، كما لو احتملنا وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا لعلمنا بوجوده في ضمن زيد، و اخرى يكون احتمال حدوثه مقارنا لارتفاع الكلي الذي كان متحققا في ضمن الفرد المتحقق الارتفاع، كما لو احتملنا وجود الانسان في ضمن عمرو مقارنا للعلم بارتفاع الكلي في ضمن زيد المعلوم الارتفاع.

(2) لا يخفى ان قوله: ( (بنفسه او بملاكه)) هو من متعلقات ( (مقارن)) لانه مضافا الى دلالة قوله: ( (كما اذا شك في الاستحباب ... الى آخره)) على ذلك، انه لو تعلق بقوله لارتفاعه لدل على ارتفاع الكلي بملاكه، و مع ارتفاع الكلي بملاكه كيف يمكن ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر؟ لان الكلي عين الفرد خارجا، فارتفاع الفرد بملاكه لازمه ارتفاع الحصة المضافة التي هي الكلي بملاكه ايضا، و مع ارتفاع الكلي بملاكه لا يعقل ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر.

إلّا ان يقال ان ملاك الكلي المتعين بما هو متعين غير ملاك الكلي اللامتعين، فارتفاع الكلي المتعين بملاكه لا يستلزم ارتفاع الكلي اللامتعين بملاكه، فلا مانع من ان يحتمل وجوده في ضمن فرد آخر.

و توضيح مراده (قدس سره): ان احتمال وجود الكلي في ضمن فرد آخر- اما مقارنا لوجوده في ضمن الفرد المقطوع الوجود، او مقارنا لارتفاع الكلي بارتفاع الفرد الذي كان متيقنا- تارة يكون لاحتمال وجود الكلي بنفسه، كما لو احتملنا- مثلا- وجود الوجوب للصلاة بلا طهارة مائية و لا ترابية لفاقد الطهورين مقارنا- مثلا- لارتفاع وجوب الصلاة عليه عن طهارة، فان المحتمل في هذا الفرض هو وجود الكلي بنفسه و هو الوجوب، و لكنه في ضمن فرد آخر، و اخرى نحتمل وجود

ص: 132

.....

______________________________

الكلي في ضمن فرد آخر يكون موجودا بملاكه لا بنفسه، كما لو احتملنا استحباب الصلاة- مثلا- لفاقد الطهورين لا وجوبها مقارنا- ايضا- لارتفاع وجوب الصلاة عن طهارة.

و لا يخفى انه انما كان الاستحباب من الوجود بملاكه لوضوح ان الوجوب و الاستحباب يجمعهما الطلب الراجح، و يفترق الوجوب عن الاستحباب باللزوم و عدم اللزوم، فالملاك فيهما واحد و هو الطلب الراجح، فاحتمال وجود الكلي في الفرد المستحب- اما مقارنا لوجود الكلي في ضمن الوجوب المتيقن او مقارنا لارتفاعه- هو من وجود الكلي بملاكه، و هو الطلب الراجح لا بعينه و هو الوجوب، و على كل فتقدير العبارة ( (و ان شك في وجود فرد آخر مقارن)) بنفسه او بملاكه ( (لوجود ذاك الفرد او)) مقارنا ( (لارتفاعه)). و قوله (قدس سره): ( (كما اذا شك في الاستحباب)) هو مثال لاحتمال وجود الكلي في فرد آخر بملاكه لا بنفسه.

و قد اتضح من جميع ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث مطلقا، سواء كان احتمال وجود الكلي في فرد آخر مقارنا لوجوده في الفرد المتيقن، او كان مقارنا لارتفاعه.

و منه يتضح فساد ما يظهر من التفصيل بينهما، بدعوى: انه اذا احتمل وجود الكلي في ضمن فرد مقارنا للكلي المقطوع بوجوده في ضمن الفرد المتيقن الوجود فان مجرى الاستصحاب في الكلي لا مانع منه، لان الكلي واحد نوعي و لهذا الواحد النوعي وجودات بحصصه المضافة الى افراده، فاذا قطع بوجود الكلي في ضمن فرد و كان مقارنا لهذا القطع احتمال وجود الكلي في ضمن فرد آخر، فالمتحصل منه هو القطع بتحقق هذا الواحد النوعي، و عند ارتفاع الحصة المضافة الى الفرد المقطوع الارتفاع لا يستلزم القطع بارتفاع الواحد النوعي، لجواز بقائه في ضمن الفرد المحتمل التحقق مقارنا لوجود ذاك الفرد المقطوع التحقق و تتم اركان الاستصحاب بالنسبة اليه، و اما في احتمال وجود الكلي في ضمن فرد مقارن لارتفاع الكلي بارتفاع الفرد

ص: 133

لا يقال: الامر و إن كان كما ذكر، إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب و الاستحباب و هكذا بين الكراهة و الحرمة، ليس إلا بشدة الطلب بينهما و ضعفه، كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما، لمساوقة الاتصال مع الوحدة،

______________________________

المقطوع الارتفاع فلا مجرى للاستصحاب، لان الواحد النوعي حيث لا يحتمل تحققه الا في ضمن الفرد المقطوع فلا قطع بالواحد النوعي، بل ليس هناك إلّا القطع بحصته المضافة الى الفرد المقطوع، و بارتفاع الفرد المقطوع و ان احتمل بقاء الواحد النوعي لوجوده في ضمن فرد مقارن للارتفاع إلّا انه لا يقين بالواحد النوعي في هذا الفرض فلا مجرى للاستصحاب لعدم تمامية اركانه. و قد عرفت مما ذكرنا فساده لان الواحد النوعي في الخارج لا تحقق له الا في ضمن الفرد، و ان المدار في الاستصحاب و عدمه تعلق اليقين بالواحد النوعي، فتارة يتعلق اليقين بذاته من دون تعين من التعينات كما في القسم الثاني، و اخرى يكون متعلق اليقين هو الواحد النوعي المتعين، و مرجع هذا الى اليقين بحصة خاصة من الواحد، و كل حصة غير الحصة الاخرى، و المفروض ان هذه الحصة مقطوعة الارتفاع و الحصة الاخرى منه مشكوكة الحدوث، فلا يقين بالواحد النوعي بما هو واحد نوعي غير متعين، بل ليس هنا إلّا اليقين بالحصة الخاصة المضافة، فلا مجرى للاستصحاب مطلقا في هذا القسم لعدم تمامية اركانه، و لذا اطلق المصنف و اشار الى انه لا فرق بين الشك في وجود الكلي في ضمن فرد آخر كان مقارنا للقطع به في ضمن الفرد المتيقن، او كان مقارنا لارتفاعه بارتفاع الفرد المتيقن.

ص: 134

فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب و ارتفاعه، لا في حدوث وجود آخر (1).

______________________________

(1) توضيحه: ان الكلي تارة تكون افراده متباينة بان كان لكل فرد من افراده وجود مباين خاص في عرض وجود الفرد الآخر، كوجود الانسان في ضمن زيد و عمرو، و اخرى تكون افراد الكلي مراتب له، كالبياض فانه ذو مراتب ضعيفة و شديدة.

و لا اشكال في عدم جريان الاستصحاب اذا كان من النحو الاول، لان تعين الكلي في ضمن كل فرد غير تعينه في ضمن الفرد الآخر.

و اما اذا كان من النحو الثاني و كان المتيقن هو المرتبة الشديدة، و من الواضح ان المرتبة الضعيفة في حال وجود المرتبة الشديدة موجودة ايضا، إلّا انها لا بحدها الخاص من الضعيف، بل هي موجودة لا بحدها، كوجود الاربعة من العدد في ضمن الخمسة منها، فمع العلم بارتفاع المرتبة الشديدة لا مانع من جريان الاستصحاب في الكلي، و ان احتملنا الارتفاع مطلقا بان يتبدل البياض بالسواد، إلّا انه لما كانت المراتب الضعيفة موجودة في ضمن المرتبة الشديدة، و لازمه تحقق اليقين بها في حال اليقين بالمرتبة الشديدة، فالشك في ارتفاع الكلي في ضمن مرتبته الشديدة مع الشك في بقائه بمرتبته الضعيفة لا يكون من وجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث بل متيقن الحدوث و لكن لا بحده، و من الواضح ان الاستحباب و الوجوب من قبيل وجود الكلي في مراتبه، لا في ضمن افراده المتباينة الوجود العرضي كزيد و عمرو بالنسبة الى الانسان، فاذا كان المتيقن وجوب شي ء ثم قطعنا بارتفاع الوجوب و احتملنا استحبابه فلا مانع من جريان الاستصحاب، لانه لا يكون الشك في الكلي من الشك في الحدوث، بل من الشك في البقاء، للقطع بوجوده ضمن المرتبة القوية لا بعينه، و ليس وجود المرتبة الضعيفة بعد ارتفاع المرتبة القوية من الحدوث بعد العدم، بل ليس هناك إلّا تجدد الحدود للموجود الواحد لا تجدد الوجود للطبيعي، فان طبيعي العدد الموجود في ضمن الخمسة- مثلا- اذا زيد عليه واحد فكان العدد

ص: 135

.....

______________________________

ستة لم يتجدد اصل طبيعي العدد و انما تجدد حده من كونه خمسة الى كونه ستة، و مثله ما اذا نقص حده عن الخمسة فان وجود الطبيعي في ضمن الاربعة ليس تجددا لاصل وجود طبيعي العدد، و انما هو تجدد لحد من حدوده و هو كونه اربعة.

و بعبارة اخرى: ان تجدد الحدود للطبيعي مع عدم تخلل العدم ليس تجددا في اصل وجود الطبيعي، نعم مع تخلل العدم بان يرتفع الطبيعي بالكلية بمرتبته القوية و ذلك بان يرتفع كلي البياض بارتفاع مرتبته القوية، كما لو تعقبه السواد ثم يوجد البياض بمرتبته الضعيفة كان من تجدد وجود الكلي.

و الوجه في ذلك انه مع عدم تخلل العدم دائما يكون الموجود بين الحدين وجودا واحدا متصلا، لما برهن عليه في محله من عدم امكان الجزء الذي لا يتجزأ، و إلّا لزم وجود ما لا يتناهى بالفعل محصورا بين حاصرين، فعليه لا بد و ان يكون كل متصل له وجود واحد، و لذا قالوا ان الاتصال مساوق للوحدة. و عليه فالطبيعي مع تبدل حدوده دائما موجود واحد، لوضوح ان تبدل الحدود لا يتخللها عدم، اذ لو تخللها عدم للزم تحقق تلك المراتب بوجودات متعددة لا بوجود واحد، و قد عرفت انها موجودة بوجود واحد متصل، و إلّا لزم كون ما لا يتناهى محصورا بين حاصرين و هو محال.

و قد اتضح: ان لازم كون التبدل في الحدود وجود الطبيعي و عدم انعدامه هو صحة استصحاب الطبيعي بارتفاع مرتبته الشديدة، لتمامية اركانه لتحقق اليقين السابق بنحو اللاحدية و الشك في ارتفاعه بارتفاع المرتبة الشديدة، فالكلي متيقن سابقا مشكوك البقاء لاحقا، و بحكم الاستصحاب يكون له البقاء تعبدا.

و قد ظهر من هذا امران:

الاول: انه لا وجه للاطلاق في عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث، بل لا بد من التفصيل: بين كون الكلي من ذوي المراتب فلا مانع من استصحابه، و بين كونه من الموجود بوجود افراد متباينة، فهو الذي لا يجري فيه الاستصحاب.

ص: 136

.....

______________________________

الثاني: ان الشك في بقاء الطلب بعد ارتفاع الوجوب مع احتمال بقائه في ضمن الاستحباب هو من الكلي ذي المراتب، لان الفرق بين الوجوب و الاستحباب هو تأكد الطلب في الوجوب بحد الالزام و عدم كونه بحد الالزام في الاستحباب، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (لا يقال الامر)) في هذا القسم الثالث ( (و ان كان كما ذكر)) في الكلي الموجود في ضمن الافراد المتباينة، و ليس كذلك في الكلي ذي المراتب ( (إلّا انه حيث كان التفاوت بين الايجاب و الاستحباب و هكذا بين الكراهة و الحرمة)) هو من التفاوت في مراتب الكلي و ( (ليس)) الفرق بين الاستحباب و الوجوب و الكراهة و الحرمة ( (إلّا بشدة الطلب بينهما)) وجودا و تركا في الوجوب و الحرمة ( (و)) في ( (ضعفه)) وجودا و تركا في الاستحباب و الكراهة.

و اشار الى ان تبدل الحالات في ذي المراتب لا يستلزم ارتفاع الكلي بارتفاع مرتبة من مراتبه- و ان تبدل الحالات ليس فيها تخلل العدم، و لازم ذلك انه مع التيقن بوجود الكلي لا يكون تبدل الحالات موجبا لان يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قد مر ان اركان الاستصحاب فيه غير تامة لعدم اليقين، لان اليقين بالحصة المتعينة من الكلي في ضمن الفرد و قد ارتفعت، و حدوث حصة منه في ضمن فرد آخر مشكوكة الحدوث، فلا يقين بالكلي حتى يجري الاستصحاب فيه، بل اركان الاستصحاب في الكلي ذي المراتب تامة كما عرفت- بقوله: ( (كان تبدل احدهما)) أي احد المراتب ( (بالآخر مع عدم تخلل العدم)) في تبدل المراتب ( (غير موجب لتعدد وجود الطبيعي ...)). و اشار الى الوجه في انه مع عدم تخلل العدم لا تعدد للطبيعي بقوله: ( (لمساوقة الاتصال مع الوحدة)) كما عرفت بيانه.

( (ف)) اتضح من جميع ما ذكر ان ( (الشك في التبدل حقيقة)) مما تتم فيه اركان الاستصحاب بالنسبة الى الكلي في المثال المذكور، و هو ما اذا ارتفع الطلب الوجوبي و شك في بقاء الطلب في ضمن الاستحباب هو ( (شك في بقاء)) الكلي و هو ( (الطلب و ارتفاعه)) مع سبق التيقن بحدوثه، و ليس هو من الشك في حدوث الكلي في ضمن

ص: 137

فإنه يقال: الامر و إن كان كذلك، إلا أن العرف حيث يرى الايجاب و الاستحباب المتبادلين فردين متباينين، لا واحد مختلف الوصف في زمانين، لم يكن مجال للاستصحاب، لما مرت الاشارة إليه و تأتي، من أن قضية إطلاق أخبار الباب، أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا، و إن لم يكن بنقض بحسب الدقة، و لذا لو انعكس الامر و لم يكن نقض عرفا، لم يكن الاستصحاب جاريا و إن كان هناك نقض عقلا (1).

______________________________

فرد بعد القطع بارتفاعه في ضمن فرد آخر كما مر بيانه، و هذا معنى قوله ( (لا في حدوث وجود آخر)) كما لو علم بارتفاع الانسان في ضمن زيد و شك في حدوثه بفرد آخر ... و منه يظهر انه كان اللازم التفصيل في القسم الثالث: بين كون افراده المراتب، و بين كون افراده الوجودات المتباينة.

(1) حاصله: ان الملاك في جريان الاستصحاب هو اتحاد القضية المشكوكة و القضية المتيقنة بنظر العرف- كما سيأتي بيانه- لا بنظر العقل، و القضية المشكوكة و المتيقنة في المثال المذكور- و في كل ما اذا كان الكلي ذا مراتب- و ان كانت متحدة بنظر العقل، إلّا ان العرف لما كان يرى ان الكلي في الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الكراهة هو مثل الكلي في ضمن زيد و عمرو لم يكن مجال لجريان الاستصحاب، لعدم اتحاد القضية المتيقنة و القضية المشكوكة بنظر العرف، و ان الطلب المتيقن الحدوث و الارتفاع في ضمن الوجوب مع الشك في ثبوته بقاء في ضمن الاستحباب، هو من الشك في حدوث الكلي في ضمن فرد آخر لا تيقن به بل هو مشكوك الحدوث، و لعل الواقع كذلك حقيقة فيما اذا كان الحكم هو البعث المنتزع من الطلب المنشأ المظهر باللفظ مثلا، فانه على هذا يكون الطلب الكلي بالنسبة الى الوجوب و الاستحباب من قسم تحقق الكلي في ضمن الافراد المتباينة، و انما يكون الحكم من ذي المراتب في الوجوب و الاستحباب فيما اذا كان هو الارادة و الكراهة، لان الارادة من ذات المراتب

ص: 138

.....

______________________________

المتفاوتة بالشدة و الضعف، بناء على كون الوجوب هو المرتبة الاكيدة من الطلب، و الاستحباب هو مرتبة الطلب غير الاكيدة.

فاتضح مما ذكرنا: ان الكلي في الاحكام في فرض القسم الثالث: تارة يتحد العقل و العرف فيه كما اذا قلنا بان الحكم هو البعث المنتزع عن الانشاء المظهر باللفظ، فانه عليه يكون الكلي من الموجود بوجود افراده المتباينة، و اخرى يكون بنظر العقل متحدا دون العرف، كما اذا قلنا بان الحكم هو الارادة، و حيث كان المدار على نظر العرف في الاستصحاب فلا مجال لجريانه في الاحكام ايضا.

و اما في الموضوعات ذات الاثر الشرعي، فتارة: يتحد العقل و العرف في عدم الجريان، كما في الانسان المتحقق في ضمن زيد و عمرو فانه لا مجرى للاستصحاب فيه لا عقلا و لا عرفا.

و ثانية: يتحد العقل و العرف في جريانه، كما لو شك في ارتفاع البياض بمرتبته الشديدة و شك في بقائه بمرتبة الضعيفة، فان العقل و العرف يرى البياض من ذي المراتب، الذي قد عرفت ان الوجه جريان الاستصحاب بالنسبة الى الكلي فيه.

و ثالثة: يكون الموضوع متحدا بنظر العقل، كما في الماء المتحول بخارا فان البخار عقلا مرتبة من الماء شفافة، و اما بنظر العرف فالماء موضوع و البخار موضوع آخر.

و قد اشار الى ان العرف يرى الوجوب و الاستحباب من المتباينين، و ان المدار في جريان الاستصحاب على نظر العرف بقوله: ( (إلّا ان العرف حيث يرى الايجاب و الاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين لم يكن مجال للاستصحاب)). و قد اشار الى ان المدار على نظر العرف بقوله: ( (لما مرت الاشارة اليه و يأتي من ان قضية اطلاق اخبار الباب)) أي قضية اخبار الاستصحاب ظاهرها ( (ان العبرة فيه)) أي ان العبرة في جريان الاستصحاب ( (بما يكون)) من مصداق النقض عند العرف، بان يكون ( (رفع اليد عنه)) أي عن المتيقن ( (مع الشك بنظر العرف نقضا)) لا بنظر العقل، فان كان بنظر العرف نقضا و لم يكن بنظر العقل

ص: 139

و مما ذكرنا في المقام، يظهر- أيضا- حال الاستصحاب في متعلقات الاحكام في الشبهات الحكمية و الموضوعية، فلا تغفل (1).

______________________________

نقضا جرى الاستصحاب، و ان لم تتحد القضية المشكوكة و المتيقنة عقلا كما في الماء المتغير، فان العقل يرى ان موضوع النجاسة هو الماء المتغير فاذا ارتفع التغير لا يرى العقل الموضوع متحدا، و لكن العرف يرى ان الموضوع للحكم هو الماء و ان وصف التغير من قبيل العلة لورود حكم النجاسة على الماء، فمع ارتفاع التغير عن الماء يجري عند العرف استصحاب النجاسة ( (و ان لم يكن بنقض)) أي من نقض اليقين بالشك ( (بحسب الدقة)) كما مر في الماء المتغير. و منه يتضح انه ( (لو انعكس الامر و لم يكن نقض عرفا)) أي لم يكن رفع اليد عن اليقين عند العرف نقضا كما في الماء المتحول بخارا ( (لم يكن الاستصحاب جاريا و ان كان هناك نقض عقلا)) و ان رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين بالشك عند العقل، لان البخار ماء شفاف بحسب النظر العقلي الدقي، إلّا انه لا عبرة بنظر العقل في اتحاد القضيتين.

(1) توضيحه: ان موضوعات الاحكام: تارة تكون امورا مجعولة شرعية كالطهارة و النجاسة و الصعيد و الصلاة، و لا بد في هذه الموضوعات من اتباع الدليل الشرعي الدال على حدودها، لان الاستصحاب و ان كان بنظر العرف إلّا ان الموضوع لما كان مجعولا شرعيا فلا بد و ان يؤخذ بحدوده من الجاعل المعتبر له، فلو شككنا في الصعيد لشبهة حكمية بان شككنا في كون ارض النورة او ارض السبخة من الصعيد لم يكن مجال لاستصحاب صعيديته، فيما لو كانت الارض صعيدا ثم انقلبت سبخة او نورة فلا يصح التيمم به، او شككنا في الصعيدية به لشبهة موضوعية بان خلطنا التراب الذي هو صعيد قطعا بجسم آخر لا يصح التيمم به كبرادة الخشب حتى شككنا في بقائه صعيدا لم يكن مجال ايضا لاستصحابه، لانه لا بد من اتحاد الموضوع في القضيتين. هذا كله في الموضوعات الشرعية التي اخذت متعلقا للحكم الشرعي.

ص: 140

الرابع: إنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الامور القارة أو التدريجية غير القارة، فإن الامور غير القارة و إن كان وجودها ينصرم و لا يتحقق منه جزء إلا بعد ما انصرم منه جزء و انعدم، إلّا أنه ما لم يتخلّل في البين العدم، بل و إن تخلّل بما لم يخلّ بالاتصال عرفا و إن انفصل حقيقة، كانت باقية مطلقا أو عرفا، و يكون رفع اليد عنها- مع الشك في استمرارها و انقطاعها- نقضا.

و لا يعتبر في الاستصحاب- بحسب تعريفه و أخبار الباب و غيرها من أدلته- غير صدق النقض و البقاء كذلك قطعا (1)، هذا مع أن الانصرام

______________________________

و مرة اخرى يكون الموضوع المرتب عليه الحكم موضوعا خارجيا عرفيا كالخمر و الخل مثلا، و فيه يكون المدار في جريان الاستصحاب و عدمه من جهة بقاء الموضوع و عدمه موكولا الى نظر العرف، لان المدار في جريان الاستصحاب و عدمه على نظر العرف، و الموضوع لما كان عرفيا فالمدار في كون رفع اليد عنه من نقض اليقين بالشك على نظره. هذا بعض الكلام على وجه الاجمال، و لا مجال للتفصيل هنا لان بناء الكتاب على الاختصار.

(1)

الرابع: استصحاب الامور التدريجيّة و الاشكال فيها
اشارة

هذا التنبيه الرابع لبيان الاشكال في استصحاب الامور غير القارة التدريجيّة الوجود ... و انه هل يجري الاستصحاب فيها كما يجري في الامور القارة ام لا؟

و توضيح الاشكال في جريان الاستصحاب في الامور غير القارة و هي التدريجية الوجود كالزمان و الحركة، هو ان الاستصحاب متقوّم باليقين السابق و الشك اللاحق المتعلّق بما تعلق به اليقين، فاتحاد القضية المتيقنة و القضية المشكوكة في جريان الاستصحاب مما لا بد منه، و على هذا وقع الاشكال بانه لا مجال لجريان الاستصحاب الّا في الامور القارة غير التدريجية، و اما الامور التدريجية التي حقيقة ذاتها متقوّمة بالاخذ و الترك، و انه لا وجود للتالي الّا بعد انصرام السابق، فلا وجه لجريان الاستصحاب فيها، لان الشك دائما في مرحلة البقاء يكون مسببا عن وجود التالي

ص: 141

.....

______________________________

و عدمه، مثلا النهار المشكوك في بقائه الذي هو عبارة عن سير الشمس بين افق الطلوع و افق المغيب، فان الشك في بقائه انما هو للشك في تحقق النقطة الاخيرة لسير الشمس في افق المغيب و عدم تحققها، فاليقين السابق في هذه الامور غير القارة قد تعلّق بما وجد و انعدم، و الشك اللاحق قد تسبب عن احتمال وجود آخر لم يكن متعلّقا لليقين، و لا بد في الاستصحاب من اتحاد متعلق اليقين و الشك، اما اذا كان متعلق اليقين غير متعلق الشك فلا وجه لجريان الاستصحاب، و في الامور غير القارة دائما يكون متعلق اليقين الوجود الزائل و متعلّق الشك وجودا آخر محتمل الحدوث .. هذا حاصل الاشكال في جريان الاستصحاب في الامور غير القارة التدريجية الوجود.

و توضيح الجواب عنه: هو ان الامور التدريجية غير القارة و ان كانت عبارة عن التدرّج في الوجود بحيث يوجد اللاحق فيها بانعدام السابق، الّا ان هذه الاعدام التي هي مقوّمة للتدرّج الوجودي غير موجبة لتعدّد الموجود، لان الموجود الذي حقيقته متقوّمة بوجود بعضه المتأخر بانعدام بعضه السابق لو كانت موجبة لتعدّد الوجود لكان غير القار لا وحدة وجودية له، بل كان عبارة عن وجودات متعدّدة، و لازم ذلك تحقق الجزء الذي لا يتجزأ، و قد برهن في محلّه على عدم امكان تركّب الموجود من الاجزاء التي لا تتجزأ، فهذه الاعدام لا تضرّ بوحدة الموجود عقلا ما دام متصلا، و ان الاتصال مساوق للوحدة في الامور التدريجية كما هو مساوق لها في الامور غير التدريجية، و كما ان الخط الذي طوله يقدر بعشرات الفراسخ اذا لم يتخلل بين ابعاضه العدم هو واحد، كالخط القصير الذي يكون مقدار طوله عقدة واحدة أو اقل من ذلك، فكذلك الحال في الامور التدريجيّة، فان النهار الذي هو مقدار سير الشمس بين الطلوع و المغيب هو واحد، و ان كان هو عبارة عمّا يزول و يوجد لكنه ما دام متصلا هو واحد حقيقة، و الّا لزم تركّب الزمان من الآنات غير المتناهية المحصورة بين حاصرين، و هو محال كما حقّق في محله، و اذا كان الموجود

ص: 142

.....

______________________________

واحدا له وحدة اتصالية فكون حقيقته عبارة عن زائل و حادث لا تمنع عن جريان الاستصحاب، لان متعلق اليقين دائما هو هذا الموجود الواحد المتصل، فاليقين متعلق بوجود النهار و هو هذا الواحد المتصل، و الشك متعلق في بقاء هذا الواحد و استمراره، و لا فرق بين الامور التدريجية غير القارة و غيرها من الامور القارة، و متعلق اليقين و الشك فيهما واحد. نعم لو انتهت وحدة هذا الموجود غير القار، بان علمنا بارتفاع النهار و تخلل العدم بين هذا الوجود المحدود و بين غيره من وحدات الزمان الاخرى المحدودة لم يكن حينئذ مجال للاستصحاب، اما اذا لم يتخلل العدم فمتعلق اليقين هو متعلق الشك، هذا بحسب البرهان و الدّقة العقليّة. و اما بحسب العرف فقد يتخلل العدم و لا يضر بحسب نظره في تحقق الاتصال العرفي و ان انفصل حقيقة بحسب الدقة العقليّة. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (لا فرق في المتيقن بين ان يكون من الامور القارة او التدريجية غير القارّة)) في جريان الاستصحاب و كون متعلق الشك هو متعلق اليقين في الامور التدريجية كما هو في الامور القارّة ( (و ان كان)) الامور التدريجية ( (وجودها)) بنحو التصرّم و التدرّج بحيث ( (ينصرم)) جزؤها السابق و يتلوه وجود الجزء اللاحق ( (و لا يتحقق منه)) أي لا يتحقق من الوجود التدريجي ( (جزء الّا بعد ما انصرم منه جزء و انعدم إلّا انه)) وجود واحد عقلا ( (ما لم يتخلل في البين العدم)) البديل لهذا الموجود الواحد، و ليست هذه الاعدام اللازمة لحقيقته- حيث انه تدريجي الوجود يوجد لاحقه بانعدام سابقة- هي عدم بديل لهذا الموجود الواحد، و لا يعقل ان تكون عدما بديلا، لان المفروض كون هذا الامر التدريجي المركبة حقيقته من الاخذ و الترك هو موجود واحد، و مع كونه موجودا واحدا لا يعقل ان تكون هذه الاعدام هي العدم البديل، و الّا لزم تركّب الموجود الواحد من الشي ء و نقيضه، و العدم البديل هو العدم الذي يخلف هذا الموجود الواحد المحدود بالحدين، فما لم يتخلل في البين العدم البديل لهذا الموجود الواحد فهو موجود واحد عقلا و دقّة، و اما بحسب العرف فقد يتخلل

ص: 143

و التدرج في الوجود في الحركة- في الأين و غيره- إنما هو في الحركة القطعية، و هي كون الشي ء في كل آن في حد أو مكان، لا التوسطية و هي كونه بين المبدأ و المنتهى، فإنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا (1).

______________________________

العدم البديل و لكنه يكون بحيث لا يضر بالاتصال العرفي، فيكون هذا الموجود متصلا واحدا عرفا لا حقيقة، لانه حيث تحقق العدم البديل لهذا الموجود المحدود بالحدين فقد تحقق الانفصال حقيقة عقلا، إلّا انه بحسب نظر العرف يكون الاتصال باقيا لعدم اعتنائه بهذا المقدار من الانفصال. و الى هذا اشار بقوله: ( (بل و ان تخلل بما لم يخل بالاتصال عرفا)) و ان كان هذا المقدار موجبا لتعدد الموجود عقلا لتحقق الانفصال عقلا بالعدم البديل، إلّا ان العرف لما لم يكن هذا المقدار من الانفصال مضرا في رأيه بالاتصال فالموجود الواحد يكون باقيا بنظره.

و على كل فان لم يتحقق العدم البديل ( (كانت)) الامور غير القارة ( (باقية مطلقا)) عقلا و عرفا ( (او)) تكون باقية ( (عرفا)) لا عقلا ( (و يكون رفع اليد عنها)) حيث تكون متعلقة لليقين ( (مع)) فرض ( (الشك في استمرارها و انقطاعها نقضا)) لليقين بالشك سواء لم يتخلل العدم البديل فتكون باقية عقلا و عرفا، او تخلل العدم البديل و كان غير معتنى به في نظر العرف. ثم اشار الى الوجه في ذلك: أي الوجه في جريان الاستصحاب فيها بقوله: ( (و لا يعتبر في الاستصحاب بحسب تعريفه)) المستفاد من ( (اخبار الباب و غيرها)) كالسيرة مثلا ( (من ادلته)) أي من ادلة الاستصحاب ( (غير صدق النقض و البقاء كذلك)) أي بحسب نظر العرف الذي عليه المدار ( (قطعا)) في جريان الاستصحاب و كون القضية المتيقنة بحسب نظره متحدة مع القضية المشكوكة.

(1) توضيحه: ان للحركة بين الحدين- سواء في مقولة الأين او غيرها من المقولات التي تقع فيها الحركة حتى الجوهر بناء على الحركة الجوهرية- ملاحظتين، لان الاكوان المتجددة بين الحدين من المبدأ الى المنتهى: تارة تلاحظ تلك الاكوان التي

ص: 144

.....

______________________________

مجموعها ما يقع بين المبدأ و المنتهى، فهذه الاكوان هي التي يتألف منها مجموع ما بين الحدين الذي هو عبارة عن مجموع تلك الاكوان التي يوجد اللاحق منها بانعدام السابق، فلا وجود لهذا المحدود بين الحدين بحيث تجتمع فيه جميع اجزائه، اذ بعد فرض كون اكوانه لا يوجد اللاحق منها الا بعد انعدام السابق فلا اجتماع لها في الوجود و هو واضح، و انما هي مجتمعة في الخيال الراسم لهذه الاكوان الواقعة بين الحدين ... و منه يتضح: ان نسبة هذه الاكوان الى الخط الراسم لها في الخيال الذي هو مجموع هذه الاكوان الواقعة بين الحدين هي نسبة الاجزاء الى الكل، لوضوح ان الخط الممتد المتصل الواقع بين الحدين هو مجموع هذه الاكوان، فهي بالنسبة اليه اجزاء يتكون منها ذلك الخط الممتد المتصل الموجود في عالم الخيال، و هذه هي الحركة القطعية المصطلح عليها في فنها.

و اخرى: يلاحظ نفس الكون بين المبدأ و المنتهى كعنوان ثابت تكون تلك الاكوان محققاته و مصاديقه، فنسبة تلك الاكوان الى نفس الكون الملحوظ بهذا اللحاظ نسبة الجزئيات و الافراد الى هذا الكون، و تكون نسبة الكون الى هذه الاكوان المتجددة نسبة الكلي الى افراده، و هذه الحركة التوسطية المصطلح عليها في فنها.

فاذا عرفت هذا ... نقول: ان الاشكال في جريان الاستصحاب في الامور التدريجية من حيث عدم اتحاد متعلق اليقين و الشك، انما يتوهم حيث يكون مجرى الاستصحاب هو الحركة القطعية التي تكون الاكوان فيها كاجزاء للكل، و قد عرفت اندفاعه بما مر من ان العدم غير المتخلل لا يضر بوحدة المستصحب عقلا لان الاتصال مساوق للوحدة، و انما يضر هو العدم المتخلل، لا هذه الاعدام التي بها قوام حقيقة الحركة، لان حقيقتها عبارة عن الاخذ و الترك، و اما اذا كان المستصحب هو الكلي و هو نفس الكون بين المبدأ و المنتهى بحيث تكون الاكوان المتجددة افرادا له لا اجزاء فلا مجال للتوهم المذكور، لان المستصحب هو الكلي الثابت و لا تجدد فيه.

ص: 145

فانقدح بذلك أنه لا مجال للاشكال في استصحاب مثل الليل و النهار و ترتيب ما لهما من الآثار، و كذا كلما إذا كان الشك في الامر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته و وصوله إلى المنتهى، أو أنه بعد في البين (1)، و أما إذا كان من جهة الشك في كميته و مقداره، كما في نبع الماء و جريانه، و خروج الدم و سيلانه، فيما كان سبب الشك في الجريان و السيلان الشك في أنه بقي في المنبع و الرحم فعلا شي ء من الماء و الدم غير ما سال و جرى منهما، فربما يشكل في استصحابهما حينئذ، فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا، بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه (2)، و لكنه يتخيل بأنه

______________________________

و منه ظهر: ان الاستصحاب في الحركة القطعية شخصي، لان المستصحب فيها نفس هذا الواحد المتصل المستمر و هو شخص من الوجود متجدد بتحقق اللاحق من اجزائه بانعدام السابق من اجزائه. و اما الاستصحاب في الحركة التوسطية فالمستصحب فيها كلي ثابت و الاكوان المتجددة افراده، نعم لو تم عدم صحة الاستصحاب في القسم الثاني من اقسام الكلي- و هو ما كان مرددا بين مقطوع الارتفاع و مشكوك الحدوث- لما جرى الاستصحاب في الحركة التوسطية، لان الكلي فيها مردد بين مقطوع الارتفاع و مشكوك الحدوث، إلّا انه قد عرفت جريان الاستصحاب فيه كما مر بيانه.

(1)

جريان الاستصحاب في الزمان كالليل و النهار

بعد ما عرفت من عدم الاشكال في استصحاب الامور التدريجية بنحو الحركة القطعية و التوسطية ... تعرف انه لا مانع من جريان الاستصحاب في الليل و النهار فيما اذا شك في بقائه او انتهائه و يترتب على ذلك ما لهما من الآثار.

(2) توضيحه: ان الشك في الجريان: تارة يكون للشك في وجود المانع عن الجريان مع العلم بان الكمية الموجودة في المنبع لو لا المانع يكون الجريان لها مستمرا، و في هذا الفرض لا اشكال في الاستصحاب، و هو من قبيل الشك في الرافع الذي هو مما

ص: 146

.....

______________________________

لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه اذا كان الشك من جهته، و اما الشك في الجريان من جهة انه امر تدريجي فقد عرفت انه لا مانع منه بعد كون الجريان امرا متصلا واقعا، مضافا الى ان الشك في الجريان ليس شكا في امر تدريجي، فان التدريجية فيما فيه الجريان و هو الماء السائل، و اما نفس الجريان القائم بالماء فلا تدريجية فيه، إلّا ان يقال ان الجريان ذاتيه التدريجية كالحركة لانه من مصاديق الحركة.

و ثانية: ان يكون الشك في الجريان من جهة الشك في مقدار كمية الماء في المنبع و انه ان كان كثيرا فلا اشكال في بقاء الجريان، و ان كان قليلا فلا يكون الجريان مستمرا، لعدم وجود ما يقتضي بقاء استمراره، و لا اشكال ايضا في جريان الاستصحاب في هذا الفرض- بناء على جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي- لوضوح ان هذا الفرض من فروض الشك في المقتضي، و قد مر من المصنف جريان الاستصحاب مطلقا سواء كان الشك من جهة الرافع او من جهة المقتضي.

و ثالثة: يكون الشك في الجريان من جهة الشك باحتمال تولد ماء آخر جديد في المنبع، مع العلم بان الماء الذي كان موجودا فيه قد جرى كله و لم يبق منه شي ء، و هذا الفرض من فروض استصحاب القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، لان الشك في بقاء الجريان انما هو لاحتمال وجود فرد خاص جديد يقوم به الجريان غير الفرد المقطوع الارتفاع، و هذا هو مورد الاشكال عند المصنف في المتن في جريان الاستصحاب، لا القسمان الاولان لوضوح تمامية اركان الاستصحاب فيهما.

و اما في هذا الفرض فيشكل الاستصحاب لان الجريان الذي يستند الى الماء الذي كان قد ارتفع بالعلم بانتهاء الماء الذي كان في المنبع و حدوث ماء جديد آخر يقوم به الجريان مشكوك الحدوث، فما هو متعلق اليقين لا شك فيه للعلم بارتفاعه، و ما هو متعلق الشك لا يقين فيه، لفرض العلم بارتفاع ما كان و عدم اليقين بما هو مشكوك الحدوث. و قد اشار الى ما ذكرنا في هذا الفرض الثالث بقوله: ( (و اما اذا كان من

ص: 147

لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب، بحسب تعريفه و دليله حسبما عرفت (1).

______________________________

جهة الشك في كميته و مقداره كما في نبع الماء و جريانه و خروج الدم و سيلانه)) أي بان كان الشك في بقاء جريان الماء و سيلان الدم ( (في)) خصوص ( (ما كان سبب الشك في الجريان و السيلان)) هو ( (الشك في انه بقى في المنبع و الرحم فعلا شي ء من الماء و الدم غير ما سال و جرى منهما)).

و لا يخفى ان تعبيره بقوله بقى في المنبع يوهم كون الشك من الشك في المقتضي الذي قد عرفت انه على مختاره لا اشكال في استصحابه، و لكن تصريحه في ذيل عبارته يدل على ان مراده من قوله بقى هو انه هل تولد في المنبع و الرحم شي ء غير ما جرى و سال ام لا؟ ... و اشار الى وجه الاشكال بقوله: ( (فربما يشكل في)) صحة ( (استصحابهما حينئذ)) بانه مع القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي الذي قد عرفت عدم جريانه لعدم تمامية اركان الاستصحاب فيه ( (فان الشك ليس في بقاء)) ما تعلق به اليقين و هو ( (جريان شخص ما كان جاريا)) لفرض العلم بان جميع ما كان في المنبع و الرحم قد جرى و سال ( (بل)) الشك في الفرض انما هو لاجل الشك ( (في حدوث جريان جزء آخر)) من الماء و الدم ( (شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه)).

(1) يظهر من المصنف ان الاشكال في عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرض لا مدفع له، و لهذا عبر عن دفعه بانه تخيل: أي يتخيل المتخيل خيالا لا واقع له من ان اركان الاستصحاب تامة في هذا الفرض و لكنه خيال لا واقع له.

إلّا انه يمكن ان يقال: بان الشك في الجريان غير الشك في بقاء الماء و الدم، فان الشك في بقائهما من الشك في القسم الثالث من اقسام الكلي الذي قد عرفت عدم تمامية اركان الاستصحاب فيه، و لكن الشك في نفس الجريان لا مانع منه، و كون ما به الجريان و هو الماء و الدم لا مجرى للاستصحاب فيهما لا يستلزم عدم جريانه في

ص: 148

ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء الامر التدريجي، إما يكون من قبيل استصحاب الشخص، أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه، فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شي ء منها، صح فيه استصحاب الشخص و الكلي، و إذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة و الطويلة، كان من القسم الثاني، و إذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الاولى كان من القسم الثالث، كما لا يخفى ... هذا في الزمان و نحوه من سائر التدريجيات (1).

______________________________

نفس الجريان، و عدم جريان الاستصحاب في معروض الجريان و هو الدم و الماء لا يلازمه عدم جريان الاستصحاب في عرضه و هو الجريان، و ليس هو باعظم من السبب و المسبب، فان عدم جريان الاستصحاب في السبب لا يستلزم عدم جريان الاستصحاب في المسبب، بل المدار في الجريان و عدمه هو اتحاد القضية المشكوكة و المتيقنة، و لما كان الجريان مقطوعا به مشكوكا في استمراره كان اتحاد القضيتين متحققا، و كون الشك في بقاء الجريان انما هو لاجل احتمال وجود ماء جديد او دم جديد لا يستلزم تعدد متعلق اليقين و الشك في الجريان، فانه بالوجدان ان نفس الجريان الذي كان متعلقا لليقين هو فعلا متعلق للشك بقاء، لاحتمال انقطاع الماء و الدم و احتمال بقائه لوجود ماء و دم جديد، فاركان الاستصحاب في نفس الجريان تامة و ان كانت في معروضه و هو الماء و الدم غير تامة، و لا ملازمة بينهما وجدانا.

نعم الاشكال في الجريان هو كونه من الامور التدريجية، و قد عرفت انه لا مانع من جريان الاستصحاب فيها استصحابا شخصيا كما في الحركة القطعية، او بنحو استصحاب الكلي كما في الحركة التوسطية.

(1) حاصله: هو ما ذكرنا من ان الاستصحاب في الامور التدريجية يمكن جريانه بنحو الاستصحاب الشخصي، بان يستصحب بقاء ذلك الشي ء المستمر لاجل الوحدة الاتصالية، فاذا شك- مثلا- في ان السورة التي شرع فيها هل تمت او انها لم تتم،

ص: 149

.....

______________________________

بان وجد المكلف نفسه بعد أن ابتدأ بقراءة السورة قد كان ساكتا، فلا يدري انه أتم السورة فسكت أو انه سكت في اثناء قراءتها، فيمكنه ان يستصحب بقاء شخص القراءة المتصلة و يقتصر على القدر المتيقن و يقرأ الباقي الذي يشك في انه قرأه ام لا، و يمكنه ان يستصحب بقاء كلي القراءة الثابتة التي تكون القراءة لأبعاض آيات السورة افرادا لها، و هو من استصحاب الكلي كما عرفت بيانه في الحركة القطعية و الحركة التوسطية، و ان الاستصحاب في الحركة القطعية شخصي لانه استصحاب لبقاء الواحد المتصل المستمر الذي منه تتكون اجزاء الحركة القطعية التي هي بين الحدين، و ان الاستصحاب لنفس الكلي الثابت بين الحدين التي تكون تلك الاكوان المتجددة افرادا له هو من استصحاب الحركة التوسطية، و هو من استصحاب الكلي الباقي في بقاء افراده و هي تلك الاكوان المتجددة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (فاذا شك في ان السورة المعلومة التي شرع فيها تمت او بقي شي ء منها صح فيه)) جريان ال ( (استصحاب)) الشخصي ( (و)) جريان استصحاب ( (الكلي)) ... هذا اذا كانت السورة التي شرع فيها معلومة.

و اما اذا كانت السورة غير معلومة بان شك في انه قرأ التوحيد او قرأ الواقعة، فان كانت السورة التوحيد فقد تمت قراءتها قطعا و ان كانت الواقعة فلم تتم قطعا، فيكون الشك على هذا الفرض من الشك في استصحاب القسم الثاني من اقسام الكلي، الذي قد عرفت ان الشك فيه يكون مسببا عن تردده بين الفرد المقطوع الارتفاع و المقطوع البقاء، و قد عرفت جريان الاستصحاب فيه ايضا لتمامية اركانه.

و الى هذا اشار بقوله: ( (و اذا شك فيه)) أي و اذا شك في بقاء كلي القراءة ( (من جهة ترددها بين)) السورة ( (القصيرة)) و السورة ( (الطويلة كان من)) اقسام استصحاب ( (القسم الثاني)) من اقسام الكلي. و اشار الى القسم الثالث من اقسام الكلي بقوله: ( (و اذا شك في انه شرع في)) قراءة سورة ( (اخرى مع القطع بانه قد

ص: 150

و أما الفعل المقيد بالزمان، فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده، و طورا مع القطع بانقطاعه و انتفائه من جهة أخرى، كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله (1)،

______________________________

تمت)) السورة ( (الاولى)) التي قد قرأها ( (كان)) شكه ( (من)) اقسام استصحاب ( (القسم الثالث)) من اقسام الكلي الذي قد عرفت عدم تمامية اركان الاستصحاب فيه.

(1) توضيحه: ان الفعل المامور به اذا كان مقيدا بالزمان كما لو امر المولى بالجلوس في المسجد- مثلا- بالنهار، فتارة: يكون الشك في بقاء هذا الوجوب المتعلق بالجلوس في المسجد في النهار لاجل الشك في بقاء النهار و عدم بقائه، و الى هذا اشار بقوله:

( (فتارة يكون الشك في حكمه)) أي في بقاء حكم هذا الفعل المقيد بالزمان ناشئا ( (من جهة الشك في بقاء قيده)) و هو الزمان. و اخرى: يكون الشك في بقاء وجوب الجلوس في المسجد ليس من جهة الشك في بقاء النهار، بان كان النهار مقطوعا بعدمه لتحقق الليل قطعا، و لكنه مع ذلك يشك في بقاء وجوب الجلوس لاحتمال ان يكون الامر بالجلوس في المسجد في النهار كان بنحو تعدد المطلوب، بان كان في نفس الجلوس في المسجد مصلحة ملزمة، و في كونه في النهار مصلحة اخرى ملزمة، فمع القطع بارتفاع النهار على هذا الاحتمال لا يكون الامر بالجلوس في المسجد مرتفعا ايضا، لاحتمال كون نفس الجلوس في المسجد مطلوبا ايضا لمصلحة في نفسه. و الى هذا اشار بقوله: ( (و طورا)) أي و اخرى يكون الشك في بقاء الحكم المتعلق بالفعل المقيد بالزمان متحققا ( (مع القطع بانقطاعه)) أي مع القطع بانقطاع الزمان ( (و انتفائه)) و ذلك بان يكون الشك في بقاء الوجوب انما هو ( (من جهة اخرى)).

و قد اشار الى تلك الجهة الموجبة للشك في بقاء الوجوب المتعلق بالفعل المقيد بالزمان مع القطع بانتفاء الزمان بقوله: ( (كما اذا احتمل ان يكون التعبد به)) أي بالفعل المقيد بالزمان ( (انما هو بلحاظ)) كون الفعل المقيد بالزمان ( (تمام المطلوب)) لاشتماله على المصلحتين المصلحة الملزمة في نفس الجلوس في المسجد، و المصلحة

ص: 151

فإن كان من جهة الشك في بقاء القيد، فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان، كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا، فيترتب عليه وجوب الامساك و عدم جواز الافطار ما لم يقطع بزواله (1)، كما لا بأس باستصحاب

______________________________

الاخرى الملزمة و هي كونه في النهار، فاذا احتملنا ذلك فلا يرتفع الوجوب بارتفاع النهار، لانه لنفس الجلوس في المسجد وجوب غير وجوب الجلوس فيه في النهار، و هذا هو مراده من قوله: ( (لا أصله)) أي ان اصل الجلوس في المسجد مطلوب، و الجلوس فيه في النهار مطلوب آخر.

(1) لا يخفى انه قد ظهر مما مر ان هنا شرطيتين: الاولى: ان يكون الشك في بقاء الحكم المتعلق بالمقيد بالزمان من جهة الشك في بقاء الزمان و انقطاعه، و هو تارة للشبهة الموضوعية كما لو شك في نهار رمضان بان النهار الذي هو ذهاب الحمرة المشرقية قد انتهى- لذهاب الحمرة- ام لا؟

و اخرى: للشبهة الحكمية بان كان قد علم بغياب القرص، و لكن شكه انما كان لاجل الشك في ان النهار هل هو غياب القرص او ذهاب الحمرة المشرقية؟

و لا يخفى انه في الشرطية الثانية قد قسم الزمان الى كونه ظرفا للحكم او قيدا للموضوع، و لم يقسم هذا التقسيم في الشرطية الاولى، لوضوح انه سيأتي ان نفس القيد مجرى للاستصحاب، و مع كونه مجرى للاستصحاب فلا بد من ثبوت الحكم سواء كان الزمان ظرفا للحكم او قيدا للموضوع، بخلافه في الشرطية الثانية كما سيأتي بيانه. ثم انه بعد ما تقدم من كون الامر التدريجي مجرى للاستصحاب، فاذا شككنا في انتهاء النهار اما للشبهة الموضوعية او للشبهة الحكمية فلا مانع من استصحاب بقائه و به يثبت بقاء النهار و يترتب عليه بقاء الوجوب، و الى هذا اشار بقوله: ( (فلا بأس باستصحاب قيده)) أي قيد الفعل المتعلق به الوجوب و هو الامساك في نهار رمضان مثلا، فيستصحب بقاء نفس القيد ( (من الزمان كالنهار

ص: 152

نفس المقيد، فيقال: إن الامساك كان قبل هذا الآن في النهار، و الآن كما كان فيجب (1)، فتأمل (2).

______________________________

الذي قيد به)) وجوب ( (الصوم مثلا فيترتب عليه وجوب الامساك و عدم جواز الافطار ما لم يقطع بزواله)) أي بزوال النهار و انقطاعه بالقطع بدخول الليل.

(1) حاصله: انه كما يمكن ان يجري الاستصحاب في نفس القيد و هو النهار، كذلك يمكن ان يجري الاستصحاب في المقيد و هو الامساك في النهار، بان يقال: كان الامساك في النهار متيقنا و الآن مشكوك البقاء فيبنى على بقائه، و اليه اشار بقوله:

( (كما لا بأس ... الى آخر الجملة)).

(2) لعله اشارة الى ان الشك في المقيد بالزمان مسبب عن الشك في نفس الزمان، و مع فرض جريان الاستصحاب في السبب و هو الزمان فلا مجال لاستصحاب المقيد بالزمان لانه مسبب عنه.

او لعله اشارة الى ما ذكره في حاشيته على الرسائل.

و حاصله: ان الزمان تارة يكون ظرفا للحكم كما اذا قال: اذا دخل النهار فامسك، و اخرى يكون مقوما للموضوع كما اذا قال: الامساك في النهار مطلوب أو يقول: امسك في النهار، فاذا كان الزمان ظرفا للحكم فاستصحاب الزمان كاف، و ذلك لعدم تقييد موضوع الحكم به، و باستصحاب الزمان يتعبد بالوجوب لتحقق ما كان ظرفا له تعبدا و هو الزمان بواسطة الاستصحاب، و اما اذا كان الزمان قيدا للموضوع فاستصحاب نفس القيد لا يثبت المقيد، بل لا بد من استصحاب المقيد بنفسه .. بدعوى ان استصحاب القيد مثبت للمقيد، لان لازم تحقق النهار تحقق الامساك المقيد بالنهار.

و فيه ان استصحاب النهار استصحاب لجزء الموضوع في الحكم المرتب على ذلك الموضوع، و استصحاب جزء الموضوع ليس من المثبت كاستصحاب العاصمية المرتبة

ص: 153

و إن كان من الجهة الاخرى، فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه، و إلا فلا مجال لا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان، فإنه غير ما علم ثبوته له، فيكون الشك في ثبوته له- أيضا- شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه، لا في بقائه (1).

______________________________

على الماء البالغ كرا، فانه تثبت العاصمية باستصحاب اطلاق الماء لو شك به، و باستصحاب الكرية لو شك بها، و باستصحابهما معا لو شك بهما. و اللّه العالم.

(1) توضيح الحال في هذه الشرطية الثانية، و هي ما اذا شك في بقاء الحكم المتعلق بالفعل المقيد بالزمان لا من جهة الشك في بقاء الزمان لفرض القطع بانقطاع الزمان، و انما كان سبب الشك هو احتمال كون الزمان قيدا لتمام المطلوب و كما له، لا لأصل المطلوب ... فاتضح: ان ارتفاع القيد و هو الزمان مقطوع به في هذه الشرطية، و مع القطع بارتفاعه لا مجال لاستصحابه.

فاذا عرفت هذا ... نقول: ان الزمان المأخوذ- كما مر بيانه-: تارة يكون ظرفا للحكم كما اذا قال اذا دخل النهار فامسك، و اخرى: يكون قيدا للموضوع كما اذا قال امسك في النهار. فان كان ظرفا للحكم لا قيدا للموضوع فلا مانع من جريان الاستصحاب في وجوب الامساك، لان كون الزمان ظرفا للحكم لا يستلزم ارتفاع الحكم، بل يحتمل بقاؤه لاحتمال كون وجوب الامساك في النهار له دخل في كماله لا في اصل مطلوبيته، و عليه فوجوب الامساك كان متيقنا و الآن يشك في بقائه فيستصحب وجوب الامساك، و لازمه التعبد بوجوب الامساك بعد ارتفاع النهار مثلا.

و اما اذا كان الزمان قيدا مقوما للموضوع فلا مجال لاستصحاب الوجوب، لانه متعلق على الفرض بالامساك المقيد بالنهار و لا مجال لاستصحاب المقيد، لان المفروض كونه هو الامساك المقيد بكونه في النهار، و مع ارتفاع القيد يرتفع المقيد كله

ص: 154

.....

______________________________

الذي ذات المقيد بعضه و ان احتملنا ان في نفسه مصلحة ملزمة، إلّا انه لا يعقل ان يكون لنفس ذات المقيد وجوب غير الوجوب المتعلق به بما هو مقيد، لعدم امكان ان يكون ذات المقيد واجبة في حال كون المقيد بما هو مقيد واجبا، لمحالية اجتماع بعثين فعليين على شي ء واحد، و بعد تعلق البعث بالمقيد لا يعقل ان يتوجه بعث آخر لذات المقيد، فلم يبق إلّا احتمال حدوث وجوب آخر متعلق بذات المقيد بعد ارتفاع الوجوب المتعلق به بما هو مقيد، و هو من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي الذي قد عرفت عدم صحة جريان الاستصحاب فيه، و اذا كان الوجوب المتعلق بذات المقيد بعد ارتفاع القيد مشكوك الحدوث فلا محالة يكون مسبوقا بالعدم، فيكون الاستصحاب الجاري هو عدم تعلق الوجوب بذات المقيد.

و قد اشار الى التفصيل المذكور بجريان الاستصحاب فيما كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم دون ما اذا كان قيدا لموضوعه، بقوله: ( (و ان كان)) الشك في البقاء لا من جهة الشك في بقاء الزمان، بل كان ( (من الجهة الاخرى)) بان كان ذلك بعد ارتفاع الزمان لاحتمال دخالة الزمان في تمام المطلوب لا في اصل المطلوب، و اذا كان الشك من هذه الجهة ( (فلا مجال الا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه الا ظرفا لثبوته)) كما اذا قال: اذا دخل النهار فامسك، فان ظاهر هذا الامر هو كون النهار ظرفا لثبوت الامر بالامساك، و قد عرفت انه لا مانع من جريان الاستصحاب فيه لتيقن الوجوب و الشك في ارتفاعه ( (لا)) فيما اذا كان الزمان ( (قيدا مقوما لموضوعه)) كما اذا قال: امسك في النهار، فان ظاهره تعلق الوجوب بالامساك المقيد بالنهار، و على هذا ( (فلا مجال الا لاستصحاب عدمه)) أي لا مجال إلّا لاستصحاب عدم وجوب الامساك، لان الوجوب المتعلق بالامساك المقيد بالنهار قد ارتفع بارتفاع النهار الذي هو القيد، لان من الواضح عدم بقاء المقيد مع ارتفاع قيده، و الوجوب المتعلق بذات المقيد و هو نفس الامساك مشكوك الحدوث كما عرفت، و كل مشكوك الحدوث مسبوق بالعدم، فالوجوب المتعلق بذات الامساك

ص: 155

لا يقال: إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع و إن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله، ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته، فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه (1).

______________________________

كان متيقنا في حال تعلق الوجوب بالامساك المقيد، و بعد ارتفاع هذا الوجوب المتعلق بالمقيد يشك في حدوثه فيستصحب عدمه.

فاتضح انه: لا مجال لاستصحاب وجوب الامساك في النهار بعد ارتفاع النهار، و انه لا بد من استصحاب عدم وجوب الامساك ( (فيما بعد ذاك الزمان)) و هو النهار الذي قد علم ارتفاعه. و قد اشار الى الوجه في استصحاب عدم وجوب الامساك بعد ارتفاع النهار بقوله: ( (فانه غير ما علم ثبوته له)) أي ان الوجوب المحتمل في المقام هو الوجوب المتعلق بذات المقيد و هو غير الوجوب الذي علم ثبوته، فانه هو الوجوب المتعلق بالمقيد بما هو مقيد ( (فيكون الشك في ثبوته)) أي فيكون الشك في ثبوت وجوب آخر ( (له ايضا)) أي لذات المقيد ( (شكا في اصل ثبوته)) أي شكا في اصل ثبوت وجوب آخر ( (بعد القطع بعدمه)) أي بعدم تعلق الوجوب بذات المقيد فيستصحب عدمه و ( (لا)) يكون هناك وجوب متيقن الثبوت مشكوك ( (في بقائه)) حتى يستصحب.

(1) توضيحه: انه بعد ان بنى على ان الزمان اذا كان ظرفا للحكم فلاستصحاب الحكم مجال، و اذا كان قيدا للموضوع فلا مجال للاستصحاب ... يرد عليه ان ظرفية الزمان للحكم بان لا يكون دخيلا في المصلحة غير معقول لانه فرض لغويته المحضة، و لا يعقل جعل شي ء ظرفا للحكم بلا جهة موجبة لذلك، فان اللغوية على الشارع محال، فلا بد و ان يكون الزمان دخيلا، و يتعين ان يكون دخيلا في متعلق الحكم، لان الحكم هو الارادة للشي ء و نفس الارادة ليست من ذوات المصالح و المفاسد، فلاجل ذلك يتعين ان يكون الزمان دخيلا في الموضوع المتعلق للحكم، و اذا كان دخيلا في موضوع الحكم لا يجري الاستصحاب كما مر الاعتراف به.

ص: 156

فإنه يقال: نعم، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة و نظر العقل، و أما إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الاول، و شك في بقاء هذا الحكم له و ارتفاعه في الزمان الثاني، فلا يكون مجال إلا لاستصحاب ثبوته (1).

______________________________

فتلخص: انه اذا كان الشك من الجهة الاخرى لا يجري استصحاب الحكم، سواء كان في لسان الدليل اخذ الزمان ظرفا لثبوت الحكم او قيدا لموضوعه، لرجوع ما هو ظرف للحكم الى كونه قيدا للموضوع، و انما يجري دائما استصحاب عدم الحكم. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (ان الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع و ان اخذ ظرفا لثبوت الحكم في)) لسان ( (دليله)) لان الظرفية المحضة غير معقولة لانها مساوقة للغويته المحال على الحكيم، لان اخذ ما لا غاية في اخذه اصلا في ثبوت حكم الشارع محال على الشارع، و الارادة ليست من ذوات المصالح، فيتعين ان يكون الزمان دخيلا في موضوع الحكم و من قيوده، لدخالته في المصلحة المترتبة على الموضوع المتعلق به الحكم، و هذا مراده من قوله: ( (ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته)) أي لثبوت الحكم و هو المصلحة المترتبة على الموضوع المقيد، و اذا رجع الزمان الذي اخذ ظرفا لثبوت الحكم الى كونه قيدا لموضوعه ( (فلا مجال)) لاستصحاب الحكم حينئذ، بل لا مجال ( (إلّا لاستصحاب عدمه)) أي عدم الحكم كما عرفت.

(1) حاصل الجواب: انه سيأتي ان المدار في تعيين موضوع الاستصحاب هو نظر العرف، لا نظر العقل و لا لسان الدليل كما سيأتي شرحه ان شاء اللّه تعالى، و العرف يرى الفرق بين ما اذا اخذ الزمان ظرفا لثبوت الحكم و بين ما اذا اخذ قيدا لموضوعه في لسان الدليل، فان قوله عليه السّلام اذا دخل النهار امسك- بنظر العرف- غير قوله امسك في النهار، فان العرف يرى ان الموضوع في الاول هو الامساك، و في

ص: 157

لا يقال: فاستصحاب كل واحد من الثبوت و العدم يجري لثبوت كلا النظرين، و يقع التعارض بين الاستصحابين، كما قيل (1).

______________________________

الثاني هو الامساك المقيد بكونه في النهار، و قد عرفت انه اذا كان الحكم متعلقه هو الامساك فلا مانع من جريان الاستصحاب، بخلاف ما اذا كان الموضوع هو الامساك في النهار فانه لا مجرى للاستصحاب فيه. نعم لو كان المدار في تعيين موضوع الاستصحاب هو الدقة العقلية لما كان مجرى للاستصحاب و ان كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم، و الى هذا اشار بقوله: ( (نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع)) في باب الاستصحاب ( (بالدقة)) العقلية ( (و نظر العقل)) لكان الامر كما ذكر من عدم جريان الاستصحاب و ان كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم ( (و اما اذا كانت العبرة)) في تعيين موضوع الاستصحاب ( (بنظر العرف فلا)) ينبغي ( (الشبهة)) في جريان الاستصحاب فيما كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم لما هو واضح ( (في ان الفعل بهذا النظر)) أي بنظر العرف ( (موضوع واحد)) و هو الامساك غير المقيد، بخلاف ما اذا كان قيدا للموضوع فانه يكون هناك موضوعان: الامساك المقيد بالزمان المخصوص، و الامساك فيما هو خارج عن ذلك الزمان، اما اذا كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم فالموضوع عند العرف هو واحد و هو الامساك غير المقيد، و اذا كان الموضوع واحدا ( (في الزمانين)) اتحدت القضية المتيقنة و القضية المشكوكة و يكون الامساك مما ( (قطع بثبوت الحكم له في الزمان الاول و شك في بقاء هذا الحكم له و ارتفاعه)) عنه ( (في الزمان الثاني)) و مع وحدة الموضوع و اتحاد القضيتين ( (فلا يكون مجال الا لاستصحاب ثبوته)) أي استصحاب ثبوت الحكم الذي كان له سابقا و هو وجوب الامساك.

(1)

التعرض لكلام الفاضل النراقي (قده)

حاصله: انه يظهر من الفاضل النراقي في المقام جريان الاستصحابين في الحكم المتعلق بما اخذ الزمان فيه: أي يجري فيه استصحاب وجود الحكم و استصحاب عدم الحكم و يتعارضان، لانه قال في المعارج: فيما لو علم وجوب الجلوس يوم الجمعة

ص: 158

فإنه يقال: إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين، و إلا فلا يكاد يصح إلا إذا سبق بأحدهما، لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما، و لا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمهما، فلا يكون هناك إلا استصحاب واحد، و هو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا، و استصحاب العدم فيما إذا أخذ قيدا، لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي، و لا شبهة في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت معه قبله متحد في الاول و متعدد في الثاني بحسبه، ضرورة أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر (1)،

______________________________

الى الزوال و شك فيه فيما بعد الزوال، يجوز استصحاب الوجوب الى ما بعد الزوال كما يجوز استصحاب عدمه الثابت قبل التكليف بالجلوس ... انتهى.

و حاصل ما يقوله المصنف: انه لعل نظر النراقي في دعوى جريان استصحاب الوجود و العدم الى انه بناء على كون الموضوع بنظر العرف يجري استصحاب الوجود، و بناء على كونه بنظر العقل يجري استصحاب العدم.

و قد اورده المصنف بنحو لا يقال، و حاصله: انه اذا كان هناك نظران نظر العقل و نظر العرف، فيجري استصحاب وجود الحكم لنظر العرف، و يجري استصحاب العدم بنظر العقل، و يتعارض الاستصحابان. و في قوله كما قيل اشارة الى انه لعل نظر من قال بجريان الاستصحابين في المقام و تعارضهما الى ذلك و هو الفاضل النراقي.

(1) توضيحه: انه لا يعقل ان يكون الدليل المستفاد منه حجية الاستصحاب شاملا لكلا النظرين، لان لازمه جعل المتناقضين، و كما ان اجتماع المتناقضين واقعا محال فتشريع المتناقضين محال ايضا لانه من الجمع بين النقيضين، لان لازمه اعتبار الاستصحاب و عدم اعتباره، فلا يعقل ان يكون دليل الاستصحاب شاملا لكلا النظرين، بل لا بد و ان يكون منزلا على احد النظرين في تعيين موضوع

ص: 159

.....

______________________________

الاستصحاب، و سيأتي ان اخبار الاستصحاب منزلة على النظر العرفي، و عليه فلا مجال في المقام الا لاستصحاب وجود الحكم، و لا يجري استصحاب عدمه لانه انما يجري حيث يكون الموضوع موكولا لنظر العقل، و المفروض عدم كون العقل مرجعا في تعيين موضوع الاستصحاب. و قد اشار الى عدم امكان الجمع بين النظرين في موضوع الاستصحاب بقوله: ( (انما يكون ذلك)) أي انما يعقل جريان الاستصحابين معا في المقام ( (لو كان في الدليل)) الدال على حجية الاستصحاب ( (ما بمفهومه يعم النظرين و إلّا)) أي و ان لم يكن ما يدل على الاستصحاب شاملا لكلا النظرين ( (فلا يكاد يصح)) جريان الاستصحابين معا بل لا يصح إلّا أحدهما، و هو المراد من قوله: ( (إلّا اذا سبق باحدهما)). و اشار الى الوجه في عدم عموم الدليل لهما بقوله:

( (لعدم امكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما)) و يكون لازم شمول الدليل لهما اعتبار المتنافيين و هو محال ( (و)) عليه ( (لا)) يعقل ان ( (يكون في اخبار الباب ما بمفهومه يعمهما فلا يكون هناك الا استصحاب واحد)). و اشار الى ان المدار على نظر العرف، و عليه فيكون الجاري استصحاب الوجود دون استصحاب العدم بقوله: ( (و هو استصحاب الثبوت فيما اذا اخذ الزمان ظرفا و استصحاب العدم فيما اذا اخذ)) الزمان ( (قيدا لما عرفت من ان العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي)).

و اشار الى الوجه في جريان استصحاب الوجود فيما كان الزمان ظرفا للحكم، و جريان استصحاب العدم فيما كان الزمان قيدا للموضوع بقوله: ( (و لا شبهة في ان الفعل فيما بعد ذاك الوقت)) و هو فرض الشك في بقاء الوجوب للامساك بعد ارتفاع النهار مثلا، فان نسبة الشك في بقاء وجوب الامساك بعد ارتفاع النهار ( (معه)) أي مع الفعل ( (قبله)) أي قبل ارتفاع النهار ( (متحد في الاول)) و هو ما اذا كان الزمان ماخوذا على نحو يكون الزمان ظرفا لثبوت الحكم، و القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة بنظر العرف، و ان الامساك كان واجبا و الآن مشكوك الوجوب فيستصحب ( (و)) لكنه ( (متعدد في الثاني)) و هو ما اذا كان الزمان قيدا للموضوع

ص: 160

و لو بالنظر المسامحي العرفي (1).

نعم، لا يبعد أن يكون بحسبه- أيضا- متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه، من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي، و أن حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت و إن لم يكن باقيا بعده قطعا، إلا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب (2)،

______________________________

( (بحسبه)) أي بحسب اخذه قيدا للموضوع ل ( (ضرورة ان الفعل المقيد بزمان خاص)) كالامساك في خصوص النهار ( (غير الفعل في زمان آخر)) أي في نفس الامساك الذي يحتمل وجوبه بعد ارتفاع النهار.

(1) الظاهر انه ليس مراده انه فيما اذا كان قيدا للموضوع فالعرف وحده هو الذي يقضي باختلاف متعلق اليقين و الشك، لوضوح انه كما ان العرف يقضي بذلك فالعقل ايضا يقضي به كما عرفت، بل مراده ان المدار على نظر العرف في الصورتين سواء كان العقل غير موافق له كما في الصورة الاولى، او كان موافقا له كما في الصورة الثانية. و اللّه العالم.

(2) توضيحه: انه فيما اذا كان الزمان قيدا للموضوع فالشك في بقاء الوجوب بعد ارتفاع الزمان: تارة يكون لاحتمال ان يكون وجوب الامساك في خارج النهار لمصلحة اخرى، غير المصلحة التي اقتضت وجوبه في النهار قد حدثت بعد ارتفاع النهار. و اخرى يكون لاجل احتمال ان في الامساك في النهار مصلحتين ملزمتين:

مصلحة لنفس الامساك، و مصلحة اخرى لكونه في النهار، و في هذه الصورة يحتمل المصنف ان يكون الاستصحاب جاريا بنظر العرف، لان الامساك يكون ذا مراتب منها المرتبة النهارية الواجدة لكلا المصلحتين، و منها المرتبة التي تكون بعد ارتفاع النهار، و قد عرفت ان المستصحب اذا كان ذا مراتب و ارتفعت احدى مراتبه يجري فيه الاستصحاب، و ان هذا القسم و ان كان من اقسام استصحاب القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، إلّا انه يصح فيه الاستصحاب لاحتمال بقائه ببعض مراتبه

ص: 161

فتأمل جيدا (1).

______________________________

كما عرفت، و لذا قال (قدس سره): ( (نعم لا يبعد ان يكون بحسبه)) أي بحسب النظر العرفي ( (ايضا متحدا)) و ان كان الزمان قيدا للموضوع، لكنه ( (فيما اذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه)) أي من جهة في ان المطلوب المقيد بالزمان كان ( (بنحو التعدد المطلوبي و ان حكمه بتلك المرتبة التي كان)) الفعل فيها مطلوبا ( (مع ذاك الوقت و ان لم يكن)) هذا الحكم ( (باقيا بعده قطعا)) أي بعد ارتفاع الزمان ( (إلّا انه يحتمل بقاؤه دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب)).

(1) لعله اشارة الى انه في فرض تعدد المطلوب لا يجري الاستصحاب، لان الامساك و ان احتمل ان فيه مصلحة ملزمة، إلّا انه لا يحتمل ان يكون له وجوب غير الوجوب المتعلق به بما هو مقيد بالزمان، فلا يقين بوجوب متعلق بذات الامساك، بل هو متيقن العدم في حال وجود النهار، فالمستصحب عدم وجوب الامساك لا وجوب الامساك.

و الحاصل: ان تعدد المطلوب اذا كان مرجعه الى تعدد الوجوب، بان كان في المقيد وجوبان: وجوب لذات المقيد و وجوب لقيده، فلاستصحاب الوجوب المتعلق بذات المقيد وجه، لكنهم لا يقولون في تعدد المطلوب بتعدد الوجوب لان الظاهر انه وجوب واحد متعلق بالمقيد، نعم للمقيد مصلحتان: مصلحة في ذاته و مصلحة في قيده.

و اما اذا كان مرجعه الى تعدد المصلحة من دون تعدد الوجوب فاستصحاب الوجوب كما اشار اليه في المتن ينحصر بان يكون لجريان الاستصحاب في ذي المراتب كالبياض الشديد بعد زوال الشدة، و لا يخفى ان لازم ذي المراتب ان لا يكون للمرتبة الضعيفة وجود في قبال الوجود للمرتبة القوية، و المصلحتان ليستا من الموجودين بوجود واحد، و لا يساعد العرف على الاستصحاب في غير الموجودين بوجود واحد. و اللّه العالم.

ص: 162

إزاحة وهم: لا يخفى أن الطهارة الحدثية و الخبثية و ما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها، لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها، لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها، ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها، كانت من الامور الخارجية أو الامور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية، فلا أصل لاصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، أو أصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة (1)، كما حكي عن بعض الافاضل، و لا يكون

______________________________

(1)

إزاحة وهم الفاضل النراقي (قده)

توضيحه: ان الوهم المشار اليه هو ما ذكره الفاضل النراقي (قدس سره) من تعارض الاستصحابين بين الطهارة الحدثية و الخبثية، فانه قال- بعد تعرضه لتعارض الاستصحابين في الليل و النهار-: و في الطهارة أي الحدثية و الخبثية اذا حصل الشك في بقائها: أي الطهارة الحدثية من جهة الشك في رافعية المذي لها، و في نجاسة الثوب المغسول بالماء مرة اذا شك في ارتفاعها بها: أي اذا شك في ارتفاع النجاسة و حصول الطهارة من الخبث بالغسل مرة او بمرتين، فان استصحاب الطهارة أي الحدثية في الوضوء المتعقب بالمذي، و استصحاب النجاسة للثوب المغسول مرة واحدة معارضان باستصحابي عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، و عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ... انتهى موضع الحاجة من كلامه، و هو صريح في تعارض الاستصحابين في الطهارة الحدثية، لانه قال بجريان استصحاب الوضوء فيما اذا تعقبه المذي و انه من الشك في الرافع، ثم عارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، و عارض استصحاب نجاسة الثوب بعد الغسل مرة باستصحاب عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة.

و يرد عليه، اولا: ان الجمع بين هذين الاستصحابين غير معقول.

و توضيح ذلك: ان الشك في الرافع انما هو لاجل احتمال وجود ما يمنع استمرار المقتضي المؤثر، بان يزيل الرافع اثر المقتضي الذي كان مؤثرا حدوثا في مرحلة

ص: 163

.....

______________________________

البقاء، و الشك في المقتضي و ان كان يشمل الشك من جهة تأثير المقتضي اثره في مقتضاه، و يشمل الشك من جهة احتمال عدم وجود ما له دخل في تأثير المقتضي كالمقاربة، أو لاحتمال وجود ما يمنع عن تأثير المقتضي كالرطوبة في الجسم، إلّا انه لا بد و ان يكون ذلك في مقام الشك في حدوث الاثر، لا في مقام الشك في بقاء الاثر بعد حصوله بسببه و مقتضيه، و حيث فرض وجود الاثر فالشك في بقائه لا بد و ان يكون من جهة الشك في وجود الرافع لا في وجود المانع، لانه انما يكون الشك كذلك حيث يشك في اصل وجود الاثر لاحتمال وجود مانعة، لا في بقائه بعد وجوده فان الشك حينئذ يكون من الشك لاحتمال وجود رافعه، و بعد اعترافه بكون الشك في بقاء الطهارة من جهة المذي من الشك في الرافع، فلا يعقل ان يكون الشك فيه من جهة ما يرجع الى المقتضي الشامل لما لعدمه دخل في تأثيره، فان المذي و ان امكن ان يكون من الشك في المانع و هو الذي لعدمه دخل في حصول الطهارة، إلّا انه بعد تحقق الطهارة حدوثا فلا بد و ان يكون المذي مما يمنع عن بقائها لا عن حدوثها، فالجمع بين استصحاب الطهارة للشك في رافعية المذي لها، و استصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي الذي مرجعه الى كون المذي مانعا عن حدوث الطهارة- غير معقول، و مثله الحال في نجاسة الثوب بعد الغسل مرة.

و ثانيا: ان الطهارة و النجاسة اما ان يكونا من الامور الواقعية فهما من الاعراض، و الاعراض بعد وجودها لا ترتفع إلّا برافع، لان الحافظ لوجودها المعروض و هو المحل، فيكون الشك بعد وجودها من الشك في بقائها لاجل وجود الرافع.

و ان كانت من الامور الجعلية الاعتبارية فالمستفاد من ادلة الوضوء و ادلة النجاسة انها مما اذا وجدت لا ترتفع إلّا برافع، فدائما يكون الشك فيها بعد وجودها راجعا الى الشك في الرافع.

ص: 164

هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة (1).

الخامس: إنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا، لا ينبغي الاشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا، فلو شك في مورد لاجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه، ففيما صح استصحاب أحكامه المطلقة صح استصحاب أحكامه المعلقة، لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا و الشك بقاء (2).

______________________________

فاتضح: انه لا وجه لاصالة عدم جعل الوضوء سببا بعد المذي، و لا وجه لاصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة، لانها مما ترجع الى الشك في المقتضي، و الى هذا الايراد الثاني أشار بقوله: ( (لا يخفى ان الطهارة الحدثيّة و الخبثيّة ... الى آخر الجملة)).

قوله (قدس سره): ( (كما حكي عن بعض الافاضل)) هو الفاضل النراقي.

(1) حاصله: انه بعد ما عرفت ان الطهارة الحدثيّة و الخبثيّة من الامور التي اذا وجدت لا ترتفع الّا برافع، فالاستصحاب الجاري في الوضوء المتعقب بالمذي هو استصحاب بقاء الوضوء لا غير، و هو المشار اليه بقوله: ( (إلّا اصالة الطهارة)) و الاستصحاب الجاري في الثوب النجس بعد الغسل مرة هو استصحاب نجاسة الثوب لا غير، و اليه اشار بقوله: ( (او النجاسة)).

(2)

الخامس: الاستصحاب التعليقي
اشارة

لا يخفى ان المعلّق: تارة يكون حكما تكليفيا، كما اذا قال: اذا غلى العصير العنبي يحرم اكله، و اخرى يكون حكما وضعيا، كما اذا قال: اذا غلى العصير العنبي ينجس.

و قد وقع الكلام في جريان الاستصحاب في الحكم المعلّق و عدمه فيما اذا تبدّلت بعض حالات موضوعه، كما اذا صار العنب زبيبا، فهل يجري الاستصحاب فيما اذا غلى فيحكم بحرمة اكله و نجاسته ام لا؟.

ص: 165

و توهّم أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علّق عليه فاختل أحد ركنيه (1) فاسد، فإن المعلّق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا، لا أنه لا يكون

______________________________

و المختار للمصنف جريان الاستصحاب فيه، و لذا قال (قدس سره): ( (انه كما لا اشكال)) في جريان الاستصحاب ( (فيما اذا كان المتيقن حكما فعليا)) كالوضوء المشكوك ارتفاعه بالخفقة و الخفقتين فان الوضوء حكم فعلي ( (مطلقا)) أي غير معلق على شي ء، و لا اشكال في جريان الاستصحاب في الحكم الفعلي المطلق أي غير المعلق، كذلك ( (لا ينبغي الاشكال فيما اذا كان)) المتيقن حكما ( (مشروطا معلقا)) كما لو قال العصير العنبي اذا غلى يحرم او ينجس ( (فلو شك في مورد لاجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء احكامه)) كما اذا صار العنب زبيبا ( (ففيما صح استصحاب احكامه المطلقة)) كما لو شك في بقاء حليّة اكل العصير العنبي لاجل الشك في تحقق غليانه و عدمه، كذلك ( (صحّ استصحاب احكامه المعلّقة)) كحرمته فيما اذا صار زبيبا ثم غلى، و قد اشار الى الوجه في جريان الاستصحاب فيه بقوله:

( (لعدم الاختلال ... الى آخر الجملة)) و سيظهر ان شاء اللّه تعالى تمامية جريان الاستصحاب فيه- في نظره- في شرح قوله و توهّم.

(1)

اشكالان في جريان الاستصحاب التعليقي و الجواب عنهما

لا يخفى انه اشار في المتن الى اشكالين في جريان الاستصحاب في المعلّق:

الاول: ما اشار اليه بقوله: ( (و توهّم))، و حاصله: ان الحكم في المعلق لا تحقق له بالفعل إلّا بتحقق ما علّق عليه، و قبل تحققه لا حكم فعلي له، و من الواضح تقوّم الاستصحاب بركنيه و هما المتيقن السابق و الشك في بقائه، و حيث عرفت انه لا حكم فعليّ في المعلّق قبل تحقق ما علّق عليه فلا متيقن في المقام قد شك في بقائه، و المفروض في المقام انه في حال كون العنب عنبا لم يتحقق غليان، و في حال تحقق الغليان و هو حال كون العنب زبيبا و ان شك في حرمة هذا العصير الّا انه لا متيقن سابق لهذا الشك، لوضوح ان الزبيب في حال كونه عنبا لم يكن بحرام لعدم تحقق الغليان في تلك الحال، فلا يقين بالحرمة الفعلية حتى يكون الشك في حال الغليان من

ص: 166

موجودا أصلا، و لو بنحو التعليق، كيف؟ و المفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم- مثلا- أو الايجاب، فكان على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده، و لا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شي ء كان على يقين من ثبوته، و اختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.

و بالجملة: يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل، كان الحكم مطلقا أو معلقا، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة، فيحكم- مثلا- بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته، من أحكامه المطلقة

______________________________

الشك في بقائها، فالاستصحاب لا يجري في المعلق لعدم تمامية اركانه، لوضوح انه اذا لم يكن له يقين سابق لا يكون الشك من الشك في البقاء، بل يكون شكّا ابتدائيا غير مسبوق بشي ء، فالاستصحاب بكلا ركنيه غير موجود في المعلّق، لا اليقين السابق لعدم فعلية الحكم، و لا الشك اللاحق لوضوح انه اذا لم يكن له يقين سابق لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (و توهّم انه لا وجود للمعلق)) لان فرض التعليق فرض تحقق الحكم ( (قبل وجود ما علّق عليه)) الحكم، و حيث المفروض انه لا وجود للغليان في حال العنبيّة فلا وجود للحكم في حال العنبيّة، فلا يكون في المعلق حكم سابق يكون متعلقا لليقين ( (فاختل احد ركنيه)) أي فاختل احد ركني الاستصحاب و هو عدم المتيقن السابق، و قد عرفت ايضا انه حيث لا يكون هناك متيقن سابق لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان.

ص: 167

و المعلّقة لو شك فيها، فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه (1).

______________________________

(1) لا يخفى ان قوله فاسد هو خبر لقوله و توهم. و توضيح فساده: ان هذا التوهّم انما يكون له مجال بناء على رجوع الشرط في المعلّق الى الهيئة و انه قبل تحقق الشرط لا حكم فعلي للمعلّق.

و اما بناء على مذهب صاحب الفصول من فعلية الحكم في المعلّق فلا مجال لهذا التوهّم، لفرض فعلية الحكم في المعلق قبل تحقق الشرط، فانه عليه يكون هناك حكم فعلي و هو متعلق اليقين السابق. و مثله الحال بناء على رجوع الشرط الى المادة كما هو مذهب الشيخ الاعظم، فانه ايضا بناء عليه يكون الحكم فعليا غايته ان القضية تكون حقيقية، و قد اوضح المصنف جريان الاستصحاب بناء على رجوع القيد الى المادة في حاشيته على رسائل الشيخ (قدس سرهما) فراجع.

و الحاصل: ان التوهّم المذكور انما يكون له وجه- بناء على رجوع الشرط الى الهيئة- لانه على هذا لا يكون الحكم في المعلق فعليا قبل تحقق الشرط، و لكنه مع ذلك فالتوهّم فاسد، لانه لا يشترط في تمامية اركان الاستصحاب ان يكون متعلقه حكما فعليا، بل كما يكون حكما فعليا كذلك يكون حكما تعليقيا.

فان كان مراد المتوهّم انه في المعلّق لا انشاء للحكم اصلا فهو بديهي الفساد، لوضوح ان هناك إنشاء للحكم بنحو التعليق، و لذا لو شك في نسخ هذا المعلّق لاستصحبنا بقاءه و عدم نسخه.

و ان كان مراد المتوهّم انه لا شك في بقاء هذا الحكم المعلّق، بدعوى انه بعد تحقق الغليان في حال الزبيبية لا شك لاحد في كون العصير العنبي اذ غلى يحرم او ينجس، فلا شك في بقاء هذا الحكم حتى يستصحب، فهو فاسد ايضا لان مورد الشك في المقام ليس هو الحكم الكلي المعلق، بل مورد الشك هو انطباق هذا الحكم على العصير في حال كونه زبيبا، فالمتيقن السابق هو كون هذا العصير في حال كونه

ص: 168

.....

______________________________

عنبا كان يحرم او ينجس اذ غلى، و بعد كونه زبيبا يستصحب هذا الحكم له، و حيث فرض تحقق الغليان فتثبت حرمته و نجاسته بواسطة هذا الاستصحاب.

و بعبارة اخرى: ان مجرى الاستصحاب اما ان يكون حكما او موضوعا ذا حكم، و لما كان الموضوع للحرمة عند الغليان هو العنب، و بطروء حالة الزبيبية عليه يشك في ترتب الحكم عليه فيجري الاستصحاب فيثبت المشروط، و حيث فرض تحقق الشرط و هو الغليان فلا بد من ثبوت الحكم المترتب على العنب اذا غلى، فالاستصحاب يكون متمّما لترتب الحكم لانه به يثبت المشروط و الشرط متحقق بالوجدان، فلذلك يثبت الحكم للزبيب عند الغليان. و الى ما ذكرنا اشار بقوله:

( (فان المعلّق قبله)) أي الحكم المعلّق على الغليان في حالة العنبيّة قبل تحقق الغليان في حال الزبيبيّة ( (انما لا يكون)) حكما ( (موجودا فعلا)) و لا يلزم في المستصحب ان يكون الموضوع المستصحب مما يترتب عليه الحكم فعلا، بل يكفي ان يكون حكمه بنحو التعليق، فالحكم بنحو التعليق و ان لم يكن حكما موجودا بالفعل لكنه حكم موجود بنحو التعليق ( (لا انه لا يكون موجودا اصلا و لو بنحو التعليق)) فان اللازم في الاستصحاب كون المستصحب مما له دخالة في ترتب الحكم، و لا شبهة بالوجدان في ان العنب الذي كانت حرمته مشروطة بالغليان له اثر بنحو لو تحقق الغليان لتحقق حكمه و هو الحرمة.

و قد اشار الى ما ذكرنا- من انه ان اريد انه في المعلق لا حكم اصلا، فيرده انه لا اشكال في استصحابه فيما اذا شك في نسخه، و ان اريد انه لا حكم فعلي لعدم تحقق الشرط، فيرده انه يكفي في الاستصحاب هذا المقدار من كونه لو تحقق الشرط يترتب الحكم- بقوله: ( (كيف؟ و المفروض انه مورد فعلا للخطاب بالتحريم- مثلا- او الايجاب)) بالنحو المذكور و هو كونه بحيث لو تحقق الشرط لترتب الحكم، و بهذا يثبت الوجود للحكم بهذا المقدار، و لما كان على يقين من وجود الحكم بهذا المقدار للعنب قبل طروء حالة الزبيبيّة، و بعد طروء حالة الزبيبيّة يشك في بقائه فيستصحب،

ص: 169

.....

______________________________

و لذا قال (قدس سره): ( (فكان على يقين منه)) في حالة العنبيّة مثلا ( (قبل طروء الحالة)) أي الزبيبيّة مثلا ( (فيشك فيه)) أي فيشك في الحكم الموجود بالنحو المذكور ( (بعده)) أي بعد طروء الحالة ( (و لا يعتبر في الاستصحاب إلّا الشك في بقاء شي ء كان على يقين من ثبوته))، و من الواضح انه كان على يقين من ان هذا الشي ء عند تحقق الغليان يثبت له الحكم بالفعل، و المعتبر في الاستصحاب ان يكون الموضوع ذا اثر سواء كان اثره موجودا بالفعل او بنحو التعليق، و لذا قال (قدس سره):

( (و اختلاف نحو ثبوته)) أي نحو ثبوت الحكم تارة بنحو الفعلية، و اخرى بنحو التعليق ( (لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك)) أي في تحقق ركن الاستصحاب و هو اليقين السابق بما يكون له اثر بالفعل عند تحقق الشرط، و اشار الى ما ذكرنا من ان الاستصحاب في المقام يكون للموضوع المترتب عليه الاثر، لان موضوع الاثر هو العصير العنبي، و بالاستصحاب يثبت بقاء هذا الموضوع عند طروء حالة الزبيبيّة فيشمله الدليل الدال على ان العصير العنبي يحرم اذا غلى فيحرم لفرض تحقق الغليان. و الحاصل: ان العصير العنبي لما لم يكن له اطلاق لفظي يشمل حالة الزبيبية فكان من هذه الناحية مجملا او مهملا، و لكن بواسطة الاستصحاب يتم الموضوع المترتب عليه الحكم بقوله: ( (و بالجملة يكون الاستصحاب متمّما لدلالة الدليل)) الدال ( (على الحكم)) في العصير العنبي مثلا ( (فيما اهمل او اجمل)) و لم يكن للدليل اطلاق لفظي سواء ( (كان الحكم مطلقا)) أي فعليا ( (او)) كان ( (معلقا فببركته)) أي الاستصحاب ( (يعم الحكم للحالة الطارئة)) و هي مثل حالة الزبيبيّة ( (اللاحقة)) فتكون كالحالة السابقة و هي حالة العنبية من حيث الحكم ( (فيحكم)) لاجل الاستصحاب ( (مثلا بان العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا حال عنبيته)) سواء ( (من احكامه المطلقة)) أي الفعلية ( (و المعلقة)) كحرمته او نجاسته فيما اذا غلى ( (لو شك فيها فكما يحكم ببقاء ملكيته)) أي ملكية العنب لمالكه التي هي من احكامه الفعلية، كذلك ( (يحكم بحرمته على تقدير غليانه)).

ص: 170

إن قلت: نعم، و لكنه لا مجال لاستصحاب المعلّق لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق، فيعارض استصحاب الحرمة المعلّقة للعصير باستصحاب حليّته المطلقة (1).

______________________________

لا يخفى ان حاصل ما اجاب به المصنف هو كون الحكم المعلّق له وجود بهذا المقدار و هو كاف في الاستصحاب. و قد اجاب عنه الشيخ الاعظم في رسائله 16] بما حاصله: ان المستصحب في المعلّق اما الملازمة بين غليان العصير و حرمته، او سببيّة الغليان للحرمة في هذا العصير، و الملازمة و السببية كلاهما امران فعليان لا معلقان.

و فيه: ان الملازمة او السببية الموجودة هي بنحو الكلية، و مرجعها الى جعل الملازمة بين العصير اذا غلى و بين الحرمة، أو كون الغليان اذا تحقق يكون العصير حراما، و من الواضح انه ما لم يتحقق الغليان بالفعل لا تكون الملازمة و لا السببية فعلية فيعود المحذور.

(1) هذا هو الاشكال الثاني في استصحاب المعلّق. و حاصله: ان الاستصحاب في المعلق دائما معارض باستصحاب يعارضه، مثلا استصحاب الحرمة في العصير العنبي عند الغليان في حال كونه زبيبا يعارضه استصحاب الحلية الفعلية للعصير الزبيبي قبل الغليان، او استصحاب الحلية للعصير العنبي قبل الغليان، فان العصير العنبي قبل الغليان كان مباحا قطعا و بعد ان صار زبيبا و تحقق غليانه يشك في ارتفاع هذه الحلية فتستصحب، فيعارض هذا الاستصحاب استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان و بعد التعارض يتساقطان، فلا يكون هناك ما يثبت الطهارة. و الى هذا اشار بقوله: ( (لا مجال لاستصحاب المعلق)) و هو الحرمة بعد الغليان ( (لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق)) أي الفعلي و هو الحليّة الفعلية ( (فيعارض

ص: 171

قلت: لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده، ضرورة أنه كان مغيّا بعدم ما علق عليه المعلق، و ما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب، لعدم المضادة بينهما، فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة أصلا، و قضية ذلك انتفاء حكم المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية (1)، فإذا شك في حرمته المعلقة

______________________________

استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة)) أي الحليّة الفعليّة الثابتة للعصير قبل الغليان.

(1) لا يخفى ان الشيخ الاعظم قد اجاب عن هذا الاشكال في رسائله بما حاصله: انه لا جريان لاستصحاب الحلية قبل الغليان لانه من استصحاب المسبب، و استصحاب السبب حيث يكون جاريا يكون حاكما على استصحاب المسبب، و من الواضح ان ارتفاع الحلية للعصير من آثار حرمة العصير، و المفروض جريان الحرمة المعلقة فيكون من آثارها ارتفاع الحلية فلا مجرى لاستصحاب الحليّة.

و اورد عليه: ان الاستصحاب السببي انما يكون حاكما على الاستصحاب المسببي حيث يكون المسبب من الآثار الشرعية للسبب لا من آثاره العقلية، و ارتفاع الحلية في المقام من الآثار العقلية للحرمة من باب حكم العقل بملازمة عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر، و لما كانت الحرمة في المقام ضدا للحلية فيكون اللازم العقلي للحرمة هو ارتفاع الحلية ... و لعله لذلك سلك المصنف طريقا آخر للجواب.

و توضيحه: ان الضدين اللذين لا ثالث لهما في موضوع واحد يكون الدليل الدال على شرط لاحدهما دالا ايضا على كون الشرط المعلق عليه وجود احدهما هو غاية لوجود الآخر، فان الشارع اذا جعل الحلية للعصير بان قال العصير حلال،

ص: 172

.....

______________________________

ثم قال العصير اذا غلى يحرم، فانه يفهم من كلامه هذا ان الغليان شرط للحرمة و غاية للحليّة.

فاتضح: ان الغليان غاية شرعية للحلّية، و ليس غاية عقلية لها من باب كون لازم وجود احد الضدين ارتفاع الضد الآخر، لانه على هذا تكون الغاية عقلية.

و اذا ثبت ان الغاية شرعية فلا يرد عليه ان الحلية في المقام و ان كانت مغياة بالغليان الّا ان الغاية عقلية، و لازمه كون استصحاب الحلية المغياة موافقا لاستصحاب الحرمة المعلقة امرا عقليا لا شرعيا، و اذا كانت الحلية غير مغياة شرعا فلا يكون جريان استصحابها موافقا، بل يكون معارضا لاستصحاب الحرمة.

و الحاصل: ان الغاية في المقام شرعية جعلية لا عقليّة، و اذا كانت الغاية شرعيّة يتضح ان جريان استصحاب الحلية للعصير العنبي قبل الغليان المغياة بالغليان بعد طروء حالة الزبيبية يكون موافقا لاستصحاب الحرمة المعلقة على الغليان، فان المستصحب في الاول هو الحلية الفعلية للعصير العنبي المغياة بالغليان في حال كونه زبيبا، فيقال كان هذا العصير حلالا بحليّة غايتها الغليان، فعند تحقق الغليان لا بد من ارتفاع تلك الحلية المغياة به، و من الواضح ان هذا الاستصحاب الذي نتيجته ارتفاع الحلية يوافق استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان لا انه يعارضه.

و الحاصل: انه كما لا منافاة بين قوله العصير العنبي حلال حتى يغلي، و بين قوله العصير العنبي يحرم اذا غلى، لوضوح انه بعد تحقق الغليان ترتفع الحلية لدلالة الدليل الدال على ان أمدها ينقضي بالغليان و تثبت الحرمة لتحقق شرطها و هو الغليان، فانه ايضا كذلك لا منافاة بين استصحاب حلية العصير العنبي عند طروء حالة الزبيبية المغياة بالغليان، و بين استصحاب حرمة العصير العنبي المعلقة على الغليان عند طروء حالة الزبيبية، لبداهة انه بعد كون الغاية شرعية فارتفاع الحلية المغياة هو مما يدل عليه قوله العصير العنبي حلال حتى يغلي، و في فرض الشك لطروء

ص: 173

.....

______________________________

حالة الزبيبية فبالاستصحاب تتم هذه الدلالة الشرعية، و هذا موافق لاستصحاب حرمة العصير العنبي المعلقة على الغليان.

و قد اشار الى ما ذكرنا من كون استصحاب الحلية الفعلية لا يعارض استصحاب الحرمة المعلقة بقوله: ( (لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة)) و هو استصحاب الحلية الفعلية التي كانت للعصير العنبي قبل عروض الزبيبيّة و الغليان ( (التي)) من اجل عروض الحالة و تحقق الغليان يحصل ( (شك في بقاء حكم المعلق بعده)) أي بعد عروض الحالة و تحقق الغليان يحصل الشك في بقاء الحرمة المعلقة، و انما كان لا يضر استصحاب الحلية الفعلية للحرمة المعلقة ل ( (ضرورة انه كان مغيّا بعدم ما علق عليه المعلق)) فما هو الشرط للحرمة المعلقة شرعا هو غاية ايضا شرعا للحلية الفعليّة ( (و ما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب)). و حاصله: انه لو كان بين استصحابهما تناف لكان بين ثبوتهما بالقطع ايضا تناف، و حيث لم يكن تناف بين ثبوتهما بالقطع فلا يكون تناف بين استصحابهما بطريق اولى، و السبب في الاولوية ان الاستصحاب حكم تعبدي ظاهري و بالقطع يكون الثبوت واقعيا، و اذا لم يكن بين الحكمين المجتمعين الواقعيين تناف لا يكون بطريق اولى تناف بينهما فيما اذا كانا ظاهريين، و قد عرفت انه انما لا يكون بينهما تناف ( (لعدم المضادة بينهما)) فان الحلية الفعلية المغياة شرعا بالغليان ترتفع بالغليان كما تتحقق الحرمة المعلقة على الغليان بوجود الغليان.

فاتضح: ان الحكمين متوافقان لا متضادان و حيث لا مضادة بينهما ( (فيكونان)) أي الحلية الفعلية المغياة بالغليان و الحرمة المعلقة على الغليان ( (بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية و تحقق الغليان ( (ب)) سبب ( (الاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل)) أي قبل الاستصحاب ( (بلا منافاة اصلا)) بينهما ( (و قضية ذلك)) أي و قضية كونهما متوافقين لا متضادين هو ( (انتفاء حكم المطلق)) أي الحكم الفعلي ( (بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق)) و هو الغليان لانه غاية شرعا للحكم الفعلي

ص: 174

بعد عروض حالة عليه، شك في حليته المغياة لا محالة أيضا، فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية و الحرمة بنحو كانتا عليه، فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه و انتفاء حليته، فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب، كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الالباب، فالتفت و لا تغفل (1).

______________________________

و شرط شرعا للحكم المعلق، و من الواضح لا بد من انتفاء امد الحكم المغيّى بغاية عند تحقق الغاية، كما لا بد من تحقق الحكم المعلق عند تحقق ما علق عليه ( (ف)) ان ( (الغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة)) في قوله العصير يحرم اذا غلى كذلك ( (كان)) الغليان ايضا ( (غاية للحلية)).

(1) توضيحه: انه بعد عروض حالة الزبيبية و تحقق الغليان، فان هناك شكا فعليا في الحلية و شكا فعليا في الحرمة ايضا، و انما كان الشك في الحرمة فعليا كالشك في الحلية لان المفروض تحقق الغليان، فعلى فرض كونه شرطا للحرمة فقد صارت الحرمة فعلية بسبب تحقق شرطها، فهنا شكّان: شك في الحرمة و شك في الحلية، و هذان الشكّان متحدان مع الشك في بقاء الحلية الفعلية قبل تحقق الغليان، و الشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان قبل الغليان.

و الداعي للاشارة الى هذا الاتحاد هو نفي ان يدعى عدم توافق الاستصحابين في المقام، بان الحلية الفعلية انما توافق الحرمة المعلقة، و بعد فرض كون الحرمة المشكوكة فعلية فهو غير الحرمة المعلقة، و اذا كانت غير الحرمة المعلقة تكون الحلية الفعلية و الحرمة الفعلية من المتضادين لا من المتوافقين، و يكون استصحاب الحلية معارضا لاستصحاب الحرمة لا موافقا، فلذلك اشار الى انهما متحدان و ان الشك في الحرمة بعد عروض حالة الزبيبية و تحقق الغليان هو عين الشك في الحرمة المعلقة على

ص: 175

.....

______________________________

الغليان، و الدليل على اتحادهما هو ما تقدّم تحقيقه في الواجب المشروط، و انه عند تحقق شرطه لا يخرج عن الاشتراط الى الاطلاق، بل هو لا يزال واجبا مشروطا، و لكنه قد تحقق شرطه و لتحقق شرطه يكون الحكم فيه فعليا، فكون الحكم فيه بعد تحقق شرطه فعليا لا يستلزم خروجه عن كونه واجبا مشروطا، و الّا لزم الانقلاب أو الخلف، لان معنى كونه مطلقا هو كونه غير مشروط، فاذا كان تحقق الشرط موجبا لكونه غير مشروط لزم الانقلاب و خلف فرض كونه مشروطا.

فاتضح مما ذكرنا: ان الشك في الحرمة الفعلية بعد تحقق الغليان متحد مع الشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان بعد تحقق الغليان عند عروض الزبيبية، و مع فرض الاتحاد لا يكون هناك الّا الحلية المغياة و الحرمة المعلقة، و قد عرفت انهما متوافقان لا متضادان، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (فاذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه)) و هي حالة الزبيبية و تحقق الغليان فقد ( (شك في حليّته المغياة لا محالة ايضا)) لما عرفت من ان الغليان كما انه شرط للحرمة المعلقة فهو ايضا غاية للحلية الفعلية، و حيث ان المشروط لا يخرج عن كونه مشروطا الى كونه مطلقا بعد تحقق شرطه ( (ف)) لذلك ( (يكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية و تحقق الغليان ( (متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية و الحرمة بنحو كانت عليه)) و هما الحلية الفعلية و الحرمة المعلقة، و اذا كانا متحدين فلا يكون هناك الا الحلية الفعلية و الحرمة المعلقة التي صارت فعلية بتحقق الشرط، فليس هنا بعد تحقق الغليان الا استصحاب الحرمة المعلقة و استصحاب الحلية المغياة، و هما متوافقان لا متضادان كما عرفت، و لذا قال (قدس سره): ( (فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها)) أي بعد عروض حالة الزبيبية و تحقق الغليان ( (الملازم)) هذا الاستصحاب ( (لاستصحاب حليّته المغياة)) بالغليان و لازمهما هو ( (حرمته فعلا بعد غليانه)) لتحقق الشرط ( (و انتفاء حليته)) لتحقق الغاية ( (فانه فضية نحو ثبوتهما)) أي ان قضية كون الشي ء الواحد

ص: 176

السادس: لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة، إذا شك في بقائه و ارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة، لعموم أدلة الاستصحاب (1)، و فساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة، إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم، و إن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين، فلا شك في بقائها أيضا، بل في ثبوت مثلها، كما لا يخفى، و إما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة

______________________________

شرطا لضد و غاية لضده الآخر هو ذلك سواء ( (كان بدليلهما)) بان يتحققا بالقطع و ذلك بان يغلي العصير العنبي قبل ان يكون زبيبا، فانه بغليانه ترتفع الحلية الفعلية المغياة و تتحقق الحرمة المعلقة على الغليان ( (او)) كان ( (بدليل الاستصحاب)) كما لا يخفى، و ذلك عند تحقق الغليان في حالة الزبيبيّة.

(1)

السادس: استصحاب عدم نسخ الشرائع السابقة
اشارة

توضيحه: انه لا اشكال ايضا في جريان الاستصحاب فيما اذا شك في نسخ الحكم الثابت في شريعتنا، و كما لا اشكال في هذا لا ينبغي الاشكال ايضا في جريان الاستصحاب فيما اذا شك في نسخ الحكم الثابت في الشريعة السابقة لاحتمال نسخه بهذه الشريعة، لشمول ادلة الاستصحاب مثل قوله و لا ينقض اليقين بالشك، فان المستفاد منه ان اليقين المتعلق بحكم أو موضوع ذي حكم لا ينقض بالشك، و هو ظاهر الشمول لكل ما كان متعلقا لليقين و الشك، و منه الحكم الثابت في الشريعة السابقة اذا شك في بقائه لاحتمال نسخه في هذه الشريعة و عدم نسخه، لتمامية اركان الاستصحاب بالنسبة اليه لليقين بتحققه سابقا في الشريعة المتقدّمة و الشك في بقائه في هذه الشريعة لاحتمال نسخه فيها، و لذا قال (قدس سره): ( (لا فرق ايضا بين ان يكون المتيقن من احكام هذه الشريعة او)) من احكام ( (الشريعة السابقة اذا شك في بقائه و ارتفاعه ب)) سبب احتمال ( (نسخه في هذه الشريعة)) و بهذا اشار الى تمامية اركان الاستصحاب فيه و هما اليقين السابق و الشك اللاحق، كما اشار الى شمول ادلة الاستصحاب له بقوله: ( (لعموم ادلة الاستصحاب)).

ص: 177

بهذه الشريعة، فلا شك في بقائها حينئذ، و لو سلم اليقين بثبوتها في حقهم (1)، و ذلك لان الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا

______________________________

(1)

وجوه لمنع استصحاب الشرائع السابقة

لا يخفى انه قد استشكل في جريان الاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة بوجوه:

الاول: ما اشار اليه بقوله: ( (و فساد توهم اختلال اركانه ... الى آخره)).

و توضيحه: انه لا اشكال في ان الحكم الثابت لموضوع اذا ثبت لموضوع آخر فانه يكون حكما آخر غير الحكم الثابت للموضوع الاول، غاية الامر انه يكون حكما مثله، و كذا اذا احتمل ثبوته لموضوع آخر فانه بعد كونه حكما آخر يكون الشك فيه شكا في الحدوث لا شكا في بقاء ما كان، لوضوح عدم اليقين السابق بالحكم المحتمل ثبوته لموضوع آخر غير الموضوع الاول، و حيث لا يقين سابق فلا شك في البقاء و انما هو شك في الحدوث.

فاذا عرفت هذا ... نقول: ان الحكم الثابت في الشريعة السابقة موضوعه المكلف الموجود في زمان تلك الشريعة، و ثبوته في شريعتنا انما هو ثبوت حكم آخر مثل الحكم السابق لان موضوعه هو المكلف الموجود في شريعتنا، و ليس هو نفس الحكم الثابت في الشريعة السابقة، و على هذا فلا مجرى للاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة، لارتفاعه قطعا بارتفاع موضوعه و هو المكلف الموجود في تلك الشريعة، فلا يقين بالحكم السابق حتى يكون الشك شكا في بقائه، بل الشك فيه دائما شك في الحدوث لا في البقاء، لانه شك في حدوث حكم آخر غير الحكم الاول.

و الحاصل: انه لا يجري الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة لعدم تمامية كلا ركني الاستصحاب فيها حيث لا يقين سابق بالحكم، و اذا لم يكن هناك يقين سابق فلا يكون شك في البقاء ايضا، فكلا ركني الاستصحاب مفقودان في الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة، و لذا قال (قدس سره): ( (توهّم اختلال اركانه)) أي حاصل هذا

ص: 178

.....

______________________________

التوهّم هو اختلال اركان الاستصحاب ( (فيما كان المتيقن من احكام الشريعة السابقة لا محالة اما لعدم اليقين بثبوتها)) لا يخفى ان قوله امّا هو لعطفه الاشكال الثاني الآتي في قوله: و اما لليقين بارتفاعها ... الى آخره. و على كل فحاصل هذا الاختلال هو عدم اليقين بثبوت الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة ( (في حقهم)) أي في حق الموجودين في الشريعة ( (و ان علم بثبوتها)) أي و ان علم بثبوت هذه الاحكام ( (سابقا في حق آخرين)) و قد عرفت ان السبب في عدم اليقين هو كون الموضوع للاحكام الثابتة في الشريعة السابقة هو المكلف الموجود في تلك الشريعة، و لا اشكال في ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه فلا يقين سابق بالحكم، و قد اشار الى عدم الشك في البقاء ايضا بقوله: ( (فلا شك في بقائها)) أي فلا شك في بقاء تلك الاحكام ( (ايضا بل)) الشك دائما يكون ( (في ثبوت مثلها)) لاهل هذه الشريعة اللاحقة و هو من الشك في الحدوث لا من الشك في البقاء.

ثم لا يخفى ان المصنف اخّر الجواب عن هذا الاشكال بعد ذكره للاشكال الثاني، الذي اشار اليه بقوله (قدس سره): ( (و اما لليقين بارتفاعها ... الخ)) هذا هو الاشكال الثاني على جريان الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة، و حاصله: انه لا اشكال في نسخ الشريعة اللاحقة للشريعة السابقة، و النسخ لا يكون الّا برفع الشريعة الناسخة لجميع احكام الشريعة المنسوخة، و اذا كانت جميع احكام الشريعة السابقة منسوخة فاحكام الشريعة السابقة و ان تعلق بها يقين سابق الّا انه قد تعقبه اليقين بالارتفاع و مع تحقق اليقين بالارتفاع، لا يعقل ان يكون الشك فيها من الشك في البقاء، بل لا بد و ان يكون دائما من الشك في الحدوث.

و الحاصل: انه لو سلمنا ان الموضوع للاحكام في الشريعة السابقة مطلق المكلف الشامل لاهل هذه الشريعة ايضا، الّا انه بعد تحقق نسخها بالشريعة اللاحقة لا يكون الشك في الحكم من الشك في البقاء، بل هو من الشك في الحدوث.

ص: 179

.....

______________________________

فاتضح: انه لو سلمنا عدم ورود الاشكال الاول فان هذا الاشكال الثاني وارد عليه، فلا مجال للاستصحاب في احكام الشريعة السابقة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله:

( (و اما لليقين بارتفاعها)) أي ان اختلال جريان الاستصحاب في احكام الشريعة السابقة، اما للاشكال الاول الذي اشار اليه بقوله اختلال اركانه ... الى آخره، او لهذا الاشكال الثاني الذي حاصله: انه لا وجه لجريان الاستصحاب فيها لليقين بارتفاعها ( (بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة)) اللاحقة، و مع اليقين بارتفاع تلك الاحكام الثابتة في تلك الشريعة ( (فلا)) يكون ( (شك في بقائها حينئذ)) أي بعد كون هذه الشريعة ناسخة لجميع احكام الشريعة السابقة ( (و لو سلّم اليقين بثبوتها)) أي و لو سلّم حصول اليقين بثبوت احكام الشريعة السابقة ( (في حقهم)) أي في حق اهل الشريعة اللاحقة، بان كان الموضوع للاحكام هو مطلق المكلف الشامل لاهل هذه الشريعة اللاحقة.

و ينبغي ان لا يخفى ان هذا الاشكال الثاني لا يتمّ الّا بان يكون نسخ الشريعة نسخا لها بجميع احكامها، لوضوح انه لو كان النسخ يتحقق بنسخ بعض الاحكام لما كان هناك يقين بارتفاع جميع احكامها، و اذا لم يكن يقين بارتفاع جميع احكامها امكن ان يجري الاستصحاب لتحقق اركانه، و هو اليقين السابق بالحكم الشامل لاهل هذه الشريعة، و الشك في بقائه لاحتمال كونه من الاحكام المنسوخة بهذه الشريعة.

و قد ذكر بعضهم وجها لكون النسخ لا يكون الّا بنسخ جميع احكام الشريعة السابقة بما حاصله: ان النسخ اما ان يكون بتجدّد المبلّغ من دون نسخ للاحكام اصلا، و هو باطل للزوم ان يكون لكل نبيّ شريعة ناسخة، و من المسلّم ان كثيرا من الانبياء لا شرايع لهم ناسخة و جميعهم مبلّغون.

ص: 180

لافراد المكلف، كانت محققة وجودا أو مقدرة، كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة، و هي قضايا حقيقية، لا خصوص الافراد الخارجية،

______________________________

و اما ان يكون النسخ للشريعة يتحقق بنسخ بعض الاحكام فيها، و هو باطل ايضا لان لازمه ان الشريعة الواحدة التي يحصل فيها النسخ لبعض احكامها ان تكون شرايع متعددة.

و اما ان يكون النسخ للشريعة يتحقق بنسخ جلّ احكامها، و هو باطل ايضا لان شريعة عيسى عليه السّلام كانت ناسخة لشريعة موسى عليه السّلام، مع ان احكام شريعة موسى عليه السّلام اكثرها ثابتة في شريعة عيسى عليه السّلام، و لم يغيّر عيسى عليه السّلام من احكام شريعة موسى الّا احكاما قليلة ... فيتعيّن ان يكون النسخ انما يتحقق بنسخ جميع احكام الشريعة السابقة، و الاحكام الثابتة في شريعة عيسى هي مثل احكام شريعة موسى لا انها هي بعينها.

و الجواب عنه: ان النسخ يتحقق بامرين: الاول: ان يكون المبلغ مبلّغا بنفسه، فانه اذا كان مبلّغا عن النبي الذي قبله لا يكون ناسخا لشريعته. الثاني: ان ينسخ مقدارا من احكامه، فانه لو لم يكن ناسخا لحكم من احكامه لا يتحقق كونه مبلّغا بنفسه، اذ كونه مبلّغا هو ان يكون مما يجري التبليغ على يده، و كونه بنفسه مبلّغا معناه ان يكون مبلّغا للاحكام التي اختصّ بها، و اذا كان مبلّغا لاحكام غيره لا يكون له احكام اختصّ بها.

فاتضح مما ذكرنا: ان النسخ للشريعة السابقة يتحقق و لو بنسخ بعض احكامها، على ان يكون المبلغ مبلغا و لو لبعض احكام شريعته.

و منه ظهر فساد لزوم كون النسخ في الشريعة الواحدة لازمه تعدد الشرائع، لوضوح عدم تجدد المبلغ. و اتضح ايضا انه لا مانع من كون الشريعة الثانية ناسخا و لو بنسخ بعض احكام الشريعة السابقة، فيما اذا تجدّد المبلغ. و ظهر ايضا ان تجدّد المبلّغ حيث لا يكون مبلغا عن نفسه لا يستلزم النسخ.

ص: 181

كما هو قضية القضايا الخارجية، و إلا لما صح الاستصحاب في الاحكام الثابتة في هذه الشريعة، و لا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها، كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد، و كان الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته (1)، و الشريعة السابقة و إن كانت منسوخة

______________________________

(1) هذا هو الجواب عن الاشكال الاول، و حاصله: ان القضية الدالة على الحكم:

تارة تكون قضية خارجيّة، و حينئذ يكون موضوع الحكم فيها هو افراد المكلّف الموجود في زمان تلك الشريعة، و اخرى تكون القضية حقيقيّة و لا بد في القضية الحقيقية ان يكون الموضوع فيها هو افراد المكلّف الاعم من المحققة الوجود و المقدّرة الوجود، و لا يكون لها اختصاص بزمان خاص، و على هذا فموضوع الحكم في احكام الشريعة السابقة لا يكون مختصا باهل تلك الشريعة، بل يكون عاما لكل مكلّف مقدّر الوجود و منه اهل هذه الشريعة اللاحقة. و لا يخفى ان الغالب في قضايا الاحكام هي كونها على هذا النحو الثاني دون النحو الاول.

و يدّل على كون قضايا الاحكام بنحو القضايا الحقيقية دون الخارجية امران:

الاول: انه لو كانت قضايا الاحكام بنحو القضايا الخارجيّة لما امكن جريان الاستصحاب في الاحكام الثابتة في كل شريعة- و منها شريعتنا- للمعدومين في حال نزول تلك الاحكام، لوضوح ان الموضوع في القضية الخارجية هو خصوص الموجودين البالغين في زمان نزول الحكم، و الذين يوجدون بعد ذلك هم موضوع آخر للحكم، و مع اختلاف الموضوع لا مجرى للاستصحاب.

لا يقال: ان اشتراك المعدومين مع الموجودين في زمن الخطاب بالحكم انما هو لدليل الاشتراك لا للاستصحاب.

ص: 182

.....

______________________________

فانه يقال: ان الاجماع القائم على الاشتراك لا دلالة فيه على انه حكم بالخصوص على الاشتراك، و انما القدر المتيقّن منه هو مشاركة المعدومين للموجودين في الحكم، و لعل وجهه هو كون القضايا حقيقية.

الثاني: انه لو كانت القضايا الاحكامية قضايا خارجيّة لما امكن ان يتأتى النسخ للحكم في مثل هذه الشريعة و غيرها الّا بالنسبة الى الموجودين في زمان الحكم، لان النسخ رفع الحكم الثابت لو لا النسخ، و اذا كان الحكم مختصّا بالموجودين في زمان الحكم لا يكون حكما بالنسبة الى المعدومين، فلا يصح نسخ الحكم بالنسبة اليهم اذ لا حكم لهم حتى يكون منسوخا، و لا بد من اختصاص النسخ للحكم بخصوص الحكم المختصّ بالموجودين في زمانه.

فظهر مما ذكرنا: ان قضايا الاحكام هي قضايا حقيقية لا خارجية، و قد عرفت ان الموضوع في القضية الحقيقية هي الافراد المحقّقة و المقدّرة الوجود، و على هذا فالموضوع في قضايا الاحكام في الشريعة السابقة مما يعمّ اهل هذه الشريعة، فاذا شك في نسخه كان ذلك من الشك في بقائه، فيجري فيه الاستصحاب لوجود كلا ركنيه اليقين السابق بالحكم العام الشامل لاهل هذه الشريعة و الشك في بقائه لاحتمال نسخه فيستصحب، و اتضح انه لا فرق في جريان الاستصحاب بين حكم هذه الشريعة و بين حكم الشريعة السابقة اذا شك في نسخه لتمامية اركان الاستصحاب فيهما معا، و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و ذلك)) أي ان السبب في فساد التوهّم الاول الذي حاصله كما مرّ: هو ان الموضوع لاحكام الشريعة السابقة هو خصوص الموجودين في زمان تلك الشريعة، و الموجودون في زمان هذه الشريعة موضوع آخر، فلا مجرى للاستصحاب بالنسبة الى احكام الشريعة السابقة اذا شك في نسخه هو ( (لان الحكم الثابت في الشريعة السابقة)) موضوعه مما يعمّ اهل هذه الشريعة ( (حيث)) انه من القضايا الحقيقية و ( (كان)) فيها ( (ثابتا لافراد المكلف)) سواء ( (كانت محققة وجودا او مقدّرة)) الوجود ( (كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة

ص: 183

بهذه الشريعة يقينا، إلا أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة (1) ليس ارتفاعها كذلك، بل عدم بقائها

______________________________

و هي قضايا حقيقية)) الحكم فيها يعمّ الموجود و المقدّر الوجود، و لا يختص بزمان مخصوص ( (لا)) ان الحكم فيها على ( (خصوص الافراد الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية)).

ثم اشار الى الدليل الاول على كون قضايا الاحكام حقيقية لا خارجية بقوله:

( (و الّا لما صحّ الاستصحاب ... الى آخر الجملة)) كما مرّ بيانه، و اشار الى الدليل الثاني بقوله: ( (و لا النسخ بالنسبة الى غير الموجود في زمان ثبوتها)) أي في زمان ثبوت تلك الاحكام.

قوله: ( (كان الحكم في الشريعة السابقة)) هذا مرتبط باول قوله و ذلك: أي لما كانت القضايا في الشريعة السابقة من القضايا الحقيقية كان الحكم في الشريعة السابقة ( (ثابتا لعامة افراد المكلف ممن وجد او)) المقدر ممن ( (يوجد)) و لم يكن الحكم فيها مختصا بزمان مخصوص ( (و)) حينئذ ( (كان الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته)) أي ان قضايا الاحكام على نحو واحد كلها قضايا حقيقية سواء في الشريعة السابقة او هذه الشريعة، و قد عرفت ان الموضوع بنحو القضية الحقيقية مما يعمّ هذه الشريعة، و حيث كان متيقنا فقد حصل فيه اليقين السابق، و حيث انه شك في نسخه فقد حصل الشك في بقائه، فتمّ فيه كلا ركني الاستصحاب.

(1) هذا جواب عن الاشكال الثاني الذي مر: بان شريعتنا قد نسخت الشريعة السابقة و النسخ لا يكون الّا بنسخ جميع الاحكام فيها، و مع نسخ جميع احكامها لا مجرى للاستصحاب لليقين بارتفاع الحكم.

و حاصل الجواب هو: ان النسخ يكون و لو بنسخ بعض احكامها، و لا يتوقف على نسخ جميع احكامها، فالنسخ للشريعة السابقة لا يوجب اليقين بارتفاع جميع

ص: 184

بتمامها (1)، و العلم إجمالا بارتفاع بعضها إنما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها، فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا، لا فيما إذا لم يكن من أطرافه، كما إذا علم بمقداره تفصيلا، أو في موارد ليس المشكوك منها، و قد علم بارتفاع ما في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة (2).

______________________________

احكامها حتى لا يكون مجرى للاستصحاب فيها، و على هذا فالحكم غير الثابت نسخه اذا شك في نسخه لا مانع من استصحابه لتمامية اركان الاستصحاب فيه، و الى هذا اشار بقوله: ( (و الشريعة السابقة و ان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا ... الى آخر كلامه)).

(1) أي ليس النسخ للشريعة هو ارتفاعها بتمام احكامها ( (بل)) اللازم في النسخ هو ( (عدم بقائها)) أي عدم بقاء الشريعة السابقة ( (بتمامها))، و على هذا فلا مانع من جريان الاستصحاب في الحكم غير الثابت نسخه في هذه الشريعة كما عرفت.

(2) هذا اشكال ثالث على جريان الاستصحاب في الشريعة السابقة. و حاصله: ان الحكم الذي يكون من اطراف العلم الاجمالي لا يجري فيه الاستصحاب، و بعد العلم بنسخ هذه الشريعة للشريعة السابقة و لو ببعض احكامها نعلم اجمالا بان بعض احكام الشريعة السابقة منسوخ، و المنسوخ لا مجرى للاستصحاب فيه، فاذا شككنا في نسخ بعض احكام منها لا يمكننا اجراء الاستصحاب فيه لاحتمال كونه من مصاديق العلم الاجمالي.

و بعبارة اخرى: ان اطراف العلم الاجمالي للمنسوخ لا يجري فيها الاستصحاب، و المشكوك نسخه منها لا مجرى فيه للاستصحاب.

و قد اجاب عنه في المتن بجوابين:

الاول: ان هذا العلم الاجمالي منحلّ بالعلم التفصيلي بالاحكام المنسوخة التي هي بمقدار المعلوم بالاجمال، فان علم بانطباق المعلوم بالاجمال بمقداره على هذه

ص: 185

.....

______________________________

المعلومات التفصيلية فهو من الانحلال الحقيقي، و ان احتمل انطباق المعلوم بالاجمال على هذه المعلومات بالتفصيل كان انحلالا حكميا كما مرّ بيانه في مباحث البراءة و الاشتغال، و على كل فيكون المشكوك في نسخه خارجا عن دائرة هذا العلم الاجمالي اما حقيقة او حكما فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه. و الى هذا الجواب اشار بقوله: ( (و العلم اجمالا بارتفاع بعضها)) أي بارتفاع بعض احكام الشريعة السابقة بالنسخ بنحو العلم الاجمالي ( (انما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها)) أي من احكام الشريعة السابقة ( (فيما اذا كان)) المشكوك في بقائه ( (من اطراف ما علم ارتفاعه)) بالنسخ ( (اجمالا لا فيما اذا لم يكن)) المشكوك بقاؤه ( (من اطرافه)) فانه اذا لم يكن من اطراف المعلوم بالاجمال فلا يعقل ان يكون العلم الاجمالي مانعا عن جريان الاستصحاب فيه، و ذلك ( (كما اذا علم بمقداره تفصيلا)) سواء علم بانطباق المعلوم بالاجمال ايضا على المعلوم بالتفصيل فيكون الانحلال حقيقيا، او لم يعلم بالانطباق و لكن احتمل انطباقه فان الانحلال يكون حكميا، و على كل منهما لا يكون اثر للعلم الاجمالي، لان المشكوك في بقائه لاحتمال نسخه يكون خارجا عن دائرة هذا العلم الاجمالي.

الجواب الثاني: ان العلم الاجمالي كما ينحل بالعلم التفصيلي كذلك ينحلّ بالعلم الاجمالي ايضا، و العلم الاجمالي بنسخ احكام الشريعة السابقة منحلّ بالعلم الاجمالي بالاحكام الثابتة في شريعتنا التي في مواردها احكام للشريعة السابقة، فتكون تلك الاحكام الثابتة في الشريعة السابقة منسوخة بهذه الاحكام الثابتة في مواردها في شريعتنا: أي انا نعلم اجمالا بان في شريعتنا أحكاما هي ناسخة للاحكام التي كانت في الشريعة السابقة، و هذه الاحكام الناسخة هي بمقدار المعلوم بالاجمال، فيكون العلم الاجمالي الاول منحلا بهذا العلم الاجمالي الثاني، و من الواضح ان المشكوك نسخه خارج عمّا علم ثبوت الحكم له في هذه الشريعة، و لازمه خروجه عن دائرة العلم الاجمالي الاول، و مع خروجه عن دائرته لا يكون ذلك

ص: 186

ثم لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة- أعلى اللّه في الجنان مقامه- في الذّبّ عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا، لا ما يوهمه ظاهر كلامه، من أن الحكم ثابت للكلي، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة و الوقف العام، حيث لا مدخل للاشخاص فيها، ضرورة أن التكليف و البعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك، بل لا بد من تعلقه بالاشخاص، و كذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية (1)، و كان غرضه من

______________________________

العلم الاجمالي مانعا عن جريان الاستصحاب فيه. و الى هذا اشار بقوله: ( (او في موارد ليس المشكوك منها)) أي ان الاستصحاب يجري في المشكوك نسخه من احكام الشريعة السابقة، لانه ليس من موارد المعلوم بالاجمال ( (و)) ذلك لانه ( (قد علم)) اجمالا ( (بارتفاع ما)) كان في الشريعة السابقة ( (في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة)) و هو بمقدار المعلوم بالاجمال، و على هذا فيكون العلم الاجمالي بنسخ بعض أحكام الشريعة السابقة منحلا بالعلم الاجمالي، بان الاحكام المنسوخة هي اجمالا في ضمن موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة، و بهذا العلم الاجمالي الثاني لا يكون العلم الاجمالي الاول مانعا عن جريان الاستصحاب فيما شك في نسخه من احكام الشريعة السابقة، لما عرفت من لزوم كون المشكوك نسخه مما لم يثبت له حكم في هذه الشريعة، و حيث انحصرت الاحكام المنسوخة بنحو الاجمال فيما يثبت له حكم في هذه الشريعة فلا محالة يكون المشكوك نسخه ليس منها، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه.

(1)

التعرض لجواب الشيخ الاعظم (قده) عن اشكال صاحب الفصول

توضيح المقام ببيان امور: الاول: ان الشيخ في الرسائل اجاب عن الاشكال الاول بجوابين، و ستأتي الاشارة الى الجواب الاول، و الكلام فعلا في جوابه الثاني، و نصّ عبارته (قدس سره): ( (و حلّه ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة

ص: 187

.....

______________________________

على وجه لا مدخل لاشخاصهم))(1).

الامر الثاني: ان المصنف حمل في المتن عبارة الشيخ على القضية الحقيقية، و في تعليقته على الرسائل حملها على ان متعلق الحكم هو الكلي: أي ان المالك في باب الخمس و الزكاة هو كلي الفقير لا افراد الفقراء و اشخاصهم، فان متعلق الحكم فيهما هو كلي الفقير من دون دخل للاشخاص فيه. و الفرق بين القضية الحقيقية و كون متعلق الحكم كلي الفقير، هو ان متعلق الحكم في القضية الحقيقية هو الافراد الاعم من الموجودة فعلا و المقدّرة الوجود، و في مثل الزكاة و الخمس المتعلق هو كلي الفقير من دون دخالة للاشخاص، و لذلك لا يجب التوزيع و يجوز اعطاؤه لفقير واحد، و لو كان متعلّقه كليّة الافراد للزم التوزيع.

الثالث: ان الوجه في حمل كلام الشيخ على الكلي كباب الزكاة و الخمس هو قوله (قدس سره) من دون مدخل لاشخاصهم، فانه اذا لم يكن للأشخاص الموجودين في الشريعة السابقة مدخل في موضوعية الحكم فلا مدخلية ايضا لنفس الاشخاص الموجودين في كل وقت، و عليه فلا بد و ان يكون متعلق الحكم هو الكلي كباب الزكاة و الخمس.

و من الواضح: انه اذا كان متعلقه هو الكلي فلا يختصّ باشخاص دون اشخاص، و كما يكون منطبقه اهل الشريعة السابقة يكون اهل هذه الشريعة منطبقا له ايضا، و على هذا فلا مانع من استصحابه لعدم ارتفاعه بارتفاع اهل الشريعة السابقة، لانهم ليسوا موضوعا للحكم حتى يرتفع الحكم بارتفاعهم.

الرابع: ان الوجه في عدول المصنف عن حمله على الحكم الكلي الى حمله على القضية الحقيقية امران:

ص: 188


1- 17. ( 1) فرائد الاصول: ج 2، ص 655( تحقيق عبد اللّه النوراني).

.....

______________________________

الاول: هو قول الشيخ (قدس سره) ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة، فان قوله الثابت للجماعة ظاهر في كون متعلّق الحكم هو الجماعة.

الثاني: ما اشار اليه بقوله: ( (ضرورة ... الى آخره)) و حاصله: ان المستصحب تارة: يكون من الاعتبارات كالملكية فانه كما يمكن ان تتعلق بالاشخاص كذلك يمكن ان يكون متعلقها كلي الفقير. و اخرى: يكون المستصحب مثل التكليف الفعلي و هو مما لا يصح تعلقه الا بالاشخاص، لان التكليف انما هو بداعي جعل الداعي بالفعل، و من الواضح ان جعل الداعي بالفعل انما يعقل ان يكون موجها الى الاشخاص دون الكلي، اذ لا معنى لبعث الكلي بما هو كلي و زجره كذلك، و انما يعقل اعتبار الملكية للكلي، و مثل التكليف الفعلي باب الاطاعة و المعصية فانه انما يعقل تعلقها بالاشخاص دون الكلي، لانها من الامور الواقعية الخارجيّة لا من الاعتبارات، و الامور الواقعيّة الخارجية من الثواب و العقاب انما تكون للاشخاص لانهم من الخارجيات، فالشخص الخارجي هو الذي يكون له الثواب و العقاب، و اما الامور التي لا وجود لها خارجا كالكلي فانه بما هو كلي انما يوجد في غير الخارج، و امّا الموجود الخارجي فهو الحصة و الفرد دون الكلي بما هو كلي فانه لا يعقل ان يكون متعلقا للثواب و العقاب.

فاتضح من جميع ما ذكرنا: ان المستصحب اذا كان هو الاحكام التكليفية الثابتة في الشريعة السابقة لا يعقل ان يكون متعلقها هو الكلي كباب الزكاة و الخمس، بل لا بد و ان يكون متعلقها الاشخاص. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (ثم لا يخفى انه يمكن ارجاع ما افاده شيخنا العلامة اعلى اللّه في الجنان مقامه)) في رسائله ( (في)) مقام ( (الذّبّ)) أي في مقام الجواب ( (عن اشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني)) أي الجواب الثاني عن هذا الاشكال ( (الى ما ذكرنا)) أي الى كون الموضوع فيها هو الافراد الاعم من المحقّقة الوجود و المقدّرة الوجود كما هو شان الموضوع في جميع القضايا الحقيقية ( (لا)) الى ( (ما يوهمه ظاهر

ص: 189

عدم دخل الاشخاص عدم أشخاص خاصة (1)، فافهم (2).

______________________________

كلامه)) و قد عرفت سبب الوهم ( (من ان الحكم)) فيها ( (ثابت للكلي كما ان)) الحال كذلك في ثبوت ( (الملكية له في مثل باب الزكاة و الخمس و الوقف العام)) لكليّ الفقير و العالم مثلا ( (حيث لا مدخل للاشخاص فيها)) بل متعلق الحكم فيها هو كلي الفقير أو العالم.

و اشار الى الوجه في عدم صحة حمل كلام الشيخ على ان متعلق الحكم هو بنحو الكلي بقوله: ( (ضرورة ان التكليف و البعث أو الزجر)) الفعلي ( (لا يكاد يتعلق به كذلك)) أي لا يكاد يصح ان يتعلق بالكلي كما صحّ ان يتعلّق به في مثل باب الزكاة و الخمس و الوقف العام، لما عرفت من عدم صحة البعث الفعلي و الزجر الفعلي بالكلي ( (بل لا بد من تعلّقه بالاشخاص و كذلك)) باب ( (الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية)) فانه لا يصحّ ان يتعلّق الّا بالاشخاص، لان الثواب و العقاب من الامور الخارجية، فلا يكون متعلقها الكلي بما هو كلي فانه ليس من الامور الخارجيّة.

(1) لا يخفى ان هذا وجه حمل كلام الشيخ على ان مراده القضية الحقيقية، بتقريب ان مراده من قوله على وجه عدم مدخل لاشخاصهم: هو عدم مدخل اشخاصهم بخصوصهم: أي عدم الاشخاص الموجودين بخصوصهم في موضوعية الحكم، لا عدم مدخليتهم اصلا، لان القضية الحقيقية الاشخاص فيها هم الموضوع للحكم، الّا انه اعم من الموجودين او المقدّر وجودهم.

(2) و لعله اشارة الى ان عبارة الشيخ ايضا لا تساعد على الحمل على القضية الحقيقيّة، لانها كانت جوابا عن الاشكال الاول، و هو الذي ذكره صاحب الفصول، و قد ورد في عبارته لفظ الجماعة، فانه قال: ان الحكم الثابت في حق جماعة لا يمكن اثباته في حق آخرين، و ظاهر عبارة الشيخ في مقام الجواب عنه ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة هو تسليمه لكون موضوع الحكم هو الجماعة الموجودة

ص: 190

و أما ما أفاده من الوجه الاول، فهو و إن كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين، إلا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين، و لا يكاد يتم الحكم فيهم، بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا، ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك، لا أنه حكم الكل و لو من لم يكن كذلك بلا شك، و هذا واضح (1).(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 8 ؛ ص191

______________________________

في عهد تلك الشريعة، و منه يظهر انه لا يصح حملها على الكلي، لانه اذا كان متعلق الحكم هو الجماعة فلا يكون متعلقه هو الكلي، و لعلّ غرض الشيخ (قدس سره) ان متعلق الحكم ليس بنحو القضية الخارجية التي يكون الموضوع فيها هي الافراد الموجودة بمميزاتها، و ليس على نحو القضية الحقيقية، بل متعلق الحكم هو الحصص الموجودة من دون دخل مميزاتها، و اذا لم تكن المميزات للحصص داخلة في موضوع الحكم فيسري الحكم الى الحصص الاخرى المعدومة في زمان الحكم، لعدم الفرق بين الحصص اذا لم تكن المميزات لها داخلة في موضوع الحكم.

و اللّه العالم.

(1) توضيحه: ان الشيخ اجاب عن الاشكال الذي ذكره صاحب الفصول بجوابين:

الجواب الثاني ما مرّ الكلام فيه.

و الجواب الاول: انه لا اشكال في صحة جريان الاستصحاب لمن ادرك الشريعتين و شك في نسخ حكم في الشريعة السابقة، فان اركان الاستصحاب فيه تامة، لانه لما كان مدركا للشريعة السابقة فهو من مصاديق الموضوع الذي ثبت الحكم له، فله يقين بالحكم و مع فرض الشك في بقائه لاحتمال نسخه يتحقق الشك في البقاء، فيتم عنده كلا ركني الاستصحاب، و بواسطة دليل الاشتراك يثبت الاستصحاب لغير المدرك للشريعتين، فان دليل الاشتراك يعمّ كل تعبّد شرعي و منه نفس التعبّد الاستصحابي.

ص: 191


1- 18. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

.....

______________________________

و الحاصل: انه اذا صحّ جريان الاستصحاب للمدرك للشريعتين يثبت صحة جريان الاستصحاب لغير المدرك ايضا بواسطة دليل الاشتراك.

و قد اورد عليه المصنف بما حاصله: انه لا بد في دليل الاشتراك من ان يكون الذي يثبت له الحكم بواسطته مساويا لمن يثبت له الحكم بالخطاب في كل جهة كانت له، و لما كان الاستصحاب متقوّما باليقين و الشك، و لا مجرى له لمن ليس له يقين و شك، فلا يكون دليل الاشتراك شاملا له، لان المدرك للشريعتين له يقين و شك، و اما غير المدرك للشريعتين فلا يقين له، و اذا لم يكن له يقين فلا ينفعه دليل الاشتراك، لان المتحصّل من دليل الاشتراك هو اشتراك غير المخاطب للمخاطب في حكمه، و لما كان الحكم الاستصحابي متقوّما باليقين و الشك فدليل الاشتراك يدل على اشتراك غير المخاطب للمخاطب اذا كان مثل المخاطب في ان كان له يقين و شك، و حيث لم يكن غير المدرك للشريعتين له يقين بالحكم فلا يثبت بدليل الاشتراك اجراؤه للاستصحاب.

و قد اشار المصنف الى كون جواب الشيخ انما يتمّ في خصوص المدرك للشريعتين بقوله: ( (و اما ما افاده من الوجه الاول فهو و ان كان وجيها ... الى آخر الجملة)).

و اشار الى عدم فائدة دليل الاشتراك بقوله: ( (و لا يكاد يتمّ الحكم فيهم)) أي في المعدومين ( (بضرورة اشتراك اهل الشريعة الواحدة ايضا)). و اشار الى وجه عدم اجداء دليل الاشتراك بقوله: ( (ضرورة ان قضية الاشتراك ليس إلّا ان الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك)) أي ان دليل الاشتراك يدل على ان غير المدرك يشارك المدرك في اجراء الاستصحاب، و لكنه لا بد و ان يكون لغير المدرك يقين و شك لتقوّم اجراء الاستصحاب باليقين و الشك، و لا يشارك غير المدرك للمدرك في اجراء الاستصحاب اذا لم يكن لغير المدرك يقين و شك، و الى هذا اشار بقوله: ( (لا انه حكم الكلّ و لو لم يكن كذلك بلا شك)) أي ان دليل الاشتراك لا يدل على ان كل حكم يثبت للمخاطب يثبت لغيره و ان لم يكن واجدا لموضوع ذلك الحكم.

ص: 192

السابع (1): لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الاحكام، و لاحكامه في استصحاب

______________________________

(1)

السابع: الاصل المثبت
اشارة

هذا التنبيه السابع لبيان عدم استفادة حجيّة الاستصحاب المثبت من ادلة الاستصحاب: أي ان المستفاد منها هو البناء العملي على ما تعلّق اليقين به و ترتيب ما لنفسه من الاثر الشرعي، فيما اذا كان متعلق اليقين هو الموضوع للحكم الشرعي، و لا يترتّب عليه اثره العادي او العقلي، مثلا لو كانت حياة زيد متعلقه لليقين و الشك فبالاستصحاب يترتّب الاثر الشرعي كوجوب الانفاق عليه، فيما اذا كان بحيث لو احرزنا حياته بالقطع لوجوب الانفاق عليه، و لا يترتّب على استصحاب حياته الاثر العادي كنبات لحيته فيما اذا كان في سن بحيث لو كان حيّا حقيقة لنبتت لحيته، و لا يترتب ايضا على استصحاب حياته الاثر العقلي و هو كونه مركبا من مادة و صورة مثلا، و لا يترتب ايضا بواسطة الاستصحاب الاثر الشرعي المرتب على الموضوع المستصحب بواسطة امر عادي او عقلي، كما لو كان الاثر مترتبا على كون الشجرة مثمرة، ككراهة البول تحتها و كانت الشجرة بحيث لو كانت حيّة لكانت مثمرة الآن عادة، فباستصحاب حياة الشجرة لا تترتب الكراهة لانها مترتبة على كونها مثمرة، و هو لازم عادي للشجرة لا شرعي. و كما لو ترتب الاثر على بلوغ الطفل و شككنا في حياته و بلوغه و لكنه كان بحيث لو كان حيّا بالفعل لكان متجاوزا سن البلوغ، فباستصحاب حياته لا يترتب الاثر المترتب على البلوغ، لان كونه بالغا الآن لازم عقلي للحياة، بل الجاري استصحاب عدم بلوغه ... هذا اذا كان المستصحب موضوعا ذا اثر.

و اما اذا كان المستصحب نفس الاثر الشرعي كنفس الحكم فانه يترتب على استصحابه اثره الشرعي، كما لو كان المستصحب نفس وجوب الصلاة فانه يترتّب على استصحابه كون الصلاة اداء في الوقت مثلا و قضاء في خارجه، و يترتب عليه اثره العقلي ايضا كلزوم إطاعته و ان طاعته تقتضي استحقاق الثواب و معصيته

ص: 193

الموضوعات، كما لا شبهة في ترتيب ما للحم المنشأ بالاستصحاب من

______________________________

تقتضي استحقاق العقاب ... و اما الاثر الشرعي المترتّب على الحكم بواسطة امر عقلي او عادي فلا يكون الاستصحاب حجة عليه و مثبتا له، و حاله حال الاثر الشرعي المترتّب على الموضوع بواسطة امر عادي او عقلي، ففيما- مثلا- لو استصحبنا وجوب الانفاق على زيد لقوته- مثلا- و كان اللازم لوجوب الانفاق عليه الآن هو بلوغه، و اذا كان بالغا يزيد مقدار الانفاق عليه، فلا يترتب على استصحاب وجوب الانفاق عليه بمقدار قوته وجوب زيادة الانفاق عليه الآن، لانه لازم بلوغه و هو لازم عقلي لا شرعي، و كذا فيما لو استصحبنا نجاسة الخمر لاحتمال كونها خلا و كان حكم مرتب على اسكار الخمر، كما لو دلّ الدليل على حرمة الجلوس على مائدة فيها مسكر، فانه باستصحاب نجاسة الخمر لا يترتب حرمة الجلوس على مائدة فيها الخمر المشكوكة النجاسة، لان الاسكار لازم عادي لها لا شرعي.

ثم لا يخفى ان اثر الحكم المستصحب ان كان اثرا شرعيا للحكم الواقعي لا بد من ترتبه بالاستصحاب كوجوب الاجتناب عن النجاسة المشكوكة المستصحبة، و ان كان اثرا عقليا للحكم لكنه اعم من كونه واقعيا او ظاهريا فانه يترتب بالاستصحاب ايضا، كوجوب الاطاعة فانه اثر للحكم اعم من كونه واقعيا او ظاهريا.

و اما اذا كان اثرا عقليا مختصّا بالحكم الواقعي فانه لا يترتب بالاستصحاب، لوضوح انه بعد ان كان اثرا عقليا لا شرعيا و كان موضوعه هو خصوص الحكم الواقعي فلا محالة لا يترتب بالاستصحاب، لان الثابت بالاستصحاب هو الحكم الظاهري كما سيظهر، و مع عدم الموضوع للاثر لا يترتب الاثر، مثلا لو قلنا بان وجوب عقد القلب و هو الموافقة الالتزامية انما يحكم العقل بلزومها بالنسبة الى الحكم الواقعي دون الظاهري، فلا تجب الموافقة الالتزامية للحكم الثابت بالاستصحاب لانه حكم ظاهري لا واقعي.

ص: 194

الآثار الشرعية و العقلية، و إنما الاشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية (1)، و منشؤه

______________________________

(1) توضيحه: ان عمدة ادلة الاستصحاب هي الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، فان كان المستفاد منها تتميم الوصول الى الواقع كما يدعى ذلك في الامارات افادت حجيّة الاستصحاب في جميع لوازمه و ان كانت مع الواسطة، و كان حاله حال الامارة فان حجيّتها تعمّ لوازم ما قامت عليه جميعا، و لذا قالوا ان الامارة حجة في المثبت من لوازمها. و ان كان المستفاد منها جعل الحكم المماثل الظاهري لا بما هو طريق الى الواقع بل بما هو حكم تعبّديّ في مقام الشك، او كان مفاده الاخذ باليقين في مقام الشك لا لتتميم الوصول و لا لان الاخذ به بما هو طريق الى الواقع، بل لمحض جعل الوظيفة في مقام الشك، و على أي منهما فلا يكون المستفاد من اخبار الاستصحاب ما يكون حجة في المثبت من لوازم المستصحب، و لا يعمّ المستفاد منه غير الاثر بلا واسطة فيما اذا كان المستصحب موضوعا ذا حكم.

و اذا كان المستصحب نفس الحكم فترتيب اثره الشرعي لثبوت موضوعه و هو الحكم و مثله اثره العقلي كلزوم اطاعته، و لا يترتب عليه الاثر المرتّب عليه بواسطة امر عقلي او عادي، و حاله في ذلك حال الموضوع.

اما الوجه في عدم دلالة الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك على تتميم الوصول، فلوضوح انه مع فرض انقلاب اليقين الى الشك فليس هناك شي ء له وصول ناقص حتى يتمّم، بل الشك فرض تساوي الطرفين و عدم رجحان احدهما على الآخر، فلا وصول ناقص للمستصحب في حال الشك حتى تكون تلك الاخبار دالة على تتميمه.

و بعبارة اخرى: ان المستصحب لما كان متعلّقا لليقين في الزمان السابق كانت الجهة التي كان بها متعلقا لليقين من جهة وجوده او عدمه منكشفة تمام الانكشاف، و في الزمان اللاحق حيث فرض انقلابه الى الشك فلا رجحان لتلك الجهة في فرض

ص: 195

.....

______________________________

الشك حتى تكون الاخبار متمّمة له من تلك الجهة، بخلاف الامارة حيث انها من الظنون و رجحان احد الطرفين من ذاتي الظن، فكان مجال لدعوى دلالة حجية الامارة على تتميم الوصول، و لازم تتميم الوصول كون الظن حجة في المثبت من اللوازم، لوضوح ان الظن بالشي ء ظن بلوازمه، فاذا دلّ الدليل على حجيّة الظن فيما قام عليه بما هو ظن كان لازم ذلك حجية الظن في جميع لوازم المظنون، سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة.

و اما الوجه في كون المستفاد منها جعل الحكم المماثل، فلانه بعد ان كانت الاخبار غير دالة على حجية الاستصحاب من باب الامارة، فالمستفاد من النهي عن نقض اليقين الذي هو مدلولها بالمطابقة هو ابقاء المتيقن تعبّدا في ظرف الشك، و من الواضح ان الامر بابقائه ليس لكون المكلف هو المبقي له، لوضوح ان ذلك امر بالتشريع و هو محال من الشارع، فلا بد و ان يكون طلب ابقائه لاجل اعتبار الشارع بقاءه في ظرف الشك، و معنى اعتبار الشارع للمتيقّن في ظرف الشك هو جعل الحكم المماثل للمتيقن للمشكوك بما هو مشكوك في ظرف الشك في بقائه، و من الواضح ان الحكم الواقعي الذي كان متعلقا لليقين لم يكن حكما للمشكوك بما هو مشكوك، فلا محالة يكون الحكم للمشكوك بما هو مشكوك حكما مماثلا للحكم الواقعي المتعلّق لليقين.

و اما الوجه في انه اذا كان المستفاد من الاخبار هو الحكم المماثل فلا يكون الاستصحاب حجة في المثبت من اللوازم، فلان الحكم المماثل انما هو لما ينطبق عليه انه إبقاء لليقين عملا في ظرف الشك، و حيث ان المفروض في اللوازم انها لم تكن متعلقا لليقين بنفسها، فان نبات لحية زيد حال اليقين بحياته لم تكن متعلقة لليقين لانه لم يكن في ذلك الحال ذا لحية قطعا، لانه كان عمره- مثلا- لا يساعد على ان يكون ذا لحية كما لو كان عمره ثماني سنين او نحو ذلك، نعم في حال الشك لو كان حيّا لكان بحسب العادة ذا لحية، و على أي حال لم يكن نبات لحيته متعلقا لليقين، و انما

ص: 196

.....

______________________________

كان اليقين متعلقا بحياة زيد، فدليل الاستصحاب يدلّ على جعل الحكم المماثل الذي كان موضوعه حياة زيد، لانه هو منطبق ابقاء اليقين عملا بحياة زيد، و لما لم تكن اللوازم متعلقة لليقين فلا دلالة للاخبار على جعل الحكم المماثل الذي موضوعه أولا و بالذات هو اللوازم التي لم تكن متعلقة لليقين.

و بعبارة اخرى: انه لا دلالة للاخبار على إبقاء اللوازم عملا مع فرض كونها لم تكن متعلقة لليقين، و انما تدل على الابقاء العملي على ما كان متعلّقا لليقين و هو حياة زيد، و اما نبات لحيته فحيث لم تكن متعلّقة لليقين فلا ابقاء عملي حتى يترب عليها الحكم. و كذلك الحال فيما اذا كان المستفاد منه الاخذ باليقين، فان لازم الاخذ باليقين ترتيب الاثر في مقام الشك على نحو ما كان يترتّب الاثر حين كان هناك يقين، و لما لم يكن اليقين في حال تحققه متعلقا باللوازم فلا وجه للاخذ بها في مقام الشك.

و قد اشار الى كون المستفاد من اخبار الاستصحاب هو الحكم المماثل، و ان لازمه جعل الحكم المماثل للحكم المستصحب فيما كان المستصحب نفس الحكم، و للحكم المماثل للموضوع المستصحب فيما اذا كان المستصحب هو الموضوع للحكم بقوله: ( (لا شبهة في ان قضية اخبار الباب)) أي قضية باب الاستصحاب و هي الاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ( (هو انشاء حكم مماثل للمستصحب في)) ما كان الاستصحاب هو ( (استصحاب الاحكام و)) جعل الحكم المماثل ( (لاحكامه)) أي لاحكام الموضوع المستصحب ( (في)) ما كان الاستصحاب هو ( (استصحاب الموضوعات)).

و اشار الى ان المستصحب اذا كان هو الحكم يترتب على الحكم المماثل الآثار الشرعية مطلقا، سواء كانت اثرا للحكم الواقعي او كانت اثرا لما هو الاعم من الحكم الواقعي و الظاهري كما عرفت، فيترتب على استصحاب وجوب الصلاة الاداء و القضاء، و على استصحاب طهارة الماء التطهير به، و الآثار العقلية للحكم

ص: 197

أن مفاد الاخبار (1): هل هو تنزيل المستصحب و التعبد به وحده؟ بلحاظ خصوص ما له من الاثر بلا واسطة (2)، أو تنزيله بلوازمه العقلية أو

______________________________

كلزوم اطاعته. و اذا كان المستصحب هو الموضوع فبالاستصحاب يثبت له الحكم المماثل، و يترتب على هذا الحكم المماثل آثاره الشرعية و العقلية بلا واسطة ايضا بقوله: ( (كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب)) سواء كان المستصحب نفس الحكم او الموضوع ذا الحكم، فانه بالاستصحاب يثبت الحكم المماثل و يترتب عليه ما للحكم ( (من الآثار الشرعية و العقلية)) و قد اشار الى الاشكال في حجية الاستصحاب في المثبت من اللوازم و هي اللوازم المترتبة على المستصحب بواسطة لازمه العادي او العقلي بقوله: ( (و انما الاشكال في ترتيب ...

الى آخر الجملة)).

(1)

الوجه في عدم حجية الاستصحاب في اللوازم المثبتة

قد عرفت ان مفاد الاخبار الدالة على حجية الاستصحاب اذا كان تتميم الوصول كان الاستصحاب حجة في المثبت من اللوازم، و قد عرفت ايضا ان مفادها هو جعل الحكم المماثل للمشكوك بما هو مشكوك.

و لكنه مع ذلك قد قيل بدلالة الاخبار على حجية الاستصحاب في المثبت من اللوازم بوجهين اشار اليهما في المتن، و قبل ان يشير اليهما اشار الى الوجه في عدم دلالة الاخبار على حجية الاستصحاب في المثبت.

(2) هذا هو الوجه في عدم حجية الاستصحاب في اللوازم المثبتة.

و بيانه: ان مرجع لا تنقض الى تنزيل المستصحب المشكوك في الزمان اللاحق- و هو الذي يكون فيه مشكوكا- منزلة المتيقّن في الزمان السابق، و حيث لم تكن اللوازم متعلّقة لليقين كما هو المفروض، فان نبات لحيته لم يكن متيقنا في الزمان السابق، و انما المتيقن هو الحكم سواء كان هو المستصحب او كان المستصحب هو الموضوع للحكم، فلا بد من ان يكون التنزيل بلحاظه وحده و هو الاثر بلا واسطة، فباستصحاب حياة زيد يترتب عليه وجوب الانفاق وحده، و لا يترتب عليه الحكم

ص: 198

.....

______________________________

المترتّب على نبات لحيته لانه لم يكن نبات لحيته متعلقا لليقين حتى يكون لزوم البناء عملا على المتيقن في حال الشك مما ينطبق عليه.

لا يقال: انه فيما كان المستصحب هو الموضوع لا يشترط كون حكمه متعلقا لليقين، و يكفي كون الموضوع بنفسه متعلقا لليقين، و باستصحابه يترتب عليه حكمه في حال الشك اذا كان له في تلك الحال حكم، و كما جاز ترتيب حكمه في حال و ان لم يكن نفس الحكم متعلقا لليقين جاز ان يترتّب عليه الحكم المرتّب على نبات اللحية و ان لم يكن نبات اللحية متعلقا لليقين، مثلا لو كانت الخمر في حال كونها متيقنة ليست داخلة في محل الابتلاء، و في حال كونها مشكوكة تكون داخلة في محل الابتلاء، فباستصحاب خمريتها يترتب عليها وجوب الاجتناب، و كما جاز ان يترتّب عليه هذا الحكم، فلما ذا لا يترتب عليها حرمة الجلوس فيما اذا لم يكن اسكارها متيقنا و لكنه على فرض كونها خمرا في حال الشك تكون مسكرة؟

فانه يقال: انه لما كان حرمة الجلوس ليس اثرا للخمر و انما هو اثر للاسكار، و انما يحرم الجلوس على الخمر فيما اذا احرز اسكارها لاحراز ما هو الموضوع لحرمة الجلوس، و المفروض عدم اليقين باسكارها في حال كونها متعلقة لليقين، فلا يكون الدليل الدال على تنزيل الخمر المشكوكة منزلة الخمر المتيقنة من باب كونه ابقاء عمليا للخمر المتيقنة الّا بلحاظ ما لها من الحكم بما هي متيقّنة، و ان كان هناك مانع عن فعلية حكمها في حال كونها متيقنة، و لا يكون التنزيل بلحاظ حرمة الجلوس المرتب بالفرض على الاسكار- لا على الخمر- مع كون الاسكار لم يكن متعلقا لليقين لانه ليس له ابقاء عملي. و قد اشار الى ما ذكرنا من ان المستفاد من اخبار الاستصحاب هو تنزيل المستصحب المشكوك منزلة المتيقن في خصوص الاثر بلا واسطة دون غيره من الآثار المرتبة على المستصحب بواسطة امر عقلي او عادي بقوله: ( (هل هو تنزيل المستصحب)) المشكوك منزلة المتيقن ( (و التعبّد به وحده بلحاظ)) ترتيب ( (خصوص ما له من الاثر بلا واسطة)) لانه هو الذي يكون الابقاء العملي

ص: 199

العادية؟ كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق و الامارات (1)، أو بلحاظ مطلق ما له من الاثر و لو بالواسطة؟ بناء على صحة التنزيل

______________________________

منطبقا عليه دون الاثر المرتب مع الواسطة، لان الواسطة لما لم تكن متيقنة فلا يكون الابقاء العملي للمتيقن منطبقا عليها حتى يترتب حكمها.

(1) هذا هو الوجه الاول من الوجهين المدعى بواسطتهما شمول اخبار الباب للاثر مع الواسطة، سواء كانت الواسطة امرا عقليا او عاديا ... و توضيحه بامور ثلاثة:

الاول: ان تنزيل الشارع لشي ء منزلة شي ء انما هو بلحاظ التعبّد بما للمنزل عليه من الآثار، لوضوح ان التنزيل لا يخرج الشي ء عن حقيقته، فانه اذا نزّل الشارع الامارة الظنية منزلة العلم فلا تخرج الامارة الظنية عن كونها ظنيّة، فالمراد من تنزيلها منزلة العلم هو تنزيل مؤدّاها و ما قامت عليه منزلة مؤدى العلم و ما تعلّق به بلحاظ آثاره.

الثاني: انه لا اشكال في ترتيب جميع آثار ما تعلّق به العلم من دون فرق بين اثره بلا واسطة و بين اثره مع الواسطة.

الثالث: ان المستفاد من اخبار الباب هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن، و باطلاقه يشمل جميع آثار المتيقن، فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ جميع الآثار المترتبة على المتيقن سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة، و لازم ذلك كون الاستصحاب حجة في اللوازم المثبتة، و يكون حاله حال الامارة، لان السبب في كون الامارة حجة في المثبت هو ان المستفاد من ادلة حجيتها تنزيل المؤدّى فيها منزلة مؤدّى العلم، و المستفاد من ادلة حجية الاستصحاب لما كان هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن فلا بد و ان يكون حاله حال الامارة في كونه حجّة في المثبت ايضا.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان الملحوظ في مقام التنزيل- في المقام- هو جميع الآثار سواء كانت بلا واسطة او مع الواسطة. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (او تنزيله)) أي ان المستفاد من اخبار الباب اذا كان هو تنزيل المستصحب المشكوك ( (بلوازمه

ص: 200

بلحاظ أثر الواسطة أيضا لاجل أن أثر الاثر أثر (1). و ذلك لان مفادها لو كان هو تنزيل الشي ء وحده بلحاظ أثر نفسه، لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها، لعدم إحرازها حقيقة و لا تعبدا، و لا يكون تنزيله بلحاظه، بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه، أو بلحاظ ما يعم آثارها، فإنه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (2).

______________________________

العقلية او العادية)) منزلة المتيقن بجميع لوازمه و يكون الحال في الاستصحاب ( (كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق و الامارات)) كما عرفت توضيحه.

(1) هذا هو الوجه الثاني و توضيحه بامرين: الاول: انه لا إشكال في ان الملحوظ في مقام التنزيل هو الاثر، و حيث لم يذكر في اخبار الباب اثر بخصوصه فلا بد و ان يكون الملحوظ طبيعة الاثر. الثاني: انه لا اشكال في ان اثر الاثر اثر.

و لازم هذين الامرين هو دلالة اخبار الباب على حجيّة الاستصحاب في المثبت، لانها بعد ان دلت على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ طبيعة الاثر، و ان اثر الاثر اثر، فلا محالة تكون حجة في المثبت، لان الاثر مع الواسطة من اثر الاثر، و قد عرفت انه اثر يشمله ما دلّ على التنزيل بلحاظ طبيعة الاثر. و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الاول: هو ان اللحاظ في الوجه الاول هو الآثار بنحو العموم الافرادي، و في هذا الوجه الملحوظ طبيعة الاثر، فالاطلاق هنا اطلاق طبيعي و في الاول اطلاق افرادي. و الى هذا الوجه اشار بقوله: ( (او بلحاظ)) أي أو نقول ان الوجه في دلالة اخبار الباب على حجية الاستصحاب في المثبت هو ان التنزيل فيه بلحاظ ( (مطلق ما له من الاثر)) بنحو لحاظ طبيعة الاثر فيشمل الاثر ( (و لو بالواسطة)) و بهذا اشار الى الامر الاول، و اشار الى الامر الثاني بقوله: ( (بناء على صحة التنزيل بلحاظ اثر الواسطة ايضا لاجل ان)) الملحوظ طبيعة الاثر و ( (اثر الاثر اثر)).

(2) حاصله: انه اذا كان التنزيل بلحاظ اثر نفس المستصحب وحده و هو الاحتمال الاول الذي اشار اليه سابقا بقوله: ( (هو تنزيل المستصحب و التعبّد به وحده ... الى

ص: 201

و التحقيق أن الاخبار إنما تدلّ على التعبّد بما كان على يقين منه فشك، بلحاظ ما لنفسه من آثاره و أحكامه، و لا دلالة لها بوجه على

______________________________

آخر الجملة)) فانه عليه لا يكون الاستصحاب حجة في المثبت كما عرفت، و لذا قال:

(قدس سره): ( (و ذلك لان مفادها)) أي ان مفاد ادلة الاستصحاب ( (لو كان هو تنزيل الشي ء وحده بلحاظ اثر نفسه)) لا بلحاظ جميع الآثار و لا بلحاظ طبيعة الاثر ( (لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها)) أي على لوازمه العقلية و العادية، بل يختصّ باثر المستصحب نفسه. و اشار الى الوجه في عدم ترتّب الآثار المترتبة بواسطة لوازمه العقلية و العادية بقوله: ( (لعدم احرازها حقيقة و لا تعبّدا)) لما عرفت من ان المفروض هو عدم تعلّق اليقين بنبات لحية زيد حتى يترتّب عليه الحكم المرتب على نبات لحيته كاستحباب خضابها مثلا، لفرض كونه حال تعلّق اليقين بحياته لم يكن نبات لحيته متيقنا، و هذا مراده من قوله من عدم احرازها حقيقة، و حيث لم يكن منطبقا لابقاء اليقين الّا حياة زيد بما لها من الاثر، فلذلك لا يكون نبات لحيته محرزا تعبّدا، و هو مراده من قوله و لا تعبّدا.

و الحاصل: انه على الاحتمال الاول لا تكون ادلة الاستصحاب دليلا على المثبت، و لذا قال: ( (و لا يكون تنزيله بلحاظه)) أي لا يكون التنزيل في ادلة الاستصحاب بلحاظ ما كان مترتبا على اللوازم العقلية او العادية، فلا يكون الاستصحاب حجة في المثبت. و اشار الى ان التنزيل في ادلة الاستصحاب لو كان بلحاظ جميع الآثار او بلحاظ طبيعة الاثر لكان الاستصحاب حجة في المثبت بقوله:

( (بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه)) بنحو العموم الافرادي الشامل للاثر بالواسطة سواء كانت الواسطة عقلية او عادية ( (او)) كان التنزيل ( (بلحاظ ما يعم آثارها)) بنحو طبيعة الاثر ( (فانه)) على هذين الاحتمالين ( (يترتب باستصحابه ما كان بواسطتها)) سواء كانت عقلية او عادية، و يكون الاستصحاب حجة في المثبت كما عرفت.

ص: 202

تنزيله بلوازمه التي لا تكون كذلك، كما هي محل ثمرة الخلاف، و لا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا و لو بالواسطة، فإن المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه، و أما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا، و ما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) و حاصله: ان مدلول ادلة حجيّة الاستصحاب هو الابقاء عملا لما تعلّق به اليقين السابق في حالة الشك اللاحق، و الى هذا اشار بقوله: ( (ان الاخبار انما تدلّ ... الى آخر الجملة)) و هذا المدلول لا يشمل الّا تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ ما لنفس المتيقن من الاثر، و لا يشمل تنزيله منزلة المتيقن بلحاظ اثر لازمه الذي حسب الفرض ليس متعلقا لليقين، لان المفروض ان نبات اللحية لم يكن متعلقا لليقين حال تعلق اليقين السابق بالحياة، و انما يكون نبات اللحية لازما للمستصحب في حالة الشك، فان محل الخلاف في خصوص هذه اللوازم التي لم تكن حال اليقين، فمن قال بحجيّة الاستصحاب في المثبت قال بلزوم ترتيب ما لهذه اللوازم من الآثار، و من قال بعدم الحجيّة في المثبت لا يلتزم بالتعبّد بآثارها.

و قد اشار الى ان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو خصوص ما لنفس المتيقن من الاثر دون الاثر المترتب على لوازمه بنحو لحاظها بالعموم الافرادي بقوله: ( (بلحاظ ما لنفسه)) أي بلحاظ ما لنفس المستصحب ( (من آثاره و احكامه)) المترتبة على ذاته ( (و لا دلالة لها بوجه)) أي لا دلالة لادلة الاستصحاب ( (على تنزيله)) أي على تنزيل المشكوك ( (بلوازمه)) لان المفروض ان هذه اللوازم لم تكن من لوازم المتيقن حال تعلّق اليقين به، بل هي من لوازم المشكوك في زمان تعلّق الشك به، و الى هذا اشار بقوله: ( (التي لا تكون كذلك)) و اشار الى ان هذه اللوازم هي محل الخلاف، دون اللوازم التي قد تعلّق اليقين بها بقوله: ( (كما هي محل ثمرة الخلاف))، و قد اشار الى عدم دلالة ادلة الاستصحاب على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ

ص: 203

نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته، بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (1)،

______________________________

طبيعة الاثر بقوله: ( (و لا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا)) من الاثر ( (و لو بالواسطة)).

و اشار الى ان الوجه في الاقتصار على ترتيب ما لنفس المتيقن من الاثر هو لان هذا المقدار هو المتيقن من ادلة الاستصحاب، لان ادلة الاستصحاب لا تدل على اكثر من لحاظ اثر ما تعلّق به اليقين، و حيث ان المفروض ان اللوازم التي هي موضوع الاثر لم تكن متعلّقة لليقين، فلا دلالة لها على لحاظها لا بنحو العموم الافرادي و لا على لحاظها بنحو طبيعة الاثر، و اذا لم تكن لادلة الاستصحاب دلالة على لحاظها بوجه من الوجوه فلا وجه لترتيب آثار هذه اللوازم بقوله: ( (فان المتيقن)) من ادلة الاستصحاب ( (انما هو لحاظ آثار نفسه)) أي آثار نفس ما للمتيقن من الاثر ( (و اما آثار لوازمه فلا دلالة هناك)) لادلة الاستصحاب ( (على لحاظها اصلا)) لا بنحو العموم الافرادي و لا بنحو طبيعة الاثر ( (و ما لم يثبت)) دلالة الادلة على ( (لحاظها بوجه)) من الوجوه ( (ايضا)) أي كما دلت الادلة على لحاظ ما لنفس المتيقن من الاثر ( (لما كان وجه لترتيبها عليه)) أي لما كان وجه لترتيب آثار اللوازم على المتيقن المستصحب ( (ب)) واسطة ( (استصحابه كما لا يخفى)).

(1) توضيحه: ان من قال بعدم حجيّة الاستصحاب في المثبت استثنى منه موارد ثلاثة:

الاول: خفاء الواسطة، و حاصله: ان الاثر المترتب على الواسطة: تارة تكون الواسطة في نظر العرف غير خفيّة بمعنى ان العرف يرى ان الاثر هو اثر للواسطة.

و اخرى تكون الواسطة خفيّة بنظر العرف بمعنى ان العرف يرى ان هذا الاثر من آثار نفس المستصحب لخفاء الواسطة في نظره.

ص: 204

فافهم (1).

______________________________

و بعبارة اخرى: ان كون هذا الاثر مما يترتب على المستصحب بواسطة الواسطة مما يخفى على العرف، و هم بحسب نظرهم يرون ان الاثر من آثار المستصحب لخفاء وساطة الواسطة للاثر في نظرهم، و قد اشار الى هذه بقوله: ( (لا يبعد ترتيب)) آثار اللوازم في ( (خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف)) انها ( (من آثار نفسه)) أي من آثار نفس المتيقن المستصحب ( (ل)) أجل ( (خفاء ما بوساطته)) يترتب الاثر: أي ان وساطة الواسطة في ترتيب الاثر على نفس المتيقن المستصحب تكون خفيّة، و بسبب هذا الخفاء في نظر العرف يرى العرف ان الاثر اثر لنفس المتيقّن المستصحب.

و الوجه في استثناء خصوص هذا النحو من الاثر، هو دعوى ان المستفاد من ادلة الاستصحاب و ان كان هو ترتيب خصوص آثار المتيقن، الّا انه لما كان العرف يرى ان الاثر اثر لنفس المستصحب فلا بد من الالتزام بمثل هذا الاثر الذي يرى العرف انه اثر لنفس المستصحب لخفاء وساطة الواسطة عنده، لانه يكون مشمولا للاخبار حقيقة، لان الاخبار قد دلّت على لزوم التعبّد بأثر المستصحب، و المفروض انه اثر لنفس المستصحب في نظر العرف فيكون مما تشمله ادلة الاستصحاب حقيقة.

و الى هذا اشار بقوله: ( (بدعوى ان مفاد الاخبار عرفا مما يعمه ايضا حقيقة)) لما عرفت من ان مفادها لزوم ترتيب خصوص آثار نفس المستصحب، و لما كان المفروض بحسب نظر العرف ان خصوص الاثر الذي تكون وساطة الواسطة فيه خفية هو اثر عندهم لنفس المستصحب، فلا بد من شمول الاخبار له و لزوم ترتيبه بالاستصحاب.

(1) و لعله اشارة الى ما يمكن ان يقال: ان دعوى جريان الاستصحاب في الواسطة الخفيّة هو ان العرف يرى ان اثر الواسطة الخفية هو اثر لنفس ذي الواسطة، و لكن هذا مما لا يرجع فيه الى العرف لانه من الخطأ في التطبيق، و العرف انما يرجع اليه في تشخيص المفاهيم لا في تطبيقها على المصاديق، فان الذي يرجع فيه الى العرف في

ص: 205

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه و بين المستصحب تنزيلا، كما لا تفكيك بينهما واقعا،

______________________________

المقام هو كون مفهوم الابقاء ابقاء عمليا للمتيقن بلحاظ اثره، اما كون الاثر أثرا له او اثرا للواسطة فليس المرجع فيه هو العرف، فكون العرف يرى ان الاثر اثر لذي الواسطة لا يتبع في هذا الرأي بعد ان كان الاثر في الواقع اثرا للواسطة لا لذي الواسطة، مثلا تأثّر الجسم الطاهر بملاقاته للنجس فيما اذا كان رطبا، و لكن الرطوبة ليست هي موضوع الاثر، بل موضوع الاثر هو قبول الجسم للتأثّر بالنجاسة فيما اذا كان رطبا، فاستصحاب رطوبة الجسم يلازمه تأثّر الجسم بالملاقاة، و موضوع نجاسة الجسم هو تأثّره بالنجاسة لا نفس الرطوبة، فيكون استصحاب رطوبة الجسم مثبتا بالنسبة الى نجاسة الجسم فيما اذا حصلت الملاقاة في حال الشك في بقاء الرطوبة، فكون العرف يرى ان الموضوع للنجاسة هو الرطوبة لا يكون متبعا في ذلك، بعد ان كان ما هو الموضوع لتنجس الجسم هو تأثره بالنجاسة في حال الرطوبة.

و الجواب عنه: ان الحكم، تارة يترتّب على المفهوم و يرجع الى العرف في تشخيص المفهوم و لا يرجع اليه في تعيين مصداقه، كما في الحكم المرتّب على مفهوم التراب مثلا، فعدّ العرف ان النورة من التراب لا يقتضي اتباعه في ذلك بعد ان كانت النورة واقعا ليست من التراب. و اخرى يكون الحكم مرتّبا على ما يعمّ ما يراه العرف موضوعا له كما في المقام، فان الاخبار انما دلّت على التعبّد بما هو ابقاء للمتيقن، و لما كان هذا الابقاء بلحاظ ما للمتيقن من الاثر، و ليس في نفس الاخبار تصريح بنفس هذا: أي ليس في الاخبار تصريح بان التنزيل بلحاظ الاثر للمتيقن، فلا بد و ان يكون الاثر الذي بلحاظه كان التعبّد بالاستصحاب مما يعم ما يراه العرف اثرا له.

الّا ان يقال ان الاستصحاب انما يرجع فيه الى العرف في تشخيص الموضوع لا في كون الاثر مرتّبا عليه او على الواسطة. و اللّه العالم.

ص: 206

أو بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له، أو ملازمته معه بمثابة عد اثره اثرا لهما، فإن عدم ترتيب مثل هذا الاثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا، بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (1)،

______________________________

(1) قد الحق بالواسطة الخفية صورتين أخريين: الاولى: ما اذا كان بين الواسطة و ذي الواسطة لزوم يستحيل معه التفكيك بينهما واقعا عقلا، كما في الملازمة بين العلّة التامة و معلولها، و لما كان العرف كالعقل يرى استحالة التفكيك بين العلّة التامة و معلولها، و لازم ذلك ان يكون العرف يرى ان تنزيل العلّة التامة المشكوكة بقاء منزلة العلّة التامة المتيقنة يستلزم تنزيل معلولها المشكوك، فالدليل الدال على التعبّد بالعلّة يستلزم تعبّدا آخر بالمعلول، و يكون الدليل الدال على التعبد بالعلة التامة بالمطابقة دالا على التعبّد بالمعلول بالالتزام. و الى هذه الصورة اشار بقوله: ( (كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه و بين المستصحب تنزيلا)) و هو الاثر المرتّب على المعلول فانه مما لا يمكن التفكيك بينه و بين علته التامة في مقام التنزيل ( (كما لا تفكيك بينهما واقعا)) و حاصله: ما عرفت من ان الدليل الدال على تنزيل العلّة التامة يدل بالالتزام على تنزيل آخر لمعلولها ايضا.

الصورة الثانية: ما اذا كان التلازم بين الواسطة و ذي الواسطة جليّا بحيث يكون اثر كل منهما اثرا للآخر عند العرف كما في المتضائفين، فانهما و ان كان لا عليّة و لا معلولية بين المتضائفين كالابوة و البنوّة، فان عنوان الابوة و عنوان البنوّة من المتضائفين، و لا عليّة و لا معلولية بين عنوان الابوة و عنوان البنوّة، لا بين ذات الاب و ذات الابن.

و الحاصل: ان العرف لجلاء الملازمة و وضوحها بين المتضائفين بما هما متضائفان يرى ان اثر كل منهما اثر للآخر، فيكون التنزيل لاحد المتضائفين موجبا لترتيب اثر ذاته و اثر المضايف الآخر عليه، لان العرف يرى ان اثر كل منهما هو اثر للآخر ايضا عند العرف، و اذا كان العرف لاجل وضوح هذه الملازمة يرى ان اثر كل منهما اثر

ص: 207

فافهم (1).

______________________________

للآخر، فيكون عدم ترتيب اثر المضايف الآخر على المضايف المستصحب من نقض اليقين بالشك، الشامل له ما دلّ على النهي عن نقض اليقين بالشك.

و الفرق بين هذه الصورة و الصورة الاولى: هو انه في الصورة الاولى يكون الدليل دالا على تنزيلين: احدهما بالمطابقة و الآخر بالالتزام، فانه يدل على ترتيب اثر العلة التامة تعبّدا بالمطابقة، و على ترتيب اثر المعلول تعبّدا بالالتزام، و في هذه الصورة لا يكون إلّا تنزيل واحد يدل على ترتيب اثر كلا المتضائفين، و ان كان المستصحب هو احد المتضائفين، لان العرف يرى ان اثر البنوّة هو اثر للابوّة، ففي مقام استصحاب الابوّة يترتّب عليه اثرها و اثر البنوّة ايضا. و الى هذه الصورة الثانية اشار بقوله: ( (او بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له او ملازمته معه)) أي ان الاثر اذا كان لواسطة واضحة اللزوم او الملازمة للمستصحب ( (بمثابة عدّ اثره)) أي عدّ اثر هذا الواضح الملازمة اثرا لنفس المستصحب، فيكون اثر كل منهما ( (اثرا لهما)) معا. و اشار الى الوجه في لزوم ترتيب كلا الاثرين على المضايف المستصحب بقوله:

( (فان عدم ترتيب مثل هذا الاثر عليه)) أي ان عدم ترتيب اثر المضايف الآخر على المضايف المستصحب ( (يكون نقضا ليقينه)) أي يكون نقضا لليقين المتعلّق بالمضايف ( (بالشك ايضا)) أي كما يكون عدم ترتيب اثر نفس المضايف من نقض اليقين بالشك، كذلك يكون عدم ترتيب اثر المضايف الآخر عليه- ايضا- من نقض اليقين بالشك عند العرف ( (بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا)).

(1) لعله اشارة الى ان الصورتين المذكورتين خارجتان عمّا هو المفروض، لان الكلام في حجيّة الاستصحاب في المثبت انما هو فيما اذا كان اللازم الذي هو الواسطة ليس متعلّقا لليقين، و في هاتين الصورتين لا بد من ان يكون اللازم متعلقا لليقين، لان اليقين بالعلّة التامة في الصورة الاولى لا بد و ان يكون هناك يقين بمعلولها ايضا، اذ لا يعقل تحقق العلّة التامة و عدم تحقق معلولها، و حيث فرض فيها تعلّق اليقين

ص: 208

ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب و سائر الاصول التعبّدية و بين الطرق و الامارات، فإن الطريق و الامارة حيث أنه كما يحكي عن المؤدى و يشير إليه، كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه و لوازمه و ملازماته و يشير إليها، كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها، و قضيّته حجيّة المثبت منها كما لا يخفى، بخلاف مثل دليل الاستصحاب، فإنه لا بد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته، و لا دلالة له إلّا على التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره، حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه، كسائر الاصول التعبّديّة، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها، أو لشدة وضوحها و جلائها، حسبما حققناه (1).

______________________________

بالعلة التامة- بما هي علة تامة- فلا بد من فرض تعلّق اليقين ايضا بمعلولها. و مثله الحال في الصورة الثانية لان المتضائفين متكافئان بالقوة و الفعليّة، ففرض اليقين باحد المتضائفين بما هو معنون بعنوان التضايف لا بد فيه من تعلّق اليقين بالمضايف الآخر، فترتيب اثر المعلول في الصورة الاولى انما هو لتعلّق اليقين بنفس المعلول، و ترتيب الاثر في صورة التضايف الذي هو الصورة الثانية انما هو لتعلّق اليقين بالمضايف الآخر. و اللّه العالم.

(1) حاصله بيان الفرق بين الاستصحاب و مطلق الاصول العملية و بين الطرق و الامارات كالبيّنة و الخبر، فان الاصول مطلقا الاستصحاب و غيره من الاصول ليست بحجة في المثبت، بخلاف الطرق و الامارات فانها حجّة في المثبت.

و الوجه الذي يشير اليه المصنف في الفرق بينهما: هو ان الخبر- مثلا- يحكي عن مداليله المطابقيّة و التضمنية و الالتزامية، فللخبر في الحقيقة حكايات متعدّدة، و دليل حجية الخبر يدلّ على حجيته بما له من الحكاية بجميع اقسامها، فالخبر الحاكي عن حياة زيد كما يحكي عن حياته بالمطابقة يحكي- ايضا- عن نبات لحيته بالالتزام،

ص: 209

.....

______________________________

و دليل حجيته كما يدلّ على ترتيب آثار ما يدل عليه بالمطابقة يدل- ايضا- على ترتيب آثار ما يدل عليه بالالتزام، لان قوله عليه السّلام: (العمري و ابنه ثقتان فما حدثا عني فعني يحدّثان) قد دلّ على حجيّة حديث العمري بما له من الدلالة، فاذا اخبر العمري عن كلام الامام عليه السّلام فقد اخبر عن مدلول كلام الامام المطابقي، و اخبر عن مدلول كلام الامام الالتزامي ايضا، و قد دلّ دليل حجية الخبر على حجيّة حديث العمري في جميع ما يحدث عنه.

و الحاصل: ان العمري كما حدّث عن المدلول المطابقي قد حدّث- ايضا- عن المدلول الالتزامي، و المفروض كونه حجة في جميع ما يحدّث عنه، و مثله الحال في البيّنة فانها- مثلا- اذا قامت على حياة زيد فقد حكت عن حياته بالمطابقة، و عن نبات لحيته بالالتزام ايضا، و دليل حجيّة البيّنة يشمل حجيتها بمدلولها المطابقي و الالتزامي معا.

و اما الاصول كالاستصحاب الذي هو المتوهّم حجيته في المثبت كما مر، بدعوى دلالته على الابقاء التعبديّ للمتيقن بجميع آثاره سواء آثار نفسه او آثار لوازمه ... و قد عرفت فساد هذا التوهّم، لان الاستصحاب هو اليقين السابق و الشك اللاحق، و دليل حجيته يدلّ على الابقاء التعبّدي للمتيقن في ظرف الشك، و حيث فرض ان اليقين انما تعلّق بالشي ء و لم يتعلّق بلوازمه، فيكون القدر المتيقن فيه هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن بلحاظ ما له من الاثر المرتّب على نفسه، دون الاثر المرتب على لازمه الّا في مثل الواسطة الخفيّة و الجلية كما مرّ تفصيل ذلك.

و قد اشار المصنف الى ان الوجه في حجية الامارات و الطرق في المثبت هو كونها كما تحكي عن الشي ء كذلك تحكي عن اطراف الشي ء من لوازمه و ملزوماته بقوله:

( (فان الطريق او الامارة حيث انه كما يحكى عن المؤدّى و يشير اليه)) بالمطابقة ( (كذا يحكي عن اطرافه من ملزومه و لوازمه و ملازماته)) بالالتزام ( (و يشير اليها)) و بعد ان كانت للطريق و الامارة حكاية عن الملزوم و اللوازم و الملازمات، اشار الى ان دليل

ص: 210

.....

______________________________

الحجية يدل على حجية الطرق بما لها من الحكاية مطلقا الشامل لحكايتها عن ملزومها و لوازمها و ملازماتها بقوله: ( (كان مقتضى اطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها)) مطلقا ( (و قضيته)) أي و قضيّته هذا و هو كون الطرق لها حكاية، و اطلاق دليل حجيتها لمطلق ما لها حكاية عنه هو ( (حجية المثبت منها)) أي كونها حجة في المثبت.

و اشار الى الوجه في عدم حجية الاستصحاب في المثبت و سائر الاصول العمليّة بقوله: ( (بخلاف مثل دليل الاستصحاب)) فانه حيث لم يكن لنفس الاستصحاب حكاية، و لم يكن لدليل حجيّته اطلاق كان لا محالة عدم حجيّته في المثبت، و لا بد من الاقتصار فيه على نفس آثار متعلّق اليقين، لان القدر المتيقّن مما دلّ على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن هو تنزيله بلحاظ اثر نفس المتيقن، و لذا قال (قدس سره):

( (فانه لا بد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبّد بثبوته)). و اشار الى ان القدر المتيقن من دلالة دليل الاستصحاب هو حجيّته في غير المثبت بقوله: ( (و لا دلالة له الّا على التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ اثره)) لا بلحاظ جميع آثاره من آثار ملزومه و لوازمه و ملازماته ( (حسبما عرفت ف)) كانت نتيجة ذلك انه ( (لا دلالة له)) أي لا دلالة للاستصحاب ( (على اعتبار المثبت منه)). و اشار الى ان سائر الاصول التعبديّة هي كالاستصحاب بقوله: ( (كسائر الاصول التعبديّة)) كاصالة الحل، و غيرها، بل هو أولى منها في توهّم اعتبار المثبت لما سيأتي التعرّض له من كونه برزخا بين الامارات و الاصول التعبديّة غيره. و اشار الى حجيّة الاستصحاب في المثبت في خصوص ما استثنى من الواسطة الخفية و الجلية، لان اثر الواسطة فيهما هو اثر لنفس المستصحب بنظر العرف كما مر بيانه بقوله: ( (الّا فيما عدّ اثر الواسطة اثرا له)) أي اثرا لنفس المستصحب ( (لخفائها)) أي لاجل خفاء الواسطة ( (او)) لاجل ( (شدّة وضوحها و جلائها حسبما حققناه)).

ص: 211

الثامن: إنه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب، بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شي ء، أو بوساطة عنوان كلي ينطبق و يحمل عليه بالحمل الشائع و يتحد معه وجودا، كان منتزعا عن مرتبة ذاته (1)،

______________________________

(1)

الثامن: موارد ثلاثة توهم كون الاصل فيها مثبتا
اشارة

لا يخفى ان هذا التنبيه الثامن هو لاجل التنبيه على موارد ربما يتوهّم عدم حجية الاستصحاب فيها بدعوى انها من المثبت، فلذا ذكرها لاثبات انها ليست من المثبت:

الاول: استصحاب الفرد لترتيب أثر الطبيعي عليه

الاول: و هو ما اشار اليه بقوله: ( (انه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب ... الى آخر الجملة)).

و توضيح ذلك ان موضوع الاثر: تارة يكون هو الجزئي، كما لو قال المولى اكرم زيدا، و لا اشكال في صحة استصحاب وجود زيد لترتيب اثره و هو الاكرام، و اخرى يكون الاثر مترتّبا على النوع الكلي المنطبق على الجزئي، و قد اشكل فيه من ان استصحاب الجزئي اذا كان هو المتيقن في السابق و المشكوك في اللاحق لاجل ترتيب اثر الكلي من المثبت، لفرض كون موضوع الاثر هو الكلي و ليس هو بمستصحب، و استصحاب الجزئي لاجل ترتيب اثر الكلي انما هو استصحاب شي ء يلازمه ما هو الموضوع للاثر، لفرض كون الجزئي ليس موضوعا للاثر، و فرض كون الكلي ليس بمستصحب، و ان المستصحب هو الجزئي، و لازم ذلك كونه من المثبت لانه استصحاب شي ء كان موضوع الاثر غيره و هو الموضوع الملازم له. و اشار الى الجواب عنه في المتن ... و توضيحه: ان الكلي المنتزع عن ذات الفرد كالنوع الطبيعي، فان النوع ينتزع عن الحصة المضافة الى التشخّص، و ليس الفرد الّا نفس تلك الحصة المضافة مع ضمّ التشخّص، و من الواضح ان الطبيعي متحد الوجود مع فرده في الخارج و ليس بينهما اثنينية في الخارج، و اذا كان الطبيعي عين الفرد وجودا لا يكون استصحاب الفرد لترتيب الاثر المترتّب على النوع من المثبت، لبداهة ان اللازم في المثبت كون المستصحب غير موضوع الاثر وجودا، اما اذا كانا متحدين في الوجود

ص: 212

أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة، فإن الاثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة، حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مباينا معه، أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه، و ذلك لان الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده، كما أن العرضي كالملكية و الغصبية و نحوهما

______________________________

فلا يكون استصحاب وجود الفرد من استصحاب غير ما هو موضوع الاثر، بل هو من استصحاب ما هو موضوع الاثر.

بل يمكن ان يقال: انه لا يعقل فرض المثبتيّة في هذا الفرض، لوضوح ان فرض المثبتيّة هو كون موضوع الاثر ليس متعلقا لليقين و انما متعلّق اليقين ما يلازمه، و لا يعقل ان يكون الفرد متعلقا لليقين و لا يكون النوع متعلقا له، فنفس النوع متعلق اليقين و الشك، و مع كونه بنفسه متعلق اليقين فلا وجه لدعوى المثبتيّة.

و على كلّ فالجواب الذي اشار اليه في المتن: من ان موضوع الاثر في الحقيقة هو الفرد لاتحاد النوع و فرده خارجا، و مع كون موضوع الاثر هو الفرد في الحقيقة فلا ينبغي الاشكال في استصحاب الفرد لترتيب الاثر المرتّب على نوعه. و قد اشار المصنف الى عدم الاشكال فيما كان الاثر مرتّبا على نفس الجزئي بقوله: ( (انه لا تفاوت في الاثر المترتب على المستصحب بين ان يكون مترتبا عليه بلا وساطة)) فان الاثر المترتب عليه بلا وساطة شي ء هو الاثر المترتب على نفس الجزئي، كما لو قال اكرم زيدا، فان الاكرام مرتّب على نفس زيد الجزئي من دون وساطة شي ء، و لا اشكال في استصحاب حياة زيد لترتب حكم اكرامه، و اشار الى الحكم المرتّب على المستصحب بواسطة نوعه بقوله: ( (او بوساطة عنوان كلي ينطبق و يحمل عليه بالحمل الشائع)) فان النوع مما ينطبق على جزئيّه و يحمل بالحمل الشائع ( (و يتحد معه)) أي و يتحد الكلي مع المستصحب ( (وجودا)) فيما ( (كان منتزعا عن مرتبة ذاته)) فان النوع مما ينتزع عن مرتبة ذات فرده.

ص: 213

لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الاثر، لا شي ء آخر، فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم (1)، و كذا لا تفاوت في الاثر المستصحب أو

______________________________

(1)

الثاني: الاستصحاب في الخارج المحمول

هذا هو المورد الثاني الذي توهّم كون الاستصحاب الجاري فيه من المثبت.

و توضيحه: ان الكلي تارة يكون كالنوع الطبيعي و قد مرّ الكلام فيه.

و اخرى يكون الكلي منتزعا عن الجزئي باعتبار ما يعرض عليه، و ان ما يعرض عليه تارة: يكون له ما بحذاء في الخارج كالسواد و المقدار و هو المحمول بالضميمة.

و اخرى لا يكون له ما بحذاء في الخارج و هو الخارج المحمول، و هذا على انحاء لانه: تارة يكون من اللوازم الذاتية لنفس الذات كالامكان. و اخرى يكون مما ينفك عنها كالفوقية و الابوة، فان الجسم قد يكون فوقا و قد لا يكون، و الشخص قد يكون أبا و قد لا يكون. و ثالثة يكون جعليا كالولاية و الملكية.

و يظهر من المتن ان العارض ان كان من الخارج المحمول فاستصحاب الجزئي لترتيب الاثر المرتب على الخارج المحمول ليس من المثبت، و ان كان من المحمول بالضميمة فاستصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض المحمول بالضميمة هو من المثبت، و لزيادة التوضيح نقول: ان صدر عبارة المتن يشعر بانه من المثبت و ان كان الاثر في المحمول بالضميمة مرتّبا على نفس العنوان كالاسود و الطويل، و ذيل العبارة يشعر بان الاستصحاب في المحمول بالضميمة من المثبت حيث يكون الاثر مرتبا على نفس العرض كالسواد و الطول، لا ما اذا كان مرتّبا على العنوان كالاسود و الطويل.

و على كل فحاصل ما ذكره من الفرق بين الخارج المحمول و المحمول بالضميمة:

ان الخارج المحمول لما لم يكن له ما بحذاء في الخارج و ليس في الخارج الا ما هو منشأ الانتزاع و هو نفس الجزئي فالاثر لا محالة في الخارج يكون له، فالخارج المحمول كالنوع الطبيعي، فلا يكون استصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض

ص: 214

.....

______________________________

الخارج المحمول من المثبت، بخلاف المحمول بالضميمة فانه حيث كان له ما بحذاء في الخارج، و لا محالة يكون ما بحذائه مباينا وجودا لنفس الجزئي المستصحب، فلذلك يكون استصحاب الجزئي لاثبات الاثر المرتّب على العارض المحمول بالضميمة من المثبت.

و الحاصل: ان العارض الذي له وجود في الخارج مباين لوجود الجزئي اذا كان مما لم يتعلّق به اليقين و كان اليقين متعلقا بنفس الجزئي، فاستصحاب نفس الجزئي لإثباته من المثبت، لوضوح عدم الفرق بين السواد العارض للجسم و بين نبات اللحية العارض لزيد مثلا، فالاصل الجاري باستصحاب الجسم لاثبات الاثر على بياضه كاستصحاب حياة زيد لاثبات الاثر المرتّب على نبات لحيته و هو فيهما من المثبت على حدّ سواء، بخلاف استصحاب حياة زيد لاثبات ملكيته في حال الشك، فانه حيث ليس للملكية مبدأ في الخارج و هي منتزعة من نفس المستصحب فلا يكون استصحابه من المثبت، كاستصحاب حياة زيد لاثبات الاثر المرتّب على النوع.

و قد اشار الى ان الاستصحاب في الخارج المحمول ليس من المثبت و حاله كحال النوع المتّحد وجودا مع الجزئي بقوله: ( (او بملاحظة بعض عوارضه مما)) كان ( (هو)) من ( (الخارج المحمول لا)) ما كان العارض من المحمول ( (بالضميمة فان الاثر في الصورتين)) أي في صورة ما اذا كان الاثر للنوع، و في صورة ما اذا كان الاثر للخارج المحمول ( (انما يكون له)) أي للجزئي ( (حقيقة حيث لا يكون)) في كلا الصورتين ( (بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه)) أي سوى الجزئي لانه في الصورة الاولى الكلي متحد وجودا مع الجزئي، و في الصورة الثانية لا منشأ لانتزاعه الّا الجزئي.

و اشار الى ان الحال في المحمول بالضميمة ليس كذلك، بل حال المحمول بالضميمة كحال الجسم الملازم لجسم آخر، و ان استصحاب بقاء الجسم لاثبات الاثر المرتّب على بياضه كاستصحاب بقاء حياة زيد لاثبات الاثر المرتب على نبات لحيته

ص: 215

.....

______________________________

بقوله: ( (لا لغيره مما كان مباينا معه)) و هو كنبات اللحية المباين لحياة زيد ( (او)) كان الاثر مرتبا على عرض ( (من اعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة)) و هو الذي له ما بحذاء في الخارج ( (كسواده مثلا او بياضه)) و هذا هو المشعر بان الاثر كان مرتبا على نفس السواد و البياض لا على الاسود و الابيض، و صدر عبارته و هو قوله حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي مشعر بان الاثر لنفس الكلي في النوع، و في الخارج المحمول لنفس العنوان الكلي ايضا، بعد ان اخرج عنهما المحمول بالضميمة بقوله- فيما تقدم على ذلك- لا بالضميمة، و ظاهره ان الحال في المحمول بالضميمة ايضا كذلك في ان الاثر يكون فيه مرتبا على العنوان كالاسود مثلا.

و لا يخفى انه ينبغي ان يكون الفرق بين الخارج المحمول و المحمول بالضميمة فيما اذا كان الاثر مرتبا على نفس السواد و البياض في المحمول بالضميمة، لا على عنوان الاسود و الابيض، فان العنوان في المحمول بالضميمة كالعنوان في خارج المحمول متحد مع الذات، فانه كما ان عنوان المالك و الغاصب متحد مع الذات فان عنوان الاسود و الابيض ايضا متحد مع الذات.

اما اذا كان الاثر مرتبا على نفس السواد و البياض، فحيث ان السواد له مطابق في الخارج مباين في التحقق مع الجسم، فللفرق بين الخارج المحمول و المحمول بالضميمة مجال واضح.

و قد اشار الى ان الوجه في كون الاستصحاب ليس من المثبت في النوع الطبيعي بقوله: ( (لان الطبيعي انما يوجد بعين وجود فرده)) فالطبيعي و فرده متحدان بالوجود، لوضوح كون وجود الفرد هو بعينه وجود الحصة المضافة التي هي الطبيعي الموجود في الخارج، و اشار الى الوجه في عدم كون الاستصحاب من المثبت في الخارج المحمول بقوله: ( (كما ان العرضي كالملكية و الغصبية و نحوهما)) كالولاية ( (لا وجود له)) أي لا وجود لهذا العرضي في الخارج و ليس معنى وجوده في الخارج ( (إلّا بمعنى وجود منشأ انتزاعه فالفرد)) في الطبيعي ( (او منشأ الانتزاع في الخارج))

ص: 216

المترتب عليه، بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف و بعض أنحاء الوضع، أو بمنشإ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية و الشرطية و المانعية، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا و يكون أمره بيد الشارع وضعا و رفعا و لو بوضع منشأ انتزاعه و رفعه.

و لا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت، كما ربما توهم بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية، بل من الامور الانتزاعية (1)،

______________________________

المحمول ( (هو عين ما رتّب عليه الاثر لا شي ء آخر)) هناك قد رتب عليه الاثر كما في المحمول بالضميمة ( (فاستصحابه)) المستصحب الذي هو الفرد و هو منشأ الانتزاع ( (لترتيب)) الاثر المرتّب على الطبيعي و على خارج المحمول ( (لا يكون بمثبت كما توهم)) يشير بذلك الى ما يظهر من الشيخ الاعظم بانه من المثبت في جميع الصور، و انه لا فرق بين النوع و الخارج المحمول و المحمول بالضميمة.

(1)

الثالث: استصحاب الجزء و الشرط و المانع

هذا هو المورد الثالث الذي توهم كون الاستصحاب فيه من المثبت.

و توضيح الحال يتوقف على بيان امرين:

الاول: ان الامر الوضعي قد يكون مجعولا شرعيا استقلاليا كالولاية على الصغير و ليس هذا هو محل الاشكال. و قد يكون الامر الوضعي منتزعا كالجزئية و الشرطية و المانعية و هذا هو محل الاشكال، لان المجعول هو الكل، و الجزئية منتزعة من ابعاضه، و المجعول هو تقيّد المشروط بالشرط، و الشرطية منتزعة من تقيد المشروط بشرطه، و المجعول هو تقيّد الممنوع بعدم المانع، و المانعية منتزعة من تقيّده بعدم المانع.

الثاني: ان استصحاب الجزء و الشرط و المانع تارة لاجل انتزاع نفس عنوان الجزئية و الشرطية و المانعية، و الاشكال في مثبتيّته من جهة ان هذه العنوانين ليست بمجعولات شرعية و انما هي امور عقلية انتزاعية، و اخرى يكون استصحاب الجزء

ص: 217

.....

______________________________

لاجل ترتيب اثر الكل، و استصحاب الشرط لأجل ترتيب آثار المشروط، و استصحاب المانع لاجل ترتيب اثر الممنوع بما هو ممنوع، و الاشكال فيه من جهة المثبتية لان استصحاب الجزء لترتيب اثر الكل، و الشرط لترتيب اثر المشروط، و المانع لترتيب الممنوع هو من استصحاب شي ء يلازمه ما هو موضوع الاثر. و الظاهر من المصنف ان محل الكلام هي الجهة الاولى، لقوله في ذيل عبارته فليس استصحاب الشرط او المانع لترتيب الشرطية او المانعية من المثبت ... و لعل الوجه فيه ان المراد من اثر الكل- مثلا- ان كان هو كون الجزء بعضا منه فمعنى هذا هو عنوان الجزئية، و ان كان المراد منه هو الاثر المرتب على مجموع الاجزاء فباستصحاب الجزء لا يحرز بقية الاجزاء حتى يترتب الاثر المرتب على مجموع الاجزاء.

و بعبارة اخرى: انه لا ملازمة بين وجود الجزء و سائر الاجزاء، فباحراز الجزء لا يحرز سائر الاجزاء حتى لو قلنا بحجية الاصل المثبت، لعدم الملازمة بين وجوده و وجوداتها، فلو قلنا بحجية الاصل المثبت لا يثبت باستصحاب وجود الجزء ساير الاجزاء، و ذلك لانه لا ملازمة بين وجوده و وجوداتها، فلا يلازم احرازه احرازها حتى يقال ان احرازها باحرازه من المثبت. إلّا ان يقال ان استصحاب الجزء بعد احراز ساير الاجزاء، و مثله استصحاب الشرط و المانع، إلّا انه لا داعي لترتيب الاثر لاحراز عنوان الجزئية و الشرطية، و يكفي في ترتب الاثر احراز نفس الجزء و الشرط، و مثله الحال في الشرط فانه باستصحاب ذات الشرط ما لم يكن المشروط محرزا لا يترتب اثر المشروط، و مع احراز المشروط فباستصحاب الشرط يترتب الاثر و لا حاجة لعنوان الشرطية، و كذلك المانع فان استصحاب المانع لا اثر له مع عدم احراز الممنوع، و مع احراز الممنوع يترتب الاثر و لا حاجة الى احراز عنوان المانعية.

فاذا عرفت هذا ... نقول: قد ظهر مما مر ان الاشكال هو من حيث ان استصحاب الجزء و الشرط و المانع لا يقتضي اثبات عنوان الجزئية و الشرطية و المانعية لانها امور غير مجعولة بل هي امور عقلية انتزاعية.

ص: 218

.....

______________________________

و اما استصحاب الجزء لاجل ترتيب اثر الكل و كذلك الشرط و المانع فقد عرفت انه لا يصح بالاستصحاب ذلك و ان قلنا بصحة الاستصحاب المثبت، إلّا ان يكون بقية الاجزاء و المشروط محرزا و حينئذ يترتب الاثر و لا داعي لاحراز عنوان الجزئية و عنوان الشرطية.

و الجواب عنه: انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مما كان امر رفعه و وضعه بيد الشارع، و لما كان منشأ انتزاع هذه العناوين بيد الشارع فان الكل و المشروط و الممنوع امر رفعه و وضعه بيد الشارع، و من الواضح ان هذه الامور هي منشأ انتزاع هذه العناوين، لانه من وضع الكل ينتزع عنوان الجزئية للابعاض، و من ربط المشروط بالشرط تنتزع عنوان الشرطية، و من تقيد الشي ء بعدم شي ء ينتزع عنوان المانعية، و لما كان منشأ انتزاع هذه العناوين امر رفعه و وضعه بيد الشارع، فان هذه العناوين تكون مربوطة بالشارع ايضا بواسطة ربط منشأ انتزاعها به، و هذا المقدار كاف في صحة استصحاب الجزء لترتيب الجزئية، و كذلك الشرط و المانع لترتيب الشرطية و المانعية، و لا يكون ترتيبها عليها من ترتب الامر العقلي غير المرتبط بالشارع اصلا.

و الحاصل: يكفي في جريان الاستصحاب ان يكون المترتب على المستصحب مما يرتبط بالشارع و لو بواسطة منشأ انتزاعه، و لا يشترط في المرتب على المستصحب ان يكون امرا مجعولا بنفسه بنحو الاستقلال، و يكفي ان يكون مجعولا بالتبع و لو بتبع جعل منشأ انتزاعه. و قد اشار الى الامر الوضعي المجعول بالاستقلال كجعل الحكم التكليفي و هو بعض انحاء الوضع كالولاية و القضاوة و انه خارج عن محل الاشكال بقوله: ( (لا تفاوت في الاثر المستصحب)) بنفسه ( (او)) الاثر ( (المترتب عليه)) أي على المستصحب ( (بين ان يكون مجعولا شرعا بنفسه)) بالجعل الاستقلالي ( (كالتكليف)) مثل الوجوب و الحرمة و بقية الاحكام التكليفية الآخر ( (و بعض انحاء

ص: 219

.....

______________________________

الوضع)) كالولاية و القضاوة فانها مجعولة بالجعل الاستقلالي كجعل نفس الحكم التكليفي.

و اشار الى ان المجعول منشأ انتزاعه من انحاء الوضع بقوله: ( (او بمنشإ انتزاعه كبعض انحائه)) أي بعض انحاء الوضع ( (كالجزئية و الشرطية و المانعية)) فان المجعول فيها منشأ الانتزاع، و بقوله او بمنشإ انتزاعه عاطفا لهذا النحو على النحو المجعول بالاستقلال من الحكم التكليفي و بعض انحاء المجعول- ايضا- بالجعل الاستقلالي في عدم التفاوت في صحة الاستصحاب فيه و انه كالصورتين السابقتين. و اشار الى ان الاشكال في خصوص هذا النحو الاخير بالتعليل المختص به، و هو قوله: ( (فانه ايضا)) مما يصح الاستصحاب فيه لانه لا يشترط ان يكون من المجعول بالاستقلال، بل يكفي ربطه بالشارع و لو بربط منشأ انتزاعه، فانه بواسطة ربط منشأ انتزاعه بالشارع يكون هذا النحو الثالث الذي هو كالجزئية و الشرطية و المانعية ( (مما تناله يد الجعل شرعا)) بالتبع لمنشا انتزاعه ( (و يكون امره)) أي يكون امر هذا النحو ايضا ( (بيد الشارع وضعا و رفعا و لو ب)) الواسطة ( (وضع منشأ انتزاعه و رفعه و لا وجه لاعتبار ان يكون)) الاثر ( (المترتب)) على المستصحب مجعولا تشريعيا مستقلا ( (او)) لا وجه لاعتبار ان يكون نفس ( (المستصحب مجعولا مستقلا)) كما عرفت، بل يكفي في الاستصحاب هو ان يكون الاثر المرتب على المستصحب او نفس المستصحب مرتبطا بالشارع و لو بربط منشأ انتزاعه به، و على هذا ( (فليس استصحاب الشرط او المانع لترتيب الشرطية او المانعية بمثبت)).

و لا يخفى ان الظاهر منهم ان الاصطلاح في المثبت هو الاعم: من كون الاثر شرعيا و لكنه يتوسط بينه و بين المستصحب امر عادي او عقلي، و من كونه عقليا غير مرتبط بالشارع اصلا. و الى هذا اشار بقوله: ( (كما ربما يتوهم)) ان استصحاب الجزء و الشرط و المانع لترتيب الجزئية و الشرطية و المانعية من المثبت ( (بتخيل ان الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل)) هي ( (من الامور)) العقلية

ص: 220

فافهم (1).

و كذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الامر و وجوده، أو نفيه و عدمه، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، و عدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح، فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف، و عدم المنع عن الفعل بما في الرسالة، من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية، فإن عدم استحقاق العقوبة و إن كان غير مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، و ترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه، إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع و لو في الظاهر (2)،

______________________________

( (الانتزاعية)) و قد عرفت ان المراد من الآثار الشرعية هي الآثار المرتبطة بالشارع و لو بمنشإ انتزاعها.

(1) لعله اشارة الى انه اذا كان الجزء متيقنا فالجزئية ايضا متيقنة و كذلك الشرط و الشرطية و المانع و المانعية.

(2)

استصحاب عدم التكليف لنفي العقاب

توضيحه: ان الكلام في استصحاب عدم التكليف من جهتين:

الاولى: من ناحية كونه من الاستصحاب المثبت، و الاشكال في كونه من المثبت مبني على ان المراد من المثبت ما هو اعم مما يتوسط بين المستصحب و بين الاثر الشرعي لازم عقلي او عادي يكون هو موضوع الاثر، كاستحباب الخضاب للحيّة المرتّب على نبات اللحية الملازم لاستصحاب الحياة، و مما يكون المستصحب امرا غير شرعي. و لما كان المستصحب هو عدم الحكم و هو امر غير شرعي فاستصحابه يكون من المثبت.

ص: 221

.....

______________________________

و الجواب عنه: ان عدم الحكم امر شرعي كما سيظهر من الكلام في الجهة الثانية، و الظاهر ان تعرض المصنف له لا من ناحية المثبتية، بل من الجهة الثانية و هي انه يشترط في المستصحب ان يكون حكما او موضوعا ذا حكم شرعي، و عدم الحكم ليس بحكم و لا موضوعا ذا حكم شرعي كما سيأتي بيانه.

الجهة الثانية: و هي ان عدم الحكم ليس بحكم شرعي و لا موضوعا لاثر شرعي، و قد ذكر للاستدلال على كون عدم الحكم ليس بحكم شرعي وجوه:

الاول: ما يقال من ان المجعول الشرعي هو اعتبار ثبوت الحكم، و اما عدم الحكم فليس بمتعلق لاعتبار الشارع لان العدم لا يحتاج الى اعتبار، و معنى عدم الحكم هو عدم الاعتبار للعدم.

و يرد عليه: ان الكلام في استصحاب عدم الحكم، اما ان يكون الوجه فيه هو ان دليل حجية الاستصحاب لا يشمل عدم الحكم لان عدم الحكم مما لا يعقل ان يتعلق به الجعل و التعبد، لان العدم لا شي ء و اللاشي ء لا تتعلق به قدرة.

و الجواب عنه: ان عدم تعلق الجعل و التعبد به لدعوى ان العدم لا وجه لجعل الداعي اليه لانه باق بذاته، و بطلان هذه الدعوى واضحة، لان العدم في حال عدم الالتفات باق بذاته، و اما في حال الالتفات فالعدم كالوجود متعلق للقدرة، لان المكلف حيث يقدر على نقض العدم بالايجاد يستطيع ابقاء العدم بان لا يعمل قدرته في ايجاد الفعل، ففي حال الالتفات يصح للشارع الامر بالتعبد بابقاء العدم. هذا اذا كان الوجه في عدم شمول دليل حجية الاستصحاب هو قصور عدم الحكم لان يشمله دليل الحجية لعدم قابليته للتعبد الاستصحابي.

و اما اذا كان الوجه فيه هو عدم الإطلاق في دليل الحجية، فهو واضح بطلانا، لوضوح شمول اطلاق قوله لا تنقض اليقين لليقين المتعلق بعدم الحكم.

ص: 222

.....

______________________________

الثاني: من الوجوه هو دعوى ان المتبادر من لفظ الحكم هو الثبوت و الوجود:

أي المتبادر من لفظ الحكم ما يختص بالوجوب لا بعدم الوجوب، و مثله الحال في الحرمة و ساير الاحكام.

و فيه أولا: انه خلط بين لفظ الوجوب و لفظ الحكم، فان المتبادر من لفظ الحكم هو اعتبار الشارع لما يتعلق بايجاد الشي ء او بقائه على العدم.

و ثانيا: انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مما يرتبط بالشارع و ان لم يصدق عليه لفظ الحكم، و بعد ما عرفت من صحة اعتبار ابقاء العدم و شمول دليل لا تنقض له يتضح ان عدم الحكم مما يرتبط بالشارع كما يرتبط به وجوده و ثبوته.

و ثالثا: انه لما كان وجود الحكم مرتبطا بالشارع فلا محالة يكون نفي الحكم مما يرتبط بالشارع ايضا، لوضوح امكان اعتبار الشارع لعدم الحكم و نفيه كما يمكنه اعتبار ثبوته و وجوده، و هذا المقدار كاف في صحة الاستصحاب و ان لم يطلق لفظ الحكم عليه. و هذا هو الوجه الذي اشار اليه المصنف في صحة استصحاب عدم الحكم بقوله: ( (ضرورة)) أي ان الوجه في انه لا تفاوت بين استصحاب وجود الحكم و عدم الحكم هو شهادة الضرورة ( (ان امر نفيه)) أي ان امر نفي الاثر هو ( (بيد الشارع ك)) أمر ( (ثبوته)). و اشار الى هذا الوجه الثاني الذي ادعى لاجله عدم صحة استصحاب عدم الحكم و هو عدم صحة اطلاق الحكم على عدم الحكم، فعدم الحكم ليس بمتعلق للجعل الشرعي بقوله: ( (و عدم اطلاق الحكم على عدمه)) أي على عدم الحكم. كما انه اشار الى الوجه الثاني المذكور في رد هذا الوجه، و هو انه يكفي في الاستصحاب ان يكون المستصحب مرتبطا بالشارع و ان لم يطلق عليه لفظ الحكم بقوله: ( (غير ضائر)) أي ان عدم اطلاق لفظ الحكم على عدم الحكم غير ضائر في صحة استصحاب عدم الحكم ( (اذ ليس هناك ما دل على اعتباره)) أي ليس هناك ما يدل على اعتبار صدق الحكم على المستصحب في صحة استصحابه بعد ان كان امر نفي الحكم و عدمه مما يرتبط بالشارع و ( (بعد صدق نقض اليقين

ص: 223

.....

______________________________

بالشك برفع اليد عنه)) أي يصدق على رفع اليد عن اليقين المتعلق بعدم الحكم فيما اذا شك فيه انه من نقض اليقين بالشك، و ان صدق نقض اليقين بالشك على اليقين المتعلق بعدم الحكم ( (كصدقه برفعها من طرف ثبوته)) أي ان حال اليقين المتعلق بالعدم كحال اليقين المتعلق بالثبوت، و كما يكون رفع اليد عن اليقين المتعلق بالثبوت من نقض اليقين، كذلك يكون رفع اليد عن اليقين المتعلق بالعدم من نقض اليقين بالشك.

الثالث: من وجوه الاشكال في استصحاب عدم الحكم، هو انه لا بد في الاستصحاب من وجود اثر للمستصحب، فاذا كان الاستصحاب في وجود الحكم فثبوت الحكم تعبدا هو بنفسه الاثر الشرعي لتحقق نفس الحكم الظاهري بواسطة استصحاب وجود الحكم فيما اذا شك في ارتفاعه، و اما استصحاب عدم الحكم فلا يترتب عليه الا ما يتوهم من كون اثره هو عدم استحقاق العقاب على مخالفته و هو من الآثار العقلية للمستصحب، و لا بد فيما يثبت بالاستصحاب من كون الاثر المترتب عليه شرعيا لا عقليا، و يترتب على عدم صحة استصحاب عدم الحكم انه لا يصح جعله من جملة ادلة البراءة في الشبهة التحريمية، لانه انما يكون الاستصحاب دليلا على البراءة بدعوى ان الشك في الحرمة مسبوق باليقين بعدم المنع عن الفعل، لوضوح ان الحرمة هي الحكم بالمنع الذي انزل على لسان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اوصيائه عليهم السّلام الذين قد بين لهم النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم جميع الاحكام، فالحرمة شي ء حادث يأتي به النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و اوصياؤه عليهم السّلام، و كل حادث مسبوق بالعدم، فالشك في حرمة شي ء معناه الشك في المنع عن الفعل، و لما كان المنع عن الفعل من الحوادث و هو مسبوق باليقين بالعدم، فيستصحب عدم المنع و به يثبت عدم المنع عن الفعل تعبدا، و يترتب عليه عدم استحقاق العقاب بارتكابه، و نتيجة هذا ان استصحاب عدم المنع عن الفعل من جملة ادلة البراءة فيما اذا شك في حرمة شي ء.

ص: 224

.....

______________________________

و حاصل الاشكال في استصحاب عدم المنع هو عدم جريان الاستصحاب فيه، لان الاثر المترتب عليه عقلي و هو عدم استحقاق العقاب، و يشترط في الاثر المرتب على المستصحب ان يكون شرعيا لا عقليا، فلا يجري استصحاب عدم المنع حتى يكون من جملة ادلة البراءة في الشبهة التحريمية. هذا توضيح ما يظهر من المتن في وجه الاشكال الذي حكاه عن رسائل الشيخ الاعظم.

و لما لم يكن صحيحا في نظر الماتن صدر العبارة التي اشار بها الى الاشكال بالمنع عنه، ثم اشار الى جوابه فلذلك قال اولا ( (فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة)) أي ان الشيخ قد استشكل في ذلك بدعوى انه لا ينبغي ان يستدل على البراءة ( (باستصحاب البراءة من التكليف و)) ذلك بان يستصحب ( (عدم المنع عن الفعل)) لان المنع عن الفعل من الامور الحادثة المسبوقة باليقين بالعدم، و الوجه في الاشكال في هذا الاستصحاب ( (بما)) هو مستفاد من الشيخ الاعظم ( (في الرسالة من ان عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية)) و لا بد في أثر المستصحب ان يكون مجعولا شرعيا.

و الجواب عنه كما يستفاد من عبارة المتن: ان عدم المنع هو بنفسه اثر شرعي كما مر بيانه، من ان الامر المجعول عدمه كوجوده مرتبط بالشارع، و اذا كان المستصحب من الاحكام الشرعية فالاثر العقلي ان كان مختصا بالحكم الواقعي فلا يترتب على الحكم المستصحب، و ان كان غير مختص بالحكم الواقعي بل كان مما يعم الحكم الظاهري ايضا فيترتب على الحكم المستصحب، و استحقاق العقوبة من قبيل الثاني فانه مما يترتب على الحكم الواقعي و الظاهري، لوضوح ان المكلف كما يستحق العقوبة عقلا بمخالفة الحكم الواقعي الثابت بالقطع و اليقين، كذلك يستحق العقوبة على مخالفة الحكم الظاهري، لبداهة انه بناء على كون الثابت بالامارة حكما ظاهريا- كما ينسب الى المشهور- فانه يترتب على مخالفته استحقاق العقوبة، كما انه يترتب

ص: 225

فتأمل (1).

______________________________

استحقاق العقوبة ايضا على مخالفة الحكم الاستصحابي، لما مر من ان ادلة الاستصحاب تدل على جعل الحكم الظاهري.

فاتضح: ان استحقاق العقوبة و ان كان اثرا عقليا إلّا انه لما كان عدم المنع مما يرتبط بالشارع، و كان استحقاق العقوبة من الآثار العقلية المترتبة على الاعم من الحكم الواقعي و الظاهري، فلا مانع من استصحاب عدم المنع و ترتب عدم استحقاق العقوبة عليه، لانه كما ان استحقاق العقوبة من لوازم مخالفة الحكم اعم من كونه واقعيا او ظاهريا، كذلك عدم استحقاق العقوبة من لوازم عدم المنع سواء كان واقعيا او ظاهريا، و عدم المنع الثابت بالاستصحاب تعبدا من الحكم الظاهري، فيترتب عليه عدم استحقاق العقوبة و ان كان عدم استحقاق العقوبة من الآثار العقلية غير المجعولة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (فان عدم استحقاق العقوبة و ان كان)) اثرا عقليا ( (غير مجعول)) شرعا ( (إلّا انه لا حاجة الى ترتيب اثر مجعول في استصحاب عدم المنع)) بعد ان كان عدم المنع مما يرتبط بالشارع ( (و)) عليه فلا مانع من ( (ترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه)) و الوجه في ترتب عدم استحقاق العقوبة على استصحاب عدم المنع ( (انما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع و لو في الظاهر)).

(1) لعله اشارة الى ان مراد الشيخ من عدم ترتب استحقاق العقوبة على عدم المنع هو عدم الحاجة الى التعبد بعدم المنع لاجل ترتب عدم استحقاق العقوبة، لانه يكفي في عدم استحقاق العقوبة عدم وصول التكليف و لو بعدم قيام الحجة عليه، و حيث ان المفروض في البراءة عدم وصول التكليف بعدم قيام الحجة عليه، فلا حاجة الى التعبد بعدمه لاجل ترتب عدم استحقاق العقوبة.

و يمكن ان يقال في جوابه: ان استحقاق العقاب متوقف على ثبوت التكليف، و وصوله، و مخالفته، و بانتفاء واحدة من هذه الثلاثة ينتفي استحقاق العقاب،

ص: 226

التاسع: إنه لا يذهب عليك أن عدم ترتّب الاثر غير الشرعي و لا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب، إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة، أو بوساطة أثر شرعي آخر، حسبما عرفت فيما مرّ، لا بالنسبة إلى ما كان للاثر الشرعي مطلقا، كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب، فإن آثاره شرعية كانت أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت و لو بأن يستصحب، أو كان من آثار المستصحب، و ذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة، فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه، من وجوب الموافقة و حرمة المخالفة و استحقاق العقوبة إلى غير ذلك، كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب، بلا شبهة و لا ارتياب، فلا تغفل (1).

______________________________

و البراءة تنفي استحقاق العقاب باعتبار عدم الوصول بعدم قيام الحجة عليه، و باستصحاب عدم التكليف يثبت عدم التكليف فيترتب عليه عدم الاستحقاق ايضا، فعدم الاستحقاق من جهة عدم التكليف غير عدم الاستحقاق من جهة عدم الوصول. و اللّه العالم.

(1)

التاسع: ترتيب بعض الآثار العقلية و العادية على الاصل

الغرض من هذا التنبيه هو التنبيه على الاستثناء مما مرّ في التنبيه السابع، من انه لا يترتّب على المستصحب الاثر العقلي.

و توضيح ذلك: ان المستصحب اذا كان هو الموضوع غير المجعول و كان له اثر غير مجعول، كما لو شك في بقاء الماء المطلق فلا يستصحب بقاؤه لترتيب كونه له حيّز و يترتب عليه اثره المجعول ككونه مطهرا أو رافعا للحدث.

و اذا كان المستصحب هو الحكم فيستصحب لكونه بنفسه مجعولا شرعيا، و لا يترتب على استصحابه الاثر العقلي غير الشرعي المترتب على وجود الحكم

ص: 227

.....

______________________________

الواقعي، كوجوب الالتزام به بناء على ان وجوب الالتزام مما يختصّ بالحكم الواقعي، و كصحة اضافته الى اللّه حقيقة و انه حكم اللّه الحقيقي واقعا. و يترتّب على استصحابه الاثر العقلي غير الشرعي المترتب على الاعم من وجود الحكم الواقعي و الظاهري، كلزوم موافقته و حرمة مخالفته و استحقاق العقاب على مخالفته، و الوجه في ترتيب هذا الاثر العقلي على استصحابه، انه باستصحاب هذا الحكم المجعول يتحقق الموضوع للاثر العقلي الذي كان موضوعه هو الحكم الاعم من الواقعي و الظاهري، فما مرّ في الامر السابع من عدم ترتيب الاثر العقلي على المستصحب و ان كان مجعولا شرعيا هو في الاثر المختصّ بوجود الحكم الواقعي، دون الاثر المترتّب على الحكم الاعم من الواقعي و الظاهري.

فظهر مما ذكرنا: ان الاستصحاب لا يجري لترتيب الاثر غير الشرعي، فيما كان الاثر غير الشرعي مرتّبا على الوجود الواقعي، كما لا يجري لترتيب الاثر الشرعي اذا كان مترتبا على المستصحب بواسطة امر عادي، كاستحباب الخضاب لنبات اللحية المرتّب على حياة زيد المستصحبة، فان استحباب الخضاب مما يترتب على حياة زيد بواسطة نبات اللحية اللازم العادي له، و كذا الاثر الشرعي المرتب على اللازم العقلي للمستصحب، كاستصحاب حياة زيد الملازم عقلا لبقائه حيّا في زمان الشك بتجاوزه الخمسة عشر عاما، و هو سن البلوغ المترتب عليه ارتفاع الولاية عنه، و تعلّق الزكاة بما له، فلا يترتب على استصحاب حياته ارتفاع الولاية عنه و تعلق الزكاة، لانها مرتّبة على البلوغ اللازم العقلي لبقائه حيّا في حال الشك. و يترتب على المستصحب الاثر العقلي المرتب على المجعول الشرعي الاعم من الواقعي و الظاهري، كوجوب الموافقة و حرمة المخالفة. و لا يخفى ان صحة جريان الاستصحاب في المجعول الشرعي انما هو لانه بنفسه حيث انه مجعول مصحّح لجريان استصحابه، و انما يترتب عليه الاثر العقلي الاعم لتحقق موضوعه، فالوجوب- مثلا- يجري الاستصحاب فيه لانه بنفسه اثر مجعول شرعي مما يصح استصحابه،

ص: 228

.....

______________________________

و يترتب على استصحابه وجوب موافقته و حرمة مخالفته و استحقاق العقاب على مخالفته، و قد عرفت ان الغرض من هذا التنبيه هو استثناء مثل هذا الاثر العقلي المترتب على الاعم من الحكم الواقعي و الظاهري، و ان الذي لا يترتب على استصحاب الحكم هو خصوص الاثر العقلي المترتب على الحكم الواقعي بالخصوص.

و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (انه لا يذهب عليك ان عدم ترتّب الاثر غير الشرعي)) على المستصحب كصحة اضافته الى اللّه بانه حكمه حقيقة مثلا، كما مرّ في الامر السابع تفصيله ( (و)) كما مرّ فيه انه ( (لا)) يترتب الاثر ( (الشرعي)) ايضا فيما اذا كان ( (بواسطة غيره من)) الامر ( (العادي او العقلي ب)) واسطة ( (الاستصحاب)) و الغرض من هذا التنبيه ( (انما هو)) بيان ان ذلك ( (بالنسبة الى ما للمستصحب واقعا)) أي ما كان مختصّا بخصوص الحكم الواقعي ( (فلا يكاد يثبت به)) أي بالاستصحاب ( (من آثاره الّا اثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة)) كحرمة الخمر مثلا فانها اثر للخمر بلا واسطة و ترتّب على الخمر المشكوكة المستصحبة ( (او)) كان الاثر الشرعي مترتبا ( (بواسطة اثر شرعي آخر)) كوجوب الموافقة الالتزامية لحرمة الخمر فانه يترتب على استصحاب الخمر، فيثبت بالاستصحاب حرمة شرب الخمر المستصحبة و وجوب موافقتها التزاما بناء على كون وجوب الموافقة مما تعم الحكم الواقعي و الظاهري ( (حسبما عرفت فيما مرّ)) في الامر السابع. و اشار الى استثناء الاثر غير الشرعي اذا كان مما يعم الحكم الظاهري في انه يترتب على استصحابه الحكم بقوله: ( (لا بالنسبة الى ما كان للاثر الشرعي مطلقا)) أي سواء كان الحكم الشرعي ثابتا واقعا او ( (كان)) ثابتا ( (بخطاب الاستصحاب او بغيره من انحاء الخطاب)) مما كان الحكم فيها ظاهريا ( (فان آثاره شرعية كانت)) كحرمة الخمر ( (او غيرها)) أي أو كانت غير شرعية بل عقلية كلزوم الموافقة و حرمة المخالفة فانها ( (تترتب عليه اذا ثبت و لو بان يستصحب او كان)) الاثر غير الشرعي ( (من آثار))

ص: 229

العاشر: إنه قد ظهر مما مرّ لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو ذا حكم كذلك، لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء و لو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما و لا له أثر شرعا و كان في زمان استصحابه كذلك- أي حكما أو ذا حكم- يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف، فإنه و إن لم يكن بحكم مجعول في الازل و لا ذا حكم، إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال، لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا، و كذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا، أو كان و لم يكن حكمه فعليا و له حكم كذلك بقاء، و ذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه و العمل، كما إذا قطع بارتفاعه يقينا، و وضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه و في تنزيلها بقاء، فتوهم اعتبار الاثر سابقا- كما ربما

______________________________

نفس ( (المستصحب)) كما اذا كان المستصحب هو الحكم بنفسه فانه يترتب عليه اثره العقلي اذا كان مما لا يختص بالحكم الواقعي. و اشار الى الوجه فيه بقوله: ( (و ذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة)) أي ان الاثر اذا كان مما لا يختصّ بالحكم الواقعي فانه يترتب على المستصحب لتحقق ما هو موضوع الاثر حقيقة، لانه بالاستصحاب يحصل الحكم الظاهري الذي هو موضوع لتلك الآثار حقيقة ( (فما للوجوب عقلا)) من الاثر ( (يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه)) فيما اذا كان المستصحب نفس الوجوب ( (او استصحاب موضوعه)) فيما اذا كان المستصحب موضوعه كاستصحاب النهار مثلا. و اشار الى الاثر غير الشرعي الذي كان موضوعه هو الاعم من الحكم الواقعي و الظاهري بقوله: ( (من وجوب الموافقة و حرمة المخالفة و استحقاق العقوبة)) عليها ( (الى غير ذلك)) من الآثار العامة للحكم الظاهري ايضا كموافقته الالتزامية مثلا ( (كما يترتب)) ذلك ( (على)) الوجوب مثلا ( (الثابت بغير الاستصحاب)) كالأمارة مثلا ( (بلا شبهة و لا ارتياب)).

ص: 230

يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم- فاسد قطعا، فتدبر جيدا (1).

______________________________

(1)

العاشر: اعتبار ترتب الاثر على المستصحب بقاء

الغرض من هذا التنبيه دفع ما يمكن ان يتوهم، ان المستفاد من ادلة الاستصحاب باعتبار انه ابقاء لما كان قد تعلق به اليقين في زمان الشك، فيكون دالا على جعل الحكم الظاهري المماثل لما تعلق به اليقين، او جعل الحكم الظاهري المماثل للمتيقن، فانه على هذا لا بد من اختصاص جريان الاستصحاب بما اذا كان هناك حكم في مرحلة الحدوث يتعلق به اليقين و يكون هو المتيقن.

و اما اذا كان متعلق اليقين في مرحلة لم يتعلق بالحكم فلا مجال لجريان الاستصحاب، اذ ليس هناك مماثل في مرحلة الحدوث الواقع حتى يكون الاستصحاب دالا على جعل حكم مماثل له في مرحلة الظاهر.

و يدفع هذا التوهم: بان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو جعل الحكم في مرحلة الشك وجودا او عدما: أي ان ادلة الاستصحاب التي كان لسانها النهي عن نقض اليقين انما تدل على الجعل التعبدي في مرحلة الشك، بحيث يكون عدم البناء العملي في مرحلة الشك من نقض اليقين، و لا يستفاد منها لزوم كون متعلق اليقين حكما في حالة اليقين، لوضوح صدق نقض اليقين على ما كان حكما في مرحلة الشك فقط دون مرحلة حدوث اليقين.

فاذا عرفت هذا ... نقول: ان النسبة بين حال الثبوت و حال البقاء عموم من وجه، فانه ربما يكون حكم في مرحلة الثبوت دون البقاء، كما في الحكم الفعلي المنسوخ بقاء، و كما في وجوب الجمعة فانها واجبة في زمان الحضور و ليست بواجبة في حال الغيبة كما هو رأي جملة من الفقهاء.

و ربما لا يكون حكم في مرحلة الثبوت، و يكون الحكم في مرحلة البقاء كما في الاحكام التكليفية بالنسبة الى غير البالغ، فانها في حال عدم بلوغه لم يكن متوجها له حكم تكليفي و في حال بلوغه تتوجه له الاحكام، و كما في جملة من الاحكام النازلة

ص: 231

.....

______________________________

بالتدريج في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فانه مضى زمن من نبوته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يكن له و لامته حكم صوم شهر رمضان ثم نزل عليه الحكم بالصوم.

و اما مورد كونه حكما في مرحلة الثبوت و البقاء كوجوب الصلاة على البالغين و غيره من ساير الاحكام.

و ينبغي ان لا يخفى ان المستصحب بناء على ما ذكرنا من عدم لزوم كونه في مرحلة الحدوث و زمان متعلّق اليقين لا مجعولا بنفسه و لا موضوعا ذا حكم مجعول، و انه يكفي في صحة الاستصحاب ان يكون كذلك في مرحلة البقاء ... يظهر صحة استصحاب العدم الازلي للحكم، فانه و ان لم يكن بمجعول في مرحلة الحدوث و تعلق اليقين الّا انه مجعول تعبّدا في مرحلة البقاء و الشك ... و صحة استصحاب ما ليس بفعلي من الاحكام في مرحلة الحدوث و تعلق اليقين، لكنه كان فعليا في مرحلة البقاء و الشك، كما في الحرمة التعليقية للزبيب قبل الغليان و عند الغليان، فانه قبل الغليان لم تكن الحرمة فعلية قطعا، و احتمال فعليتها انما هو في حال الغليان ..

و صحة استصحاب الموضوع الذي لا حكم له في مرحلة تعلّق اليقين، الّا انه يحتمل ان يكون له حكم في مرحلة الشك، كما لو علمنا بعدم بلوغ زيد في اول الليل و شك في بلوغه عند الفجر، فانه لو تحقق البلوغ عند الفجر لكان له حكم ... و صحة استصحاب الموضوع الذي لا حكم فعلي له عند تعلّق اليقين، كما لو علمنا بخروج الماء النجس عن محل الابتلاء ثم شككنا في دخوله في محل الابتلاء، فانه في حال خروجه عن محل الابتلاء لا حكم فعلي له، و في حال الشك لو تحقق دخوله في محل الابتلاء لكان له حكم ... فانه في هذه المقامات الاربعة يجري الاستصحاب و ان كان متعلق اليقين في حال تعلق اليقين به ليس بمجعول، او ليس بفعلي، او ليس له حكم مجعول، او لم يكن حكمه المجعول فعليّا. و قد اشار الى ان المراد من قولهم لا بد و ان يكون المستصحب اما حكما مجعولا او موضوعا ذا حكم هو كونه كذلك بقاء و في مرحلة الشك، لا في مرحلة الثبوت و تعلّق اليقين بقوله: ( (قد ظهر مما مرّ)) انه لا في

ص: 232

.....

______________________________

جريان الاستصحاب ( (لزوم ان يكون المستصحب)) اما ان يكون ( (حكما)) مجعولا ( (شرعيا او)) كونه موضوعا ( (ذا حكم كذلك لكنه لا يخفى)) ان المراد من ذلك ( (انه لا بد)) و ( (ان يكون كذلك بقاء و لو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته)) و هو زمان تعلق اليقين ( (حكما و لا)) موضوعا ( (له اثر)) مجعول ( (شرعا و)) لكنه ( (كان في زمان استصحابه كذلك أي)) بان كان المستصحب في حال البقاء و مرحلة الشك اما ( (حكما او)) موضوعا ( (ذا حكم)) فانه ( (يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف)) العدم الازلي ( (فانه)) في مرحلة تعلق اليقين به ( (و ان لم يكن بحكم مجعول)) لوضوح انه ( (في الازل)) لم يكن العدم بمجعول، هذا فيما اذا كان المستصحب هو عدم الحكم الازلي، و مثله ما اذا كان المستصحب هو الموضوع، و اليه اشار بقوله: ( (و لا ذا حكم الّا انه)) يكفي في صحة الاستصحاب هو انه ( (حكم مجعول فيما لا يزال)) و هو مرحلة البقاء ( (لما عرفت من ان)) في مرحلة البقاء ( (نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا)).

و اشار الى ان الحال في استصحاب الموضوع الذي لا حكم له في مرحلة تعلق اليقين و لكنه كان ذا حكم في مرحلة البقاء هو كالحكم بقوله: ( (و كذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا)) كعدم بلوغ الصبي ( (او كان)) الموضوع له حكم ( (و)) لكنه ( (لم يكن حكمة فعليا)) كما في الماء النجس الخارج عن محل الابتلاء ( (و)) كان ( (له حكم كذلك)) أي كان له حكم فعلي ( (بقاء)) كما لو شك في دخوله في محل الابتلاء. و اشار الى الوجه في عدم لزوم كون المستصحب حكما او ذا حكم في مرحلة تعلق اليقين، و انه يكفي فيه كونه كذلك في مرحلة البقاء و الشك بقوله: ( (و ذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه)).

و حاصله: ان ادلة حجيّة الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين بالشك، كقوله عليه السّلام: (لا تنقض اليقين بالشك)، و المستفاد منه محض ما هو نقض لليقين في مرحلة الشك، و اذا لم يكن المستصحب في مرحلة اليقين بمجعول و لا ذي اثر مجعول

ص: 233

.....

______________________________

و لكنه كان مجعولا و ذا اثر مجعول في مرحلة الشك، فان رفع اليد عن المشكوك في هذا الفرض مما يصدق عليه انه نقض لليقين في مرحلة الشك.

و بالجملة: ان المستفاد منها هو كون المشكوك مما له اثر في ذلك المقام و هو مقام الشك، فانه اذا كان له اثر عملي في هذه الحال يكون رفع اليد عنه نقضا ( (و)) من الواضح ان ( (العمل)) مع المشكوك ( (كما اذا قطع بارتفاعه يقينا)) من نقض اليقين بالشك. و اشار الى ان الداعي للتعبد بالاستصحاب هو الاثر في مقام الشك دون الاثر في مقام اليقين لانه جعل قاعدة في مقام الشك، فلا يضر كون المشكوك في مرحلة اليقين لا اثر له في جعل القاعدة المنوطة بمقام الشك بقوله: ( (و وضوح عدم دخل اثر الحالة السابقة ثبوتا)) أي عدم دخل الاثر في مقام تعلق اليقين ( (فيه)) أي في مقام الشك ( (و في)) مقام ( (تنزيلها بقاء)) أي في مقام تنزيل الحالة المشكوكة منزلة المتيقنة في مرحلة البقاء. و اشار الى وجه التوهم في لزوم كون متعلق اليقين حكما او موضوعا ذا حكم بقوله: ( (فتوهم اعتبار الاثر سابقا)) في مقام تعلق اليقين في جريان الاستصحاب بان يكون متعلق اليقين ذا اثر سواء كان حكما أو موضوعا ذا حكم ( (كما ربما يتوهمه الغافل من)) قولهم ان الاستصحاب ابقاء ما كان متعلقا لليقين في مرحلة الشك، فيتوهم من هذا انه لا بد في الاستصحاب من ( (اعتبار كون المستصحب حكما او ذا حكم فاسد قطعا)) هذا خبر لقوله فتوهم: أي ان هذا التوهم فاسد قطعا، لما عرفت من ان المستفاد من ادلة الاستصحاب هو ما يكون رفع اليد عن المشكوك في مرحلة الشك من نقض اليقين بالشك، و قد عرفت ان رفع اليد عن المشكوك الذي له اثر في مرحلة الشك من نقض اليقين و ان لم يكن للمشكوك اثر في مرحلة تعلق اليقين به.

ص: 234

الحادي عشر: لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع (1).

و أما إذا كان الشك في تقدّمه و تأخره بعد القطع بتحققه و حدوثه في زمان: فإن لوحظ بالاضافة إلى أجزاء الزمان، فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الاول، و ترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه، لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلّا بدعوى خفاء الواسطة، أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان و تأخره عنه عرفا، كما لا تفكيك بينهما واقعا، و لا آثار حدوثه في الزمان الثاني، فإنه نحو وجود خاص، نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب، بناء على أنه عبارة

______________________________

(1)

الحادي عشر: أصالة تأخر الحادث
اشارة

هذا التنبيه لبيان ان الاستصحاب الجاري في عدم شي ء او في وجوده هل يثبت به عنوان التأخر او التقدم للمستصحب او لا يثبت به؟ ... و قبل الشروع في ذلك لا بد من الفراغ عن جريان الاستصحاب في عدم الحكم او عدم الموضوع ذي الحكم، لانه بعد مسلميّة جريانه في ذلك يصحّ البحث عن كون هذا الاستصحاب هل يثبت به عنوان التأخّر او التقدّم، اما اذا لم يجر الاستصحاب في نفس عدم الحكم و عدم الموضوع ذي الحكم فلا مجال للبحث عن اثبات عنوان التأخر او التقدم بواسطة هذا الاستصحاب، و لكنه حيث قد مرّ في التنبيه الثامن صحة جريان الاستصحاب في عدم الحكم و عدم الموضوع ذي الحكم فجريان الاستصحاب فيهما مفروغ عنه. و الى هذا اشار بقوله: ( (لا اشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في اصل تحقق حكم او موضوع)) ذي حكم فيجري استصحاب عدم الحكم فيما اذا شك في اصل تحقق الحكم، و يجري استصحاب عدم الموضوع فيما اذا شك في اصل تحقق موضوع ذي حكم.

ص: 235

عن أمر مركّب من الوجود في الزمان اللاحق و عدم الوجود في السابق (1).

______________________________

(1) توضيحه يتوقف على بيان ما يضاف اليه المستصحب، و تفصيله انه اذا علمنا يوم الجمعة بكريّة الماء مثلا، و شككنا في تأخر الكريّة عن يوم الخميس، او في حدوثها يوم الجمعة، او في تقدّم الكرية على يوم الجمعة، بحيث يكون المضاف اليه عنوان التقدم او التأخر او الحدوث هو الزمان، بان يكون الاثر مرتّبا على عنوان تقدّم الكرية على يوم الجمعة، او على عنوان تأخّرها عن يوم الخميس، او على حدوثها يوم الجمعة. اما اذا كان الاثر مرتّبا على نفس الكرية فيجري استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس و يترتب عليه آثار عدم الكرية، و يترتب الاثر على الكرية في يوم الجمعة لفرض العلم بها في يوم الجمعة لا لاجل الاستصحاب.

و اما اذا كان الاثر مرتّبا على تقدّم الكرية على يوم الجمعة فلا محالة انه لا يترتب اثر التقدم لفرض عدم الكرية في يوم الخميس، فانا و ان احتملنا حدوثها فيه بان كان علمنا بعدم الكرية في اول يوم الخميس فلذا نحتمل حدوثها في اثنائه، الّا انه لا محرز له لا بالاستصحاب و لا بغيره.

و اما اذا كان مرتبا على تأخّر الكرية عن يوم الخميس فلا يثبت باستصحاب عدم الكرية في يوم الخميس عنوان تأخرها عن يوم الخميس الّا بناء على حجية الاصل المثبت، لوضوح ان عنوان تأخر الكرية عن يوم الخميس لازم لعدمها يوم الخميس، و قد مرّ عدم حجية الاستصحاب في المثبت.

الّا ان يدعى خفاء الواسطة، او يدعى عدم التفكيك. و حاصل دعوى خفاء الواسطة ان يقال: ان الاثر اذا كان مرتبا على تأخر الكرية عن يوم الخميس فالعرف- بعد ان جرى استصحاب عدمها يوم الخميس- يرى انه يترتب عليه الاثر المترتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس بعد العلم في يوم الجمعة. و حاصله: ان العرف يرى ان اثر عنوان التأخر هو اثر للعدم في يوم الخميس.

ص: 236

.....

______________________________

و اما دعوى عدم التفكيك فبأن يقال ان العرف يرى عدم التفكيك بين عنوان عدمها يوم الخميس الى زمان العلم بها يوم الجمعة، و بين عنوان تأخرها عن يوم الخميس الى يوم الجمعة لانهما عنده من قبيل المتضائفين.

و اما اذا كان الاثر مترتبا على حدوث الكرية بعد يوم الخميس، فان قلنا ان عنوان الحدوث مركب من امرين: و هما العدم في الزمان السابق، و الوجود في الزمان اللاحق، او هو عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم، فيحرز بواسطة استصحاب عدمها في يوم الخميس و العلم بها في يوم الجمعة عنوان الحدوث بعد يوم الخميس، و يترتب عليه اثره لانه مركب من جزءين: العدم في يوم الخميس و قد احرز بالاستصحاب، و الوجود بعد يوم الخميس و قد احرز بالعلم بوجودها يوم الجمعة، و كذا لو كان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم، فان وجودها يوم الجمعة محرز بالعلم، و مسبوقيتها بالعدم يوم الخميس محرزة بالاستصحاب.

و اما اذا قلنا ان الحدوث امر بسيط وجودي غير مركب و ان كان منتزعا عن الوجود المسبوق بالعدم، فلا يترتب بواسطة استصحاب عدم الكرية يوم الخميس عنوان حدوثها يوم الجمعة، الّا اذا قلنا بحجية الاصل المثبت، لوضوح ان لازم عدمها يوم الخميس هو تحقق الحدوث في يوم الجمعة، لان المفروض العلم بوجودها يوم الجمعة، فيكون لازم عدم تحققها يوم الخميس هو تحقق الحدوث في يوم الجمعة.

و قد اشار الى ان الكلام في اثبات الاستصحاب لعنوان التقدّم و التأخر و الحدوث بقوله: ( (و اما اذا كان الشك في تقدمه و تأخره بعد القطع بتحققه و حدوثه في زمان)) و لا يخفى ان الظاهر هو كون (و حدوثه) معطوفا على تقدمه و تأخره لا على تحققه، لوضوح انه لو كان عنوان الحدوث محرزا لما كان هناك شك في عنوان التقدم و التأخر، بل يكون عدم تقدمه و تأخره محرزا ايضا اذا علم بحصول الحدوث في زمان معين، مضافا الى ما سيأتي منه من الكلام بالنسبة الى عنوان الحدوث، و انه ان كان مركبا فلا يكون الاستصحاب بالنسبة الى إثباته مثبتا، و ان كان عنوانا وجوديا بسيطا

ص: 237

.....

______________________________

فالاستصحاب بالنسبة اليه يكون من المثبت. او يكون المراد من حدوثه هو وجوده من دون ارادة الحدوث الذي هو الوجود في زمان يكون فيما قبله من الزمان مسبوقا بالعدم، فانه على هذا يكون قوله و حدوثه معطوفا على تحققه لا على تقدّمه و تأخره، الّا انه على هذا يكون كلامه بعد ذلك عن الاستصحاب بالنسبة الى عنوان الحدوث بحثا فيما لم تتقدم الاشارة اليه. و اللّه العالم.

و اشار الى ان عنوان تقدّم المستصحب او تأخره بحسب ما يضاف فانه تارة يلحظ بالاضافة الى نفس الزمان، و اخرى بالنسبة الى غيره بقوله: ( (فان لوحظ)) عنوان التقدم و التأخر ( (بالاضافة الى)) نفس ( (اجزاء الزمان)) كتأخر الكريّة عن يوم الخميس و عدم تقدمها على يوم الجمعة أو حدوثها في يوم الجمعة. و اشار الى ان استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس مثلا يترتب عليه الاثر المرتب على نفس عدم الكرية، و لا يترتب عليه الاثر المرتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس، لانه من المثبت بالنسبة الى عنوان التأخر بقوله: ( (فكذا لا اشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الاول)) لفرض العلم بعدم الكرية قطعا في يوم الاربعاء، و الشك في تحققها يوم الخميس مع العلم بوجودها يوم الجمعة، فيستصحب عدمها في يوم الخميس ( (و)) اللازم ( (ترتيب)) خصوص ( (آثاره)) المرتبة على نفس عدم الكرية ( (لا)) ترتيب ( (آثار تأخره عنه)) فلا يترتب على استصحاب عدم الكرية في يوم الخميس الاثر المرتب على عنوان تأخر الكريّة عن يوم الخميس ( (لكونه بالنسبة اليها مثبتا)) أي انما لا يترتب على استصحاب عدم الكرية الاثر المرتب على عنوان تأخرها عن يوم الخميس، لان استصحاب عدم الكريّة في يوم الخميس بالنسبة الى عنوان تأخرها عن يوم الخميس من المثبت، لما عرفت من ان لازم عدمها يوم الخميس هو تأخرها عنه.

و اشار الى ان استصحاب عدم الكرية بالنسبة الى الآثار المرتبة على عنوان التأخر انما يصح حيث يدعى اما خفاء الواسطة او يدعى التفكيك بقوله: ( (الّا بدعوى

ص: 238

.....

______________________________

خفاء الواسطة)) بان يكون العرف يرى ان الاثر المرتب واقعا على عنوان تأخر الكرية هو مرتّب في نظرهم على نفس عدم الكرية، و عليه يصح ترتيب آثار عنوان التأخر على نفس عدم الكرية ( (او)) بدعوى ( (عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه الى زمان و تأخره عنه عرفا)) أي ان العرف يرى انه لا تفكيك في مرحلة الظاهر بين عدم الكرية في يوم الخميس المنتهى هذا الاستصحاب بيوم الجمعة، و بين عنوان تأخر الكريّة عن يوم الخميس، فالعرف يرى التلازم بين هذين الامرين في مرحلة الحكم الظاهري الاستصحابي: أي ان العرف يرى ان تنزيل عدم الكرية في يوم الخميس يلازمه تنزيل تأخرها عن يوم الخميس ايضا.

و الحاصل: ان العرف في هذا المقام يرى ان الاستصحاب كالواقع، فكما انه يلازم عدم الكرية واقعا في يوم الخميس عنوان تأخر وجودها عن يوم الخميس واقعا، كذلك عدم الكرية الثابت بالتنزيل الاستصحابي يلازمه عنوان تأخر وجودها ايضا. و الى هذا اشار بقوله: ( (كما لا تفكيك بينهما واقعا)). و اشار الى ان عنوان الحدوث يوم الجمعة ايضا لا يثبت بواسطة استصحاب العدم يوم الخميس اذا قلنا بان الحدوث امر وجودي بسيط بقوله: ( (و لا آثار حدوثه في الزمان الثاني)) و هو يوم الجمعة بواسطة استصحاب العدم يوم الخميس ( (فانه)) أي فان الحدوث هو ( (نحو وجود خاص)) لانه من المثبت ايضا، لان لازم العدم يوم الخميس هو الحدوث في يوم الجمعة حيث فرض العلم بتحققه يوم الجمعة. و اشار الى ترتب اثر عنوان الحدوث يوم الجمعة على استصحاب العدم يوم الخميس اذا قلنا بان الحدوث مركب من امرين العدم السابق و الوجود اللاحق، فان احد الجزءين ثابت بالاستصحاب و هو العدم السابق و هو العدم يوم الخميس، و الجزء الثاني و هو الوجود اللاحق ثابت بالوجدان لفرض العلم بالوجود يوم الجمعة بقوله: ( (نعم لا بأس بترتيبها)) أي لا بأس بترتيب آثار الحدوث ( (بذاك الاستصحاب)) و هو استصحاب العدم يوم الخميس ( (بناء على انه)) أي بناء على ان الحدوث هو

ص: 239

و إن لوحظ بالاضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا، و شك في تقدم ذاك عليه و تأخّره عنه، كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين، و شك في المتقدّم و المتأخر منهما، فإن كانا مجهولي التاريخ:

فتارة كان الاثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدّم أو التأخّر أو التقارن، لا للآخر و لا له بنحو آخر، فاستصحاب عدمه صار بلا معارض، بخلاف ما إذا كان الاثر لوجود كل منهما كذلك، أو لكل من أنحاء وجوده، فإنه حينئذ يعارض، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد، للمعارضة باستصحاب العدم في آخر، لتحقق أركانه في كل منهما.

هذا إذا كان الاثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة (1).

______________________________

( (عبارة عن امر مركب من الوجود في الزمان اللاحق)) و هو يوم الجمعة ( (و)) من ( (عدم الوجود في السابق)) و هو العدم يوم الخميس.

(1) قد عرفت ان مهمّ الكلام في هذا التنبيه هو الشك في التقدّم و التأخر بالنسبة الى ما يضاف اليه المستصحب، و قد مرّ الكلام بالنسبة الى اضافة المستصحب الى نفس اجزاء الزمان، و بعد الفراغ منه اشار الى اضافة المستصحب الى حادث آخر، كما اذا علم بكرية الماء و ملاقاته للنجس، او علم بموت متوارثين، و قد شك في تقدّم الكريّة على الملاقاة، و شك في تقدّم احد المتوارثين على الآخر.

و قد جعل الكلام في هذا الفرض في اقسام: الاول: ما اذا كانا مجهولي التاريخ بان يجهل تاريخ حدوث كل منهما مع العلم بحدوثهما معا، بان يعلم- مثلا- بالكرية و الملاقاة، و يعلم ايضا بموت كلا المتوارثين و لكنه يجهل تاريخ حدوث كل من الكريّة و الملاقاة، و يجهل تاريخ موت كل من المتوارثين.

ص: 240

.....

______________________________

و هذا القسم على نحوين: الاول: ما اذا كان الاثر بنحو كان التامة لوجود احدهما دون الآخر، بان يكون الاثر لنحو خاص من الوجود كتقدمه او تأخره فقط.

اما اذا كان الاثر لكل واحد من الوجودين، او كان لكل نحو من تقدّم الوجود الواحد و تأخره فان الاستصحاب و ان كان جاريا الّا انه يسقط بالمعارضة، لان اصالة عدم تقدّم احدهما معارض باصالة عدم تقدّم الآخر، و كذلك اصالة عدم تقدّم الحادث الخاص معارض باصالة عدم تأخره، فاذا كان الاثر لتقدّم موت كل واحد من المتوارثين فانه و ان كان بنحو كان التامة الّا ان اصالة عدم تقدّم موت احدهما معارض باصالة عدم تقدّم الآخر، و كذا اذا كان الاثر لتقدّم الكريّة على الملاقاة و لتأخر الكرية ايضا عن الملاقاة، فان استصحاب عدم تقدّم الكريّة معارض باستصحاب عدم تأخرها.

و اما اذا كان الاثر لتقدّم احدهما فقط او لتأخره فقط و كان بنحو كان التامة كما هو المفروض فان الاستصحاب يجري من دون معارض، لوضوح ان الاثر بعد ان كان مرتبا على التقدم- مثلا- بنحو كان التامة و قد كان التقدّم مسبوقا بالعدم، فعدم التقدم يكون متيقنا سابقا مشكوكا لاحقا، و لذلك كان مجرى للاستصحاب لتحقق كلا ركنيه من اليقين السابق و الشك اللاحق. و منه يظهر وجه سقوطه بالمعارضة في الفرضين السابقين، لانه بعد ان فرض ان الاثر بنحو كان التامة فاركان الاستصحاب في كل منهما متحققة، و لذلك كان جاريا في كليهما و لكنه يسقط بالمعارضة.

و قد اشار الى جميع ما ذكرنا فاشار الى ان الكلام في ملاحظة تقدّم المستصحب او تأخره بالنسبة الى حادث آخر بقوله: ( (و ان لوحظ بالاضافة الى حادث آخر علم بحدوثه ايضا ... الى آخر الجملة)). و اشار الى فرض الكلام في مجهولي التاريخ بقوله:

( (فان كانا مجهولي التاريخ))، و اشار الى ان الاثر اذا كان لوجود احدهما الخاص فقط ككونه متقدّما- مثلا- لا مانع من جريان الاستصحاب لتحقق كلا ركنيه و يجري

ص: 241

و أما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدّم، أو بأحد ضدّيه الذي كان مفاد كان الناقصة، فلا مورد هاهنا للاستصحاب، لعدم اليقين السابق فيه، بلا ارتياب (1).

______________________________

فيه بلا معارض، بخلاف ما اذا كان الاثر لكل واحد منهما، او كان لاحدهما و لكنه كان لكلا نحويه من تقدمه و تأخره، فانه و ان كان لا مانع من جريان الاستصحاب و لكنه يسقط بالمعارضة بقوله: ( (فتارة كان الاثر الشرعي لوجود احدهما)) فقط ( (بنحو خاص من التقدم او التأخر او التقارن لا)) بان يكون ( (للآخر)) اثر ايضا ( (و لا له بنحو آخر)) أي بان لا يكون لاحد الوجودين و لكنه كان لتقدمه و لتأخره او لتقارنه ( (ف)) ان ( (استصحاب عدمه)) في الفرض الاول و هو ما اذا كان الاثر الشرعي لوجود احدهما فقط ( (صار بلا معارض بخلاف ما اذا كان الاثر لوجود كل منهما كذلك)) بان كان الاثر لوجود كل واحد منهما ( (او)) كان الاثر لواحد منهما و لكنه كان ( (لكل من انحاء وجوده)) كما لو كان لتقدمه و تقارنه معا ( (فانه حينئذ)) و ان كان الاستصحاب يجري في كلا العدمين إلّا انه ( (يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد)) من الوجودين الخاصين و لا لاستصحاب العدم في واحد من نحوي الوجود الخاص ( (للمعارضة باستصحاب العدم في آخر)) و اشار الى ان الاستصحاب يجري لتحقق اركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق بقوله: ( (لتحقق اركانه في كل منهما)). و اشار الى ان هذا الكلام كلّه فيما اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان التامة بقوله: ( (هذا اذا كان الاثر المهم مترتبا ... الى آخر الجملة)).

(1) توضيحه: انه قد عرفت ان القسمة الاولى هي باعتبار ما يضاف اليه التقدّم و التأخّر في كونها: تارة باضافته الى نفس اجزاء الزمان، و قد مرّ الكلام عليها، و اخرى باعتبار اضافته الى حادث آخر كتوارد حالتين من الكريّة و الملاقاة للنجس او موت متوارثين، و هذه القسمة الثانية: تارة تكون في مجهولي التاريخ بان يعلم بحدوث الحادثين و يجهل تاريخهما معا، بان لا يعلم الزمان الذي حدثت فيه الكريّة

ص: 242

.....

______________________________

و لا يعلم الزمان الذي حدثت فيه الملاقاة، أو لا يعلم الزمان الذي مات فيه الاب و لا الزمان الذي مات فيه الابن بعد العلم بتحقق موتهما معا، و اخرى يعلم تاريخ احدهما دون الآخر، بان يعلم بالزمان الذي حدثت فيه الكريّة مثلا، و يجهل الزمان الذي حدثت فيه الملاقاة، و لا يدري ان زمان الملاقاة هل كان قبل زمان حدوث الكريّة او بعده؟ او يعلم بزمان موت الاب- مثلا- و يجهل الزمان الذي حدث فيه موت الابن، و لا يعلم انه كان قبل زمان موت الاب او بعده؟ و سيأتي الكلام في هذا.

و في مجهولي التاريخ اما ان يكون الاثر مرتبا على الوجود الخاص او على العدم الخاص، و يأتي الكلام في الاثر المرتب على العدم الخاص.

و ان كان مرتبا على الوجود: فتارة يكون الاثر للوجود الخاص و كان مرتبا بنحو كان التامة، و قد مرّ الكلام فيه ايضا، و اخرى يكون الاثر للوجود الخاص و كان مرتبا بنحو كان الناقصة، و هو الذي اشار اليه ( (و اما ان كان مترتبا على ما كان متصفا ... الى آخر الجملة)) و بيانه ان الاثر: تارة يكون للبياض، و اخرى يكون مرتبا على الجسم المتّصف بالبياض، و من الواضح انه اذا كان الاثر مرتبا على البياض كان مفاد كان التامة، و اذا كان مرتّبا على الجسم المتصف بالبياض كان مفاد كان الناقصة، لان المراد من مفاد كان التامة في المقام و امثاله هو ان يكون موضوع الاثر هو نفس وجود البياض، من دون ملاحظة رابطيته بالجسم و كونه نعتا له، و في مفاد كان الناقصة يكون موضوع الاثر هو ملاحظة رابطيّة الجسم بالبياض و كونه نعتا له.

و مثله عنوان التقدم و التأخر، فانه تارة يكون موضوع الاثر هو نفس التقدم و التأخر، بان يقول الشارع اذا تقدّم موت الاب او الابن يكون كذا او يقول اذا تقدّمت الكريّة يكون كذا، و اخرى ان يقول اذا كان الموت متقدما او متأخرا او اذا كانت الكرية متقدمة او متأخرة يكون كذا، فان المتحصّل من العبارة الاولى كون موضوع الاثر هو التقدّم أو التأخر من ملاحظة رابطيته و كونه نعتا، و المتحصّل من الثانية كون موضوع الاثر هو الموت المتصف بالتقدّم او الكرية المتصفة بالتقدم.

ص: 243

و أخرى كان الاثر لعدم أحدهما في زمان الآخر، فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب، فيما كان الاثر المهم مترتبا على ثبوته

______________________________

اذا عرفت هذا ... فنقول: ان الاثر اذا كان مرتبا بنحو كان الناقصة بان يكون موضوع الأثر في التقدّم و التأخر- مثلا- هو موت الاب المتصف بالتقدم على موت الابن، او على موت الاب المتصف بالتأخر عن موت الابن، او على موت الاب المقارن لموت الابن- فانه لا مجرى للاستصحاب بناء على هذا الفرض، لوضوح انه في حال وجود الاب لم يكن لنا يقين متعلّق بعدم موت الاب المتصف بالتقدم، بخلاف ما اذا كان موضوع الاثر هو تقدّم الموت، فانه في حال وجود الاب كان لنا يقين متعلق بعدم تقدم موته لانه في حال حياته لا تقدّم لموته، فعدم تقدّم موته مقطوع به في حال حياته، و ليس كذلك الموت المتصف بالتقدم فانه في حال حياته لا يقين بعدم الموت بما هو متصف بالتقدم، و لما كان لا يقين به كذلك فلا يجري الاستصحاب المتقوّم باليقين السابق و الشك اللاحق.

و مما ذكرنا ظهر انه فيما اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة لا فرق بين كونه مرتبا على احد الوجودين باحد العناوين فقط، او كان مرتبا على وجود كل واحد من الحادثين، او كان مرتبا على الوجود الخاص بعنوانين كالتقدم و التأخر، او كان بالعناوين الثلاثة من التقدم و التأخر و التقارن، لعدم تحقق اليقين السابق بنحو مفاد كان الناقصة في جميع هذه الفروض، و لذا قال (قدس سره): ( (و اما ان كان مترتبا على ما اذا كان)) الحادث ( (متصفا بالتقدّم او بأحد ضدّيه)) أي باحد ضدّي التقدم و هما التأخر و التقارن، بان يكون الاثر مترتبا على الوجود الخاص المتصف بالتقدم او التأخر او التقارن ( (الذي كان)) هو ( (مفاد كان الناقصة فلا مورد هاهنا للاستصحاب لعدم)) تحقق ( (اليقين السابق فيه)) لما عرفت من ان الاثر اذا كان مرتبا على الموت المتصف بالتقدّم لا على تقدم الموت، ففي حال الحياة ليس لنا يقين بعدم الموت بما هو متصف بالتقدم و انما لنا يقين بعدم تقدم الموت.

ص: 244

للحادث، بأن يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان (1).

______________________________

(1) لما فرغ من الكلام في مجهولي التاريخ- فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان التامة، و انه يجري الاستصحاب على كل حال، و لكنه تارة يسقط بالمعارضة فيما اذا كان الاثر لكل من الوجودين الحادثين، او كان لكلا عنواني الوجود الواحد، و اخرى لا يسقط لعدم المعارضة، و هو فيما اذا كان الاثر لاحد الوجودين و كان مرتبا عليه بواحد من العناوين فقط، و اذا كان مرتبا على الوجود الخاص بنحو كان الناقصة لا مجرى للاستصحاب مطلقا- شرع في الكلام فيما اذا كان الاثر مرتبا على عدم احد الحادثين، فان كان بنحو مفاد كان الناقصة فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق.

و قبل بيان كيفيّة ترتب الاثر على العدم بنحو مفاد كان التامة و الناقصة لا بد من بيان امر و هو ان الاستصحاب الجاري فيما كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص او على العدم الخاص هو استصحاب العدم، الّا انه فيما كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص فمجرى الاستصحاب هو عدم ما له الاثر، و التعبّد به تعبّد بعدم موضوع الاثر و هو الوجود الخاص، و اما فيما كان الاثر مرتبا على العدم الخاص فمجرى الاستصحاب هو نفس ما له الاثر و هو العدم، و التعبّد به تعبّد بالموضوع الذي له الاثر و هو العدم.

و منه يتضح: انه لا يتأتى فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص لحاظ العدم بنحو مفاد كان التامة او الناقصة، لان فرض اللحاظ بنحو كان التامة او الناقصة انما هو لما له الاثر، و حيث ان المفروض كون ما له الاثر هو الوجود الخاص فلا يكون العدم ملحوظا بنحو مفاد كان التامة او الناقصة، و انما لا يجري استصحاب العدم فيما كان الاثر للوجود بنحو كان الناقصة، لعدم تحقق اليقين بعدم الوجود الملحوظ بنحو مفاد كان الناقصة كما عرفت.

ص: 245

.....

______________________________

و اما بيان كون العدم ملحوظا بنحو مفاد كان الناقصة و التامة، فهو ان موضوع الاثر ان كان العدم بنحو الموجبة المعدولة المحمول، بان يقال مثلا: الكريّة اللّاموجودة في زمان الملاقاة اثرها كذا، فهو لحاظ للعدم بنحو مفاد كان الناقصة، لانه قد لحظ العدم- بما هو وصف للحادث و هو الكريّة- موضوعا للاثر.

و ان كان موضوع الاثر هو عدم الحادث بنحو السلب المقابل للايجاب، بان يقال مثلا: عدم الكرية في زمان الملاقاة اثره كذا، فهو لحاظ للعدم بنحو مفاد كان التامة.

اذا عرفت هذا ... فنقول: اذا كان موضوع الاثر هو العدم بنحو مفاد كان الناقصة بنحو الموجبة المعدولة المحمول، فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق، لان المفروض هو تعاقب حدوث الكرية و الملاقاة في يوم الخميس و الجمعة، و الجهل بما هو المتقدّم منهما و المتأخر، و المتحقق في يوم الاربعاء هو اليقين بعدم الكريّة، و ليس لنا يوم الاربعاء يقين بالكريّة اللاموجودة في زمان الملاقاة.

و بعبارة اخرى: ان متعلق اليقين في يوم الاربعاء هو عدم الكرية في زمان الملاقاة بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، و اخذ الاثر للعدم بنحو مفاد كان الناقصة معناه كون الاثر للعدم بنحو كونه ملحوظا بنحو الموجبة المعدولة المحمول، لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فانه مفاد كان التامة، فان الاثر- مثلا- اذا كان لكون زيد (لا قائم) لا يترتب على استصحاب عدم قيام زيد لاستصحاب عدم وجوده، فان زيدا في حال عدم وجوده و ان كان (لا قائم) الّا انه من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا من باب السالبة المعدولة المحمول ... فاتضح انه في يوم الاربعاء ليس لنا يقين بالكرية المتصفة بالعدم في زمان الملاقاة بنحو الموجبة المعدولة المحمول، و اذا لم يكن لنا يقين سابق بهذا النحو فلا مجرى للاستصحاب لعدم اليقين السابق.

و قد اشار الى الفرق بين استصحاب العدم فيما اذا كان الاثر للعدم، و بين استصحاب العدم فيما كان الاثر للوجود بقوله: ( (و اخرى كان الاثر لعدم احدهما في زمان الآخر)) فان التعبّد بالعدم على هذا الفرض تعبّد بنفس ما له الاثر و هو

ص: 246

و كذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا، و إن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما، لعدم إحراز اتصال زمان شكه و هو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه، لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به.

و بالجملة كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان: أحدهما زمان حدوثه، و الآخر زمان حدوث الآخر و ثبوته الذي يكون طرفا للشك في أنه فيه أو قبله، و حيث شك في أن أيهما مقدم و أيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، و معه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك (1).

______________________________

العدم، بخلاف الاستصحاب فيما كان الاثر للوجود فان الاستصحاب تعبّد بعدم ما له الاثر كما عرفت. و اشار الى عدم جريان الاستصحاب فيما كان الاثر للعدم بنحو مفاد ليس الناقصة، بان يكون الاثر للموجبة المعدولة المحمول بقوله: ( (فالتحقيق انه ايضا ليس بمورد للاستصحاب)) كما لو كان الاثر للوجود الخاص بنحو ليس الناقصة الذي قد عرفت انه لا مجرى للاستصحاب فيه، و ذلك ( (فيما كان)) العدم ملحوظا ايضا بنحو مفاد ليس الناقصة بان كان ( (الاثر المهم مترتبا على ثبوته للحادث)) بنحو الموجبة المعدولة المحمول ( (بان يكون الاثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر)). و اشار الى الوجه في عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرض بقوله: ( (لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان)) فانه لا يقين لنا بالكرية المتصفة بالعدم في زمان الملاقاة الّا من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و هو خلاف الفرض من كون العدم ملحوظا بنحو الموجبة المعدولة المحمول.

(1)

شرطية احراز اتصال زماني الشك و اليقين

بعد ان اشار الى ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس الناقصة لا مجرى للاستصحاب فيه ... اشار الى ما اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس

ص: 247

.....

______________________________

التامة، بان كان الاثر مرتبا على عدم تقدّم الحادث في زمان حدوث الحادث الآخر، و انه و ان كان متعلقا لليقين في هذا الفرض، الّا انه ايضا لا مجرى للاستصحاب فيه لفقده لشرط آخر لجريان الاستصحاب و هو اتصال الشك باليقين.

و توضيحه: ان ركني الاستصحاب و ان كانا هما اليقين السابق و الشك اللاحق، الّا انه لا بد في جريان الاستصحاب من اتصال زمان المشكوك بالمتيقن، فاذا حصل زمان فاصل بين زمان المتيقن و المشكوك لا يجري الاستصحاب ... و توضيح ذلك يتوقف على امرين:

الاول: ان كل عنوان كان معلقا عليه حكم من الاحكام لا بد من احراز ما تعلّق عليه الحكم، اما بالقطع او بما يقوم مقامه شرعا من البيّنة و امثالها، و اذا لم يحرز ما تعلّق به الحكم اما بان يقطع بعدمه او يشك فيه فلا يثبت الحكم المعلّق عليه، اما اذا احرز عدمه بالقطع فواضح، و اما اذا شك فيه فلان التمسك بالحكم- حينئذ- يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، مثلا اذا امر المولى باكرام العالم ففيما اذا قطع بعدم كون زيد عالما و انه جاهل قطعا فعدم وجوب اكرامه واضح، و اما اذا شك في كون زيد عالما او جاهلا، و لم تقم بيّنة على احد الامرين و لم يكن هناك استصحاب يحرز احد الامرين، فانه ايضا لا يجب اكرامه لعدم احراز ما هو الموضوع لوجوب اكرامه، و هو كونه من افراد العنوان الذي وجب اكرامه، و يكون التمسك بوجوب اكرام العالم فيه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و قد مرّ في مبحث العام و الخاص عدم كون العام حجة فيها، ففي المقام لو دلّت ادلة الاستصحاب على لزوم اتصال المتيقن بالمشكوك و شك في الاتصال فلا مجرى للاستصحاب، لان التمسك بادلة الاستصحاب على هذا الفرض من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لفرض عدم احراز الاتصال الذي اخذ شرطا في جريان الاستصحاب بالقطع، و عدم المجال لقيام البيّنة عليه، لان المفروض في المقام هو الجهل بتاريخ الحادثين و احتمال تقدم كل منهما على الآخر، و اذا كان هذا الجهل موجبا بذاته

ص: 248

.....

______________________________

للشك بالاتصال في افق نفس الشاك فيستحيل ان يكون من مقامات قيام البينة لعدم الاثر للاتصال الواقعي، و قيام البيّنة على الاتصال في افق نفس الشاك محال بعد ان كان العلة التامة للشك في الاتصال في افق نفس الشاك هو الجهل بالتقدّم و التأخّر.

و اما عدم امكان احراز الاتصال في افق نفس الشاك بالاستصحاب، فلان المفروض عدم تحقق اتصال سابق بينهما حتى يتأتى جريان الاستصحاب في نفس الاتصال، لان المفروض في المقام هو كون يوم الاربعاء هو زمان اليقين بعدم تحقق كل من الحادثين، و يوم الخميس هو زمان العلم بتحقق احدهما على وجه الاجمال، و يوم الجمعة هو زمان حدوث ثانيهما، فليس هناك احراز للاتصال سابق قد شك فيه، و قد قلنا ان نفس الجهل بتقدّم احدهما هو موجب بذاته للشك في الاتصال، فلا يمكن ايضا ان يكون المقام مما يمكن احرازه بالاستصحاب.

الامر الثاني: ان المراد من النهي الدّال عليه قوله لا تنقض اليقين بالشك هو النهي عن نقض المتيقن بالمشكوك، بان يرفع اليد عن آثار المتيقن السابق في حال كونه مشكوكا في الزمان اللاحق، فاذا كان لنا يقين بوجود شي ء في زمان، ثم عرض اليقين بعدمه في الزمان الثاني، ثم عرض الشك في وجوده في الزمان الثالث، فلا يكون رفع اليد عن آثار وجود الشي ء الذي كان اليقين متعلقا بوجوده في الزمان الاول من رفع اليد عن المتيقن في زمان الشك، و ليس هو من نقض اليقين بالشك، بل يكون رفع اليد عن آثار المتيقن في زمان الثاني هو من نقض اليقين بالشك في الزمان الثالث الذي تحقق الشك في وجود الشي ء فيه، و هذا هو البرهان على ان جريان الاستصحاب مضافا الى لزوم اليقين و الشك فيه انه لا بد من اتصال زمان المشكوك فيه بالمتيقن.

و مما ذكرنا يظهر: ان المدار في الاتصال هو اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن، لا اتصال زمان الشك بزمان اليقين، لوضوح ان السبق و اللحوق مما لا بد فيه في الاستصحاب، و اذا تقدّم الشك في وجود الشي ء ثم حصل بعده اليقين بوجوده في

ص: 249

.....

______________________________

الزمان السابق فانه لا ريب في تحقق اركان الاستصحاب في هذا الفرض، كما لو كان قد تقدم اليقين ثم عرض الشك. و ان رفع اليد عن آثار المتيقن في كلا هذين الفرضين هو من نقض اليقين بالشك على حد سواء، فالسبق و اللحوق المتقوم به الاستصحاب هو سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك، لا سبق زمان اليقين على زمان الشك، و اذا كان المدار في السبق و اللحوق على سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك فلا بد و ان يكون المدار في الاتصال ايضا كذلك لانه هو اتصال السابق باللاحق، و متى كان المدار في السابق و اللاحق على سبق المتيقن و لحوق المشكوك فلا محالة يكون المدار في اتصالهما هو كذلك ايضا.

و بعبارة اخرى: ان المدار من الاتصال هو اتصال السابق باللاحق، لان الاستصحاب هو ابقاء السابق تعبدا في مقام الشك فيه لاحقا، فاذا كان المشكوك متصلا بالمتيقن كان التعبد به في مقام الشك ابقاء له، و اذا كان المشكوك منفصلا عن المتيقن لا يكون التعبد به في مقام الشك ابقاء للمتيقن، لوضوح انه بعد فصله عن المشكوك بيقين متعلق بنقيض ما كان متيقنا فان المتصل بالمشكوك هو اليقين الثاني دون اليقين الاول، فلا يكون التعبد باليقين الاول ابقاء لليقين في مقام الشك.

فاذا عرفت هذا ... فنقول: فيما اذا كان الاثر مترتبا على عدم احد الحادثين في زمان الحادث الآخر بنحو مفاد ليس التامة فلا مجرى للاستصحاب، و ان كان الاثر مترتبا على احدهما، لعدم تمامية شرط جريان الاستصحاب و هو اتصال المتيقن بالمشكوك، لانه اذا فرضنا تعاقب الحادثين مع الجهل بتاريخهما فان يوم الاربعاء مثلا يكون زمان المتيقن و هو اليقين بعدم كل واحد من الحادثين، و يوم الخميس زمان حدوث احدهما، و يوم الجمعة زمان حدوث الآخر، فاليقين بعدم الحادث في يوم الاربعاء اذا اريد استصحابه الى زمان الحادث الآخر لا يحرز اتصاله.

بيان ذلك: انه- مثلا- اذا علمنا بان يوم الاربعاء كان المورث المسلم حيا و كان الوارث كافرا، و يوم الخميس حدث احد الامرين اما موت المورث او اسلام

ص: 250

.....

______________________________

الوارث، و يوم الجمعة حدث ثاني الحادثين، فان كان موت المورث كان قد حدث يوم الخميس فيكون اسلام الوارث حادثا يوم الجمعة، و ان كان موت المورث كان حدوثه يوم الجمعة كان اسلام الوارث حادثا يوم الخميس، فاذا استصحب عدم اسلام الوارث الى زمان حدوث موت المورث ليترتب عليه عدم توريثه، كان استصحاب عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصلا بالمشكوك و هو الاسلام يوم الخميس، فيما اذا كان موت المورث كان قد حدث يوم الخميس. و اما اذا كان موت المورث قد حدث في يوم الجمعة فيكون اسلام الوارث حادثا يوم الخميس، و عليه يكون عدم اسلام الوارث المستصحب الى زمان حدوث موت المورث منفصلا باسلام الوارث في يوم الخميس، فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان حدوث الموت مما يشك في اتصاله، لما عرفت من ان الموت اذا كان يوم الجمعة يكون الاسلام حادثا يوم الخميس، لانه قد فرض العلم بان احد الامرين قد حدث يوم الخميس و الثاني حدوثه يوم الجمعة، فاذا فرض كون زمان حدوث الموت يوم الجمعة يكون الذي قد حدث يوم الخميس هو اسلام الوارث، فاستصحاب عدم اسلامه يكون منفصلا باسلامه، فنحن و ان كان لنا علم بعدم الاسلام يوم الاربعاء و شك في حدوثه الى زمان موت المورث، إلّا انه حيث يحتمل كون احد الحادثين هو الاسلام يوم الخميس لا يكون المتيقن و هو عدم الاسلام يوم الأربعاء محرز الاتصال بالمشكوك و هو الاسلام و عدمه الى زمان موت المورث، لانه على فرض كون حدوث الموت يوم الخميس يكون عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصلا بالاسلام المشكوك حدوثه في يوم الخميس، و ان كان الموت يوم الجمعة يكون عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء غير متصل بعدم الاسلام المشكوك فيه بل يكون منفصلا بالاسلام، و حيث لا يحرز الاتصال لا مجال للتمسك بالاستصحاب، فانه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لما عرفت من لزوم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك، و حيث لم يحرز اتصال هذا العدم المتيقن بالعدم المشكوك فلا وجه لاستصحابه.

ص: 251

.....

______________________________

و قد اشار الى كون المانع عن جريان الاستصحاب فيما كان الاثر مترتبا على العدم في زمان الآخر بنحو ليس التامة هو عدم تمامية ما هو لازم احرازه في الاستصحاب و هو اتصال المتيقن بالمشكوك بقوله: ( (و كذا)) لا مجرى للاستصحاب ( (فيما كان)) الاثر ( (مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا)) و بهذا اشار الى كون الاثر بنحو مفاد كان التامة، و اشار الى ان المانع هنا هو عدم احراز الاتصال بقوله: ( (و ان كان على يقين منه في آن)) و هو الآن الذي يكون هذا العدم متعلقا لليقين ( (قبل زمان اليقين بحدوث احدهما)) و هذا هو زمان الشك، لوضوح ان كلا الحادثين كانا معلومي العدم قبل حدوث العلم بحدوثهما على نحو التعاقب، فان العدم حيث يكون ماخوذا بنحو مفاد كان التامة يكون متعلقا لليقين قطعا على هذا الفرض، بخلاف ما اذا كان مأخوذا بنحو مفاد كان الناقصة، فانه قد تقدم انه لا يكون العدم المأخوذ بنحو كان الناقصة متعلقا لليقين، إلّا ان المانع من جريان الاستصحاب هنا هو عدم احراز الاتصال لا عدم تحقق اليقين السابق، و لذا قال:

( (لعدم احراز اتصال زمان شكه و هو زمان حدوث الآخر)) و مراده من قوله و هو زمان حدوث الآخر هو ان زمان حدوث الآخر هو الذي يراد استصحاب العدم اليه، فان عدم الاسلام الى زمان موت المورث- مثلا- هو الذي يترتب عليه عدم ارث الوارث الذي كان عدم اسلامه متيقنا يوم الاربعاء، و لما كان زمان الشك في الاسلام غير محرز الاتصال ( (بزمان يقينه)) و هو عدم الاسلام في يوم الاربعاء ( (لاحتمال انفصاله عنه)) أي لاحتمال انفصال الشك في الاسلام الى حدوث الموت ( (باتصال حدوثه)) أي باتصال حدوث الاسلام باليقين بعدم الاسلام، و ذلك اذا كان الموت حادثا بعد حدوث الاسلام، فانه في هذا الفرض يكون حدوث الاسلام فاصلا بين اليقين بعدم الاسلام و بين الشك في عدم الاسلام، فلا يكون المتيقن و هو عدم الاسلام متصلا بالمشكوك و هو عدم الاسلام في زمان حدوث موت المورث، لفصل حدوث الاسلام قبل موت المورث بينهما، و حيث لا يكون الاتصال محرزا لاجل هذا

ص: 252

.....

______________________________

الاحتمال، فلا يصح استصحاب عدم الاسلام للزوم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك، و لما كان كلامه هذا مجملا شرحه بقوله: ( (و بالجملة كان بعد ذاك الآن)) أي ان بعد زمان يوم الاربعاء ( (الذي)) هو زمان اليقين بعدم الاسلام و بعدم الموت، و وضوح ان هذا الزمان هو ( (قبل زمان اليقين بحدوث احدهما)) لفرض كون زمان اليقين بحدوث الاسلام او الموت هو بعد زمان يوم الاربعاء، و هو يوم الخميس و الجمعة الذي قد وقع الحادثان فيهما على نحو التعاقب، فيكون بعد زمان يوم الاربعاء ( (زمانان)) يوم الخميس و يوم الجمعة، و ان ( (احدهما)) حيث ان المفروض تعاقب الحادثين لا بد و ان يكون هو اما ( (زمان حدوثه)) أي حدوث الاسلام مثلا ( (و)) عليه يكون الزمان ( (الآخر)) هو ( (زمان حدوث)) الحادث ( (الآخر و ثبوته)) و هو الموت.

و حاصله: انه اذا فرض العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين بعد يوم الاربعاء، فلا بد و ان يكون يوم الخميس اذا كان فيه حدوث الاسلام يكون حدوث الموت في يوم الجمعة، و اذا كان فيه حدوث الموت يكون حدوث الاسلام يوم الجمعة، فيوم الجمعة هو ( (الذي يكون طرفا للشك في انه فيه)) حدث الاسلام مثلا ( (او)) حدث ( (قبله)) أي في يوم الخميس ( (و حيث شك في ان ايهما مقدم و ايهما مؤخّر)) لفرض الجهل بالتاريخ بالنسبة لكلا الحادثين و انه لم يعلم ان المقدّم هو حدوث الاسلام او الموت، فاذا كان الاسلام متقدّما كان الموت متأخرا، و في هذا الفرض يكون الاسلام فاصلا بين اليقين بعدم الاسلام يوم الاربعاء و بين الشك في الاسلام الى زمان حدوث الموت، و على فرض تقدّم الموت يكون اليقين بعد الاسلام متصلا بالشك في الاسلام الى زمان حدوث الموت، فاتضح انه ( (لم يحرز اتصال زمان الشك)) في الاسلام الى حين الموت ( (بزمان اليقين)) بعدم الاسلام ( (و معه)) أي و مع عدم احراز اتصال زمان الشك باليقين ( (لا مجال للاستصحاب)) للزوم احراز الاتصال في جريان الاستصحاب، و قد اشار الى الوجه في كون احراز الاتصال مما لا بد منه في

ص: 253

لا يقال: لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن، و هو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره عن الآخر، مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة، و صار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها، و حدوث الآخر في ساعة ثالثة، كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما، كما لا يخفى (1).

______________________________

الاستصحاب بقوله: ( (حيث لم يحرز معه)) أي مع فرض الشك في التقدّم و التأخّر لا يكون الاتصال محرزا، و مع عدم احراز الاتصال يشك في ( (كون رفع اليد عن اليقين)) السابق و هو اليقين ( (بعدم حدوثه)) أي بعدم حدوث الاسلام في يوم الاربعاء ( (ب)) واسطة ( (هذا الشك)) في الاتصال ( (من نقض اليقين بالشك)) لان المستفاد من نقض اليقين بالشك هو ابقاء اليقين السابق في زمان الشك اللاحق، و مع فصل اليقين السابق عن الشك لا يكون التعبّد باليقين السابق من ابقاء اليقين السابق.

(1) حاصله: ان عدم الاسلام المتيقن سابقا متصل بعدم الاسلام المشكوك فيه لاحقا، لاجل احتمال حدوث الاسلام في مجموع الزمانين، لان المتيقن هو عدم الاسلام في يوم الاربعاء، و المشكوك فيه هو حدوث الاسلام اما في يوم الخميس او في يوم الجمعة، فحدوث الاسلام مشكوك فيه في مجموع الازمنة الواقعة بعد يوم الاربعاء، و من الواضح اتصال يوم الخميس بيوم الاربعاء الى ان يقطع بتحقق الاسلام في يوم الجمعة، فلا وجه لمنع اتصال المتيقن و هو عدم الاسلام يوم الاربعاء بالمشكوك فيه و هو حدوث الاسلام في يوم الخميس او في يوم الجمعة، فان كون الاسلام يحتمل حدوثه في يوم الخميس او في يوم الجمعة معناه كون الاسلام مشكوك الحدوث يوم الخميس، الى ان يعلم بتحققه في يوم الجمعة، و اتصال يوم الخميس و يوم الجمعة بيوم الاربعاء واضح.

ص: 254

.....

______________________________

و بعبارة اخرى: ان لازم كون الحادث الاول هو الاسلام او الموت بنحو الترديد في هذين الزمانين الواقعين بعد يوم الاربعاء، هو الشك في كلّ من الاسلام و الموت في كونه هو الحادث في يوم الخميس الى ان يحصل اليقين بتحققهما يوم الجمعة، فعدم الاسلام في يوم الخميس مشكوك الحدوث لاحتمال كونه هو الحادث او ان الحادث في يوم الخميس هو الموت، فاستصحاب عدم الاسلام المتيقن في يوم الاربعاء متصل بالمشكوك و هو الاسلام في يوم الخميس الى ان يحصل اليقين بتحققه في يوم الجمعة، فالاسلام مشكوك فيه في مجموع الزمانين اللذين هما يوم الخميس و يوم الجمعة الى ان يحصل اليقين بالتحقق، و مجموع الزمانين متصل بيوم الاربعاء، فاتصال المشكوك بالمتيقن الذي كان شرطا لجريان الاستصحاب محرز في المقام بالوجدان.

و الحاصل: ان لنا حالتين في زمانين: حالة اليقين بعدم الاسلام و هو يوم الاربعاء، و حالة الشك في حدوث الاسلام و هو مجموع الزمانين بعد يوم الاربعاء، الى ان يحصل اليقين بحدوث الاسلام في يوم الجمعة، و لم يفصل بين حالتي اليقين بعدم الاسلام و الشك فيه بعده يقين بحدوث الاسلام و هو واضح، و لا شك لنا في اتصال ما بعد يوم الاربعاء بيوم الاربعاء حتى يكون الاتصال مشكوكا، فاليقين السابق و الشك اللاحق و اتصالهما كل ذلك محرز، فلا وجه لمنع جريان الاستصحاب للشك في إحراز الاتصال.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان السبب في كون الاسلام مشكوكا فيه في مجموع الزمانين هو العلم الاجمالي بتقدّم احد الحادثين و تأخر الآخر، فان لازم الجهل بكون المتقدّم هو الاسلام او الموت هو الشك في حدوث الاسلام الى ان يتحقق العلم بثبوته. و قد اشار الى ان المشكوك فيه هو الحدوث في مجموع الزمانين و هو متصل وجدانا بالمتيقن، لوضوح اتصال مجموع الزمانين الواقعين بعد الزمانين للمتيقن بزمان المتيقن بقوله:

( (لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين)) الذي هو ظرف الشك ( (بذلك الآن)) السابق الذي هو ظرف اليقين ( (و هو)) أي و مجموع الزمانين ( (بتمامه)) هو ( (زمان الشك في

ص: 255

فإنه يقال: نعم، و لكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان، و المفروض إنه بلحاظ إضافته إلى الآخر، و أنه حدث في زمان حدوثه و ثبوته أو قبله، و لا شبهة أن زمان شكّه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر و حدوثه لا الساعتين.

فانقدح أنه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده، و عدم جريانه إنما هو بالمعاوضة، كي يختص بما كان الاثر لعدم كل في زمان الآخر، و إلا كان الاستصحاب فيما له الاثر جاريا (1).

______________________________

حدوثه)) أي في حدوث هذا المشكوك، و اشار الى الوجه في كون مجموع الزمانين هو ظرف الشك في الحدوث بقوله: ( (لاحتمال تأخره عن الآخر)) فان لازم العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين في زمانين، و احتمال تقدم كل منهما هو كون مجموع الزمانين ظرفا للشك في الحدوث في كل منهما، و قد شرحه بقوله: ( (مثلا ... الى قوله كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين)).

(1) و حاصل الجواب انه اذا كان الاثر مترتبا على عدم الحادث بلحاظ الزمان كان مجموع الزمانين ظرفا للشك و كان الشك متصلا باليقين، و اما اذا كان الاثر مترتبا على عدم الحادث بلحاظ الحادث الآخر فلا يكون مجموع الزمانين ظرفا للشك، و كان المشكوك فيه غير محرز الاتصال بالمتيقن.

و توضيح ذلك: ان الاثر لما كان مترتبا على عدم الاسلام في حال موت المورث، فالمتيقن السابق هو عدم الاسلام، و يراد استصحاب هذا العدم الى زمان موت المورث ليترتب عليه عدم التوريث، فالمشكوك فيه المترتب على استصحابه الاثر هو عدم الاسلام في حال الموت، و حيث علم اجمالا بتحقق اما الاسلام او الموت فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت غير محرز الاتصال، بعد العلم الاجمالي بتعاقب الحادثين و احتمال تقدم كل منهما، لانه اذا كان المتقدم هو الاسلام و المتأخر هو الموت فاستصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت يكون مفصولا بالاسلام المتقدم

ص: 256

.....

______________________________

الواقع قبل الموت، و اذا كان الاسلام متأخرا كان عدم الاسلام المستصحب الى زمان الموت متصلا، فاحتمال الانفصال موجبا للشك في الاتصال.

و هذا بخلاف ما اذا كان الاثر مترتبا على عدم الاسلام بلحاظ نفس الزمان كما في النجاسة المترتبة على عدم الاسلام، فاذا كان عدم الاسلام متيقنا في يوم الاربعاء ثم علم بحدوث الاسلام اما يوم الخميس او يوم الجمعة، فانه لا مانع من استصحاب عدم الاسلام الى ان يحصل العلم بتحقق الاسلام في يوم الجمعة، فيترتب عليه النجاسة الى ان يتحقق العلم بالاسلام، و يكون مجموع الزمانين ظرفا للشك المتصل بزمان اليقين.

فظهر مما ذكرنا: ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بلحاظ الحادث الآخر لا مجرى للاستصحاب لعدم احراز الاتصال، فالاستصحاب لا يجري من أصله لا انه يجري و يسقط بالمعارضة ... و ظهر ايضا ان السقوط بالمعارضة بعد صحة الجريان انما هو حيث يكون الاثر لكل من العدمين بالاضافة الى أجزاء الزمان، كما اذا كان الاثر لعدم الموت وجوب الانفاق في يوم الخميس، و الاثر المرتب على عدم الاسلام هو النجاسة في يوم الخميس، فالاستصحاب يجري في كل منهما لان التقدم في كل منهما انما هو بلحاظ اجزاء الزمان لا بالنسبة الى الحادث الآخر، و سقوطهما بالمعارضة للعلم الاجمالي بحدوث احدهما في يوم الخميس، فاستصحاب عدمهما في يوم الخميس مخالف للعلم الاجمالي و لذلك يسقطان بالمعارضة ... و قد ظهر ايضا انه اذا كان الاثر لاحد العدمين يجري استصحابه و لا يجري الاستصحاب في العدم الآخر و ان كان له يقين و شك، لما عرفت من لزوم الاثر في التعبد بالاستصحاب، فاذا فرض عدم الاثر للعدم الآخر فيجري الاستصحاب في العدم الذي له الاثر، و لا معارض له حتى يسقط بالمعارضة كما في المثال المتقدم، و لكن لا يجب الانفاق لان المورث غني لا يحتاج الى انفاق، فانه حينئذ يجري استصحاب النجاسة من دون معارضة، بخلاف ما اذا كان عدم الجريان لعدم احراز الاتصال فان الاستصحاب

ص: 257

و أما لو علم بتاريخ أحدهما، فلا يخلو أيضا إما يكون الاثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن، فلا إشكال في استصحاب عدمه، لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه، كما تقدم.

و إما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا، فلا مورد للاستصحاب أصلا، لا في مجهول التاريخ و لا في معلومه كما لا يخفى، لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما (1).

______________________________

لا يجري و ان كان الاثر لاحد العدمين، لعدم تمامية ما يتوقف عليه جريان الاستصحاب، و عبارة المتن فيه واضحة. و اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (فانقدح انه لا مورد هاهنا للاستصحاب)) فيما اذا كان الاثر مترتبا على العدم بلحاظ الحادث الآخر ( (لاختلال اركانه)) و هو فقد احراز الاتصال ( (لا انه مورده)) أي لا انه مورد الاستصحاب ( (و عدم جريانه انما هو بالمعارضة)) فان لازم صحة الجريان و السقوط بالمعارضة هو كون الاثر لكل من العدمين بالاضافة الى اجزاء الزمان، و حينئذ يجري الاستصحاب في كل منهما و يسقطان بالمعارضة، و اذا كان الاثر لاحد العدمين فلا بد من جريان الاستصحاب فيه و ترتيب اثره عليه، و لذا قال: (قدس سره): ( (كي يختص)) أي كي يختص السقوط بالمعارضة لا لاجل عدم احراز الاتصال ( (بما كان الاثر لعدم كل)) من الحادثين ( (في زمان الآخر)) فانه بعد الجريان يسقطان بالمعارضة، و لكنك قد عرفت انه اذا كان الاثر لعدم كل من الحادثين في زمان الآخر لا يجري الاستصحاب لعدم احراز الاتصال ( (و إلّا)) أي و ان لم يكن الاثر لعدم كل من الحادثين بل كان لعدم احد الحادثين فلا محالة ( (كان الاستصحاب فيما له الاثر جاريا)) لو لا عدم احراز الاتصال.

(1)

صور العلم بتاريخ احد الحادثين

قد عرفت ان الكلام في موردين: الاول: الجهل بتاريخ الحادثين معا، و قد مر الكلام فيه، و ملخصه: انه اذا كان الاثر مترتبا على الوجود، فان كان بنحو مفاد

ص: 258

.....

______________________________

كان الناقصة لا يجري استصحاب عدمه و ان كان الاثر مترتبا على وجود احد الحادثين، و اذا كان بنحو مفاد كان التامة، فان كان الاثر لكل واحد من وجودي الحادثين يجري الاستصحاب و يسقط بالمعارضة، و مثله ما اذا كان الاثر مترتبا على وجود احد الوجودين و لكنه كان مترتبا على كلّ من وصفي تقدّمه و تأخره مثلا، فانه ايضا يجري الاستصحاب في عدم كلّ منهما و يسقط بالمعارضة، و اذا كان مرتبا على وجود احد الحادثين- و كان باحد اوصافه- يجري استصحاب عدمه و لا يسقط لعدم الاستصحاب المعارض، و اذا كان الاثر مرتبا على العدم فلا يجري الاستصحاب سواء كان بنحو مفاد ليس الناقصة او مفاد ليس التامة، غايته ان عدم الجريان في مفاد ليس الناقصة لعدم المتيقن السابق، و في مفاد ليس التامة لعدم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك كما عرفت تفصيل ذلك.

و المورد الثاني هو ما اذا علم بتاريخ احد الحادثين و جهل تاريخ الحادث الآخر، و لم يعلم تقدّمه على هذا الحادث المعلوم تاريخه و لا تأخره عنه، و القسمة في هذا الفرض كسابقه في ان الاثر: تارة يكون مرتبا على الوجود، و اخرى على العدم، فان كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان التامة جرى استصحاب عدم الحادث الخاص، فان كان الاثر لكل واحد من وجودي الحادثين سقط بالمعارضة، و مثله ما اذا كان الاثر لاحدهما و لكنه كان مرتبا على كلّ من وصف تقدّمه و تأخره او تقارنه فانه يجري استصحاب عدمه و يسقط بالمعارضة. و اذا كان مرتبا على احد اوصافه جرى و لا يسقط لعدم المعارضة.

لا يقال: ان جريان استصحاب عدم الحادث المرتب الاثر على وجوده في المجهول التاريخ منهما لا مانع منه، و اما استصحاب العدم في المعلوم التاريخ فكيف يجري؟

لانه قبل زمان وجوده لا شك في عدمه حتى يجري استصحاب عدمه، و بعد زمان وجوده لا شك في عدمه ايضا لفرض العلم بوجوده.

ص: 259

.....

______________________________

فانه يقال: لم يكن الاثر مرتبا على وجوده حتى يتأتى ما ذكر، بل المفروض ان الاثر مرتبا على تقدّم وجوده مثلا، و العلم بتاريخ وجوده لا يقتضي العلم بتقدم وجوده على وجود الحادث الآخر، فلا ينافي العلم بتاريخ وجوده الشك في تقدّمه، و المفروض ان المستصحب هو عدم تقدمه، فلا ينافي العلم بتاريخ وجوده الشك في تقدّمه.

فاتضح: ان استصحاب عدم كل من الحادثين يجري اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو كان التامة، سواء في مجهول التاريخ منهما و في معلومه، لكنه تارة يسقط بالمعارضة، و اخرى لا يسقط لعدم المعارضة. و الى هذا القسم اشار بقوله: ( (فلا يخلو ايضا اما ان يكون الاثر المهم مترتبا على الوجود الخاص)) بنحو مفاد كان التامة، بان يكون مرتبا على عنوان التقدّم ( (من المقدم او)) عنوان التاخر من ( (المؤخر او)) عنوان التقارن من ( (المقارن))، و على هذا ( (فلا اشكال في استصحاب عدمه)) أي عدم ذلك الوجود الخاص الذي كان الاثر مرتبا عليه بنحو مفاد كان التامة، و يترتب عليه رفع الاثر المرتب على الوجود المقدّم او المؤخر ( (لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر)) فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص لكل واحد من الحادثين، او بمعارضة استصحاب عدم تقدّمه باستصحاب عدم تأخره او تقارنه فيما اذا كان الاثر مرتبا على كلّ من عنواني الوجود الخاص الواحد، و اليه اشار بقوله: ( (او طرفه)).

و اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الخاص بنحو مفاد كان الناقصة، بان لا يكون الاثر مرتبا على التقدم و التأخر كما مر بيانه في مجهولي التاريخ، بل بان يكون مرتبا على الوجود بما هو متصف بالتقدم او التأخر او التقارن فلا يجري الاستصحاب فيه، لان مجرى الاستصحاب لا بد و ان يكون هو عدم الوجود بما هو متصف بالتقدم مثلا، و لا يقين لنا بعدم الوجود بما هو متصف بالتقدم.

ص: 260

.....

______________________________

و توضيحه: ان كون الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة انما يجري استصحاب عدمه حيث يكون لنا يقين بتحقق هذا الوجود المتصف بالتقدّم، ثم يحصل اليقين بعدمه، و المفروض في المقام انه لا يقين لنا كذلك و انما لنا يقين بعدم الوجود.

لا يقال: انه اذا كان لنا يقين بعدم الوجود فلنا يقين ايضا بعدم اتصافه، لوضوح انه حيث لا وجود لا اتصاف ايضا.

فانه يقال: ان اليقين بعدم الاتصاف انما هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع، لانه حيث لا وجود لا اتصاف، و اليقين النافع هو اليقين بعدم الوجود المتصف بنحو السالبة بانتفاء المحمول، و المفروض انه لا يقين لنا كذلك حيث لم يكن هذا الوجود المتصف بالتقدّم متحققا ثم عدم، حتى يكون عدمه المتيقن بنحو السالبة بانتفاء المحمول.

فاتضح: انه اذا كان الاثر مرتبا بنحو مفاد كان الناقصة لا يجري الاستصحاب لعدم اليقين السابق، و انه لا فرق بين مجهول التاريخ منهما و معلومه، لفرض عدم اليقين السابق بنحو السالبة بانتفاء المحمول، لا في المجهول و لا في المعلوم.

و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (و اما يكون)) الاثر ( (مترتبا على ما اذا كان متصفا بكذا)) و بهذا اشار الى كون المفاد مفاد كان الناقصة، و اشار الى عدم جريان الاستصحاب لا في المجهول و لا في المعلوم بقوله: ( (فلا مورد للاستصحاب اصلا)) أي انه لا يجري استصحاب العدم في كل منهما ( (لا في مجهول التاريخ و لا في معلومه كما لا يخفى))، و اشار الى الوجه في عدم خفاء ذلك بقوله: ( (لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما)) أي ان الاثر اذا كان بنحو مفاد كان الناقصة فالعدم النافع استصحابه هو العدم الذي سبقه تحقق الوجود الذي له الاتصاف، لانه حينئذ يكون السلب بانتفاء المحمول، و المفروض انه لا يقين لنا بالعدم على هذا النحو، و انما لنا يقين بالعدم من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و هو لا ينفع استصحابه الّا بناء على حجيّة الأصل المثبت.

ص: 261

و إما يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر، فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا، لاتصال زمان شكه بزمان يقينه، دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان، و إنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر (1)، و قد عرفت جريانه فيهما تارة

______________________________

(1) لا يخفى انه اشار الى ما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة، و لم يشر الى ما كان مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس الناقصة، لوضوح الوجه في عدم جريانه و هو عدم اليقين السابق بالعدم المتصف، كما مرّ بيانه في ما كان الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة، و لذلك خصّ الكلام بما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة، و انه يجري استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ منهما دون معلوم التاريخ.

و توضيحه: ان ما مرّ من المانع عن جريان الاستصحاب في العدم بنحو مفاد ليس التامة في مجهولي التاريخ و هو عدم اتصال اليقين بالشك غير جار هنا بالنسبة الى مجهول التاريخ منهما، لاتصال زمان الشك فيه باليقين، لان المفروض في المقام هو كون الاثر مرتبا على عدم احد الحادثين بملاحظة الحادث الآخر، و لما كان زمان الحادث الآخر معلوما كان استصحاب العدم في مجهول التاريخ الى زمان حدوث الحادث المعلوم متصلا بزمان اليقين، فانا لو فرضنا- مثلا- ان موت المورث كان معلوما و هو يوم الجمعة مثلا، فيكون يوم الاربعاء زمان اليقين بعدم الاسلام، و يوم الخميس هو زمان الشك في حدوث الاسلام، لانه يحتمل كون يوم الخميس زمان حدوث الاسلام، و يحتمل كون الاسلام حادثا بعد حدوث الموت المعلوم حدوثه يوم الجمعة، فاستصحاب عدم الاسلام مما بعد يوم الاربعاء الى يوم الجمعة و هو زمان العلم بحدوث الموت يكون متصلا باليقين بعدم الاسلام يوم الاربعاء.

و الحاصل: ان يوم الاربعاء زمان العلم بعدم الاسلام، و يوم الخميس زمان الشك في حدوث الاسلام، فيستصحب عدم الاسلام في يوم الخميس الى يوم الجمعة

ص: 262

.....

______________________________

و هو زمان العلم بموت المورث و يترتب عليه الاثر و هو عدم التوريث، بخلافه في مجهولي التاريخ المتعاقبين فان استصحاب عدم الاسلام الى زمان الموت لا يكون متصلا، لان الموت اذا كان يوم الخميس كان استصحاب عدم الاسلام متصلا، و اذا كان الموت يوم الجمعة فلازمه كون الاسلام في يوم الخميس و يكون حينئذ منفصلا، فالاتصال يكون مشكوكا، و اما في المقام فلان فرض العلم بالموت يوم الجمعة لا يلزمه حدوث الاسلام يوم الخميس، بل المفروض في المقام هو كون الاسلام مشكوكا حدوثه في يوم الخميس، لاحتمال وقوعه فيه و وقوعه بعد حدوث الموت في يوم الجمعة، فيكون زمان الشك فيه متصلا بزمان اليقين، و لذا قال: ( (فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما)) بالخصوص دون معلوم التاريخ ( (كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه دون معلومه)) فانه لا اتصال فيه كما سيأتي بيانه.

و اما في معلوم التاريخ فاستصحاب العدم بالنسبة الى نفس وجوده لا مجرى له لعدم الشك، لفرض كون عدمه قبل زمان العلم بحدوثه معلوما لا مشكوكا، و بعد العلم بحدوثه فوجوده معلوم، فلا شك في نفس عدمه في حال من الاحوال لا قبل العلم بحدوثه للعلم بالعدم، و لا بعد العلم بحدوثه للعلم بالوجود، فالعدم على أي حال لا شك فيه حتى يستصحب.

و اما استصحاب عدمه بالنسبة الى زمان الحادث الآخر، فهو مشكوك في حال العلم بالعدم و في حال العلم بالوجود، فان الموت- مثلا- و ان كان معلوم الحدوث يوم الجمعة، و عدم الموت معلوم يوم الخميس و معلوم العدم في يوم الجمعة و ما بعده، الّا ان عدم الموت في زمان الاسلام مشكوك في يوم الخميس، لاحتمال تأخر الاسلام عن يوم الجمعة، و احتمال تقدّم الاسلام على يوم الجمعة، و مثله الحال في عدم الموت بالنسبة الى زمان الاسلام يوم الجمعة، فان الموت و ان كان معلوم الحدوث يوم الجمعة، الّا ان عدمه في زمان الاسلام مشكوك ايضا، لاحتمال تقدّم الاسلام على يوم الجمعة و احتمال تأخره عنها، لعدم منافاة العلم بزمان الحدوث

ص: 263

.....

______________________________

للجهل بكون حدوثه متقدّما او متأخرا او مقارنا بالنسبة الى الحادث الآخر، الّا انه لا يجري استصحاب عدمه بهذا اللحاظ لعدم اتصال زمان يقينه بالشك فيه، لان الحادث الآخر ان كان زمان حدوثه متقدما على زمان حدوث هذا الحادث المعلوم الحدوث، كان استصحاب عدم تقدّم هذا الحادث المعلوم متصلا، و ان كان زمان حدوث الحادث الآخر متأخرا عن زمان الحادث المعلوم الحدوث، كان استصحاب عدم تقدّم الحادث المعلوم الحدوث الى زمان الحادث الآخر منفصلا بزمان العلم بحدوث الحادث المعلوم زمان حدوثه، فلا يكون استصحاب عدم تقدم الحادث المعلوم محرز الاتصال.

و قد اشار الى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ في عدمه بالنسبة الى وجوده- لانه قبل زمان الحدوث المعلوم العدم معلوم لا مشكوك، و بعد زمان الحدوث المعلوم الوجود معلوم، فعلى أي حال لا شك في عدمه بالنسبة الى وجوده- بقوله: ( (لانتفاء الشك فيه في زمان)) لا في زمان قبل العلم بالحدوث و لا في زمان بعد العلم بالحدوث، و اشار الى عدم جريانه في المعلوم بملاحظة زمان الآخر:

أي ان استصحاب عدم الحادث المعلوم بالنسبة الى زمان الآخر و ان كان مشكوكا لكنه لا يجري لعدم احراز الاتصال بقوله: ( (و انما الشك فيه باضافة زمانه الى)) زمان ( (الآخر)) بضمّ قوله دون معلومه، فان المتحصّل من مجموع عبارته: ان الاثر اذا كان مترتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة، فيما كان احد الحادثين معلوم التاريخ و الثاني مجهول التاريخ، هو جريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ لاحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه، دون معلوم التاريخ لعدم احراز اتصال زمان الشك فيه بزمان اليقين، لان المفروض كون الاثر مرتبا على العدم بملاحظة زمان الآخر، لا على العدم بملاحظة وجوده فانه لا شك فيه في زمان، بخلاف الاثر المرتب على العدم بملاحظة زمان الآخر فان الحادث المعلوم و ان عدمه مشكوك بهذه الملاحظة، الّا انه حيث لا احراز للاتصال فلا يجري الاستصحاب فيه.

ص: 264

و عدم جريانه كذلك أخرى (1).

فانقدح أنه لا فرق بينهما، كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين، و لا بين مجهوله و معلومه في المختلفين، فيما اعتبر في الموضوع

______________________________

(1) هذا معطوف على الفرق بين الحادثين المعلوم تاريخ احدهما في صحة استصحاب العدم فيما كان الاثر مرتبا على العدم بنحو مفاد ليس التامة في خصوص مجهول التاريخ منهما، دون معلوم التاريخ منهما، فبعد ان ذكر الفرق بينهما في هذا الفرض عطف عدم الفرق بين الحادثين المعلوم تاريخ احدهما في غير هذا الفرض من الفرضين المتقدمين و هما: فرض كون الاثر مرتبا على الوجود بنحو كان التامة، فان استصحاب العدم يجري في مجهول التاريخ و معلومه كما مرّ بيانه، و فرض كون الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة، فان استصحاب العدم لا يجري لا في مجهول التاريخ و لا في معلومه، و لذا قال عاطفا لعدم الفرق بينهما على الفرق بينهما ( (و قد عرفت جريانه)) أي قد عرفت جريان استصحاب العدم ( (فيهما)) أي في الحادثين المعلوم تاريخ احدهما ( (تارة)) و ذلك فيما كان الاثر مترتبا على الوجود بنحو مفاد كان التامة، فان استصحاب العدم يجري في كلّ من الحادثين من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما و معلومه ( (و عدم جريانه)) أي و قد عرفت عدم جريان استصحاب العدم ( (كذلك)) أي لا في مجهول التاريخ و لا في معلومه ( (اخرى)) و ذلك فيما كان الاثر مرتبا على الوجود بنحو مفاد كان الناقصة، فانه لا يجري الاستصحاب لا في مجهول التاريخ منهما و لا في معلومه كما مرّ بيانه ايضا.

ص: 265

خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم، أو أحد ضدّيه و شك فيها، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) ظاهر هذا الانقداح انه لازم ما مرّ بيانه، و هو اشارة ايضا الى التعريض بالشيخ الاعظم في رسائله، حيث انه في المختلفين: أي ما اذا كان احدهما معلوم التاريخ و الثاني مجهول التاريخ قال بجريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ دون معلومه، سواء كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي أو العدم التامّي.

و توضيح الحال: انه قد مرّ انه فيما كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي يجري استصحاب العدم في مجهولي التاريخ و في المختلفين، من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما و معلوم التاريخ، و فيما كان الاثر مرتبا على الوجود الناقصي لا يجري الاستصحاب لا في مجهولي التاريخ و لا في المختلفين، من دون فرق بين مجهول التاريخ منهما و معلومه.

و فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم الناقصي لا يجري الاستصحاب ايضا سواء في مجهولي التاريخ أو في المختلفين، من دون فرق ايضا بين مجهول التاريخ و معلوم التاريخ.

نعم فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم التامّي فانه لا يجري الاستصحاب في مجهولي التاريخ لعدم احراز الاتصال، و في المختلفين يجري الاستصحاب في مجهول التاريخ منهما لاحراز الاتصال، و في معلوم التاريخ لا يجري لعدم احراز الاتصال.

و مما ذكرنا ظهر نتيجة ما مرّ من الكلام، و ظهر ايضا التعرّض للشيخ لاختياره عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ مطلقا، و قد عرفت جريان الاستصحاب فيه فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي، و لا يجري الاستصحاب لا في المجهول منهما و لا في معلومه فيما اذا كان الاثر مرتبا على الوجود الناقصي، و لا يجري الاستصحاب فيهما- أيضا- فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم الناقصي.

و لا فرق بين مجهول التاريخ و معلومه الّا فيما اذا كان الاثر مرتبا على العدم التامّي،

ص: 266

كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان كالطهارة و النجاسة، و شك في ثبوتهما و انتفائهما، للشك في المقدّم و المؤخّر منهما، و ذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما، و ترددها بين الحالتين، و أنه ليس من تعارض الاستصحابين، فافهم و تأمل في المقام فإنه دقيق (1).

______________________________

فانه يجري الاستصحاب في خصوص مجهول التاريخ دون معلومه، لاحراز الاتصال في الاول دون الثاني. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (فانقدح انه لا فرق بينهما)) أي قد ظهر مما مرّ عدم الفرق بين الحادثين اللذين علم عدم تحققهما في زمان ثم علم بتحققهما في زمانين سواء ( (كان الحادثان مجهولي التاريخ او كانا مختلفين)) فكونهما مختلفين في كون احدهما مجهولا و الآخر معلوم التاريخ لا يوجب فرقا بينهما مطلقا كما عرفت، ثم اشار الى جريان الاستصحاب في المجهول و المعلوم بقوله: ( (و لا بين مجهوله و معلومه في المختلفين)) في كون احدهما مجهول التاريخ و الآخر معلوم التاريخ، فانه يجري الاستصحاب في عدم كلّ منهما فيما كان الاثر مرتبا على الوجود التامّي، و هذا هو مراده من قوله: ( (فيما اعتبر في الموضوع)) أي في الوجود ( (خصوصيّة ناشئة من)) ملاحظة ( (اضافة احدهما الى الآخر بحسب الزمان من التقدم)) في الوجود بحسب الزمان على وجود الآخر ( (او احد ضدّيه)) أي احد ضدّي التقدم من التأخر و التقارن ( (و شك فيها)) أي و شك في تحقق تلك الخصوصية الماخوذة بنحو مفاد كان التامة في التقدم او التأخر او التقارن، فقد عرفت جريان الاستصحاب في عدم كل من مجهول التاريخ و معلومه.

(1)

تعاقب الحالتين المتضادتين

توضيحه: انه فيما تعاقب حالتان متضادتان، بان نعلم بتعاقب موجودين كان لازم وجود كل واحد منهما ارتفاع الآخر، كالطهارة- بمعنى النظافة- و النجاسة، او كالطهارة- بمعنى النور الحاصل من الوضوء أو الغسل- و الحدث الاصغر مثلا الموجب لارتفاع اثر الوضوء و الغسل فيما شرط باحدهما كالصلاة.

ص: 267

.....

______________________________

و لا يخفى ان مورد الاستصحاب في المقام هو استصحاب الوجود في كلّ منهما، لا استصحاب العدم في كل منهما لانا نفرض ان هناك ساعة اولى و فيها لا يعقل فرض اليقين بعدمهما معا، الّا اذا قلنا بامكان ان يكون هناك شي ء لا طاهر و لا نجس، و امكان ان يكون شخص لا متطهر و لا محدث، و عليه فلا بد في هذه الساعة الاولى اما من اليقين باحدهما او عدم اليقين بهما، لامكان ان يجهل الحالة بالنسبة الى الشي ء فلا يكون هناك يقين لا بطهارته و لا بنجاسته، و ان يجهل الشخص حالة نفسه فلا يكون له يقين لا بكونه متطهرا و لا بكونه محدثا، و في فرض عدم اليقين بهما لا مجال لتوهّم الاستصحاب لعدم اليقين، و في فرض اليقين بعدم احدهما لازمه فرض اليقين بوجود الآخر، فلا يكون في الساعة الاولى فرض اليقين بعدمهما معا، و على فرض امكان ان يكون هناك شي ء لا طاهر و لا نجس، و امكان ان يكون شخص لا متطهر و لا محدث، فائضا لا يجري استصحاب العدم في كل منهما، لان المفروض ان الكلام في الحادثين المتعاقبين، و لازم هذا الفرض انه لنا ساعة ثانية: هي زمان العلم بحدوث احدهما اجمالا بلا تعيين، و ساعة ثالثة: هي زمان حدوث الثاني منهما اجمالا من غير تعيين ايضا، و ساعة رابعة: هي زمان الشك في بقاء كلّ منهما، لانه ان كان الحادث في الساعة الثانية هي الطهارة فلازمه كون الحادث في الساعة الثالثة هي النجاسة، و ان كان الحادث في الساعة الثانية هي النجاسة فلازمه كون الحادث في الثالثة هي الطهارة، و حيث لا علم لنا تفصيلا بالحادث في الساعة الثانية فلازم ذلك الشك في بقاء كلّ منهما في الساعة الرابعة، لانه اذا كان الحادث في الساعة الثانية هي الطهارة فيكون الباقي في الساعة الرابعة هي النجاسة، و ان كان الحادث في الساعة الثانية هي النجاسة فيكون الباقي في الساعة الرابعة هي الطهارة، و حيث لا علم لنا تفصيلا بما هو الحادث فلازمه الشك في بقاء كلّ منهما في الساعة الرابعة.

ص: 268

.....

______________________________

فاذا عرفت هذا ... تعرف انه لا مجال لاستصحاب العدم في كلّ منهما و جرّه الى الساعة الرابعة، لوضوح العلم بالانتقاض لفرض تحقق كل منهما ... و لا مجال ايضا لاستصحاب العدم بالنسبة الى كلّ منهما في غير الساعة الاولى، لعدم العلم بالعدم بالنسبة الى كلّ من الحادثين بعد فرض العلم الاجمالي بتعاقبهما، فان المعدوم هو الموجود اولا في الساعة الثانية، و الباقي هو الموجود في الساعة الثالثة.

فاتضح مما ذكرنا: انه لا مجال لاستصحاب العدم في الحادثين المتضادين اللازم ارتفاع احدهما عند وجود الآخر.

و الكلام انما هو في استصحاب الوجود بالنسبة الى كل واحد من الحادثين، لانه بعد ان علم اجمالا بوجودهما متعاقبين فقد علم بوجود احدهما في ساعة متقدمة، و علم بوجود الثاني في الساعة التي تلي هذه الساعة المتقدمة، و في الساعة المتأخرة عن هاتين الساعتين يشك في كل منهما لعدم العلم التفصيلي بما هو المتقدم منهما و المتأخر، فلذا كان كل واحد منهما يحتمل ان يكون هو الموجود في الساعة المتأخرة، و يحتمل ان يكون الموجود طرفه و هو الحادث الآخر، لانه اذا كانت الطهارة هي المتقدمة في الوجود كان الموجود في الساعة التالية هي النجاسة، و هي تكون الموجودة فعلا في الساعة المتأخرة عن الساعتين، و ان كانت النجاسة هي المتقدمة في الوجود كان الموجود في الساعة التالية هي الطهارة، و هي تكون الموجودة في الساعة المتأخرة عن الساعتين، و حيث لا يعلم بما هو المتقدم منهما و المتأخرة كان كل من الطهارة و النجاسة مشكوكا في الساعة المتأخرة عن الساعتين.

و مختار المصنف عدم جريان الاستصحاب فيهما، لا انه يجري و يتساقط بالمعارضة، لان وجود كل منهما و ان كان متيقنا و مشكوكا، إلّا انه لم يحرز هنا اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك، كما انه في المسألة السابقة و هي استصحاب العدم التامي فيما كان موضوع الاثر هو العدم لم يحرز اتصال زمان المشكوك بالمتيقن، لوضوح ان زمان المشكوك هنا معلوم و هو الساعة المتأخرة الواقعة بعد

ص: 269

.....

______________________________

الساعتين، لانا نفرض في المقام ان لنا ثلاث ساعات: الساعة الاولى و هي زمان حدوث الحادث الاول من هذين الحادثين، و الساعة الثانية و هي زمان حدوث الحادث الثاني منهما، و الساعة الثالثة و هي زمان الشك في بقاء كل واحد من الحادثين، فانه في هذه الساعة الثالثة يكون كل من الحادثين المتعاقبين مشكوكا، و لكن المتيقن المستصحب ان كان هو الحادث ثانيا في الساعة الثانية التي هي قبل هذه الساعة الثالثة المتأخرة كان متصلا بزمان المشكوك، و ان كان المتيقن المستصحب هو الحادث اولا في الساعة الاولى، و عليه فلا بد و ان يكون الحادث بعده هو ضده الذي لازمه ارتفاع الحادث الاول عند حدوث هذا الضد، فلا يكون المتيقن المستصحب متصلا بالمشكوك لارتفاعه بحدوث ضده، فلا يكون الاستصحاب جاريا لعدم احراز اتصال المتيقن بالمشكوك، فلا استصحاب الطهارة المتيقنة اجمالا جار، و لا استصحاب النجاسة المتيقنة اجمالا جار، لاحتمال كون كل منهما هو الحادث اولا فلا يكون زمان المتيقن في كل منهما محرز الاتصال بالمشكوك، لاحتمال انفصال زمان المتيقن في كل منهما عن الزمان الاخير الذي هو زمان المشكوك.

و مما ذكرنا يظهر: ان غير المحرز الاتصال في المقام هو المتيقن، لان زمان المشكوك هنا معلوم و هو بقاء وجود الحادث في الساعة الثالثة، و لكن زمان المتيقن و هو وجود الحادث في احد الساعتين المتقدمتين محتمل اتصاله به و محتمل انفصاله عنه، بخلافه في المسألة المتقدمة و هو استصحاب العدم التامي فان زمان المتيقن هناك معلوم و هو الزمان الاول قبل العلم بحدوث الحادثين المتعاقبين، فانه في هذا الزمان العدم بكل من الحادثين معلوم و هو المتيقن، و زمان العدم المشكوك فيه غير محرز الاتصال، لاحتمال فصل وجود الحادث بين زمان هذا العدم المعلوم و بين زمان المشكوك كما تقدم بيانه.

و على كل فقد اتضح ان استصحاب الوجود المعلوم اجمالا لا يجري لعدم احراز اتصال زمان هذا المتيقن الوجود اجمالا غير المعلوم زمانه بزمان الوجود المشكوك

ص: 270

الثاني عشر: إنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الاحكام الفرعية، أو الموضوعات الصرفة الخارجية (1)، أو اللغوية إذا كانت ذات احكام شرعية (2).

______________________________

المعلوم زمانه. و قد اشار الى هذا بقوله: ( (كما انقدح)) مما مرّ بيانه في عدم جريان الاستصحاب في العدم التامّي لعدم احراز الاتصال اللازم احرازه في جريان الاستصحاب، فمن هذا الشرط انقدح ( (انه لا مورد للاستصحاب)) لان الاتصال غير محرز ( (ايضا فيما تعاقب حالتان متضادتان)) يلازم وجود كل منهما ارتفاع الآخر ( (كالطهارة و النجاسة)) و الطهارة و الحدث ( (و)) ذلك فيما اذا ( (شك في ثبوتهما و انتفائهما)) في الساعة الثالثة ( (للشك في)) ما هو ( (المقدّم)) منهما ( (و المؤخر منهما و ذلك لعدم احراز)) الشرط لجريان الاستصحاب في ( (الحالة السابقة المتيقنة)) و هو كون تلك الحالة السابقة المتيقنة اجمالا هي ( (المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما و)) ذلك لوضوح ( (تردّدها بين الحالتين)) كما مرّ بيانه ( (و)) قد ظهر ( (انه ليس)) المقام ( (من تعارض الاستصحابين)).

(1)

الثاني عشر: استصحاب الامور الاعتقادية
اشارة

هذا التنبيه لبيان ان الاستصحاب يجري في الامور الاعتقادية كما يجري في غيرها، و لذا اشار اولا الى جريانه في غير الامور الاعتقادية حيث يكون المستصحب مما يرتبط بالشارع، سواء كان بنفسه مجعولا و اثرا شرعيا كالحكم كنفس الوجوب او الحرمة، او كان موضوعا له اثر مجعول شرعي كالماء و الخمر، لما عرفت من ان ما لا يرتبط بالشارع لا يجري فيه الاستصحاب، و لذا قال (قدس سره): ( (انه قد عرفت ان مورد الاستصحاب ... الى آخر الجملة)).

(2) يحتمل ان يكون مراده من الموضوع اللغوي في قبال الموضوعات الصرفة الخارجية، هو مثل الصعيد في ان المراد منه يتوقف على مراجعة اللغة في انه هل هو

ص: 271

و أما الامور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا (1) هو الانقياد و التسليم و الاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختيارية (2)، فكذا لا إشكال في الاستصحاب

______________________________

مطلق وجه الارض او خصوص التراب منه، بخلاف مثل الماء فانه لا يحتاج فهم المراد منه الى اللغة.

و يحتمل ان يكون المراد من الموضوع اللغوي هو كون المستصحب نفس الظهور اللغوي، و ذلك فيما كان للفظ ظهور في معنى ثم شك في الظهور لاحتمال النقل، فانه لا مانع من استصحاب نفس ذلك الظهور لانه موضوع لحكم شرعي و هو حجية الظهور، بخلاف الموضوعات الصرفة الخارجية فان الشك فيها من ناحية وجودها لا من جهة ظهورها.

(1) الامور الاعتقادية هي الامور التي تكون من عمل الجوانح، في قبال غيرها من الامور التي تكون من عمل الجوارح، مثل الصلاة و الشرب فان الصلاة و الشرب من اعمال الجوارح، لان الصلاة- مثلا- التي هي عبارة عن القراءة و الركوع و السجود و بقية اجزائها مما تقوم بها جوارح المكلف، و كذلك الشرب فانه مما تقوم به جوارح المكلف، بخلاف مثل الامامة و النبوة و تفاصيل الحشر يوم القيامة فان المهمّ فيها مما تقوم به جوانح المكلف، لان المهمّ فيها هو وجوب معرفتها و عقد القلب عليها و هما من عمل الجوانح دون الجوارح.

(2) لا يخفى ان ما ذكره من التسليم و الانقياد و الاعتقاد انما هو لبيان ما يمتاز به العلم الجانحي عن العمل الجارحي، و ان المهمّ في الامور الاعتقادية هو غير المهمّ في غيرها من الامور التي تقوم بها جوارح المكلف.

و توضيحه: ان التسليم و الانقياد ان كان هو التسليم و الانقياد لمن ايقن بامامته او نبوته فهما من لوازم المعرفة، و ان كان هو التسليم و الانقياد لمن عقد قلبه على امامته او نبوته فهما من لوازم عقد القلب، فاتضح ان الاثر المهمّ في الامور الاعتقادية

ص: 272

.....

______________________________

امران: وجوب المعرفة، و وجوب عقد القلب، و قد عرفت في دليل الانسداد ان عقد القلب عمل من اعمال القلب الاختيارية بذاته، فان اليقين و ان كان اختياريا لكنه ليس بذاته بل بمقدماته، أي من ليس له يقين يمكن ان يبحث فيحصل له اليقين من مقدمات تستلزم اليقين، و بعد تمامية مقدمات اليقين فاليقين لا يكون اختياريا، بخلاف عقد القلب فانه بذاته اختياري لانه مع فرض تأتّيه من غير المتيقن كالظان و الشاك فاختياريته واضحة، و مع فرض ملازمته لليقين فهو أيضا اختياري، لامكان ان يحصل اليقين للشخص و لا يعقد قلبه على ما يتيقن به، كما هو فعل الكفار المستيقنين بنبوة النبي الجاحدين لها.

فظهر مما ذكرنا: ان عقد القلب هو غير اليقين و هو مقابل للجحود كما تشير اليه الآية الكريمة و هي قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ 19] فان الآية قد دلّت على ان الكفار قد ايقنوا و لكنهم جحدوا، و الجحود هو اظهار الانكار و عدم اليقين و هو لازم عدم عقد القلب، لوضوح ان من عقد قلبه على إمامة الامام و نبوة النبي لا يكون مظهرا لانكار امامته او نبوته.

بقي شي ء و هو ان عقد القلب و ان كان غير اليقين، و لكنه هل يلازم اليقين بحيث لا يتأتى عقد القلب من الظان و الشاك، او انه لا يلازم اليقين و يتأتى من الظان و الشاك؟

و يظهر من المصنف انه لا يلازم اليقين لما ذهب اليه من جريان الاستصحاب فيما كان المهم هو عقد القلب و عدم جريانه فيما كان المهم هو المعرفة، فانه لو كان عقد القلب مما يلازم اليقين لكان مما لا يتأتى من الظان و الشاك، و عليه فلا يمكن ان يكون موردا للتعبّد الاستصحابي لان الاستصحاب تعبّد للشاك، فاذا كان عقد القلب لا يتأتى من الشاك فلا يعقل ان يكون موردا لوجوب التعبد به في حال الشك.

ص: 273

فيها حكما و كذا موضوعا (1)، فيما كان هناك يقين سابق و شك

______________________________

و قد ظهر مما ذكرنا: ان الاثر المهم في الاعتقاديات امران: هما عقد القلب، و المعرفة، و التسليم و الانقياد فهما: اما من لوازم عقد القلب كما هو ظاهر المتن لذكره لهما في مورد ما كان المهم عقد القلب في قبال ما كان الاثر المهم فيه هو المعرفة، او من لوازم المعرفة كما هو رأي من يرى ان عقد القلب و ان كان امرا اختياريا غير المعرفة إلّا انه ملازم لليقين، فانه على هذا تكون هذه الامور من التسليم و الانقياد من لوازم عقد القلب الملازم للمعرفة التي لا مجال لها الا لمن له يقين. و قد اشار الى كون عقد القلب في قبال المعرفة بقوله: ( (و الاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها و هو من الاعمال القلبية الاختيارية)) بذاته لا كاليقين فانه اختياري بمقدماته لا بذاته كما مر بيانه.

(1) الكلام في مقامين: المقام الاول: في شمول دليل الاستصحاب للامور الاعتقادية، و لا ريب في وجود المقتضي و عدم المانع، اما وجود المقتضي فهو شمول دليل الاستصحاب لما يرتبط بالشارع، و بعد ان كانت تلك الامور موضوعا للحكم الشرعي فيجري الاستصحاب فيها موضوعا و حكما، فيما اذا تحقق فيهما اليقين السابق و الشك اللاحق، و اما عدم المانع فلان ما يتوهم كونه مانعا ليس هو إلّا كونها من اصول الدين بحسب الاصطلاح، و الاستصحاب اصل عملي يختص بالعمل في الفروع، و ظاهر العمل هو العمل بالجوارح دون العمل الجانحي، و هو توهم فاسد، فان جعلها بحسب الاصطلاح من اصول الدين لا يمنع بعد شمول دليل الاستصحاب لكل ما يرتبط بالشارع و كانت هذه الامور الاعتقادية مما يرتبط بالشارع، لانه لها احكام شرعية كوجوب تحصيل العلم بها و وجوب عقد القلب عليها، و المراد من كون الاستصحاب اصلا عمليا هو كونه مرجعا للشاك في قبال الامارة التي لسانها ان مؤداها هو الواقع، فلا مانع من شمول دليل الاستصحاب لها، كما ان المقتضي لشموله لها موجود كما عرفت من اطلاق دلالته لكل ما يرتبط بالشارع.

ص: 274

لاحق (1)، لصحة التنزيل و عموم الدليل، و كونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا، قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات،

______________________________

فاتضح: ان كونها بحسب الاصطلاح من اصول الدين لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها، بعد ان كان المستفاد من دليل الاستصحاب شموله لما يرتبط بالشارع سواء كان بنفسه مجعولا شرعيا كحكم هذه الامور الاعتقادية، او كان موضوعا للحكم الشرعي كالموضوع في هذه الامور الاعتقادية، و لذا قال (قدس سره): ( (فكذا لا اشكال في الاستصحاب فيها)) أي لا اشكال في جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية ( (حكما و كذا موضوعا فيما)) اذا تحققت اركان الاستصحاب من اليقين السابق و الشك اللاحق.

(1) توضيحه: ان الامور الاعتقادية التي يشير اليها في العبارة ثلاثة: الامامة و النبوة و تفاصيل الحشر، و المراد بالحشر ما بعد الموت من عالم البرزخ و عالم المعاد يوم جمع الخلائق كلهم للحساب، و هذه الثلاثة هي الموضوع للحكم الشرعي الذي قد عرفت انه امران وجوب عقد القلب، و وجوب تحصيل المعرفة و اليقين.

و لا يخفى ان هذا هو المقام الثاني للكلام، و هو ما يجري فيه الاستصحاب في الامور الاعتقادية من حكمها و موضوعها، و حيث عرفت ان لها حكمين وجوب عقد القلب و وجوب المعرفة، لذلك تكلم المصنف في جريان الاستصحاب في ثلاثة مواضع:

الاول: في استصحاب الحكم في وجوب عقد القلب.

و الثاني: في جريانه في استصحاب الحكم بالنسبة الى وجوب المعرفة.

و الثالث: في استصحاب الموضوع.

اما كلام المصنف في الموضع الاول و هو استصحاب وجوب عقد القلب، فانه بعد ان فسر الاعتقاد بمعنى عقد القلب قال: فكذا لا اشكال في الاستصحاب فيها حكما، ثم تكلم في الموضع الثاني في قوله: و اما التي كان المهم فيها شرعا و عقلا هو

ص: 275

.....

______________________________

القطع، و تكلم في الموضع الثالث و هو استصحاب الموضوع في قوله: و اما لو شك في حياة امام زمانه.

و لمزيد التوضيح نقول: انه قد استشكل في جريان الاستصحاب في الحكم بالنسبة الى هذه الثلاثة، لان الحكم فيها هو وجوب المعرفة و وجوب عقد القلب، و لا اشكال في وجوب معرفة النبي و الامام و وجوب عقد القلب عليهما، و لا يشك في وجوب معرفتهما و لا في وجوب عقد القلب عليهما في زمان من الازمنة اللاحقة حتى يكون موردا لجريان الاستصحاب الحكمي بالنسبة الى النبوة و الامامة. و اما بالنسبة الى تفاصيل الحشر فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة و عقد القلب عليها ان قام الدليل على وجوب المعرفة في تفاصيل الحشر، لوضوح انه بعد قيام الدليل الشرعي على وجوب معرفة تفاصيل الحشر و عقد القلب عليها لا يشك في هذا الوجوب في زمان لاحق حتى يستصحب، و لكنه يمكن جريان الاستصحاب في عدم وجوب المعرفة و وجوب عقد القلب بالنسبة الى بعض تفاصيل الحشر، لانه قبل قيام الشريعة و في اول قيامها كان هناك يقين بعدم وجوب معرفة هذه التفاصيل الراجعة الى الحشر و بعدم وجوب عقد القلب عليها، و بعد قيام الشريعة يشك في بقاء عدم هذا الوجوب فيستصحب.

و لا يخفى انه يظهر من المصنف جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر، لانه قال في عبارته الآتية ( (و يجري حكما فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشي ء كتفاصيل القيامة في زمان و شك في بقاء وجوبه يستصحب)) لكنه مجرد فرض، لوضوح ان وجوب معرفة تفاصيل الحشر سواء كان عقليا او شرعيا لا مجال للشك في هذا الوجوب الا لاجل خلل في الدليل القائم عليه، و مع الشك في الدليل القائم عليه يكون الشك اللاحق من الشك الساري، و هو مورد قاعدة اليقين دون الاستصحاب، و حيث لا دليل على حجية قاعدة اليقين فلا مجال للتعبد بالشك في الوجوب فيها، ففرض جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة

ص: 276

فيعم العمل بالجوانح كالجوارح (1)، و أما التي كان المهم فيها شرعا و عقلا هو القطع بها و معرفتها، فلا مجال له موضوعا و يجري حكما، فلو كان

______________________________

بالنسبة الى تفاصيل الحشر بفرض الشك اللاحق غير الساري يستلزم قيام الدليل على وجوب المعرفة في زمان خاص، و بعد انقضائه يشك في بقاء الوجوب في الزمان الذي يليه و حينئذ يجري الاستصحاب، و لكن هذا مجرد فرض.

و اما الاستصحاب الموضوعي فله مجال بالنسبة الى الامامة و النبوة، و ذلك فيما اذا شك في حياة الامام أو النبي، لانه لا اشكال في وجوب معرفة الامام و النبي في حال حياتهما، فاذا شك في حياتهما يشك في بقاء وجوب المعرفة و وجوب عقد القلب بالنسبة اليهما في بقاء الموضوع. و سيأتي الكلام في ذلك مفصلا.

و مما ذكرنا يظهر: انه لا مجال للشك الموضوعي بالنسبة الى تفاصيل الحشر، لان الشك الموضوعي منشؤه الشك في الحياة و الموت، و لا مجال للحياة و الموت بالنسبة الى تفاصيل الحشر، و هو واضح.

(1) يشير بهذه العبارة الى وجود المقتضي و عدم المانع، اما الى وجود المقتضي فبقوله:

( (لصحة التنزيل و عموم الدليل)) فان المقتضي لشمول دليل الاستصحاب هو كون المستصحب مما يصح تنزيله- و ذلك بان يكون اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي، و الامور الاعتقادية موضوعات لاحكام شرعية- و وجود اطلاق في دليل الاستصحاب بحيث يكون شاملا لمورد الاستصحاب، و من الواضح وجود الاطلاق في دليل الاستصحاب الشامل للامور الاعتقادية، فان قوله لا تنقض اليقين بالشك يدل باطلاقه على عدم جواز نقض اليقين بالشك، سواء متعلق اليقين و الشك هو العمل بالجوارح او العمل بالجوانح. و قد اشار الى كون المستصحب في الامور الاعتقادية مما يصح تنزيله بقوله: ( (لصحة التنزيل)) و اشار الى وجود الاطلاق في دليل الاستصحاب بقوله: ( (و عموم الدليل)). و قد اشار الى المانع المتوهم بقوله:

( (و كونه اصلا عمليا)) بتوهم ان الاستصحاب من الاصول العملية، و المراد من

ص: 277

متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشي ء- كتفاصيل القيامة- في زمان و شك في بقاء وجوبه، يستصحب (1).

______________________________

العمل المنسوب اليه الاصول هو العمل الجارحي لا العمل الجانحي، و اشار الى دفعه في ان المراد من كونه اصلا عمليا ليس لبيان كونه بإزاء العمل الجانحي، بل المراد منه كونه في قبال الامارة التي كان لسانها لسان المؤدى فيها هو الواقع، بخلاف الاستصحاب و ساير الاصول فانها مرجع للشاك و جعل الوظيفة للمكلف في مقام الشك، لا ان مؤدى الاصول هو الواقع بقوله: ( (انما هو بمعنى انه)) اصل عملي يكون مؤداها ( (وظيفة الشاك تعبدا)) في مقام الشك، لا لان مؤداها هو الواقع ( (قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات)) التي لازم ذلك كون مؤداها هو الواقع ( (ف)) حينئذ بعد وجود المقتضي و عدم المانع لا بد ان ( (يعم)) دليل الاستصحاب ( (العمل بالجوانح)) و هو مورد الامور الاعتقادية ( (كالجوارح)) الذي هو مورد الامور غير الاعتقادية.

(1) هذا هو الكلام في الموضع الثاني و هو جريان الاستصحاب في الحكم بالنسبة الى وجوب المعرفة، و قد عرفت انه لا مجال له في النبوة و الامامة، لانه بعد حصول القطع بهما و معرفتهما يقينا لا يشك في ذلك في زمان لاحق حتى يتأتى جريان الاستصحاب، و اما الشك في وجوب المعرفة للشك في الموضوع من جهة الشك في حياة النبي و الامام فسيأتي الكلام فيه.

فاتضح: ان جريان الاستصحاب في نفس وجوب المعرفة مع العلم ببقاء الموضوع و هو حياة النبي و الامام لا مجال له لعدم الشك في ذلك.

و اما الشك في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر فقد عرفت- ايضا- انه لا مجال للاستصحاب أيضا في نفس وجوب المعرفة، لعدم الشك- ايضا- بنحو الشك اللاحق، لانه بعد قيام الدليل على وجوب المعرفة و تحصيل القطع و المعرفة بها

ص: 278

و أما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب، لاجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع امكانه، و لا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا (1)، إلا إذا

______________________________

لا يشك في ذلك في زمان لاحق حتى يستصحب و يجري الاستصحاب في عدم وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر.

نعم يمكن فرض الشك بنحو الشك الساري و هو غير الاستصحاب كما عرفت، و لكنه يظهر من المصنف جريان الاستصحاب في وجوب المعرفة بالنسبة الى تفاصيل الحشر، و لذا قال (قدس سره): ( (و اما التي كان المهم فيها شرعا و عقلا هو القطع بها و معرفتها فلا مجال له موضوعا)) بالنسبة الى تفاصيل الحشر، لان الشك في الموضوع انما هو من اجل الشك في حياة الموضوع، فلذلك كان لا مجال له بالنسبة الى تفاصيل الحشر لانه ليس لها حياة و لا موت ( (و)) لكنه ( (يجري)) الاستصحاب بالنسبة الى تفاصيل الحشر ( (حكما فلو كان متيقنا)) بالبناء للفاعل ( (بوجوب تحصيل القطع بشي ء كتفاصيل القيامة في زمان و)) في زمان لاحق ( (شك في بقاء وجوبه يستصحب)) و لكن قد عرفت ان الجاري فيها استصحاب عدم الوجوب لا استصحاب الوجوب.

(1) هذا هو الموضع الثالث و هو جريان الاستصحاب في الموضوع لاجل ترتب الحكم، فانه اذا شك في حياة الامام عليه السّلام فلازمه الشك في وجوب عقد القلب و الشك في وجوب معرفته بشخصه، و هذان هما الحكمان المترتبان على ما هو الموضوع لهما و هو الامام.

و توضيح الحال في ذلك بحيث يتبين ما هو مجرى للاستصحاب و ما ليس مجرى للاستصحاب ان نقول: ان الامامة هي بمعنيين: الاول: كون الذات المقدسة الخاصة بالغة حد الكمال في ذاتها بحيث تكون من الانوار المحدقة بعرش ربها تعالى اسمه، و الامامة بهذا المعنى مما لا يكون الشك في حياتها موجبا للشك في عقد القلب عليها

ص: 279

.....

______________________________

و لا للشك في وجوب معرفتها، فان كون النفس في هذه الدرجة مما لا يختلف حالها في الحياة و الموت و هي حية من حين خلقها الى الابد، فيجب عقد القلب على هذه الامامة و يجب معرفتها، و لا يكون الشك في حياة الامام موجبا للشك في الحكم الذي موضوعه هو الامامة بهذا المعنى.

الثاني من معنى الامامة هو ان يكون الامام رئيسا للناس يتصرف تصرفا خارجيا في امور معاشهم و معادهم، و الامامة بهذا المعنى من المناصب الالهية المجعولة، و الامامة بالمعنى الاول تكون لشخصين في زمان واحد، و اما الامامة بهذا المعنى الثاني فلا تكون الا لواحد منهما، فليس لعلي بن الحسين عليه السّلام- مثلا- في وجود الحسين عليه السّلام الرئاسة التي من شئونها التصرف في امور الناس، و اما كون علي بن الحسين عليه السّلام ذاتا بالغة حد الكمال فانها كذلك في حال حياة الحسين عليه السّلام، و الامامة بهذا المعنى الثاني هي التي يكون الشك في حياة الامام موجبا للشك في الحكم المرتب على حياته، و قد عرفت فيما مر ان للامامة حكمين: وجوب عقد القلب، و وجوب معرفته، اما بالنسبة الى وجوب عقد القلب فحيث عرفت ان عقد القلب من الامور الاختيارية المقدورة للمكلف في حال شكه و ظنه و قطعه، ففي حال الشك في حياة الامام لا مانع من جريان الاستصحاب في حياة الامام التي هي الموضوع لحكم وجوب عقد القلب، فنستصحب حياته فيما اذا شك في موته، و يترتب على هذا الاستصحاب الموضوعي وجوب عقد القلب على إمامة الامام الذي شك في حياته لاجل الاستصحاب الجاري الملزم بالتعبد بحياته لان يعقد القلب على امامته.

إلّا ان يقال: انه لا فائدة في هذا الاستصحاب- ايضا- لانه بعد ان كان للامامة اثر آخر غير عقد القلب و هو وجوب تحصيل معرفته و العلم بامامته بالعقل المتوقف هذا الاثر على لزوم تحصيل القطع بحياته، فلا ينفع الاستصحاب بالنسبة الى عقد القلب في مقام الشك في حياته، لعدم الاكتفاء بعقد القلب على حياته في مقام

ص: 280

.....

______________________________

الشك، بل لا بد من تحصيل القطع بالحياة مقدمة للعلم بمعرفة الامام بالفعل، كما ستأتي الاشارة اليه عنه شرح قول المصنف ( (إلّا اذا كان حجة من باب افادته الظن و كان المورد مما يكتفى به ايضا)).

و اما بالنسبة الى وجوب معرفته فلا وجه لجريان الاستصحاب فيما اذا شك في حياة الامام لاجل ان يترتب عليه وجوب معرفته لمنافاة هذا الحكم للاستصحاب.

و توضيح ذلك: انه بعد ان كان المراد من الامامة هي الرئاسة التي من شئونها التصرف الخارجي في امور الناس، و لما كان لا معنى لجعل هذه الرئاسة لغير الامام الحي، فعلى هذا فمعنى وجوب معرفة الامام بهذا المعنى الثاني لازمها وجوب تحصيل اليقين بحياته، و اذا كان يجب تحصيل اليقين بحياة الامام فلا يكون وجه لجريان الاستصحاب للتعبد بحياة الامام لاجل حكم وجوب المعرفة، لان وجوب تحصيل العلم بحياة الامام ينافي الشك في حياته، فجريان الاستصحاب في الحياة ينافي الحكم بوجوب المعرفة بالحياة.

فاتضح: انه لا يجري الاستصحاب الموضوعي في الامامة لاجل ترتب حكم وجوب معرفة الامام. و قد اشار الى جريان الاستصحاب الموضوعي في الامامة بالنسبة الى وجوب عقد القلب فيما سبق بقوله: ( (و كذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق و شك لاحق))، و اشار الى عدم جريان الاستصحاب الموضوعي في حياة الامام بالنسبة الى وجوب المعرفة ( (و اما لو شك في حياة امام زمان مثلا فلا يستصحب)) حياة امام الزمان عند الشك في موته ( (لاجل ترتيب لزوم معرفة امام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته او حياته مع امكانه)) و مع عدم امكان تحصيل العلم بالحياة لا يجب تحصيل العلم بالحياة لاشتراط كل تكليف بالقدرة، و مع عدم امكان تحصيل العلم لا قدرة. و اشار الى الوجه في عدم جريان الاستصحاب الموضوعي لاجل وجوب المعرفة في مثل الامامة بقوله: ( (و لا يكاد يجدي)) الاستصحاب الموضوعي في حياة الامام ( (في)) ما اذا كان الحكم ( (مثل وجوب

ص: 281

كان حجة من باب إفادته الظن و كان المورد مما يكتفى به أيضا (1)، فالاعتقاديات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في

______________________________

المعرفة عقلا أو شرعا)) لما عرفت من ان معنى وجوب المعرفة هو وجوب معرفة حياة الامام و موته، فاذا وجب تحصيل العلم بحياة الامام فانه ينافي هذا الوجوب التعبد الاستصحابي بالحياة، لان الحكم الاستصحابي هو التعبد في حال الشك، فاذا كان يجب ازالة الشك و تحصيل اليقين فلا يكون مورد للدليل الدال على التعبد بالحكم في مقام الشك، لوضوح المنافاة بين ما دل على وجوب تحصيل العلم بالحياة و وجوب ازالة الشك في الحياة، و بين ما يدل بعمومه على التعبد بالحكم للمشكوك في حال الشك فيه، فانه انما يشمل ما لا مانع من الشك فيه، و اما ما يجب ازالة الشك فيه فلا يشمله الدليل الدال على التعبد بالحكم للمشكوك في حال الشك فيه.

(1) حاصله: ان الاثر المرتب على الامر الاعتقادي لا مانع من جريان الاستصحاب الموضوعي فيه اذا كان مما قام الدليل الظني عليه، كمثل وجوب عقد القلب الذي قد عرفت انه من الامور الاختيارية، و هو من افعال النفس التي تتأتى من القاطع و الظان و الشاك، و هو غير التصديق و القطع بالشي ء. و لا يخفى ان الدال على وجوب عقد القلب بهذا المعنى هو الادلة الظنية كما تقدم في بحث الموافقة الالتزامية ... لكنه مع ذلك لا ينفع الاستصحاب لحياة الامام فيما اذا شك في حياته لاجل ترتيب اثر عقد القلب على امامته، لانه بعد ان كان هناك اثر آخر و هو وجوب تحصيل القطع بحياته مقدمة لتحصيل العلم بحياة الامام الذي له التصرف خارجا في امور الناس فيما يعود الى معاشهم و معادهم، فلا فائدة في استصحاب الحياة لاجل عقد القلب على امامته.

فظهر: ان الاستصحاب الموضوعي في الامور الاعتقادية لا يجري، إلّا اذا كان الاثر المرتب عليه مما يجتمع مع الظن، كمثل وجوب عقد القلب لا في مثل وجوب المعرفة المنافي للاستصحاب، و ان يكون- ايضا- الاثر الذي يجري الاستصحاب

ص: 282

المورد أثر شرعي، يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه، كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح (1).

______________________________

الموضوعي لاجل ترتيبه مما يكتفى فيه بذلك الاثر، و لا يكون معه اثر آخر لا بد فيه من تحصيل العلم و عدم الاكتفاء فيه بالشك. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (إلّا اذا كان حجة من باب افادته الظن)) كمثل وجوب عقد القلب ( (و)) لا بد مضافا الى ذلك انه ( (كان المورد مما يكتفي به ايضا)).

(1) حاصله: انه قد تبين مما ذكرنا ان الامور الاعتقادية هي موضوعات لاحكام شرعية مرتبة عليها، و يشملها دليل الاستصحاب كغيرها من الموضوعات الخارجية غير الاعتقادية كالصلاة و شرب الخمر، و قد عرفت ايضا انه لا بد في جريان الاستصحاب في الموضوع من لزوم كونه ذا اثر شرعي، فيجري عمرو الاستصحاب في حياة زيد فيما اذا كان لبقاء حياة زيد اثر بالنسبة الى عمرو، اما اذا كان اجنبيا عن زيد بحيث لا يكون لحياة زيد او موته اثر بالنسبة الى عمرو فلا وجه لإجراء عمرو الاستصحاب في حياة زيد، و قد عرفت ايضا ان جريان الاستصحاب في الموضوع لا بد من ان يكون مما يتمكن المجري للاستصحاب من الموافقة في حال الشك، فلو كان المورد مما لا يمكن موافقته في حال الشك فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه، ففيما اذا شك في بقاء خمرية مائع و كان المائع خارجا عن محل الابتلاء- مثلا- فلا وجه لجريان هذا الاستصحاب، لانه مع فرض عدم القدرة على الامتثال بواسطة الخروج عن محل الابتلاء لا وجه لجريان الاستصحاب ليترتب عليه النهي عن شرب هذا المائع.

و مما ذكرنا يتضح: انه انما يجري الاستصحاب في الامور الاعتقادية فيما اذا كان الحكم المرتب على الموضوع الاعتقادي هو مثل وجوب الاعتقاد به بمعنى عقد القلب عليه، فانه يجامع هذا الحكم الشك به، فللتعبد بوجوب الاعتقاد به في حال الشك مجال. و اما بالنسبة الى وجوب معرفته التي قد عرفت انها تنافي الشك به، فلا يجري

ص: 283

و قد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة، إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها، و كانت لازمة لبعض مراتب كمالها، إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها، أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية، و لو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة و عدم بقائها بتلك المثابة، كما هو الشأن في سائر الصفات و الملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات و المجاهدات، و عدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (1).

______________________________

الاستصحاب في الموضوع الاعتقادي لاجل ترتيب هذا الحكم الشرعي الذي هو وجوب معرفته، فلا يتمكن المكلف من موافقة هذا الحكم في مقام الشك، بل اللازم عليه ازالة الشك.

فاتضح: انه لا فرق بين الحكم الذي موضوعه هو العمل الجارحي او العمل الجانحي في جريان الاستصحاب و ما هو شرط في جريان الاستصحاب فهو بالنسبة اليهما على حد سواء، و عبارة المتن واضحة.

(1)

النبوة من حيث جريان الاستصحاب و عدمه

بعد ما عرفت من ان الامامة و النبوة من الموضوعات الاعتقادية، و بعد ان اشار الى الامامة من ناحية الاستصحاب و جريانه و عدم جريانه فيها، اشار الى النبوة من حيث جريان الاستصحاب و عدمه، و تفصيل الحال في ذلك ان نقول:

ان النبوة ان كانت هي مرتبة من الكمال للنفس بحيث تكون النفس بالغة حد الكمال، الذي به تتلقى المعارف الالهية من دون توسط بشر يكون واسطة في تلقيه تلك المعارف، و هذه من الصفات الواقعية التكوينية للنبي، و النبي بهذا المعنى هو من فعيل بمعنى المفعول، لانه هو المنبأ بالمعارف الالهية من دون وساطة، و لا مجرى للاستصحاب في النبوة بهذا المعنى، لان الاستصحاب منوط بالشك و لا شك لاحق بعد اليقين بنبوة النبي بهذا المعنى ... لان السبب للشك فيها:

ص: 284

.....

______________________________

اما من جهة احتمال زوالها بالموت، و من الواضح ان الموت لا يوجب زوالها، بل الموت ان لم يوجب زيادة هذا الكمال فلا يوجب نقصانه، فان نفوس ذوي المعارف غير النبي مما ترقى بالموت لانه افق المشاهدة.

و اما من جهة احتمال زوالها بمجي ء نبي اعلى منه في كمال المعارف، و هذا الاحتمال ايضا لا وجه له، لان اتصاف شخص آخر بصفة ارقى لا يوجب زوال الصفة عن الشخص الاول و هو واضح، فلا موجب للشك من هذه الناحية كما لا موجب له من الجهة الاولى.

و اما من جهة احتمال انحطاط النفس عن هذه المرتبة، فان قلنا بان هذه الصفة من الصفات التي لا يمكن زوالها بعد تحققها و انها ليست كسائر الصفات، و ان النفس المتصفة بهذه الصفة قد اتضح لها الحال اتضاحا يجعلها نورا من انوار ربها خالصة من جميع شوائب الظلمة، فلا تنحط الى الظلمة لانعدام الظلمة فيها، فهي من الصفات التي لها درجة التحقق و بتحققها لا تزول، فحينئذ لا مجال للشك من هذه الناحية، لانه بعد عدم امكان الانحطاط لا يحتمل الانحطاط، فلا يتاتى الشك فيها من جهة احتمال الانحطاط، و لو فرضنا احتمال الانحطاط فالشك و ان كان يتأتى- حينئذ- من هذه الناحية، إلّا ان النبوة بهذا المعنى من الامور التكوينية الواقعية و لم يرتب عليها اثر شرعي، لان الاثر الشرعي من وجوب عقد القلب على قوله و التسليم و الانقياد له و لزوم تصديقه بما يقول و الاخذ بقوله و احكامه انما هي من آثار النبوة بالمعنى الثاني التي هي من المناصب المجعولة، و سيأتي الكلام فيها، و لو فرض اثر شرعي كالنذر لهذه الصفة الواقعية غير المجعولة، بان كانت متعلقة لنذر ناذر قد نذر انه ان لم يحصل الانحطاط لهذه الصفة الواقعية يتصدق، فحينئذ يجري الاستصحاب فيها و يترتب عليها هذا الاثر، و لكن ذلك ليس من الآثار المهمة.

و قد اشار الى ان هذه الصفة من الصفات الواقعية التكوينية، و ان النبي بحسب هذه الصفة هو من باب فعيل بمعنى المفعول: أي انه هو المنبأ و انه لا مجال لجريان

ص: 285

.....

______________________________

الاستصحاب فيها بقوله: ( (و قد انقدح بذلك)) أي قد انقدح بما ذكره من لزوم كون مورد الاستصحاب الموضوعي ذا اثر شرعي ينقدح ( (انه لا مجال)) للاستصحاب ( (في نفس النبوة اذا كانت)) النبوة صفة واقعية ( (ناشئة من كمال النفس بمثابة)) تكون ( (يوحى اليها)) و تنبأ ( (و كانت)) النبوة ( (لازمة لبعض مراتب كمالها)) أي كمال النفس. و حاصله: ان بعض مراتب الكمال للنفس يكون لازما له ان تنبأ تلك النفس و تكون مما يوحى اليها بالمعارف الالهية.

و اشار الى الوجه في انه لا مجال للاستصحاب في النبوة بهذا المعنى بقوله: ( (اما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها)).

و حاصله: ان السبب في عدم جريان الاستصحاب فيها: اما لانه لا شك لاحق لان هذه الصفة بعد تحققها تكون من انوار ربها و لا زوال لهذه الصفة النورية عنها، فلا مجال للاستصحاب لانه متقوم بالشك اللاحق، و لا شك بعد اليقين بالنسبة لهذه الصفة.

و اما لانها من الامور التكوينية، و الصفة التكوينية لا مجرى للاستصحاب فيها و ان فرض تحقق الشك اللاحق فيها، بان نجوز انحطاطها و ان بلغت هذا الكمال، لان جريان الاستصحاب في الامر التكويني مع تحقق اركانه انما يصح حيث يكون لهذا الامر التكويني اثر مهم شرعي، و حيث لا اثر شرعي مرتب على النبوة بهذا المعنى عدا النذر و هو غير مهم، لذا يجري الاستصحاب في النبوة بهذا المعنى. و قد اشار الى هذا بقوله: ( (او لعدم كونها مجعولة بل)) هي ( (من الصفات الخارجية التكوينية)) فلا يجري فيها الاستصحاب ( (و لو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة و عدم بقائها بتلك المثابة)) و يكون الشأن في هذه الصفة اذا جوزنا عليها الانحطاط ( (كما هو الشأن في)) غيرها من ( (ساير الصفات و الملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات و المجاهدات)) في انها مما يحتمل زوالها عن النفس و انحطاط النفس عنها، فاذا جوزنا الانحطاط في صفة النبوة كان حالها حال غيرها من

ص: 286

نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة و كانت كالولاية، و إن كان لا بد في إعطائها من أهلية و خصوصية يستحق بها لها (1)، لكانت موردا

______________________________

الصفات الحسنة الاخرى التي تحصل بالرياضات و المجاهدات ( (و)) لكنها مع ذلك لا يجري الاستصحاب فيها و ان فرض تحقق الشك كما انه لا يجري الاستصحاب في ساير الصفات الاخرى مع تحقق الشك، و ذلك لاجل ( (عدم اثر شرعي مهم لها)) حتى ( (يترتب عليها ب)) واسطة ( (استصحابها)) لما عرفت من انه ليس هناك اثر شرعي غير النذر و هو غير مهم.

(1) توضيحه: ان النبوة من المناصب المجعولة هي كونها بمعنى كون النبي مبلغا لاحكام اللّه، فالنبي بهذا المعنى هو من باب فعيل بمعنى فاعل، و من الواضح ان كون النبي مرسلا و مبعوثا لتبليغ احكام اللّه- عزّ و جل- و معارفه هو من الامور المجعولة و المناصب المنوطة بجعله له مبلغا عنه تعالى و مرسلا من قبله و مبعوثا لخلقه، و تكون حال النبوة بهذا المعنى الثاني بعد ما عرفت من كونها من المناصب المجعولة حال غيرها من الامور المجعولة مثل الولاية و القضاوة.

و لا يخفى ان النبوة بهذا المعنى الثاني و ان كانت من المناصب المجعولة، إلّا انه لا بد من اعطائها لمن له صفة النبوة بالمعنى الاول للزوم الاهلية لجعل هذا المنصب، و من ليس له صفة النبوة بالمعنى الاول لا يكون اهلا لان يجعل له منصب المبلغية عن اللّه لاحكامه و لمعارفه تعالى شأنه. و قد اشار الى كون النبوة بالمعنى الثاني من المجعولات الشرعية لا من الامور التكوينية بقوله: ( (نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة))، و اشار الى ان النبوة المجعولة هي كسائر الامور المجعولة الأخر بقوله:

( (و كانت كالولاية))، و اشار الى انه لا بد من اعطائها لمن كانت له النبوة بالمعنى الاول بقوله: ( (و ان كان لا بد في اعطائها من اهلية و خصوصية)) لمن اعطيت له ( (يستحق بها)) أي يستحق بواسطة تلك الخصوصية و الاهلية ( (لها)) أي لهذه النبوة

ص: 287

للاستصحاب بنفسها، فيترتب عليها آثارها و لو كانت عقلية بعد استصحابها، لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها، و إلا لدار، كما لا يخفى (1).

______________________________

المجعولة، لما عرفت من ان اعطاء صفة المبلغية لا بد فيها من كون المبلغ اهلا لهذه الصفة و هذا المنصب.

(1) لا يخفى ان النبوة بالمعنى الثاني التي قد عرفت انها منصب مجعول شرعي لا مانع من جريان الاستصحاب فيها عند فرض الشك.

و لتوضيح ذلك نقول: ان الشك: تارة في نفس النبوة، و اخرى في احكامها.

و الشك في نفس النبوة: تارة لاحتمال الانحطاط مع العلم بالحياة، و هذا لا يعقل في النبوة المجعولة لانه بعد ان كانت النبوة هي كون النبي مبلغا عن اللّه، فمع فرض انحطاطه عن درجة التبليغ يجب على اللّه اعلام خلقه بذلك.

و اخرى لاحتمال الموت، فان كان الاستصحاب لاجل ترتب محض عقد القلب على هذه النبوة فلا مجال للاستصحاب، لوضوح وجوب عقد القلب على نبوة النبي في حال العلم بموت النبي، و ان كان الاستصحاب لاجل ترتب وجوب التصديق بما يأتي به النبي فلا مجال له ايضا، لان ما كان قد اتى به يجب الاخذ به في حال العلم بالموت، و ما كان لم يأت به فلا مجال لجعل التصديق به، لانه يتوقف على العلم بحياته.

و ثالثة: يكون الشك في النبوة لاحتمال نسخ شريعة النبي الذي كان بشريعة اخرى لنبي آخر بعده فتستصحب النبوة لاجل ترتيب عدم نسخها ... ففيه:

أولا: ان الشك في بقاء النبوة و عدم نسخها مرجعه الى استصحاب احكام شريعة ذلك النبي، و سيأتي الكلام فيه.

و ثانيا: ان استصحاب النبوة: تارة يكون ممن يشك في نبوة هذا النبي الثاني الذي جاءت شريعته ناسخة لشريعة النبي السابق، كمثل الكتابي الشاك في نبوة محمد

ص: 288

.....

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا يصح للكتابي كاليهودي- مثلا- استصحاب بقاء نبوة موسى لاجل التعبد ببقائها و عدم نسخها عند شكه في نسخها، لاجل احتمال صحة نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي كانت شريعته ناسخة لشريعة موسى، لان تمسكه بالاستصحاب يتوقف على الجعل الشرعي للاستصحاب، و جعله اما ان يكون في شريعة موسى او في شريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا يعقل ان يصح للكتابي ان يتمسك بالاستصحاب المجعول في شريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لفرض عدم ثبوت نبوته عنده، و لا يعقل ايضا ان يصح له ان يتمسك بالاستصحاب المجعول في نبوة موسى لانه دوري، حيث انه بعد ان كان يحتمل نسخ شريعة موسى التي من جملة احكامها نفس حجية الاستصحاب، فيكون تمسكه بالاستصحاب المحتمل نسخه لاثبات عدم نسخه و عدم نسخ غيره من الأحكام من الدور الواضح، لان حجية الاستصحاب في شريعة موسى تتوقف على عدم نسخ شريعته الى من جملتها نفس حجية الاستصحاب، فتمسك الكتابي بحجية الاستصحاب يتوقف على ثبوت عدم نسخ شريعة موسى، فاذا كان ثبوت عدم نسخ شريعة موسى بالاستصحاب كان معناه توقف ثبوت عدم نسخ شريعة موسى على الاستصحاب، فتكون حجية الاستصحاب متوقفة على ثبوت عدم النسخ و على جميع ما يتوقف عليه ثبوت عدم النسخ، فاذا كان ثبوت عدم النسخ متوقفا على نفس حجية الاستصحاب كانت حجية الاستصحاب متوقفة على ما يتوقف عليها و هو الدور، لان لازم ذلك توقف حجية الاستصحاب على نفس حجية الاستصحاب، و توقف الشي ء على نفسه هو الدور و هو محال واضح المحالية.

هذا، مضافا الى ان النبوة بالمعنى الثاني من المجعولات الشرعية، فالشك في بقائها من الشك في الشبهة الحكمية، و لا يجوز الرجوع الى الاستصحاب و لا الى غيره من الاصول في مقام الشك في الشبهة الحكمية، الا بعد الفحص و اليأس عن الظفر بالدليل، فيجب على الكتابي ان يفحص أولا، و لا يجوز له الرجوع قبل الفحص الى

ص: 289

.....

______________________________

التمسك باستصحاب بقاء نبوة موسى و عدم نسخها، و من البديهي انه متى فحص تثبت عنده نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يحصل له القطع بنسخ شريعة موسى.

هذا مع ان الكلام في رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص، و قد عرفت عدم جواز رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص، لان فرض المحاججة كانت هي دعوى رجوع الكتابي الى الاستصحاب قبل الفحص لمجرد الشك في نسخ شريعة موسى عليه السّلام فإن المنقول في محاججة الكتابي مع الفاضل ان دعوى الكتابي كانت هي الرجوع الى الاستصحاب قبل الفحص.

و اخرى يكون المستصحب للنبوة السابقة هو المسلم، و من البين عدم جريان الاستصحاب في النبوة لاجل ترتب عدم نسخها من المسلم المتيقن بنبوة محمد الناسخة لشريعة موسى.

فاتضح من جميع ما ذكرنا: ان استصحاب النبوة لا مانع من جريانه في نفس النبوة بالمعنى الثاني لانها بنفسها من المجعولات الشرعية، إلّا انه حيث كان جريان الاستصحاب يتوقف على الشك اللاحق و على وجود اثر للاستصحاب، و قد عرفت انه من جهة احتمال الانحطاط لا شك لوجوب اعلام اللّه لخلقه بالانحطاط، و من جهة احتمال الموت لا اثر لوجوب عقد القلب حتى مع العلم بموت النبي و لا من حيث التصديق فيما أتى به، و من جهة احتمال النسخ لا مجرى للاستصحاب من الكتابي للزوم الدور و وجوب الفحص، و لا من المسلم لاعترافه بالنسخ و عدم شكه فيه.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (لكانت موردا)) أي ان جريان الاستصحاب في نفس النبوة بالمعنى الثاني حيث كانت بنفسها من المناصب المجعولة الشرعية لا مانع من كونها ( (موردا للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها)) أي على استصحابها ( (آثارها)) الشرعية كوجوب عقد القلب بل ( (و لو كانت آثارها عقلية)) كمثل وجوب اطاعة النبي فيما جاء به ( (بعد)) جريان ( (استصحابها لكنه)) قد عرفت انه بالنسبة الى جهة الانحطاط لا شك، و بالنسبة الى جهة الموت لا اثر، و بالنسبة الى عدم النسخ

ص: 290

و أما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها، فلا إشكال فيها كما مر (1).

______________________________

لا يتأتى من الكتابي لانه ( (يحتاج)) جريان الاستصحاب من الكتابي ( (الى دليل كان هناك غير منوط بها)) أي غير منوط بنفس الشريعة التي احتمل نسخها ( (و إلّا لدار)) و من المسلم لا شك لاعترافه بالنسخ ( (كما لا يخفى)).

(1) قد عرفت ان الكلام: تارة في استصحاب نفس النبوة بالمعنى الثاني، و قد عرفته مفصلا.

و اخرى يكون في استصحاب احكامها، و استصحاب احكامها: تارة يكون المراد استصحاب بعض احكامها، و قد مر الكلام فيه في التنبيه السادس مفصلا ايضا. و اما استصحاب جميع احكامها فقد عرفت ان استصحاب عدم نسخها اصلا مرجعه الى استصحاب جميع احكامها.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا يجري الاستصحاب في جميع احكامها فيثبت به انها باقية بجميع احكامها، لان من جملة احكامها نفس الاستصحاب، و اثبات الاستصحاب لجميع احكامها المتوقف على ثبوت نفس الاستصحاب- لانه من جملة احكامها- دوري، لان حجية الاستصحاب تتوقف على ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة، فاذا توقف ثبوت جميع الاحكام على حجية الاستصحاب كانت حجية الاستصحاب لجميع الاحكام متوقفة على نفسها و هو دور بين.

لا يقال: ان حجية الاستصحاب لا تتوقف على ثبوت جميع الاحكام في الشريعة السابقة، بل السبب في حجية الاستصحاب هو العلم الاجمالي بثبوت ما يدل بالفعل على حجية الاستصحاب، و ذلك الدليل اما هو بقاء الشريعة السابقة و عدم نسخها، او لثبوت حجيته في هذه الشريعة اللاحقة، فيعلم بحجيته على كل حال و ان كان السبب لحجيته غير معلوم بالتفصيل، و كون الدليل على ثبوت شي ء معلوما

ص: 291

ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم، إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك، فيما صح هناك التعبد و التنزيل و دل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين و الشك و الدليل على التنزيل (1).

______________________________

بالاجمال لا ينافي العلم التفصيلي بحجية المدلول، فحجية الاستصحاب معلومة تفصيلا لهذا العلم الاجمالي، و لا تتوقف على ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة.

فانه يقال: ان هذا العلم الاجمالي لا يوجب حجية الاستصحاب، لانه اما دوري، او يلزم من وجوده عدمه.

و توضيح ذلك: ان اثبات هذا العلم الاجمالي لحجية الاستصحاب الجاري في أحكام الشريعة السابقة غير معقول، لان حجية هذا الاستصحاب ان كان لبقاء جميع أحكام الشريعة السابقة قطعا فانه مفروض العدم، لان المفروض الشك في ثبوت جميع احكام الشريعة السابقة و انما يراد اثباتها بواسطة الاستصحاب، فيلزم الدور ان كان حجية الاستصحاب بالشريعة السابقة، و ان كان بواسطة الشريعة اللاحقة فحيث كان لازم ثبوت الشريعة اللاحقة نسخ احكام الشريعة السابقة يكون لازم حجية هذه الشريعة عدم جريان الاستصحاب لاثبات جميع احكام الشريعة السابقة، لفرض نسخها بهذه الشريعة، فحجية هذا الاستصحاب مقطوعة العدم بالفعل، اما لعدم ثبوت الدليل عليها الا بنفس الاستصحاب فيلزم الدور، او لثبوت دليل يقتضي عدم جريان هذا الاستصحاب فيلزم من جريان الاستصحاب في جميع احكام الشريعة السابقة عدم جريانه.(1)

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 8 ؛ ص292

1

محاججة الكتابي لبعض السادة الافاضل

) لا يخفى ان السبب لعقد هذا التنبيه هو ما حكاه في القوانين من محاججة جرت بين كتابي و بعض السادة الافاضل، فتمسك الكتابي لصحة بقائه على شريعة موسى بالاستصحاب فأفحم السيد الفاضل، و قد عرفت من جميع ما ذكرنا انه لا يصح التمسك بالاستصحاب من الكتابي لا في اصل نبوة موسى في مقام احتمال نسخها، و لا في جميع احكامها ايضا لاحتمال النسخ، لا من باب الجدل و الزام المسلم بلزوم

ص: 292


1- 20. آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

.....

______________________________

البقاء على شريعة موسى عليه السّلام و لا البقاء على جميع احكامها، و لا من باب اقناع نفسه بلزوم بقائه هو عليها و عدم اخذه بشريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

اما عدم صحته من باب الجدل و الزام الخصم فلما مرت الاشارة اليه، من ان المسلم المعترف بنبوة محمد لا يشك في نسخ شريعة موسى، و جريان الاستصحاب متقوم بالشك اللاحق، و لا شك لاحق عند المسلم بل هو متيقن بنسخ اصل شريعة موسى و نسخ مجموع احكامها، فاذا قال الكتابي للمسلم: ايها المسلم حيث تقول بحجية الاستصحاب فعليك ان تتمسك ببقاء نبوة موسى و عدم نسخها و بقاء جميع احكامها، فان المسلم يقول له: انه قد ثبتت عندي نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي ناسخة لنبوة موسى و لمجموع احكامها، فلا شك في عدم نسخها و لا شك عندي في عدم نسخ مجموع احكامها، و الاستصحاب يتقوم جريانه بالشك، و حيث لا شك عندي فلا اجري الاستصحاب.

و اما عدم صحة الاستصحاب من باب الإقناع: أي لا يصح للكتابي في مقام اقناع نفسه لبقائه على عدم نسخ شريعة موسى و لبقائه على جميع أحكام شريعة موسى عليه السّلام، بان يتمسك باستصحاب عدم نسخ شريعة موسى و بقاء جميع احكامها، فلما عرفت- ايضا- مما مر من انه لا يصح للكتابي في مقام شكه في بقاء شريعة موسى و بقاء جميع احكامها لاحتمال نسخها ان يتمسك بالاستصحاب و يقتنع بهذا الاستصحاب، لان اجراء الكتابي الاستصحاب دوري أولا، و لانه لا وجه لرجوع الكتابي الى الاستصحاب لان الشبهة حكمية، و لا يجوز الرجوع فيها الى الاستصحاب قبل الفحص و اليأس عن الدليل.

و قد اشار الى عدم امكان الزام المسلم باستصحاب بقاء شريعة موسى بجميع احكامها لان الاستصحاب متقوم بالشك، و لا شك للمسلم بل هو متيقن بعدم بقائها و بنسخها من حيث مجموع احكامها بقوله: ( (ثم لا يخفى ان الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلّا اذا اعترف)) الخصم ( (بانه على يقين فشك)) و المسلم لا شك له

ص: 293

و منه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا، لا إلزاما للمسلم، لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة، و اليقين بنسخ شريعته، و إلا لم يكن بمسلم، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين و شك، و لا اقناعا مع الشك، للزوم معرفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنظر إلى حالاته و معجزاته عقلا، و عدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا و لا شرعا، و الاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال (1)، و وجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال

______________________________

فلا يكون معترفا بجريان الاستصحاب لعدم تحقق احد اركانه و هو الشك اللاحق.

و اشار الى ان المورد دوري و انه مما يجب فيه الفحص فلا يجري الاستصحاب لو فرض هناك شك بقوله: ( (فيما صح هناك التعبد و التنزيل و دل عليه الدليل)) و بعد كون المورد دوريا و انه مما يجب فيه الفحص فلا دلالة لادلة الاستصحاب، لان جريانه مستلزم للدور و لانها مقيدة بالفحص و اليأس عن الظفر بالدليل، و لذلك فرع عليه انه لا وجه لاجراء الكتابي الاستصحاب ايضا في مقام اقناع نفسه بقوله: ( (كما لا يصح ان يقنع به الا مع اليقين و الشك و)) وجود ( (الدليل على التنزيل)) و قد عرفت ان الدليل دوري أولا، و مقيد بالفحص ثانيا.

(1) يشير الى المحاججة و تشبث الكتابي فيها بالاستصحاب، و قد عرفت مما ذكرنا انه لا يصح للكتابي التمسك بالاستصحاب لا في مقام الالزام و الجدل، و لا في مقام عمل نفسه، و لذا قال (قدس سره): ( (و منه)) أي و مما ذكر ( (انقدح انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب)) بقاء ( (نبوة موسى)) و بقاء جميع احكامها ( (اصلا لا)) من باب الجدل ( (الزاما للمسلم لعدم الشك في بقائها)) فان المسلم يعتقد بقاء نبوة موسى بالمعنى الاول و هي كونها صفة ( (قائمة بنفسه المقدسة و)) لا شك للمسلم في عدم بقاء شريعة موسى عليه السّلام، لان المسلم معترف بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فله ( (اليقين بنسخ شريعته)) أي شريعة موسى عليه السّلام ( (و إلّا لم يكن بمسلم مع انه)) أي مع ان

ص: 294

عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال، للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال (1)، إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة

______________________________

المسلم ( (لا يكاد يلزم به)) أي بهذا الاستصحاب ( (ما لم يعترف)) المسلم ( (بانه على يقين و شك)) فاذا الزمه الكتابي باستصحاب نبوة موسى، يقول له: ان الاستصحاب متقوم بالشك و لا شك لي في بقائها بل انا معتقد بنسخها. و اشار الى عدم صحة تشبث الكتابي بهذا الاستصحاب في مقام اقناع نفسه ايضا بقوله: ( (و لا اقناعا مع الشك)) لان الكتابي المحتمل لنسخ شريعة موسى عليه السّلام بشريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ان كان له شك في البقاء، إلّا انه لا وجه لرجوعه الى الاستصحاب في مورد هذا الشك لان الشبهة حكمية يجب فيها الفحص و النظر فيما يدعيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من النبوة، فان العقل يلزمه بالفحص عنه و بأن ينظر الى معجزاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فليس للكتابي الرجوع الى استصحاب بقاء نبوة موسى قبل الفحص عما يدعيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و الى هذا اشار بقوله: ( (للزوم معرفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنظر الى حالاته و معجزاته عقلا)) أي ان العقل يلزم بالنظر الى معجزة مدعى النبوة. و اشار الى ان حجية الاستصحاب ليست عقلية بل هي شرعية، و الدليل عليها ان كان ما دل على حجية الاستصحاب في شريعة موسى فلازمه الدور، و ان كان ما دل عليه في شريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيلزم من وجوده عدمه بقوله: ( (و عدم الدليل على التعبد بشريعته)) التي هي شريعة موسى لا تحقق له ( (لا عقلا)) لعدم الدليل العقلي على بقاء شريعة موسى و عدم نسخها ( (و لا شرعا)) لما عرفت من لزوم الدور فيما اذا كان الدليل على الاستصحاب ما كان دالا على حجيته في شريعة موسى ( (و الاتكال)) في حجيته ( (على)) ما كان ( (قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه)) أي لا يكاد يجدي الكتابي الاتكال عليه ( (الا على نحو محال)) لانه يلزم من وجوده عدمه.

(1) حاصله: ان الكتابي يجب عليه عقلا الفحص أولا، فلو فرضنا انه فحص و لم يحصل له اليقين و المعرفة بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليس له الرجوع الى الاستصحاب، لعلمه

ص: 295

ما لم يعلم الحال (1).

الثالث عشر: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام، لكنه ربما يقع الاشكال و الكلام فيما إذا خصص

______________________________

الاجمالي بحقية احدى الشريعتين، فيجب العمل بالاحتياط ما لم يلزم الاختلال للنظام، دون الحرج لان رفع الحرج يحتاج الى دليل شرعي، فيعود المحذور من لزوم الدور او المحال المذكور من الاخذ بما يلزم من وجوده عدمه، و لذا قال (قدس سره):

( (و وجوب العمل بالاحتياط عقلا)) على الكتابي ( (في حال عدم المعرفة بمراعاة)) ما ورد في ( (الشريعتين)) و الاخذ بما هو موافق للاحتياط منهما ( (ما لم يلزم منه الاختلال)) بالنظام. و اشار الى الوجه في لزوم هذا الاحتياط عليه بقوله: ( (للعلم بثبوت احداهما على الاجمال)).

(1) هذا استثناء مما ذكره من ان حكم الكتابي هو الاحتياط حيث لا يعلم الحال له.

و حاصل هذا الاستثناء: انه اذا علم بدليل خاص ان في دور الفحص لا يجب الاحتياط على الفحاص بل له البناء على عمله السابق، فحينئذ يصح للكتابي من باب الاقناع لنفسه في مقام عمله ان يعمل على الشريعة السابقة حتى يتضح له الحال ... و لكن يمكن ان يقال: انه من اين يحصل له العلم بذلك، و الحال ان جواز البقاء ليس حكما عقليا، بل هو حكم شرعي ظاهري لا بد من ان يقوم عليه دليل في احدى الشريعتين، و ليس للكتابي دليل عليه، لان دليل هذا الحكم ان كان في شريعة موسى فحيث انه يحتمل النسخ فيكون تمسكه بالبقاء اتكالا على شريعة موسى دوريا كما عرفت، و ان كان للاتكال على شريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلازمه انه يلزم من وجوده عدمه، و ليس للعلم الاجمالي في هذا المقام قابلية التأثير كما عرفت مما مر.

فاتضح: انه ليس للكتابي في مقام الفحص الا العمل بالاحتياط.

ص: 296

في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام (1).

______________________________

(1)

الثالث عشر: موارد الرجوع الى العام و استصحاب حكم المخصص
اشارة

لا شبهة في انه اذا كانت للعام دلالة على حكم فلا بد من اتباع العام فيما دل عليه من الحكم، و لا يرجع الى الاستصحاب لانه من الاصول، و لا يرجع الى الاصل حيث يوجد الدليل على الحكم.

و مورد الكلام في هذا التنبيه انه لو خصص العام بمخصص في زمان، فهل المرجع فيما بعد ذلك الزمان هو العام او استصحاب حكم المخصّص؟ كما في مثل اوفوا بالعقود و هو عام يدل على الوفاء بكل عقد، و البيع احد العقود فيشمله عموم اوفوا بالعقود، فيدل على وجوب الوفاء بعقد البيع، فاذا خصّص عقد البيع بخيار الغبن- مثلا- الدال هذا الخيار على عدم وجوب الوفاء بالعقد من المغبون لوضوح انه يجوز له فسخه و نقضه، فلا يجب عليه الوفاء به، ففيما لو استفيد من دليل خيار الغبن الفورية، فاذا انقضى زمان الفورية و لم يفسخ المغبون ... فهل يرجع الى العام فيما بعد زمان الفورية؟ فلا يكون للمغبون حق الفسخ، لان اوفوا بالعقود الذي هو العام يدلّ على اللزوم و عدم جواز نقض العقد بالفسخ، خرج عنه جواز الفسخ للغبن في ظرف الفورية، و يبقى ما بعد زمان الفورية داخلا في العام و هو اوفوا بالعقود، فلا يصح الفسخ من المغبون بعد انقضاء زمان الفورية ... او يرجع الى استصحاب حكم الخاص المخصص للزوم الوفاء بالعقد و هو خيار الغبن في مدة زمان الفورية؟ و حيث لا دلالة للخاص على غير زمان الفورية، ففي الزمان المتصل بزمان الفورية و ما بعده من الأزمنة يستصحب جواز الفسخ، لانقطاع دلالة العام بالتخصيص.

و توضيح الحال في هذه المسألة ينبغي بيان امور ايضاحا للمقام:

الاول: انه قد يكون للعام دلالة على ملاحظة قطع الزمان بنحو ان يكون وجوب الوفاء قد كان ثبوته لكل فرد من افراد هذا العام في كل زمان من الازمنة، فيكون

ص: 297

.....

______________________________

كل عقد من العقود في كل قطعة من الزمان ثابتا له وجوب الوفاء، و معنى هذا هو ان الموضوع للحكم الذي هو وجوب الوفاء هو كل فرد من افراد هذا العام: أي كل عقد من العقود المقيد كل واحد من هذه العقود بكل قطعة من قطع الزمان.

و المتحصل من هذا هو ان العام يكون دالا على ثبوت وجوب الوفاء لكل واحد من العقود في كل زمن من الازمنة، و على هذا فيكون للعام دلالتان من حيث العموم أي له عمومان: عموم افرادي من جهة افراد العقود كعقد البيع و عقد الاجارة و الصلح و غيرها من ساير العقود، و عموم ازماني أي عموم افرادي- ايضا- من ناحية افراد قطع الزمان ... و قد يكون للعام عموم ازماني و ان لم يكن الزمان قد لحظ بنحو يكون قيدا للموضوع، بان يكون الملحوظ قطع الزمان بنحو ان تكون كل قطعة من الزمان ظرفا للحكم، فان قطع الزمان بحسب هذا اللحاظ و ان لم تكن قيدا للموضوع لفرض كون لحاظها بنحو كونها ظرفا، لكنه حيث لحظ الزمان بما هو ظروف متعدّدة فلازمه ايضا العموم الازماني و تعدد الحكم بحسب تعدد قطع الزمان، لان لازم تعدّد الظروف التي هي قطع الزمان تعدد المظروف و هو الحكم، فيتعدّد الحكم بحسب تعدد قطع الزمان، و لا فرق بين كون الزمان قيدا للموضوع، و بين كونه ملحوظا ظرفا و لكن بنحو التعدّد.

الثاني: ان الزمان قد يلحظ لا قيدا للموضوع و لا بنحو كونه ظرفا بنحو التعدّد، بل يلحظ ظرفا للحكم بنحو الوحدة، فيلحظ الزمان المستمر بنحو كونه واحدا ظرفا للحكم، و ليس المراد من لحاظه بهذا النحو الثالث هو ان يكون للحكم الذي كان هذا الزمان الواحد ظرفا له اطاعة واحدة و عصيان واحد، لوضوح انه لو لحظ الزمان الواحد المستمر ظرفا لوجوب الوفاء بكل فرد من افراد العقود لا يكون لازمه ان يكون لهذا الوفاء في مجموع هذا الزمان الواحد اطاعة واحدة و عصيان واحد، بل لو وفى بالعقد في زمان من ازمنة هذا الواحد المستمر و لم يف بذلك العقد في زمان

ص: 298

.....

______________________________

آخر من ازمنة هذا الزمان الواحد المستمر، كان مطيعا في الزمان الذي وفى به، و عاصيا في الزمان الذي لم يف به.

فالفرق بين هذا النحو الثالث من لحاظ الزمان و هو لحاظه بنحو الواحد المستمر، و بين لحاظه قطعا قطعا سواء كان بنحو قيد الموضوع كما في الاول، او بنحو الظروف المتعددة كما في الثاني: هو انه في مقام الاثبات قد لحظ الزمان بنحو الطبيعي ظرفا للحكم الملحوظ بنحو الطبيعي في هذا النحو الثالث، و في النحوين السابقين يكون الحكم و الزمان قد لحظا بنحو التعدد في مقام الاثبات، و اما في مقام الثبوت فلا فرق بين هذه الانحاء الثلاثة، من حيث انه للوفاء بالعقد اطاعات متعددة و عصيانات كذلك.

الثالث: انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا ينبغي الاشكال في الرجوع الى العام دون الاستصحاب، فيما اذا كان الزمان قد لحظ بنحو التعدد سواء بنحو القيديّة للموضوع او بنحو تعدد الظروف، لان للعام الملحوظ بهذين النحوين يكون له افراد متعددة بمقدار تعدد قطع الزمان، فاذا خرج منه فرد- قطعة من الزمان- لاجل التخصيص تكون افراد قطع الزمان الباقية مشمولة للعام، و متى كانت للعام دلالة لا يرجع الى الاستصحاب.

و قد ظهر ايضا: انه ليس من محل النزاع- ايضا- ما اذا لحظ الزمان ظرفا بنحو ان يكون له اطاعة واحدة و عصيان واحد، فان الاطاعة في مثل هذا اللحاظ باتيانه مرة واحد في ضمن مجموع هذا الزمان، و عصيانه يكون بتركه في مجموع هذا الزمان، لبداهة انه لو وجب اكرام زيد- مثلا- في مجموع يوم الجمعة بنحو يكون اطاعة هذا الوجوب باكرام زيد في أي ساعة من ساعات هذا اليوم الواحد، و عصيانه بترك اكرامه في مجموع هذا اليوم، فلو خصّص هذا الوجوب بعدم وجوب اكرام زيد في ساعة معينة من اثناء ساعات هذا اليوم، كما لو كان الدليل الخاص دالا على عدم وجوب اكرام زيد في خصوص ساعة الزوال من يوم الجمعة، فان هذا العام يكون

ص: 299

.....

______________________________

هو المرجع في وجوب اكرامه فيما بعد ساعة الزوال لا الاستصحاب. و محل الاشكال هو ما اذا كان العام الشامل للافراد قد لحظ الزمان فيه بنحو الظرف الواحد المستمر في مقام الاثبات، كما في مثل اوفوا بالعقود الشامل لجميع افراد العقود التي من جملتها عقد البيع مثلا، و قد لحظ الزمان لوجوب الوفاء بنحو الواحد المستمر، و ذلك بان يكون العام له عموم يشمل هذا العقد و غيره من العقود كاوفوا بالعقود، فان اوفوا بالعقود له عموم يشمل كل عقد، و ان لكل عقد زمانا يكون فيه وجوب الوفاء به، و هذا الزمان قد لحظ بنحو الواحد المستمر ظرفا للعقد، لا بنحو أن يكون كل قطعة منه قيدا للموضوع، و لا بنحو ان يكون كل قطعة منه ظرفا للعقد غير القطعة الاخرى، و لا بنحو ان يكون له اطاعة واحدة و عصيانات متعددة، بل بمحض ان يكون واحدا مستمرا للعقد من دون أي واحد من هذه اللحاظات، و هذا هو المراد بالواحد المستمر في مقام الاثبات، أي لا يكون له في مقام الاثبات غير كونه بنحو الواحد المستمر، من دون تصريح باحد اللحاظات المذكورة، فاذا جاء التخصيص لعقد البيع بعدم وجوب الوفاء به لواحد من الخيارات، لبداهة انه في زمان ثبوت الخيار لا وجوب للوفاء بعقد البيع، فهل يرجع الى العام فيما عدا زمان الخيار فيجب الوفاء، او يرجع الى استصحاب حكم المخصص فلا يجب الوفاء؟

و لازم الرجوع الى العام هو لزوم العقد، و لازم الرجوع الى استصحاب حكم المخصص هو عدم لزوم العقد.

الرابع: ان الاقوال في العام المخصص ثلاثة: الاول: قول الشيخ الاعظم، و حاصله: ان العام ان كان له عموم ازماني يكون هو المرجع بعد زمان التخصيص، بان يكون له دلالة على لحاظ قطع الزمان في مقام الاثبات، و اذا لم يكن له عموم ازماني كما اذا لوحظ الزمان فيه بنحو الواحد المستمر في مقام الاثبات فالمرجع هو استصحاب حكم المخصص.

ص: 300

.....

______________________________

الثاني: كون المرجع العام مطلقا و لو كان الزمان ملحوظا بنحو الواحد المستمر في مقام الاثبات، فلا فرق بين الانحاء الثلاثة المتقدمة و بين الملحوظ بنحو الواحد المستمر في كون المرجع بعد زمان المخصّص هو العام.

الثالث: ما ذهب اليه المصنف، و تفصيله يتضح في ضمن الحواشي الآتية.

و لا يخفى ان مرجع هذه الاقوال فيما اختلفت فيه، هو انه هل للعام دلالة على الشمول فيما بعد زمان التخصيص، ام ليس له دلالة؟ ... فمن يرى انه للعام دلالة كان عنده هو المرجع، لانه بعد كون العام له دلالة لا وجه للرجوع الى استصحاب حكم المخصّص، و من يرى عدم الدلالة للعام كان المرجع غيره، فربما يكون هو استصحاب حكم المخصّص، و ربما يكون غيره من الاصول الاخرى، كما سيتضح ذلك عند بيان الشقوق التي يشير اليها المصنف. فما يظهر من المصنف قبل تعرّضه لشقوق المسألة ان الامر دائر بين الرجوع الى العام او الى الاستصحاب ليس غرضه الانحصار في الرجوع الى الاستصحاب حيث لا يكون العام مرجعا، لانه سيصرّح في بعض الشقوق ان المرجع هو ساير الاصول الأخر، و لا يكون المرجع العام و لا الاستصحاب.

و على كل فقد اشار- أولا- الى انه مع وجود دلالة من العام لا يرجع الى الاستصحاب بقوله: ( (انه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب ... الى آخر الجملة)) و اشار ثانيا الى ان محل الكلام في هذا التنبيه هو ان العام اذا خصّص فهل يكون هو المرجع بعد زمان التخصيص، او يكون المرجع استصحاب المخصص؟

بقوله: ( (لكنه ربما يقع الاشكال و الكلام فيما اذا خصص)) العام ( (في زمان في ان المورد بعد هذا الزمان)) أي بعد زمان التخصيص هل يكون ( (مورد)) زمان ما بعد التخصيص مما يرجع فيه الى ( (الاستصحاب او)) يكون المورد مما يكون ( (التمسك)) فيه ( (بالعام)).

ص: 301

و التحقيق أن يقال: إن مفاد العام، تارة يكون- بملاحظة الزمان- ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار و الدوام، و أخرى على نحو جعل كل يوم من الايام- مثلا- فردا لموضوع ذاك العام. و كذلك مفاد مخصصه، تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه و دوامه، و أخرى على نحو يكون مفردا و مأخوذا في موضوعه (1).

______________________________

(1)

لحاظ الزمان و قيديته في كلّ من العام و الخاص

توضيحه: ان الاقسام اربعة: لان العام تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر، و اخرى يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو التقطيع. و الخاص ايضا:

تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر، و اخرى يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو يكون له الدخالة في ثبوت الحكم فيه لموضوعه. و الحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين اربعة، و هي الشقوق التي اشار اليها المصنف و تكلم في كل منها:

الاول لحاظ الزمان في كل من العام و الخاص بنحو الواحد المستمر. الثاني لحاظ الزمان في كل منهما بنحو التقطيع و الدخالة في ثبوت الحكم. الثالث: لحاظ الزمان في العام بنحو الواحد المستمر، و في الخاص بنحو الدخالة. الرابع: لحاظ الزمان في العام بنحو التقطيع، و في الخاص بنحو الواحد المستمر.

و قد اشار الى لحاظ الزمان في العام: تارة بنحو الواحد المستمر، و اخرى بنحو التقطيع بقوله: ( (و التحقيق ان يقال ان مفاد العام تارة يكون بملاحظة الزمان)) هو ( (ثبوت الحكم لموضوعه على نحو الاستمرار)) و لحاظ الزمان ظرفا بنحو الواحد المستمر ( (و اخرى)) ملاحظة الزمان متقطعا بان يكون قد لحظ ( (على نحو جعل كل يوم من الايام مثلا فردا لموضوع ذاك العام))، و اشار الى كون المخصص ايضا تارة يكون الزمان ملحوظا فيه بنحو الواحد المستمر بقوله: ( (و كذلك مفاد مخصصه تارة يكون على نحو)) قد ( (اخذ الزمان)) فيه ملحوظا بنحو كونه ( (ظرف استمرار حكمه و دوامه)) و اشار الى اخذ الزمان في المخصص بنحو الدخالة بقوله:

ص: 302

فإن كان مفاد كل من العام و الخاص على النحو الاول، فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته، لعدم دلالة للعام على حكمه، لعدم دخوله على حدة في موضوعه، و انقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق، من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق، فلا مجال إلا لاستصحابه (1).

______________________________

( (و اخرى)) يكون الزمان ملحوظا فيه ( (على نحو يكون مفردا و مأخوذا في موضوعه)).

(1) بعد ان كان كل من العام و الخاص بحسب ملاحظة الزمان بنحو الواحد المستمر و بنحو التقطيع ينقسم الى قسمين، فالحاصل من ضرب الاثنين في الاثنين اربعة، فتكون الشقوق التي يتكلم فيها اربعة:

الاول: ما اذا كان كل من العام و الخاص قد لحظ الزمان فيهما بنحو الواحد المستمر، و هو المراد من قوله: ( (فان كان مفاد كل من العام و الخاص على النحو الاول)) فالمتحصل من كلام المصنف ان العام الملحوظ فيه الزمان بنحو الواحد المستمر، اذا كان مخصصه الملحوظ فيه الزمان بنحو ملاحظته في العام، اذا كان تخصيصه بالخاص موجبا للانقطاع في هذا الزمان الواحد المستمر، بان يكون التخصيص واقعا في اثناء هذا الزمان الواحد، فلا يكون العام حجة و مرجعا فيما بعد زمان المخصص، و يكون المرجع استصحاب حكم الخاص فيما بعد زمان الخاص المخصص للعام، و ان كان الخاص واقعا في اول زمان العام، فبعد زمان الخاص يكون المرجع هو العام و لا يرجع الى استصحاب حكم الخاص، فمثل اوفوا بالعقود الذي هو العام الشامل لافراد العقود التي منها عقد البيع حيث يكون الملحوظ في اوفوا بالعقود الزمان بنحو كونه ظرفا واحدا مستمرا للحكم الذي هو الوفاء، فاذا كان الخيار المخصص لعقد البيع واقعا في اثناء هذا الزمان الذي هو الظرف الواحد المستمر لاوفوا بعقد البيع كخيار الغبن، فان عقد البيع ينعقد اولا لازما، ثم بعد علم

ص: 303

.....

______________________________

المغبون بالغبن يكون له حق الخيار و الفسخ للعقد في زمان واحد مستمر و هو زمان الفورية، و بعد انقضاء زمان الفورية الذي هو زمان حكم الخاص يشك في لزوم العقد، فان كان المرجع العام لا يكون للمغبون حق الفسخ بعد انقضاء زمان الفورية، و ان كان المرجع استصحاب حكم الخاص يكون للمغبون حق الفسخ لاستصحاب ذلك الذي كان له في زمان الفورية الى ما بعد الفورية.

و مختار المصنف في مثل هذا الفرض الذي كان التخصيص فيه واقعا في الاثناء ان المرجع هو استصحاب حكم الخاص، دون الرجوع الى العام.

و توضيح ذلك: ان العام حيث لم يكن الزمان ملحوظا فيه بنحو التقطيع لم يكن له عموم ازماني، لفرض كون الزمان قد لحظ فيه بنحو الواحد المستمر، و ليس لاوفوا بالعقود عموم الا العموم الافرادي و هو العموم الشامل لعقد البيع و غيره من افراد العقود، فعقد البيع احد الافراد لهذا العام، و الزمان الذي يلحق هذا الفرد هو الزمان الواحد المستمر الذي يلحق غيره من افراد العقود الأخر، فعقد البيع الذي كان الزمان له بنحو الواحد المستمر هو الفرد الذي يشمله اوفوا بالعقود، و بعد انقطاع هذا الزمان الواحد المستمر بوقوع التخصيص فيه في الاثناء لا يكون الوفاء بعقد البيع فيما بعد زمان الخاص فردا من افراد اوفوا بالعقود، لان الفرد لاوفوا بالعقود هو عقد البيع الذي كان زمانه واحدا مستمرا، و بعد الانقطاع لا استمرار و لا اتصال للواحد المستمر بعد انقطاعه، فان الزمان بعد لحاظه بنحو الواحد المستمر كان واحدا بسيطا متصلا لا انقطاع فيه، فعود اوفوا بالعقود بعد وقوع الانفصال لان يشمل ما بعد زمان الخاص يكون لازمه كون الواحد البسيط اثنين، و كون المفروض انه متصل واحد منفصلا، و لازمه اتصال المنفصلين، و كون ما فرض فيه الاستمرار و عدم الانقطاع قد فرض فيه الانقطاع، و لازمه استمرار المنقطع، فلا يكون الوفاء بالعقد فيما بعد زمان الخاص فردا لاوفوا بالعقود و إلّا لزم تجزؤ الواحد البسيط، و لازمه كون الواحد البسيط اثنين، و كون ما فرض فيه الاتصال لم يكن فيه اتصال،

ص: 304

.....

______________________________

و لازمه اتصال المنفصلين، و كون المنقطع له استمرار، و لازمه استمرار المنقطع، و كل ذلك خلف واضح ... و اذا كان العام لا يمكن ان يكون مرجعا بعد زمان الخاص فلا يكون للعام دلالة على الوفاء بالعقد بعد زمان الخاص، و حيث ان حكم الخاص كان متيقنا ثم شك في بقائه بعد زمان، فلا بد من اجراء الاستصحاب فيه و الحكم ببقائه في الزمان اللاحق لزمان الخاص، و لازم هذا ان يكون للمغبون حق فسخ العقد بعد انقضاء زمان الفورية، و لذا قال: (قدس سره): ( (فان كان مفاد كل من العام و الخاص)) قد لحظ الزمان فيهما ( (على النحو الاول)) و هو لحاظ الزمان بنحو الواحد المستمر ظرفا ( (فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته)) أي في غير مورد دلالة الخاص و هو الزمان اللاحق لزمان الخاص: أي فيما بعد زمان الخاص يكون المرجع هو استصحاب حكم الخاص، و لا يكون المرجع هو العام ( (لعدم دلالة للعام على حكمه)) و هو وجوب الوفاء فيما بعد زمان الخاص، لان هذا الزمان لم يكن فردا للعام بنفسه، لان المفروض انه لا عموم ازماني للعام، و انما كان هذا الزمان بعض الواحد المستمر لو لم يقع لهذا الواحد انقطاع، و بعد وقوع الانقطاع في هذا الزمان الواحد فلا يكون مشمولا للعام ( (لعدم دخوله على حدة في موضوعه)) أي في موضوع العام لعدم العموم الازماني للعام ( (و)) بحصول ( (انقطاع الاستمرار)) للزمان الواحد المستمر ( (ب)) واسطة حكم ( (الخاص)) الواقع في اثنائه فلا استمرار لذلك الواحد لهذا الزمان الواقع بعد زمان حكم الخاص بعد انقطاعه بزمان حكم الخاص، فلا يعقل شمول العام له، و الّا لزم تجزؤ الواحد البسيط و اتصال المنفصلين و استمرار المنقطع و كلّه خلف كما عرفت.

و اشار الى ان المرجع لا بد و ان يكون استصحاب حكم الخاص بقوله: ( (الدال على ثبوت الحكم له)) أي ان الدليل الخاص بعد ان كان دالا على ثبوت الحكم له أي للخاص ( (في الزمان السابق من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق)) أي ان الخاص ايضا لا يدل على ثبوت حكمه في الزمان اللاحق، و الّا لكان المرجع هو

ص: 305

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه، كما إذا كان مخصصا له من الاول، لما ضربه في غير مورد دلالته، فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته، فيصح التمسك بأوفوا بالعقود و لو خصص بخيار المجلس و نحوه، و لا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله (1)،

______________________________

الدليل الخاص لا الاستصحاب، و لكنه حيث لم يكن للخاص دلالة كما انه ليس للعام دلالة فلا يكون المرجع العام، و لكنه لما كان حكم الخاص متيقنا سابقا مشكوكا في بقائه لاحقا ( (فلا مجال الا لاستصحابه)).

و الحاصل: انه لا دليل لفظي على الحكم فيما بعد زمان الخاص لا من العام و لا من الخاص، فيرجع الى الاستصحاب، و حيث كان حكم الخاص متيقنا سابقا و مشكوكا لاحقا فلا بد و ان يكون هو المستصحب.

(1) بعد ان ذكر حكم المسألة فيما لو وقع التخصيص في الاثناء و ان المرجع فيه يكون استصحاب حكم الخاص، اشار الى انه لو كان التخصيص موجبا لارتفاع حكم العام في اول الأزمنة، فبعد انقضاء زمان حكم الخاص يكون المرجع هو اوفوا بالعقود، و السبب في ذلك انه لا يكون في هذا الفرض انقطاع لاستمرار حكم العام، فلا يلزم ما ذكرناه من المحاذير المتقدمة، لان العام بعد تخصيصه في اول الأزمنة يكون ابتداء زمان استمراره بعد انقضاء زمان حكم الخاص، فلا مناص من كونه هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص، كما في خيار المجلس بالنسبة الى اوفوا بالعقود، فان خيار المجلس يرفع حكم لزوم العقد من اول زمان انعقاد البيع الى انقضاء زمان المجلس، و يكون اوفوا بالعقود دالا على لزوم العقد بعد انقضاء زمان خيار المجلس، فابتداء دلالة اوفوا بالعقود على وجوب الوفاء بالعقد هو ما بعد انقضاء زمان خيار المجلس، فلما لم يكن الخيار موجبا لانقطاع هذا الواحد المستمر في العام لفرض كون ابتدائه بعد انقضاء زمان الخاص، فلا بد و ان يكون العام هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص، و لا يلزم محذور من تلك المحاذير، لانها انما تلزم حيث يكون انقطاع

ص: 306

.....

______________________________

للواحد و لا انقطاع هنا له، فيكون المرجع بعد انقضاء زمان خيار المجلس الذي هو زمان الخاص العام و هو اوفوا بالعقود، فيدل على وجوب الوفاء بعقد البيع في الزمان اللاحق لزمان الخيار و هو ما بعد زمان المجلس.

و مما ذكرنا يظهر: انه لو كان الخاص محددا للزمان الواحد المستمر الذي هو ظرف حكم العام، بان يكون الخاص دالا على ان هذا الواحد المستمر في العام امد انتهائه هو هذا الزمان، ففي مثل هذا يكون العام مرجعا في مجموع الزمان الواحد المستمر الى حدّ انتهائه، نعم لا يكون حجة في الزمان الواقع بعد انتهاء زمانه لدلالة الخاص على انتهاء زمان هذا الواحد المستمر في العام، و اما ما بين اول زمان هذا الواحد المستمر الى حدّ انتهائه فالعام فيه هو المرجع، لعدم حدوث انقطاع لهذا الواحد المستمر ما بين اول ازمنته و زمان انتهائه، فلا يلزم محذور من تلك المحاذير، و لم يشر المصنف اليه هنا و لعله لوضوحه، لان المحاذير انما ترد حيث يكون انقطاع في الاثناء، و المفروض عدم الانقطاع في الاثناء في هذا ايضا.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه)) أي غير قاطع لحكم العام، و ذلك ( (كما اذا كان)) الخاص ( (مخصصا له)) أي للعام ( (من الاول)) كما في تخصيص خيار المجلس لاوفوا بالعقود فانه مخصص للعام من اول ازمنة وقوع البيع الى ان ينتهي المجلس، و في هذا الخيار حيث كان التخصيص واقعا من الاول ( (لما)) كان هذا الخيار المخصّص لعموم اوفوا بالعقود مما ( (ضرّ به)) أي انه لا يضر التمسك بعموم اوفوا بالعقود فيما بعد انقضاء زمان خيار المجلس، و لا يكون حكم هذا العام مرتفعا الّا في خصوص زمان خيار المجلس الذي مورد دلالة الخاص و ( (في غير مورد دلالته)) أي في غير مورد دلالة الخاص يكون المرجع هو عموم اوفوا بالعقود. و اشار الى الوجه في كون المرجع هو العام هو عدم الانقطاع في الواحد المستمر من زمان العام، لان ابتداء دلالة العام على وجوب الوفاء بعد انقضاء زمان الخيار بقوله: ( (فيكون اول زمان استمرار حكمه)) أي اول زمان

ص: 307

فافهم (1).

و إن كان مفادهما على النحو الثاني، فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام، لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده، فله الدلالة على حكمه، و المفروض عدم دلالة الخاص على خلافه (2).

______________________________

استمرار حكم العام ( (بعد زمان دلالته)) أي بعد انقضاء زمان دلالة الخاص فلا انقطاع لزمان العام فلا تردد تلك المحاذير ( (فيصح التمسك باوفوا بالعقود و لو خصص ب)) مثل ( (خيار المجلس و نحوه)) من الخيارات التي يكون زمانها اول زمان وقوع عقد البيع كخيار الحيوان و خيار التسليم. و اشار الى عدم التمسك باوفوا بالعقود فيما اذا كان التخصيص في الاثناء كما في مثل خيار الغبن بقوله: ( (و لا يصح التمسك به)) أي بعموم اوفوا بالعقود ( (فيما اذا خصص بخيار)) واقع في اثنائه ( (لا في اوله)) و قد عرفت ايضا عدم الانقطاع ايضا فيما اذا كان الخاص محددا لانتهاء هذا الواحد المستمر، فان العام يكون مرجعا فيما بين اول أزمنة هذا الواحد و ما بين حد انتهائه، لعدم حدوث الانقطاع له في الاثناء حتى يلزم ورود تلك المحاذير.

(1) لعله اشارة الى ما يظهر من كلام الشيخ الاعظم من ذهابه الى عدم التمسك بالعام فيما كان العام قد لحظ الزمان فيه ظرفا واحدا مستمرا مطلقا، سواء كان التخصيص واقعا في الاثناء أو من الاول، و قد عرفت ان الحق التفصيل بين كونه واقعا من الاول فيصح التمسك بالعام، و بين كونه واقعا في الاثناء فلا يصح التمسك بالعام.

(2) هذا هو القسم الثاني و هو كون كل من العام و الخاص قد كان لحاظ الزمان فيه بنحو التقطيع، فيكون في العام كل قطعة من الزمان قيدا للموضوع الذي له الحكم في العام، و في الخاص محددا للموضوع الذي ثبت له حكم الخاص، و لما كان العام في هذا القسم منحلا الى افراد متعددة بعدد قطعات الزمان لكل قطعة منه حكم غير الحكم الذي للقطعة الاخرى، فلم يكن خروج فرد منه قد حدد بحد من الزمان

ص: 308

و إن كان مفاد العام على النحو الاول و الخاص على النحو الثاني، فلا مورد للاستصحاب، فإنه و إن لم يكن هناك دلالة أصلا، إلا أن

______________________________

مخصوص موجبا لعدم ظهور للعام بالنسبة الى الافراد الباقية سواء كان التخصيص في الاثناء او من الاول، و لا يلزم من تلك المحاذير شي ء، لان الزمان في هذا القسم ليس له وحدة استمرارية لها حكم واحد، بل كل قطعة منه لها حكم غير الحكم للقطعة الاخرى، فخروج قطعة منه لا تنافي بقاء القطعة الاخرى بما لها من الحكم، لان القطعة الاخرى فرد من افراد العام غير هذه القطعة الخاصة التي خرجت بالتخصيص، فلا بد في هذا القسم من الرجوع الى العام فيما بعد زمان الخاص، لانه فرد من افراد العام، و للعام دلالة على ثبوت الحكم لهذا الزمان، و ليس للخاص دلالة على ثبوت حكم له، لان المفروض ان الخاص قد حدّد بزمان هو غير هذا الزمان، و لذا قال (قدس سره): ( (و ان كان مفادهما)) أي و ان كان مفاد كل واحد من العام و الخاص ( (على النحو الثاني)) بان يكون الزمان قد اخذ مقطعا في العام لكل قطعة حكم، فيكون مفاده منحلا الى موضوعات متعددة بعدد قطعات الزمان، و لكل قطعة منه حكم غير الحكم الذي للقطعة الاخرى، و كان الخاص قد حدّد له زمان محدود بحدّ مخصوص ( (فلا بد)) على هذا ( (من التمسك بالعام)) مطلقا في كل قطعة من قطعات الزمان غير قطعة الزمان التي ثبت لها حكم الخاص ( (بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان)) الذي هو الزمان الواقع بعد زمان الخاص هو ( (من افراده)) أي من افراد العام ( (فله)) أي فللعام ( (الدلالة على حكمه)) لانه فرد من افراد العام له حكم من أحكام العام المنحلّة ( (و المفروض عدم دلالة الخاص على خلافه)) لان الخاص له زمان محدّد هو غير هذا الزمان الواقع بعد انقضاء زمان الخاص.

ص: 309

انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب حكم الموضوع، و لا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا، فلا بد من الرجوع إلى سائر الاصول (1).

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث، و هو ان يكون الزمان في العام ماخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فيه، و في الخاص مأخوذا بنحو ان يكون مأخوذا في موضوع الحكم فيه، و ان يكون هذا الخاص واقعا في الاثناء لا في اول ازمنة العام، كما لو ورد اوفوا بالعقود و كان الزمان ماخوذا فيه بنحو الواحد المستمر، و ورد تخصيصه بالخيار في الاثناء و كان الخيار محددا بزمان محدود، كما لو كان ثبوت الخيار بالشرط مثلا، و كان الشرط هو ثبوت الخيار بعد مضي زمان من وقت حدوث البيع، و كان الخيار محدودا بكونه في يوم واحد مخصوص، ففي مثل هذا لا يرجع الى العام بعد انقضاء زمان الخيار، لما عرفت في القسم الاول من ان التمسك بالعام بعد انقطاعه لازمه تجزؤ البسيط و اتصال المنفصلين و استمرار المنقطع، و لا يرجع الى استصحاب الخاص لان الخاص حيث كان الزمان مأخوذا فيه بنحو التحديد و التعيين بين الحدين، فموضوع الحكم هو الزمان المحدود بالحد المعلوم، و لما كان الزمان قيدا لموضوع الحكم في الخاص فلا يجري الاستصحاب فيه، لانه لا بد في الاستصحاب من اتحاد موضوع الحكم في المتيقن و المشكوك، و لما كان موضوع الحكم في المتيقن هو الزمان المحدود، فتسرية الحكم من هذا الموضوع الى ما بعده و هو الزمان الواقع بعد انقضاء زمان الخيار من تسرية حكم موضوع الى موضوع آخر فلا اتحاد في الموضوع في القضية المتيقنة و القضية المشكوكة، فلا مجال في هذا القسم الى الرجوع الى العام لما عرفت، و لا مجال للاستصحاب لعدم الاتحاد في الموضوع في القضية المتيقنة و المشكوكة، فيكون من تسرية حكم موضوع الى موضوع آخر، بل لا بد من الرجوع الى الاصول الأخر غير الاستصحاب.

ص: 310

.....

______________________________

فاتضح مما ذكرنا: ان ما بعد انقضاء زمان الخيار في هذا القسم الثالث ليس فيه دليل لفظي يرجع اليه لا من العام لما مرّ و لا من الخاص، لان الزمان فيه مأخوذ في الموضوع و هو محدود بحدّين، و لازم ذلك خروج هذا الزمان عنه، و لا مجال ايضا للرجوع الى الاستصحاب و ان لم يكن دليل لفظي هناك، لكنه لعدم اتحاد الموضوع لا يرجع الى الاستصحاب، فيتعيّن الرجوع الى ساير الاصول.

و ظهر ايضا ما في ظاهر كلام الشيخ الاعظم من انه حيث يكون الزمان ماخوذا في العام بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم، فالمرجع بعد تخصيصه بالخيار- مثلا- الى استصحاب حكم الخاص فيما بعد انقضاء زمان الخيار، لما عرفت من عدم الرجوع الى الاستصحاب في هذا القسم مع ان العام قد اخذ الزمان فيه بنحو الواحد المستمر.

و على كل فقد اشار المصنف الى عدم الرجوع في هذا القسم الى عموم العام و لا الى الخاص و لا الى الاستصحاب و ان المرجع ساير الاصول بقوله: ( (و ان كان مفاد العام على النحو الاول)) بان يكون الزمان مأخوذا فيه بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ( (و الخاص على النحو الثاني)) بان يكون الزمان ماخوذا فيه بما هو قيد للموضوع ( (فلا مورد)) في هذا القسم ( (للاستصحاب))، و الوجه في ذلك ما اشار اليه بقوله: ( (فانه و ان لم يكن هناك دلالة)) لدليل لفظي ( (اصلا)) لما عرفت من عدم الدلالة لا من العام كما سيشير اليه و لا من الخاص ( (إلّا ان انسحاب الحكم الخاص الى غير مورد دلالته)) و هو الزمان الذي يكون بعد انقضاء زمان الخيار، و بهذا اشار الى عدم دلالة الخاص على ثبوت حكمه فيما بعد انقضاء زمانه، و لكن الاستصحاب ايضا لا مجال له، لان هذا الزمان لا ينسحب اليه حكم الخاص بواسطة الاستصحاب، لان جريان الاستصحاب فيه فاقد لشرط جريان الاستصحاب و هو اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة و القضية المشكوكة، فانسحاب الحكم بواسطة الاستصحاب ( (من اسراء حكم موضوع الى)) موضوع ( (آخر لا)) من ( (استصحاب حكم الموضوع)) في القضية المتيقنة الى نفس الموضوع في القضية

ص: 311

و إن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام، للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص (1)، و لكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب

______________________________

المشكوكة. ثم اشار الى عدم الرجوع فيه الى العام بقوله: ( (و لا مجال ايضا للتمسك بالعام لما مرّ آنفا)) في القسم الاول كما عرفت، و لما لم يكن العام مرجعا و لا الخاص و لا مجال لجريان الاستصحاب فيه ( (فلا بد من الرجوع)) فيه ( (الى ساير الاصول)) الأخر غير الاستصحاب.

(1) هذا هو القسم الرابع و هو ما كان مفاد العام على النحو الثاني، بان يكون الزمان مأخوذا فيه بنحو التقطيع، و اما الخاص فيكون الزمان مأخوذا فيه بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم، و في هذا القسم يكون المرجع هو العام بعد انقضاء زمان الخاص، لما عرفت من ان الزمان اذا كان مأخوذا في العام بنحو التقطيع يكون منحلا الى افراد متعددة بتعدد قطعات الزمان، فاذا خصّص باخراج قطعة من الزمان منه يكون الخاص فيها دالا على حكم فيها غير حكم العام، فلا ينثلم ظهور العام بالنسبة الى قطعات الزمان الآخر التي منها القطعة من الزمان الواقعة بعد انقضاء قطعة الزمان في الخاص. فاتضح ان العام هو المرجع بعد انقضاء زمان الخاص، فاذا دلّ اوفوا بالعقود- مثلا- على ثبوت حكم الوفاء لكل عقد في كل زمان، ثم خصّص بدليل خاص يدل على ثبوت الخيار مثلا في اثناء عقد البيع، على نحو يكون الزمان في الخيار مأخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم، فبعد انقضاء زمان الخيار يكون المرجع هو اوفوا بالعقود، فيثبت به وجوب الوفاء بالعقد الدال على لزوم العقد فيما بعد انقضاء زمان الخيار. و لا يخفى انه في فرض اخذ الزمان في الخاص بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فائدة سيشير اليها المصنف بقوله: و لكنه.

و على كل فقد اشار المصنف الى كون العام هو المرجع في هذا القسم، فلا يرجع الى الاستصحاب لوجود الدليل اللفظي بقوله: ( (و ان كان مفادها على العكس)) بان مفاد العام على النحو الثاني، بان اخذ الزمان فيه على نحو التقطيع، و كون

ص: 312

مرجعا، لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه (1)، فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى اللّه

______________________________

الزمان قيدا للموضع في الحكم، و مفاد الخاص اخذ الزمان فيه على نحو الواحد المستمر ظرفا للحكم و هو النحو الاول، فعلى هذا الفرض ( (كان المرجع هو العام)) فيما بعد انقضاء زمان الخاص ( (ل)) ما عرفت من انحلال العام الى افراد من جملتها هو زمان ما بعد انقضاء زمان الخيار، و عليه فلا بد من ( (الاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص)) و في غير ذلك يكون هو المرجع، و لا يرجع الى الخاص و لا الى الاستصحاب، اما الى الخاص فلفرض انقضاء زمانه، و اما الى الاستصحاب فلوجود الدليل اللفظي و هو العام.

(1) حاصله: ان الزمان في الخاص بعد ان كان مأخوذا بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم فلا يكون الزمان مأخوذا فيه قيدا للموضوع، و حيث لم يكن مأخوذا فيه كذلك فلا يكون للخاص دلالة على عدم ثبوت حكمه فيما بعد زمانه و يكون ساكتا عن ذلك، و لما كان ساكتا فهناك مجال لاستصحابه، فلو لم يكن العام دالا على الحكم في هذا الزمان لكان مجال لاستصحاب حكم الخاص.

و منه يتضح الفرق بين الخاص الذي اخذ الزمان فيه قيدا لموضوع الحكم كما في القسم الثالث، و بين الخاص الذي اخذ الزمان واحدا مستمرا ظرفا للحكم كما في هذا القسم الرابع: في ان الخاص في القسم الثالث لا مجال فيه للاستصحاب لما عرفت من عدم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة و القضية المشكوكة، و الخاص في هذا القسم لا مانع من جريان الاستصحاب فيه لو لا دلالة العام على الحكم فيه. و الى هذا اشار بقوله: ( (و لكنه)) أي و لكن في هذا القسم الرابع الذي اخذ الزمان في الخاص بنحو الواحد المستمر ظرفا للحكم ( (لو لا دلالته)) أي لو لا دلالة العام فيه على الحكم ( (لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من ان الحكم في طرف الخاص قد اخذ على نحو صح استصحابه)) بخلافه في القسم الثالث فانه حيث اخذ الزمان بنحو يكون قيدا

ص: 313

مقامه في المقام نفيا و إثباتا في غير محله (1).

______________________________

للموضوع فلا يصح استصحابه، و حيث اخذ في هذا القسم ظرفا فلا يكون قيدا للموضوع حتى يكون استصحابه من باب تسرية حكم موضوع في القضية المتيقنة لموضوع آخر في القضية المشكوكة، بل يكون استصحابه من استصحاب حكم الموضوع في القضية المتيقنة لنفس الموضوع في القضية المشكوكة كما مر بيانه تفصيلا.

(1) توضيحه: انه قد مر في اول التنبيه ان الاقوال ثلاثة: قول المصنف و قد عرفته تفصيلا، و قول الشيخ الاعظم و ظاهره التفصيل، و انه اذا كان الزمان مأخوذا في العام بنحو كونه واحدا مستمرا ظرفا للحكم يكون المرجع هو الاستصحاب لحكم الخاص بعد انقضاء زمان الخاص، و لا يكون العام مرجعا اصلا، و قد عرفت ما فيه مما مر من انه، تارة يكون العام مرجعا فيما كان الخاص مخصصا للعام من الاول، فالعام و ان كان الزمان ظرفا فيه لكنه مع ذلك يكون هو المرجع بعد التخصيص كما عرفت في القسم الاول، و اخرى يكون الزمان في العام ظرفا ايضا و لا يكون العام مرجعا كما في القسم الثالث، و لكنه لا مجال فيه للاستصحاب ايضا كما مر بيانه.

و اذا كان الزمان ماخوذا في العام بنحو التقطيع و اخذ الزمان قيدا للموضوع فظاهر الشيخ ان المرجع هو العام بعد زمان الخاص، و لا يرجع الى الاستصحاب في هذا الفرض و لو فرض عدم حجية العام لاجل المعارضة مثلا. و قد عرفت ما فيه مما مر في القسم الرابع من ان العام و ان كان هو المرجع إلّا انه لا نقص في جريان الاستصحاب لحكم الخاص، حيث ان الزمان قد اخذ في الخاص بنحو يكون ظرفا مستمرا واحدا، فلا مانع من استصحابه لو لم يكن العام دالا على الحكم.

فظهر- مما مر- ما في كلام الشيخ نفيا و اثباتا، فانه لا وجه لنفيه لحجية العام اصلا و رجوعه الى الاستصحاب فيما اذا كان الزمان مأخوذا في العام ظرفا واحدا مستمرا، لما عرفت من ان الخاص اذا كان مخصصا للعام من الاول فالعام يكون هو المرجع و ان اخذ الزمان ظرفا، لما مر في القسم الاول.

ص: 314

الرابع عشر: الظاهر أن الشك في أخبار الباب و كلمات الاصحاب هو خلاف اليقين، فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب (1)، و يدل عليه- مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح،

______________________________

و لا وجه لاثباته كون المرجع هو الاستصحاب مطلقا فيما اذا كان الزمان ظرفا واحدا مستمرا، لما عرفت من عدم الرجوع الى الاستصحاب و ان كان الزمان ظرفا للعام، فيما اذا كان الزمان في الخاص مأخوذا بنحو كونه قيدا للموضوع، فان المرجع فيه ساير الاصول دون الاستصحاب كما مرّ في القسم الثالث. و لا وجه لنفيه الاستصحاب مطلقا فيما اذا كان الزمان مأخوذا في العام بنحو التقطيع و لو لم يكن العام بحجة لاجل المعارضة فقد عرفت انه لا مانع من الرجوع الى الاستصحاب لوجدانه لاتحاد الموضوع في القضية المتيقنة و القضية المشكوكة، كما مرّ بيانه في القسم الرابع.

لا يخفى ان القول الثالث و هو كون العام مرجعا مطلق سواء في الواحد المستمر و في غيره، و لا وجه للتفصيل الذي ذكره المصنف، و لا لما ذكره الشيخ، و الوجه فيه ان العام له دلالتان: دلالة من حيث العموم بالنسبة الى افراد العقود كعقد البيع و عقد الاجارة و غيرهما من العقود، و دلالة من حيث الاطلاق و هو الوفاء بالعقد بالنسبة الى الزمان، و للاطلاق دلالة على وجوب الوفاء بالعقد في كل قطعة من قطعات الزمان، و لذا كان له عصيانات متعددة بحيث يمكن ان يطيع و يفي بالعقد في بعض قطعات الزمان، و يمكن ان يعصي و لا يفي به في القطعة الاخرى، و لا يكون الاطلاق فيه نظر الى الجمع بين القيود حتى يقال ان المفروض ان النظر فيه الى الزمان بنحو الواحد المستمر، لان المراد من الاطلاق عدم النظر الى اخذ القيود بنحو اللابشرط القسمي و ليس فيه جمع بين القيود.

(1)

الرابع عشر: المراد بالشك في الاستصحاب خلاف اليقين
اشارة

الغرض من هذا التنبيه هو اثبات ان الاستصحاب قوامه باليقين في الزمان السابق و عدم اليقين في الزمان اللاحق، و لا خصوصية للشك الاصطلاحي الذي هو تساوي

ص: 315

.....

______________________________

الطرفين، بل لا بد من ترتيب آثار اليقين السابق في حال حصول الظن بغير ما كان قد تعلق به اليقين، و اما ترتيب الآثار مع قيام الظن بما يوافق ما تعلق به اليقين ربما يقال انه بالاولوية، لانه مع لزوم ترتيب آثار اليقين في حال تساوي الطرفين في الزمان اللاحق فبالطريق الاولى ان يؤخذ باليقين فيما قام الظن على وفاقه في الزمان اللاحق.

و على كل فمحل الاستدلال هو فيما قام الظن على خلاف ما تعلق به اليقين، بان يحصل اليقين بوجود شي ء- مثلا- في الزمان السابق ثم يحصل الظن بعدم وجوده في الزمان اللاحق، فاذا كان ما دلّ على حجية الاستصحاب دالا على الاخذ باليقين في السابق في حال عدم اليقين في اللاحق فلا بد و ان يكون المراد بالشك ما يشمل الظن بالخلاف.

و ينبغي ان لا يخفى انه بناء على كون مدرك حجية الاستصحاب هو الاجماع فالقاعدة الاولية- ما لم يعلم بشموله للظن بالخلاف- تقتضي الاقتصار فيه على خصوص تساوي الطرفين و الظن بالوفاق، لانه ليس له لسان لفظي حتى يستدل بعمومه او باطلاقه على شموله للظن بالخلاف.

و ان كان مدركه بناء العقلاء فلا بد من مراجعة بنائهم في مقام الظن بالخلاف، فان كان بناؤهم على ترتيب آثار اليقين فيه كانت حجية الاستصحاب شاملة للظن بالخلاف، و الّا فلا بد من الاقتصار على خصوص مورد الشك و الظن بالوفاق.

و ان كان مدرك الاستصحاب كونه من الامارات الظنية، فان كان هو الظن الشخصي فلا ريب في عدم حجيته في مقام الظن بالخلاف، و ان كان هو الظن النوعي فان كان الظن النوعي مقيدا بعدم قيام الظن الشخصي على الخلاف فلا يكون حجة في مقام الظن بالخلاف ايضا، و ان لم يكن الظن النوعي مقيدا بعدم قيام الظن الشخصي على الخلاف فيكون حجة من مورد الظن بالخلاف.

و ان كان مدرك الاستصحاب هو الاخبار، فقد استدل على كونه حجة مطلقا حتى في مورد الظن بالخلاف بوجوه تزيد على ما اشار اليها في المتن، و في المتن اشار

ص: 316

و تعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب (1)- قوله عليه السّلام في أخبار الباب و لكن تنقضه بيقين آخر حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين و أنه ليس إلا اليقين (2)، و قوله أيضا لا حتى يستيقن أنه قد نام

______________________________

الى جملة منها ارتضى بعضها و اورد على بعضها. و قد اشار الى ان الوجوه المستدل بها لكون دليل الاستصحاب حجة حتى في مقام الظن بالخلاف موردها ما اذا كان دليل حجية الاستصحاب هو الاخبار، بان يكون المراد من الشك الوارد فيها هو ما يعم الظن بالخلاف، لا خصوص ما اذا تساوى الطرفان او كان هناك ظن بالوفاق بقوله: ( (الظاهر ان الشك في اخبار الباب و كلمات الاصحاب)) يراد به ما ( (هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب)) و وجه الترقي في قوله فضلا واضح، لانه اذا كان المراد من الشك ما يعم مورد الظن بالخلاف فبطريق اولى يعم مورد الظن بالوفاق.

(1) اشار بقوله مضافا الى وجهين يقتضيان عموم الشك الوارد في الاخبار لمورد الظن بالخلاف: الاول: ان معنى الشك في اللغة هو خلاف اليقين لا خصوص تساوي الطرفين، و اليه اشار بقوله: ( (مضافا الى انه كذلك لغة كما في الصحاح)).

الثاني: انه قد ورد لفظ الشك في غير باب الاستصحاب و قد اريد منه عدم اليقين كما في باب الشك في عدد الركعات، فان من لاحظ باب الشك في عدد الركعات يرى ان المراد من الشك فيها هو عدم اليقين، و اليه اشار بالعطف بقوله: ( (و تعارف استعماله فيه)) أي مما يدل على ان المراد من الشك في باب الاستصحاب هو عدم اليقين هو تعارف استعمال له: أي استعمال الشك فيه أي في عدم اليقين ( (في الاخبار)) الواردة ( (في غير باب)) الاستصحاب كباب الشك في عدد الركعات.

(2)

ورد قرائن تدل على ان المراد بالشك عدم اليقين

حاصله: انه قد ورد في خصوص اخبار باب الاستصحاب قرائن تدل على ان المراد بالشك فيها هو عدم اليقين:

ص: 317

بعد السؤال عنه عليه السّلام عما إذا حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم حيث دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الامارة الظن، و ما إذا لم تفد، بداهة أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا، على عموم النفي لصورة الافادة (1)، و قوله عليه السّلام بعده

______________________________

القرينة الاولى: ما في صحيحة زرارة الاولى و هي انه بعد ان نهى عن نقض اليقين بالشك، قال عليه السّلام: و لكن تنقضه بيقين آخر، فان قوله و لكن تنقضه بيقين آخر قد ورد لبيان تحديد ما ينقض به اليقين السابق و هو اليقين اللاحق القائم على خلاف اليقين السابق، و اذا كان الحد لنقض اليقين السابق هو اليقين اللاحق القائم على خلافه كان هذا الكلام دالا على ان اليقين السابق لا ينقض بالظن القائم على خلافه، و لازم هذا كون المراد من الشك المنهي عن نقض اليقين به هو ما يعم الظن بالخلاف.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (قوله عليه السّلام في اخبار الباب)) أي ان قوله عليه السّلام في اخبار الباب و هو قوله ( (و لكن تنقضه بيقين آخر)) يدل على ان المراد بالشك ما يعم الظن بالخلاف و ذلك ( (حيث ان ظاهره)) في قوله عليه السّلام و لكن تنقضه بيقين آخر ( (انه في)) مقام ( (بيان تحديد ما ينقض به اليقين و انه ليس هو إلّا اليقين)) و لازم التحديد هو حصر الناقض لليقين باليقين، و اذا كان ما ينقض اليقين هو اليقين فغير اليقين مما نهى عن النقض به، و غير اليقين ما يعم الظن بالخلاف، و لازم هذا كون المراد من الشك ما يعم الظن بالخلاف.

(1) هذه هي القرينة الثانية التي وردت في هذه الصحيحة ايضا، و هي قوله عليه السّلام لا حتى يستيقن انه قد نام، فانه قد ورد هذا جوابا لسؤال زرارة عمن اذا حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم، فهل يكون ذلك امارة على حصول النوم الناقض للوضوء ام لا؟ فقال عليه السّلام في جوابه: لا حتى يستيقن انه قد نام، و المفهوم من هذا الكلام ان المدار في ما ينقض اليقين بالوضوء هو حصول اليقين بالنوم الذي هو الناقض، فما لم يتيقن لاحقا بخلاف ما تعلق به اليقين السابق لا ينقض اليقين السابق. و هذا

ص: 318

.....

______________________________

الكلام ايضا يدل على تحديد الناقض لليقين و حصره باليقين، و هو يدل على ان ما عدا اليقين لا ينقض اليقين.

و بعبارة اخرى: ان السائل ذكر في سؤاله ما يمكن ان يكون امارة نوعية على حصول الناقض، و جواب الامام له جعل المدار على حصول اليقين، و لم يعتن بهذه الامارة النوعية، و لم يفصل بين كون عدم احساسه بتحريك شي ء في جنبه مما يوجب الظن بالخلاف او الشك، بل جعل المدار على حصول اليقين، فجوابه عليه السّلام و هو قوله لا حتى يستيقن انه قد نام له اطلاق يدل على انه ان حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم لا ينقض اليقين بالطهارة و ان ظن بالخلاف، فترك التفصيل من الامام عليه السّلام و عدم اعتنائه بالامارة النوعية و حصره للناقض باليقين يدل على ان المراد من الشك في قوله لا ينقض اليقين بالشك هو ما يعم الظن بالخلاف.

هذا كله اذا لم نقل بان قصد السائل هو السؤال عن خصوص الظن بالخلاف، لان ما ذكره مما يستلزم بطبعه الظن بالخلاف غالبا، فجواب الامام عليه السّلام بقوله لا حتى يستيقن يكون مورده عدم الاعتناء بالظن بالخلاف و انه من نقض اليقين بالشك، فيكون نصا قائما على ان المراد من الشك هو ما يعم الظن بالخلاف.

لا يخفى ان محل الكلام هو الظن الشخصي بالخلاف، فان كان قول السائل فان حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم يريد به الامارة النوعية على الظن بالخلاف، فحيث لا ملازمة بين الامارة النوعية و الظن الشخصي، فلا بد من كون القرينة على عدم اعتبار الظن الشخصي بالخلاف هو ترك الاستفصال كما هو ظاهر المتن. و ان كان قول السائل فان حرك ... الى آخره يريد به ما يوجب الظن الشخصي بالخلاف، فنفي عدم اعتباره في كلام الامام عليه السّلام يكون نصا في عدم الاعتناء بالظن بالخلاف.

بل يمكن ان يقال ان ظاهر سؤال السائل انه عما يوجب الظن بالخلاف، لان ذلك بعد ان بين له الامام عليه السّلام: بانه قد تنام العين و لا ينام القلب، فيكون اوضح دلالة على عدم اعتبار الظن بالخلاف، و الوجه في كون السؤال عن ذلك، انه بعد ان بين

ص: 319

.....

______________________________

الامام عليه السّلام انه لا ملازمة بين الخفقة و الخفقتين و النوم سأل عما له الملازمة عادة، و من الواضح ان ما له الملازمة العادية يوجب الظن بالخلاف، فقول السائل فان حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم ظاهر جدا في انه سؤال عما يوجب الظن بالخلاف.

فتحصل مما ذكرنا: ان السؤال اذا كان عن خصوص الظن بالخلاف لم نحتج الى التمسك بالاطلاق و ترك الاستفصال، بل يكون قوله عليه السّلام لا حتى يستيقن بكون مورده ان الظن بالخلاف من نقض اليقين بالشك، و ان كان السؤال عما هو اعم من الشك و الظن بالخلاف، كان الاطلاق بترك الاستفصال في مقام الجواب دليلا على ذلك. و يظهر من المصنف ان الدليل هو الاطلاق و ترك الاستفصال.

و على كل فقوله عليه السّلام لا حتى يستيقن قرينة في هذه الصحيحة على ان المراد من الشك الذي قد نهى عن نقض اليقين به هو ما يعم الظن بالخلاف. و الى ذلك اشار بقوله: ( (و قوله ايضا لا حتى يستيقن انه قد نام بعد السؤال عنه عليه السّلام عما اذا حرك في جنبه شي ء و هو لا يعلم)) دليل على ان الشك في قوله عليه السّلام لا ينقض اليقين بالشك الواقع بعد هذا السؤال و الجواب مما يعم الظن بالخلاف ( (حيث دل)) قوله لا حتى يستيقن ( (باطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما اذا افادت هذه الامارة)) و هي التحريك للشي ء بالجنب و لا يعلم به ( (الظن)) بالخلاف ( (و ما اذا لم تفد)) الظن بالخلاف على ان الشك مما يعم الظن بالخلاف. ثم اشار الى الوجه في هذا الاطلاق بقوله: ( (بداهة)) ان التحريك و عدم العلم به اذا كان امارة على النوم ف ( (انها لو لم تكن مفيدة له)) أي للظن بالخلاف ( (دائما لكانت مفيدة له)) أي للظن بالخلاف ( (احيانا)) فترك الاستفصال في مقام الجواب يكون دالا باطلاقه ( (على عموم النفي)) في قوله لا حتى يستيقن ( (لصورة الافادة)) للظن بالخلاف، و لا يخفى ان الجار و المجرور و هو قول المصنف على عموم النفي متعلق بقوله حيث دل باطلاقه.

ص: 320

و لا تنقض اليقين بالشك أن الحكم في المغيى مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك، كما لا يخفى (1).

______________________________

(1) توضيحه: ان الرواية كان مضمون السؤال فيها ابتداء هو ان الشخص يكون على يقين من وضوئه ثم يعرضه الشك بواسطة الخفقة و الخفقتين، فيجيب الامام بما يكون وجوده كاشفا عن النوم الحقيقي و هو نوم العين و الاذن، ثم يسأل السائل بانه ربما تقوم امارة عادية على النوم و هو انه يحرك في جنب الشخص شي ء و هو لا يعلم، فيجيب الامام عليه السّلام بقوله: لا حتى يستيقن انه قد نام. و مضمون معنى كلامه عليه السّلام: انه لا ينقض وضوءه عملا حتى يستيقن بالنوم، و معنى ذلك ان الحكم لمن ايقن بالوضوء هو عدم نقض الوضوء، و هذا الحكم مغيّا باليقين بعدم الوضوء، و بعد ان جعل الحكم لمن ايقن بالوضوء هو استمراره و ابقاؤه الى ان يحصل اليقين بالعدم، فمعناه ان اليقين لا ينفي بقاءه حكما الا اليقين بعدمه، فالغاية التي ينتهي بها الحكم هو اليقين بالعدم، و ما سوى ذلك فليس بغاية و لا يصح النقض به، و باطلاقه او نصه يدل على ان الظن بالخلاف لا يكون غاية لهذا الحكم الذي هو المغيى.

و بعد تمامية هذه الدلالة في اليقين بالوضوء عقبه بضابطة تدل على ان مطلق اليقين لا ينقض ليشمل غير مورد السؤال و هو الوضوء، لتكون قاعدة كلية تشمل كل يقين سابق تعقبه الشك، فقوله عليه السّلام و لا ينقض اليقين بالشك- بعد التمهيد السابق بقرائنه- يكون دليلا على ان المراد بالشك في قوله و لا ينقض اليقين بالشك- بعد التمهيد المتقدم في الوضوء الذي يعم الظن بالخلاف- هو ضابطة لمطلق اليقين و الشك. و هذا هو مراد المصنف من قوله: ( (و قوله عليه السّلام بعده)) أي بعد التمهيد الذي كان شاملا باطلاقه للظن بالخلاف قول الامام عليه السّلام بعده ( (و لا تنقض اليقين بالشك ان الحكم في المغيى)) و هو اليقين السابق سواء كان متعلقا بالوضوء او بغيره لا ينقض بالشك الذي قد اريد به ما يشمل الظن بالخلاف، فالمراد من هذه الضابطة الواقعة بعد القرائن الدالة باطلاقها او بنصها على ان الشك فيها مما يشمل الظن

ص: 321

و قد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين: الاول: الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار.

و فيه: إنه لا وجه لدعواه و لو سلم اتفاق الاصحاب على الاعتبار، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه (1).

______________________________

بالخلاف ( (هو عدم نقض اليقين بالشك)) الشامل للظن بالخلاف يعم غير الوضوء، و انه ثابت مطلقا لكل يقين سابق، و يستمر هذا الحكم بابقائه حتى ينقض باليقين على عدمه.

(1)

دعوى الاجماع و ايراد المصنف عليها

حاصله: دعوى الاجماع على حجية الاستصحاب المستفاد من الاخبار لمورد الظن بالخلاف، بمعنى ان الاصحاب مجمعون على ان دليل الاستصحاب اذا كان هو الاخبار فهو مما يعم مورد الظن بالخلاف. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (الاجماع القطعي ... الى آخر الجملة)) ... و قد اورد عليه المصنف بايرادين:

الاول: عدم تسليم هذه الدعوى، فانه لا علم لنا باتفاقهم على ذلك حيث يكون الدليل هو الاخبار، و لعل هناك منهم من يقول باختصاصه بخصوص عدم مورد الظن بالخلاف، او لعله لان الاستدلال بالاخبار مما التفت اليه المتأخرون و لم يكن له في كلام المتقدمين اثر، فدعوى الاجماع في مسألة متاخرة لا يخلو عن الجزاف.

الثاني: ان الاجماع انما يصح كونه دليلا للحكم بنفسه- أي بان يكون بما هو اجماع دليل على الحكم- حيث لا يحتمل ان يكون مدرك دعوى الاجماع شيئا آخر غير الاجماع، و إلّا كان مرجع ذلك الى كون الشي ء الآخر هو الدليل دون الاجماع.

و احتمال المدرك في دعوى هذا الاجماع موجود، لاحتمال كون مدركه هو الاخبار الدالة على حجية الاستصحاب، و قد عرفت دلالة اخبار الاستصحاب على ذلك بالقرائن التي مرت الاشارة اليها، فاذا كان من المحتمل ان مدرك هذا الاجماع هو

ص: 322

.....

______________________________

الاخبار لم يكن هذا الاجماع المدعى دليلا بنفسه، بل يكون مرجعه الى دلالة الاخبار على ذلك.

و قد اشار (قدس سره) الى الايراد الاول بقوله: ( (و فيه انه لا وجه لدعواه)) أي لا وجه لدعوى الاجماع ( (و لو سلم)) صحة هذا الاجماع المدعى و هو ( (اتفاق الاصحاب على الاعتبار)) فانه لنا ان لا نسلم هذه الدعوى، لعدم العلم باتفاق الاصحاب على ذلك على فرض كون دليل الاستصحاب هو الاخبار او لعدم صحة دعوى الاجماع في هذه المسألة المتأخرة. و اشار الى الايراد الثاني بقوله: ( (لاحتمال ان يكون ذلك)) أي ان الاجماع انما يكون بنفسه دليلا على حجية الاستصحاب لمورد الظن بالخلاف حيث لا يحتمل كون مدرك الاجماع على الشمول للظن بالخلاف هو الاطلاق الذي دلت عليه الاخبار بالقرائن المتقدمة، و إلّا يكون الدليل هو الاخبار، و يكون مرجع هذا الاجماع الى الاجماع على دلالة الاخبار، و الاجماع على الدلالة للقرائن ليس بحجة بل لا بد من مراجعة نفس الدليل و قرائن الدلالة، لانه ليس باجماع على نفس الحكم، بل هو اجماع على دلالة دليل الحكم، و حيث ان دلالة الدليل ترجع الى الظهور فلا بد من الرجوع الى نفس الدليل، ليقوم نفس الظهور عند المفتي بحجية الاستصحاب بحيث تشمل مورد الظن بالخلاف، لان المتحصل من هذا الاجماع هو ان الاصحاب يرون ان لهذا الدليل ظهورا يدل على الحجية في مورد الظن بالخلاف، و كون الاصحاب متفقين على الظهور لا يجعله ظهورا عند المفتي، بل لا بد له من مراجعة نفس الدليل ليقوم عنده الظهور. و على كل فاحتمال كون المدرك للاجماع هو ظهور الاخبار يسقطه عن كونه دليلا بنفسه.

و الحاصل: ان قول المصنف ( (لاحتمال ان يكون ذلك)) هو متعلق بقوله لا وجه لدعواه، و التقدير انه لا وجه لدعوى هذا الاجماع لاحتمال ان يكون المدرك لذلك الاجماع قد كان ( (من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه)) أي على الاطلاق لمورد الظن بالخلاف.

ص: 323

الثاني: إن الظن غير المعتبر، إن علم بعدم اعتباره بالدليل، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع، و أن كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده، و إن كان مما شك في اعتباره، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك، فتأمل جيدا (1).

______________________________

(1) حاصل هذا الوجه الثاني: ان الظن بالخلاف الذي يتوهم عدم شمول ادلة الاستصحاب له هو الظن غير المعتبر، لان الظن المعتبر مما يصح نقض اليقين السابق به، فانه لو قامت الامارة المعتبرة كالبينة- مثلا- على خلاف ما تعلق اليقين السابق به، فلا اشكال في لزوم الاخذ بها في الزمان اللاحق، فمن كان متيقنا- مثلا- بطهارة شي ء في زمان ثم قامت البينة على نجاسته في الزمان اللاحق فلا ريب في لزوم ترتيب آثار النجاسة عليه. فمحل التوهم لعدم شمول ادلة الاستصحاب هو قيام الظن غير المعتبر في الزمان اللاحق على خلاف ما تعلق به اليقين في الزمان السابق، و لا يخلو عدم اعتبار هذا الظن اما لقيام دليل معتبر على عدم اعتباره كالظن الحاصل من القياس، و مرجع قيام الدليل المعتبر على الغاء هذا الظن هو ان هذا الظن وجوده كعدمه عند الشارع، و معنى هذا ان هذا الظن يترتب على وجوده ما يترتب على عدمه، و حيث لا يكون الظن بالخلاف معدوما، فلا بد و ان يكون الحكم في مقامه حكم الظن بالوفاق او الشك و تساوي الطرفين، و لا اشكال ان في مقام قيام الظن بالوفاق و في مقام الشك و تساوي الطرفين الاستصحاب حجة، فالدليل الدال على الغاء هذا الظن الذي كان معناه ترتيب آثار عدم هذا الظن في حال وجوده يكون دليلا على حجية الاستصحاب، لانه هو الاثر الذي يترتب على عدم هذا الظن و هذا هو المراد من قوله: ( (ان الظن غير المعتبر ان علم بعدم اعتباره بالدليل)) بان يقوم الدليل المعتبر على الغائه ( (فمعناه)) أي فمعنى قيام الدليل المعتبر على الغاء هذا الظن هو ( (ان وجوده كعدمه عند الشارع)) و لازم ذلك هو ( (ان كلما يترتب شرعا على

ص: 324

و فيه: إن قضية عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا تكاد تكون إلا عدم إثبات مظنونة به تعبدا، ليترتب عليه آثاره شرعا، لا ترتيب آثار الشك مع عدمه، بل لا بد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الاصول العملية من الدليل، فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه

______________________________

تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده)) و حيث كان المترتب على تقدير عدمه هو حجية الاستصحاب فلا بد و ان يكون المترتب على تقدير وجوده هو حجية الاستصحاب ايضا، هذا اذا كان القائم على الغاء هذا الظن هو الدليل المعتبر.

و اما اذا كان الظن مما لم يقم على اعتباره دليل بان يكون مشكوك الاعتبار، كالظن الحاصل من الخبر الواحد في الموضوعات مثلا، بناء على ان المتيقن هو حجية الخبر بالاحكام دون الموضوعات، و انه لا بد في الموضوعات من قيام البينة، فيكون هذا الظن مما لم يقم على اعتباره و لا على عدم اعتباره دليل معتبر، فهذا الظن يكون مشكوك الاعتبار، و اذا كان هذا الظن مما شك في اعتباره فانه يكون من مصاديق نقض اليقين بالشك، لانه بعد ان كان مشكوك الاعتبار فالاخذ به من الاخذ بالشك، فيكون مما يشمله النهي في قوله عليه السّلام و لا ينقض اليقين بالشك، و هذا هو مراده من قوله: ( (و ان كان مما شك في اعتباره)) بان يكون الظن بالخلاف مما لم يقم على اعتباره و لا على عدم اعتباره دليل معتبر فيكون مشكوك الاعتبار، و على هذا ( (ف)) يكون مشمولا للنهي في قوله و لا ينقض اليقين، لان ( (مرجع رفع اليد عن اليقين)) السابق المتعلق ( (بالحكم الفعلي السابق بسببه)) أي بسبب هذا الظن ( (الى نقض اليقين بالشك)) لان المفروض كون هذا الظن مما شك في اعتباره، فالاخذ به من الاخذ بالشك المنهي عنه في قوله و لا ينقض اليقين بالشك.

ص: 325

على اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء إلى سائر الاصول بلا شبهة و لا ارتياب، و لعله أشير إليه بالامر بالتأمل، فتأمل جيدا (1).

______________________________

(1) ينبغي ان لا يخفى ان المتحصل من كل ما يأتي انه يرد على الوجه الاول و هو الظن الذي قام على عدم اعتباره دليل خاص ايراد واحد، و يرد على الوجه الثاني و هو الظن الذي لم يقم على عدم اعتباره دليل خاص إيرادان.

و حاصل الايراد الاول الذي اورد على الوجه الثاني هو: ان ما اورده المورد على الظن الذي قام على عدم اعتباره دليل خاص كالظن القياسي يرد ايضا على الظن الذي شك في اعتباره، فانه و ان لم يقم على عدم اعتباره دليل خاص، إلّا انه مما قام على عدم اعتباره الدليل العام، لان القاعدة الاولية كما تقدم في اول مبحث الظن هو عدم اعتبار مشكوك الاعتبار، و ان هذا الظن وجوده بمنزلة عدمه، فلا وجه لاختصاص قوله- و ان كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده- بالظن الذي قام الدليل الخاص على عدم اعتباره، لان الظن الذي قام الدليل العام على عدم اعتباره هو ايضا لا بد و ان يكون عند المستدل بهذا الوجه من مصاديق هذه الكلية، و انه كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده، فلا فرق بين الظنين في ان ما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده، و الى هذا اشار بالعطف في قوله: ( (او لعدم الدليل على اعتباره)) على قوله ( (لالغائه))، و بهذا العطف يشير الى ان الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل هو كالظن الذي قام الدليل الخاص على الغائه، لان هذا الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل خاص قد قام الدليل العام على الغائه ايضا، فما اورده على الظن الذي قام الدليل الخاص على الغائه يرد أيضا على الظن الذي لم يقم الدليل الخاص على الغائه، لانه قد قام الدليل العام على الغائه.

و اما ما اورد على الوجه الاول و هو ما قام الدليل الخاص على عدم اعتباره، فحاصله:

ص: 326

.....

______________________________

ان المفروض هو كون هذا الوجه دليلا بنفسه، مع تسليم كون الشك في دليل لا تنقض اليقين بالشك هو تساوي الطرفين، بفرض غض النظر عن القرائن التي مرت الاشارة اليها، و على هذا فتقول: ان غاية ما يستفاد من الدليل الخاص القائم على الغاء الظن و الدليل العام القائم على الغاء الظن المشكوك الاعتبار هو عدم الاخذ بما قام الظن عليه، و لا يستفاد منهما ترتيب آثار الشك على وجود هذا الظن، فان المستفاد من كون هذا الظن وجوده بمنزلة عدمه هو عدم ترتيب الاثر على وجوده لا ترتيب آثار الشك على وجوده، لوضوح انه بعد ان كان دليل الاستصحاب دالا على ترتيب آثار على خصوص الشك المقابل للظن لا بد من اختصاص ذلك بنفس الشك، و ترتيب هذه الآثار على الظن يحتاج الى دليل خاص يدل على ترتيب آثار الشك على الظن، و لا يكون الدليل الدال على الغاء هذا الظن دالا على ترتيب آثار الشك عليه، لان المستفاد من دليل الالغاء هو عدم ترتيب الاثر على الظن لا ترتيب آثار الشك المقابل له عليه.

و بعبارة اخرى: ان دليل الالغاء يدل على ان هذا الظن لا اثر له، لا ان الاثر المرتب عليه هو اثر الشك، فاللازم في مثل هذا الظن الرجوع فيه الى الاصول الأخر غير الاستصحاب، لان المفروض ان دليل الاستصحاب موضوعه الشك و هو تساوي الطرفين، و دليل الالغاء لا يدل على ترتيب آثار الشك على هذا الظن، فهذا الظن لا يمكن ان يؤخذ بما قام عليه لاجل دليل الغائه، و لا يشمله دليل الاستصحاب لاختصاصه بالشك، فلا محالة يكون المرجع في قيام الظن الملغى شرعا بالدليل الخاص او بالدليل العام هو ساير الاصول الأخر غير الاستصحاب.

و اما الايراد الثاني على خصوص الظن الذي شك في اعتباره: من ان الاخذ به مرجعه الى نقض اليقين بالشك، فيكون مشمولا للنهي الوارد في دليل لا تنقض اليقين بالشك ... فمدفوع، بان الشك الذي اخذ موضوعا في دليل الاستصحاب هو الشك الذي كان متعلقا بما تعلق به اليقين السابق، لا الشك المتعلق باعتبار الظن.

ص: 327

.....

______________________________

و توضيح ذلك: انه اذا تعلق اليقين السابق بالوضوء، ثم تحقق الظن المشكوك الاعتبار متعلقا بالحدث و نقض الوضوء، فهناك امران:

الاول: ترتيب آثار اليقين و هو البناء على الوضوء و عدم الحدث مع وجود هذا الظن، و لما كان الفرض اختصاص الاستصحاب بخصوص الشك فلا يعم المورد الذي قام الظن فيه دون الشك.

الثاني: كون نفس هذا الظن مما شك في اعتباره، فيدعى ان الاخذ به من الاخذ بالشك فيشمله دليل الاستصحاب الناهي عن الاخذ بالشك ... و فيه ان الشك في المقام هو الشك في الاعتبار دون الشك في الوضوء، لفرض كونه مما قام فيه الظن المشكوك الاعتبار على الحدث، و دليل الاستصحاب انما يدل على عدم جواز نقض الشك المتعلق باليقين لا مطلق الشك.

و الحاصل: انه لا بد في الاستصحاب الجاري بابقاء الوضوء- مثلا- من وجود شك يكون متعلقه نفس الوضوء، لا الشك الذي يكون متعلقه اعتبار الظن، للزوم اتحاد متعلق اليقين و متعلق الشك في جريان الاستصحاب، و لا يعقل جريان الاستصحاب مع عدم الشك المتعلق بما تعلق به اليقين لاجل شك متعلق بغير ما تعلق به اليقين، و المفروض في المقام ان الوضوء المتعلق به اليقين لم يتعلق به الشك، بل كان هناك ظن متعلق بعدمه، و الشك الموجود في حال هذا الظن متعلق باعتبار هذا الظن، فمتعلق الشك غير متعلق اليقين، و لا بد في الاستصحاب من اتحاد متعلق اليقين و الشك. هذا كله في استصحاب اليقين المتعلق بالوضوء.

و اما الاستصحاب في نفس مشكوك الاعتبار، بان يقال: ان الخبر الواحد- مثلا- قد تعلق به الجعل و كان قبل تعلق الجعل به مما قد تعلق اليقين بعدم حجيته، و بعد جعل الخبر يشك في شموله للشبهة المصداقية فيجري الاستصحاب فيه، و مفاده عدم حجيته في الشبهة المصداقية، إلّا ان المستفاد من هذا الاستصحاب هو عدم حجية الظن الحاصل من هذا الخبر في الشبهة المصداقية، لا استصحاب الوضوء في مقام قيام

ص: 328

.....

______________________________

الخبر الواحد على الحدث، و من الواضح ان المستفاد من هذا الاستصحاب لا يزيد على الدليل القائم على عدم حجية الظن كما في الظن القياسي، و قد عرفت انه لا يستلزم ترتيب آثار اليقين كما مر بيانه.

فاتضح مما ذكرنا: ان هذا الوجه الثاني بجميع شقوقه غير صحيح.

و قد اشار المصنف الى ان دليل الالغاء لا يدل على اكثر من كون هذا الظن وجوده كعدمه، و لا دلالة له على ترتيب آثار الشك في حال وجود هذا الظن، و الاستصحاب حيث فرض اختصاصه بالشك فلا يشمل هذا الظن، فلا بد من الرجوع الى الاصول الأخر غير الاستصحاب بقوله: ( (و لا تكاد تكون)) أي و لا تكاد تكون قضية عدم اعتباره لإلغائه بالدليل الخاص او بالعدم العام ( (الا)) مستلزمة ل ( (عدم اثبات مظنونه به)) أي بهذا الظن ( (تعبدا)) أي ان الدليل على عدم اعتبار هذا الظن غاية دلالته هو التعبد بالغاء هذا الظن، و عدم الاخذ بما ادى اليه هذا الظن، و ان المظنون الذي قام عليه هذا الظن لا يؤخذ به، فلا يترتب على هذا الظن آثار مظنونه، فالمستفاد من دليل الالغاء هو عدم اثبات هذا الظن لمظنونه، فما لمظنونه من الآثار الشرعية لا ترتب عليه لاجل دليل الغاء هذا الظن، فهذا المظنون لا ثبوت له عند الشارع ( (ليترتب عليه آثاره شرعا و لا)) دلالة لدليل الالغاء على ( (ترتيب آثار الشك مع عدمه)) أي مع عدم الشك، لان المفروض انه لا وجود للشك و الموجود هو الظن ( (بل لا بد حينئذ)) أي في حال الظن بالخلاف ( (في تعيين ان الوظيفة)) الشرعية و انها ( (أي اصل من الاصول العملية من)) تحصيل ( (الدليل)) على تلك الوظيفة، و ذلك الدليل لا بد و ان يكون غير دليل الالغاء، لما عرفت من عدم دلالته على الوظيفة و انما يدل على الالغاء لا غير، و لا بد ايضا ان يكون غير الاستصحاب، لما عرفت ايضا من ان دليل الاستصحاب موضوعه الشك الذي هو تساوي الطرفين ( (فلو فرض عدم دلالة الاخبار)) الدالة على الاستصحاب على الاخذ باليقين السابق ( (معه)) أي مع تحقق الظن بالخلاف لتقومها بالشك

ص: 329

تتمة: لا يذهب عليك أنه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع، و عدم أمارة معتبرة هناك و لو على وفاقه، فها هنا مقامان: المقام الاول:

إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا، كاتحادهما حكما (1)، ضرورة أنه بدونه لا يكون الشك

______________________________

فلا يكون دليل الاستصحاب دالا مع تحقق الظن بالخلاف ( (على اعتبار الاستصحاب فلا بد)) حينئذ ( (من الانتهاء الى)) دليل آخر غير الاستصحاب من ( (ساير الاصول)) الأخر.

و لا يخفى ان هذا الوجه الثاني هو ما ذكره الشيخ في الرسالة و امر فيه بالتأمل، فمن المحتمل ان يكون امره بالتأمل اشارة الى ما ذكره المصنف من الايراد، و الى هذا اشار المصنف بقوله: ( (و لعله اشير اليه بالامر بالتأمل)).

(1)

تتمة فيها مقامان
المقام الاول و فيه مواضع
اشارة

توضيحه: ان الكلام في هذا المقام الاول يكون في مواضع: الاول: في انه ما المراد من بقاء الموضوع. الثاني: الاستدلال على لزوم بقاء الموضوع الذي هو اتحاد القضية المشكوكة و القضية المتيقنة، و قد ذكر له الماتن دليلا، و ذكر له الشيخ دليلا آخر. الثالث: انه بعد لزوم بقاء الموضوع، فهل المرجع في تشخيص الموضوع الذي لا بد من بقائه في مقام الشك هو العرف أو العقل أو لسان الدليل؟

اما الكلام في الموضع الاول و هو: في انه ما المراد من بقاء الموضوع

، فحاصله: ان هنا احتمالات ثلاثة:

الاول: ان المراد من بقاء الموضوع هو لزوم كون موضوع متعلق اليقين و الشك واحدا و هو مختار المصنف.

الثاني: ان المراد من بقاء الموضوع هو بقاء معروض المستصحب لاحقا على نحو ما كان عليه في السابق، فاذا اريد- مثلا- استصحاب قيام زيد فلا بد من وجود زيد في مقام الشك في قيامه، و اذا اريد استصحاب وجود زيد فاللازم بقاء ماهيته بما لها من التقرر الذهني، و هذا هو مختار الشيخ في الرسالة قال فيها: ( (ان المراد به معروض المستصحب، فاذا اريد استصحاب قيام زيد أو وجوده فلا بد من تحقق زيد

ص: 330

.....

______________________________

في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق، سواء كان تحققه في السابق بتقرّره ذهنا او بوجوده خارجا، فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي و للوجود يوصف تقرره ذهنا لا بوجوده الخارجي))(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

الثالث: ان المراد من بقاء الموضوع وجود المعروض للمستصحب خارجا.

و يظهر الفرق بين مختار المصنف و مختار الشيخ في ما اذا شك في عدالة زيد مع الشك في حياته و كان الاثر مرتبا على عدالة زيد بنحو كان التامة، فبناء على مسلك الشيخ ينبغي ان لا يجري الاستصحاب، لان معروض العدالة لما كانت متيقنة هو زيد الحي و حيث فرض الشك في حياته فلا يجري الاستصحاب في عدالته، لعدم احراز تحقق الموضوع فيها، و يجري الاستصحاب على مسلك المصنف، لان المدار في جريان الاستصحاب كون موضوع متعلّق اليقين و الشك واحدا، و لما كان الاثر مرتبا على العدالة بنحو كان التامة فالموضوع هو زيد و هو متحد في القضيتين.

و الفرق بين الاحتمال الثالث و مختار الشيخ و المصنف هو عدم جريان الاستصحاب في مقام الشك في وجود زيد، لانه اذا كان المستصحب هو وجود زيد فلا يكون لمعروض هذا المستصحب تحقق في الخارج، اذ لا تحقق خارجا للماهية.

ثم لا يخفى فساد الاحتمال الثالث- كما سيشير اليه- لان كون المراد من بقاء الموضوع هو وجود المعروض للمستصحب خارجا لازمه عدم جريان الاستصحاب في مقام الشك في الوجود، مع وضوح تمامية اركان الاستصحاب من اليقين السابق و الشك اللاحق في مقام الشك في وجود زيد، و ليس للموضوع في هذا الاستصحاب تحقق خارجا، لان الشك في الوجود كما هو المفروض في هذا الاستصحاب لازمه كون الموضوع الذي هو المعروض للمستصحب لا تحقق له خارجا، لبداهة انحصار

ص: 331


1- 21. ( 1) فرائد الاصول: ج 2، ص 690( تحقيق عبد اللّه النوراني).

.....

______________________________

التحقق بالوجود، و مع فرض كون المشكوك هو الوجود فلا احراز لبقاء الموضوع خارجا.

و اما الاحتمال الثاني الذي هو مختار الشيخ في الرسالة فتوضيح عدم صحته يحتاج الى بيان امرين:

الاول: ان افق اليقين و الشك هو النفس، فمتعلقهما لا بد من ثبوته في هذا الافق ايضا، و لازم ذلك هو ثبوت الموضوع في افق النفس، و القاعدة الفرعية التي هي ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له لا تقتضي اكثر من ثبوت المثبت له في افق الثبوت، فاذا كان افق الموضوع الذي هو المثبت له هو النفس، فلا تقتضي القاعدة الّا ثبوته في افق النفس لا في افق غيره كأفق الخارج، و من الواضح ان المدار في الاستصحاب على اليقين و الشك المنحصر افقهما في النفس، فلا بد و ان يكون افق متعلقهما و افق معروض متعلقهما هو نفس افق اليقين و الشك.

و الحاصل: ان متعلق اليقين- مثلا- اذا كان عدالة زيد بنحو مفاد كان التامة فموضوعها هو زيد المتيقن به ايضا، فاذا دلّ الاستصحاب على ثبوت عدالته في حال الشك فلازمها ثبوت شي ء هو العدالة لزيد و هو المثبت له في حال الشك، و القاعدة الفرعية تستدعي ان تكون هذه العدالة ثابتة لزيد في حال الشك لا لغيره، لانه كان هو الموضوع للعدالة المتيقنة، و من الواضح ان زيد هو الذي له ثبتت العدالة في ظرف الشك لا غيره، فالمراد من ثبوته الذي تستدعيه القاعدة الفرعية في مقام الشك كونه هو الثابت له العدالة دون غيره في هذا الحال، و لا تستدعي القاعدة ثبوت زيد خارجا في حال الشك في عدالته، فالمراد من البقاء هو كون زيد الذي هو الموضوع في مقام تعلق اليقين هو الموضوع ايضا في مقام الشك، و قد عرفت ان اليقين و الشك محل ثبوتهما هو النفس، فالمعروض أي الموضوع لا بد و ان يكون محل ثبوته هو محل ثبوت اليقين و الشك، و قد عرفت ان محل ثبوتهما هو النفس فلا بد و ان يكون

ص: 332

.....

______________________________

محل ثبوت المعروض هو النفس ايضا، و لا تستدعي الثبوت في غير موطن النفس كالخارج.

الثاني: انه لا موطن للوجود في غير مرحلة الخارج و الذهن، و الثبوت في الخارج هو الثبوت العيني، و الثبوت في الذهن هو الثبوت الذهني، و ليس الثبوت الا الوجود و لا ثبوت لغير الوجود، فلا ثبوت للماهية بالذات و انما لها الثبوت بالعرض، فتثبت بالعرض خارجا بواسطة الوجود خارجا، و تثبت بالعرض ذهنا بواسطة الوجود ذهنا، فالمراد من تقرّر الماهية ان كان هو ثبوتها بنفسها فهو واضح البطلان، اذ لا ثبوت للماهية بنفسها من دون الوجود، و ان كان المراد تقرّرها بالعرض تبعا للوجود أي ثبوتها بتبع الوجود بالعرض، ففي مقام استصحاب وجود زيد لا تقرّر لماهية زيد لا خارجا و هو واضح لفرض الشك في الوجود خارجا، و لا ذهنا- ايضا- لانه لا ثبوت ايضا للماهية ذهنا بفرض الاغماض عن وجود زيد ذهنا، فيتعيّن ان يكون المراد من ثبوتها بما هي موضوع لاستصحاب الوجود هو ثبوتها بما هي متعلقة لليقين السابق في مقام الشك اللاحق.

فاذا عرفت ما ذكرنا ... تعرف ان المراد من بقاء الموضوع هو بقاؤه بمعنى كونه هو الواحد الذي عرضه اليقين و الشك، و انه لا بد من كون اليقين و الشك في الاستصحاب متحدين، و معنى ذلك هو كون اليقين المتعلق بالوصف العارض لموضوع لا بد و ان يكون ذلك الوصف المتعلق به اليقين العارض لذلك الموضوع هو متعلق الشك، بان لا يكون الشك متعلقا بوصف عارض لغير الموضوع الذي عرض عليه الوصف المتعلق به اليقين، و لا حاجة الى لزوم اشتراط بقاء الموضوع في حال الشك على ما كان عليه سابقا، من ثبوته خارجا تارة، و تقرّره ذهنا اخرى.

و ظهر من جميع ما ذكرنا: ان الحق هو مختار المصنف، و هو كون المراد من بقاء الموضوع هو كونه واحدا في القضية المتيقنة و القضية المشكوكة في افق متعلق اليقين و الشك، و لذلك بعد ان قال (قدس سره): ( (انه لا اشكال في اعتبار بقاء الموضوع))

ص: 333

في البقاء بل في الحدوث، و لا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك، فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان و إقامة برهان (1)، و الاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر

______________________________

فسّره بقوله: ( (بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا)) أي ان المراد من بقاء الموضوع هو كونه الموجب لان تكون القضيتان متحدتين موضوعا في افق اليقين و الشك من دون حاجة الى اكثر من ذلك، فلا يشترط بقاؤه خارجا كما عرفت في الاحتمال الثالث، و لا بقاؤه اما خارجا او تقرّره ذهنا كما هو المستفاد من كلام الشيخ الاعظم.

(1)

الموضع الثاني: الاستدلال على بقاء الموضوع

بعد ان فرغ من كون المراد من بقاء الموضوع هو ما كان موجبا لاتحاد القضية المشكوكة و القضية المتيقنة في الموضوع ... اشار الى الكلام في الموضع الثاني و هو الاستدلال على لزوم هذا الاتحاد، و حاصل استدلاله يرجع الى وجهين:

الاول: ان المستفاد من دليل الاستصحاب هو ابقاء ما كان تعبدا، و مع عدم اتحاد القضية المشكوكة و المتيقنة لا يكون الابقاء في مقام الشك ابقاء لما كان متيقنا، بل يكون احداثا للتعبد بشي ء آخر، و اذا كان قوام الاستصحاب هو ان يكون الشك فيه شكا في بقاء ما كان متيقنا فلا بد من اتحاد القضيتين في الموضوع، لانه حيث لا اتحاد بين القضيتين فيه لا يكون الشك من الشك في بقاء ما كان، بل يكون شكا في حدوث شي ء آخر.

و الوجه الثاني الدال على لزوم الاتحاد موضوعا في القضيتين هو النهي عن نقض اليقين بالشك في قوله عليه السّلام لا تنقض اليقين بالشك، فان الاخذ بالشك اللاحق انما يكون نقضا لليقين السابق حيث يكون متعلق الشك متحدا مع متعلق اليقين، و من الواضح ان الاخذ بشك يكون متعلقا بغير ما تعلق به اليقين لا يكون نقضا لذلك اليقين، و لا يكون الاخذ به من رفع اليد عما تعلق به اليقين، فكون النقض بالشك

ص: 334

لتقوّمه بالموضوع و تشخّصه به (1) غريب، بداهة أن استحالته حقيقة غير

______________________________

اللاحق نقضا لليقين السابق و رفع اليد عنه في مقام الشك رفع يد عن ذلك اليقين لا يعقل ان يتحقق الا فيما اذا كان متعلق الشك متحدا مع متعلق اليقين موضوعا.

و الى الوجه الاول اشار بقوله: ( (ضرورة انه بدونه)) أي بدون الاتحاد في القضيتين ( (لا يكون)) الشك من ( (الشك في البقاء)) الذي لا بد في الاستصحاب من كون الشك فيه شكا في البقاء ( (بل)) يكون الشك مع عدم الاتحاد من الشك ( (في الحدوث)) لشي ء آخر. و اشار الى الوجه الثاني و هو ان مفاد الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين السابق بالشك اللاحق، و مع عدم الاتحاد لا يكون الاخذ بالشك اللاحق من النقض لما تعلق به اليقين السابق و لا من رفع اليد عمّا تعلق به ذلك اليقين بقوله: ( (و لا رفع اليد عن اليقين)) السابق ( (في محل الشك من نقض اليقين بالشك ف)) اتضح ان ( (اعتبار البقاء بهذا المعنى)) أي بمعنى لزوم الاتحاد في القضيتين المشكوكة و المتيقنة ( (لا يحتاج الى زيادة بيان و)) لا ( (اقامة برهان)) بل نفس دليل الاستصحاب من حيث البقاء و النقض يدل عليه.

(1) لا يخفى ان الشيخ (قدس سره) في الرسالة اقام على لزوم الاتحاد موضوعا في القضية المشكوكة و المتيقنة برهانا عقليا، و حاصله: ان متعلق اليقين السابق كان عارضا لموضوع خاص، و دليل الاستصحاب قد دلّ على لزوم التعبّد بذلك العارض في مقام الشك: فان كان موضوع هذا العارض الذي دلّ الاستصحاب على التعبّد به في مقام الشك هو الموضوع الذي قد عرضه ما تعلّق به اليقين السابق فهو المطلوب.

و ان كان الموضوع للعارض في مقام الشك غير الموضوع في مقام اليقين كان لازمه هو الحكم بانتقال العرض عن موضوعه الى موضوع آخر و هو محال، لبداهة محالية انتقال العرض عن موضوعه الى موضوع آخر، لان لازمه كون العرض في ظرف الانتقال بلا موضوع، و ان كان دليل الاستصحاب دالا على بقاء العارض في مقام الشك و لو

ص: 335

مستلزم لاستحالته تعبدا، و الالتزام بآثاره شرعا (1).

______________________________

مع الشك في بقاء الموضوع السابق فلازمه هو الحكم ببقاء العرض و لو من غير موضوع و هو محال ايضا، لوضوح محالية بقاء العرض من غير موضوع.

و بعبارة اخرى: ان المستفاد من دليل الاستصحاب هو ابقاء المتيقن، فان كان المراد هو ابقاء المتيقن لموضوعه فهو المطلوب، لان لازم هذا هو كون المتيقن المامور بابقائه موضوعه هو الموضوع السابق. و ان كان المراد بابقاء المتيقن في غير موضوعه فهو من انتقال العرض من موضوعه المتقوّم به الى موضوع آخر، لان المستصحب هو العرض المتقوّم بالموضوع الخاص في حال اليقين السابق، و قد تعلق اليقين السابق بهذا العرض المتقوّم بموضوعه الخاص، فالتعبّد بهذا العرض في حال الشك مع فرض عروضه لموضوع آخر هو تعبّد بانتقال العرض من موضوعه الخاص المتقوّم به الى موضوع آخر. و ان كان المراد ابقاء هذا العرض و لو مع الشك في موضوعه فمرجعه الى التعبّد و لو بلا موضوع و هو محال كسابقه، لان العرض المتقوّم في مقام وجوده بالموضوع يستحيل تحققه بلا موضوع. و الحاصل: ان ما كانت حقيقته متقوّمة بالموضوع يستحيل تحققه من غير موضوع.

فاتضح من هذا البرهان انه لا بد من الموضوع في جريان الاستصحاب الذي مرجعه الى التعبّد بعرض الموضوع و ابقائه في حال الشك، و انه لا بد و ان يكون الموضوع في حال الشك هو الموضوع في حال اليقين، و الّا لزم اما انتقال العرض عن موضوعه او بقاء العرض بلا موضوع، و محالية كل منهما لا ريب فيها. و قد اختصر المصنف الاستدلال فاشار الى احد شقي الترديد و هو استحالة انتقال العرض عن موضوعه بقوله: ( (و الاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض ... الى آخر الجملة)).

(1) قوله غريب هو خبر لقوله و الاستدلال الذي هو المبتدأ.

و حاصله: ان الاستدلال بما ذكره الشيخ من البرهان على لزوم الاتحاد في القضيتين من ناحية الموضوع غريب من الشيخ، لوضوح عدم تمامية هذا الاستدلال،

ص: 336

.....

______________________________

لان المستفاد من ظاهر دليل الاستصحاب و ان كان هو الحكم بابقاء العارض المتيقن سابقا في حال الشك، الّا ان المراد من التعبّد بابقاء العارض المتيقن في حال الشك هو التعبّد بآثاره في حال الشك، و لا مانع من الجعل التعبدي لآثار الشي ء في حال الشك في بقاء موضوع ذلك الشي ء.

و بالجملة: ان انتقال العرض عن موضوعه و بقاء العرض بلا موضوع محال في مقام ثبوت ذلك العارض حقيقة، لا في مقام ثبوت التعبّد بآثاره شرعا فانه لا محالية في جعل الشارع التعبّد بآثار شي ء لشي ء آخر، و لا محاليّة في جعل الشارع التعبّد بآثار الشي ء مع الشك في موضوع ذلك الشي ء، فان متعلّق الجعل و التعبد الشرعي في الاستصحاب هو البناء عملا بآثار ما كان سابقا، و لا مانع من جعل الشارع التعبّد بأثر ما كان متيقنا في حال الشك به مع الشك في موضوع ما يعرضه المتيقن السابق.

فاتضح: ان المحال هو انتقال العرض عن موضوعه حقيقة، و الاستصحاب حكم تعبّدي بآثار العرض، و ليس هذا من انتقال العرض عن موضوعه حقيقة، و المحال هو بقاء العرض من غير موضوع حقيقة.

و الحاصل: ان الاستصحاب حكم تعبّدي بآثار العرض، و لا يستلزم الحكم التعبّدي بآثار العرض مع الشك في بقاء الموضوع محالا، لان المحال هو بقاء العرض من غير موضوع هو بقاء العرض حقيقة لا بقاؤه تعبدا، لان المراد من الحكم ببقائه تعبدا هو التعبّد بآثاره، و لا مانع من جعل الشارع آثار شي ء مع الشك فيه كما عرفت. و قد اشار الى ان الاستدلال على الاتحاد، بانه لو لا الاتحاد يلزم انتقال العرض عن موضوعه غير صحيح بقوله: ( (بداهة ان استحالته حقيقة)) أي استحالة انتقال العرض عن موضوعه في مقام ثبوت العرض حقيقة ( (غير مستلزم لاستحالته تعبدا)) لان المراد من بقاء العرض تعبّدا كما هو لسان الاستصحاب هو التعبّد ( (و الالتزام بآثاره شرعا)) و لا استحالة في ذلك.

ص: 337

و أما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا، فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق أركانه بدونه (1)، نعم ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار، ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده، و إن كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الانفاق عليه (2).

______________________________

(1) هذا هو الاحتمال الثالث الذي مرت الاشارة اليه و انه واضح الفساد، لتمامية ما يعتبر في جريان الاستصحاب في مقام الشك اللاحق في وجود ما كان متيقن الوجود سابقا، و في هذا الفرض لا وجود للموضوع خارجا لفرض كون الشك في نفس الوجود.

و الحاصل: انه لا يصح ان يكون المراد ببقاء الموضوع في القضيتين هو وجود الموضوع للمتيقن السابق خارجا في حال الشك به لاحقا، لوضوح عدم اعتبار ذلك لما عرفت من تمامية اركان الاستصحاب فيما كان الشك في وجود المتيقن سابقا، و لذا قال (قدس سره): ( (و اما بمعنى احراز وجود الموضوع خارجا)) أي كون المراد ببقاء الموضوع في الاستصحاب هو لزوم وجود الموضوع خارجا غير صحيح لما عرفت ( (فلا يعتبر قطعا في جريانه)) أي لا يعتبر في جريان الاستصحاب قطعا لزوم بقاء وجود الموضوع في حال الشك ( (لتحقق اركانه بدونه)) أي لتحقق اركان الاستصحاب بدون وجود الموضوع خارجا في حال الشك كما في مقام الشك في نفس وجود المتيقن كما مر بيانه.

(2) هذا تفريع على مختاره: من ان بقاء الموضوع الذي لا شك في اعتباره هو بمعنى اتحاد القضيتين موضوعا في مقام تعلق اليقين و الشك، و حاصله:

ان الاثر تارة يكون مرتبا على عدالة زيد و لو مع العلم بعدم حياته، كما في جواز تقليده- بناء على جواز تقليد الميت ابتداء و بقاء- ففي الشك في عدالته يجري استصحاب عدالته و ان لم تحرز حياته، بل حتى لو احرز موته لاتحاد متعلق اليقين

ص: 338

و إنما الاشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف؟ أو بحسب دليل الحكم؟ أو بنظر العقل؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الاحكام، لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض خصوصيات موضوعه، لاحتمال دخله فيه، و يختص بالموضوعات، بداهة أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات و إن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه، إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف و لا في لسان الدليل من مقوماته.

______________________________

و الشك و هي العدالة، و الموضوع واحد في القضيتين و هو زيد من دون اشتراطه بالحياة، لوضوح انه مع العلم بعدم الحياة لا بد من احراز العدالة.

و اخرى يكون الاثر مرتبا على الحياة و العدالة، كما في مقام الاقتداء فانه لا بد و ان يكون الائتمام بالحي العادل، و عليه فلا بد من احرازهما معا و بالاستصحاب في كليهما.

و ثالثة: يكون الاثر مرتبا على الحياة، كما في وجوب الانفاق فيجري استصحاب الحياة و موضوعه نفس ماهية زيد، و لذا قال (قدس سره): ( (نعم ربما يكون)) احراز حياة زيد ايضا ( (مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار)) كما في مقام الاقتداء به فانه لا بد من احراز حياته كما يلزم احراز عدالته، و ربما لا يكون الاثر مرتبا على الحياة ( (ففي)) مقام ( (استصحاب عدالة زيد)) لاجل تقليده ( (لا يحتاج الى احراز حياته لجواز تقليده)) من دون احراز الحياة ( (و ان كان محتاجا اليه)) أي الى احراز حياته في بعض الآثار كما ( (في جواز الاقتداء به او)) في ( (وجوب اكرامه او)) في مقام وجوب ( (الانفاق عليه)) فانه لا بد من احراز الحياة في مثل هذه الآثار.

ص: 339

كما أنه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا، مثلا العنب إذا غلى يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب، و لكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم و يتخيلونه من المناسبات بين الحكم و موضوعه، يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب و يرون العنبية و الزبيبية من حالاته المتبادلة، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب، كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، و لو كان محكوما به كان من بقائه (1)، و لا ضير في أن يكون

______________________________

(1)

الموضع الثالث: المدار في اتحاد القضيتين في الموضوع

هذا هو الموضع الثالث من الكلام في هذا المقام الاول، و هو انه بعد ان ظهر مما مر ان المراد من بقاء الموضوع هو اتحاد القضية المتيقنة و القضية المشكوكة موضوعا، و تم الاستدلال عليه ... فهل المدار في اتحاد القضيتين في الموضوع هو اتحادهما بنظر العرف؟ ... او اتحادهما بحسب ما يستفاد من الدليل الدال على الحكم؟ بمعنى ان الحكم الذي ثبت بالدليل الشرعي لموضوع يكون ذلك الموضوع الذي ثبت له الحكم هو الذي يلزم ثبوته في القضية المشكوكة، فيكون الاتحاد في الموضوع بين القضيتين هو ما كان موضوعا في لسان الدليل الدال على ثبوت ذلك الحكم لموضوعه ... او ان المدار في اتحاد القضيتين موضوعا هو اتحادهما في الموضوع بحسب نظر العقل؟

و لا بد من بيان امور ايضاحا لتحقيق الحال في هذا المقام:

الاول: بيان النسبة بين هذا الانظار الثلاثة: أي النسبة بين نظر العرف و نظر العقل، و بين نظر العرف و لسان الدليل، و بين نظر العقل و لسان الدليل، لوضوح انه اذا كانت النسبة بين هذه الثلاثة هي التساوي لا يكون مجال للبحث في ان المدار في الاتحاد على أي هذه الثلاثة، لعدم الفائدة، بخلاف ما اذا لم تكن النسبة بينها هي التساوي فان تعيين كون المدار في الاتحاد هو احد هذه الثلاثة يترتب عليه ثمرة مهمة:

من جريان الاستصحاب بحسب احد الانظار، و عدم جريانه بحسب النظرين الآخرين كما سيظهر ذلك.

ص: 340

.....

______________________________

فاذا عرفت هذا ... نقول: ان النسبة بين نظر العرف و نظر العقل هي العموم من وجه، لتصادقهما فيما اذا ترتب حكم على عدالة زيد و تعلّق اليقين بعدالته ثم شك في بقائها مع العلم بحياته، فان الموضوع في هذا الفرض متحد في القضيتين في كلا النظرين.

و صدق بقاء الموضوع بنظر العقل و اتحاده في القضيتين دون نظر العرف في مثل جواز التقليد للمجتهد بعد موته، فان جواز التقليد حكم موضوعه رأي المقلد و رأي المقلد قائم عند العقل بنفسه العاقلة و النفس باقية لا فناء لها، فالموضوع عند العقل واحد باق في القضيتين، و موضوع جواز التقليد بنظر العرف هو زيد المركب من النفس و البدن، و بعد موته لا بقاء للموضوع بنظر العرف. ففي هذا الفرض يتحد الموضوع في القضيتين في نظر العقل، و لا اتحاد بين القضيتين في الموضوع في نظر العرف.

و صدق بقاء الموضوع و اتحاده في القضيتين في نظر العرف دون نظر العقل في الشك في بقاء الاحكام الكلية مطلقا، مثلا لو شك في بقاء الحكم الكلي بوجوب صلاة الجمعة في حال الغيبة، فان الموضوع لا اتحاد له في القضيتين بنظر العقل دون العرف، لان سبب الشك في بقاء الحكم هو احتمال كون مصلحة وجوب صلاة الجمعة منوطة بحضور الامام عليه السّلام، و مع هذا الاحتمال يكون الموضوع في نظر العقل مما يحتمل ان يكون هو صلاة الجمعة في حال حضور الامام عليه السّلام، و مع عدم حضور الامام لا يقين ببقاء الموضوع لهذا الوجوب بنظر العقل، فلا جريان للاستصحاب بنظره لعدم احراز بقاء الموضوع مع هذا الاحتمال في نظر العقل.

و بعبارة اخرى: ان الاحكام بنظر العقل تابعة للمصالح و المفاسد في متعلق الحكم، و مع فقد خصوصية يحتمل دخالتها في المصلحة لا احراز للموضوع بنظر العقل، لان كلّما كان داخلا في مصلحة الحكم يكون داخلا في موضوع الحكم بنظر

ص: 341

.....

______________________________

العقل، فمع فقد الخصوصية المحتمل دخلها يكون الموضوع غير محرز بقاؤه في نظر العقل لاحتمال دخل تلك الخصوصية فيه.

و اما في نظر العرف فان السبب للشك و ان كان احتمال دخل تلك الخصوصية، الّا ان الموضوع بنظر العرف للوجوب هو نفس صلاة الجمعة، و الخصوصية المفقودة ليست مقوّمة للموضوع بنظر العرف، و ان احتمل عدم الوجوب عند فقدها، فالموضوع للوجوب بنظره هو صلاة الجمعة و هو باق و متحد في القضيتين، فالاستصحاب جار في نظره لتمامية اركانه بنظر العرف، ففي هذا الفرض و ساير الاحكام الكلية الموضوع باق و متحد في القضيتين بنظر العرف دون نظر العقل.

و النسبة بين نظر العقل و لسان الدليل هي العموم من وجه ايضا، لتصادقهما في المثال الاول المذكور و هو ما اذا رتب حكم في لسان الدليل على عدالة زيد ثم شك في بقائها مع العلم بحياة زيد، فان الموضوع باق و متحد في القضيتين بحسب نظر العقل و لسان الدليل، لان الموضوع في كليهما هو وجود زيد و هو باق و متحد في القضيتين، فيجري الاستصحاب بحسب نظر العقل و لسان الدليل لبقاء الموضوع و اتحاده عندهما.

و صدق بقاء الموضوع في نظر العقل دون لسان الدليل، كما في مثل جواز التقليد فانه اذا رتب في لسان الدليل جواز التقليد للانسان العالم كما لو قال عليه السّلام: من كان عالما بحلالنا و حرامنا فللعوام ان يقلّدوه، و بعد موت هذا الشخص يكون الموضوع باقيا و متحدا في القضيتين بنظر العقل دون لسان الدليل، لان التقليد كما عرفت في نظر العقل متقوّم بنفس الشخص و النفس باقية بعد الموت لا فناء لها، فلا مانع من جريان الاستصحاب في نظره. و ليس كذلك في لسان الدليل، فان في لسان الدليل موضوع جواز التقليد هو الانسان العالم، و الانسان مركب من النفس و البدن، و بعد الموت لا بقاء للانسان المركب من النفس و البدن، فلا يجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل، لعدم بقاء الموضوع بعد الموت.

ص: 342

.....

______________________________

و صدق بقاء الموضوع و اتحاده في القضيتين بحسب لسان الدليل دون نظر العقل، في مثل ما اذا ورد في لسان الدليل الماء اذا تغيّر بالنجاسة ينجس، فتغيّر الماء بالنجاسة ثم زال التغيّر، فان الموضوع غير محرز البقاء في نظر العقل لاحتماله كون النجاسة حكما للماء المتغيّر، و مع ذهاب التغيّر لا يجري استصحاب نجاسة الماء لاحتمال كون الموضوع للنجاسة هو الماء المتغيّر، و بعد ذهاب التغيّر لا احراز لبقاء الموضوع في نظر العقل.

و اما في لسان الدليل فحيث كان الظاهر منه هو كون التغيير كحيثية تعليلية لعروض النجاسة للماء، فالماء بحسب ظاهر الدليل هو الموضوع للنجاسة، و هو باق و متحد في القضيتين.

و النسبة بين لسان الدليل و نظر العرف هي العموم من وجه ايضا، لتصادقهما في المثال المتقدّم و هو عدالة زيد كما هو واضح.

و صدق بقاء الموضوع و اتحاده في القضيتين بحسب لسان الدليل دون نظر العرف، فيما اذا كان لسان الدليل دالا على تنجس الجسم اذ لاقى نجاسة، بان ورد في لسان الدليل: كل جسم لاقى نجاسة يتنجس، فلاقى الخشب نجاسة فتنجّس، ثم احترق الخشب بالنار فاستحال الى رماد، فظاهر لسان الدليل ان موضوع النجاسة هي الجسمية في الخشب، و من الواضح بقاء الجسمية في حال الرمادية، فالموضوع بحسب لسان الدليل باق و متحد في القضيتين، و بحسب نظر العرف لا بقاء للموضوع، لان الموضوع للنجاسة بحسب نظر العرف هي الخشبيّة و لا بقاء للخشبية في حال كونه رمادا، فيجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل لبقاء الموضوع و اتحاده في القضيتين، و لا يجري بحسب نظر العرف لعدم بقاء الموضوع بنظره.

و صدق الموضوع بحسب نظر العرف دون لسان الدليل في موارد كثيرة: منها ما اشار اليه في المتن، و هو ما اذا كان الحكم بحسب لسان الدليل ثابتا لموضوع خاص كالعنب في مثل ما اذا ورد: العنب اذا غلى يحرم، فان موضوع الحرمة في لسان

ص: 343

.....

______________________________

الدليل هو العنب، و العنبيّة هي حالة ما قبل الجفاف، و لكن العرف بحسب ارتكازه يرى ان الموضوع هو ما يشمل حالة الجفاف و هي الزبيبيّة، فان الموضوع بنظره بحسب ما يراه من مناسبات الحكم و الموضوع هو المادة المشتركة بين حالة العنبيّة و الزبيبيّة، فانه يرى ان العنبيّة و الزبيبيّة من الحالات المتبادلة على ما هو الموضوع للحرمة و هو المادة المشتركة بينهما، ففي مثل هذا لا يجري الاستصحاب بحسب لسان الدليل، لان الموضوع للحكم في لسانه هو العنبيّة و هي مرتفعة في حال كونه زبيبا فلا بقاء للموضوع في حال الشك، و يجري الاستصحاب بحسب نظر العرف، لان الموضوع في نظره هو المادة المشتركة و هي باقية في حال الزبيبيّة، فان العرف بحسب ارتكازه و ما يفهمه من مناسبات الحكم و الموضوع يرى ان الزبيب اذا كان لا يحرم بالغليان فهو من باب ارتفاع الحكم عن موضوعه.

فاتضح مما ذكرنا حال النسبة بين الاحتمالات الثلاثة: من نظر العقل و نظر العرف و لسان الدليل، و لذلك كان للبحث بان النقض المنهي عنه هو النقض بحسب أي هذه الثلاثة ثمرة مهمة من جريان الاستصحاب بحسب نظر منها و عدم جريانه بحسب النظرين الآخرين.

الثاني: ان الرجوع الى نظر العرف في مقامين: الاول: الرجوع اليه بما هو مرجع في فهم معنى الالفاظ في المحاورات، و بالعرف في هذا المقام يحصل الظهور و يكون للكلام ظاهر و هو المراد للمتكلم من كلامه.

الامر الثاني: هو الرجوع الى العرف فيما يفهمه بحسب ارتكازه و مناسبات الحكم و الموضوع، فالعرف مع كونه يرى ان الظاهر من لفظ العنب هو ما قبل الجفاف يرى- ايضا- بحسب ارتكازه ان موضوع الحكم للحرمة هو المادة المشتركة بين العنبيّة و الزبيبيّة، و مرادهم من كون نظر العرف في قبال نظر العقل و لسان الدليل هو الرجوع اليه بما يفهمه من جهة ارتكازه و ما يراه من مناسبات الحكم و الموضوع، لا فيما يفهمه من اللفظ في المحاورات.

ص: 344

.....

______________________________

و ينبغي ان لا يخفى ان الرجوع الى العرف- هنا- في تشخيص الموضوع ليس من الرجوع الى العرف في تشخيص المصاديق، ليقال ان العرف لا يرجع اليه في تشخيص المصاديق و انما يرجع اليه في تشخيص المفاهيم، و ذلك لما عرفت من ان العرف- هنا- لا يرى ان الزبيب- مثلا- هو من مصاديق العنب، بل مع انه يرى ان الزبيب ليس عنبا لكنه بحسب ارتكازه من مناسبة الحكم و الموضوع يرى ان الحكم موضوعه هو المادة المتحققة في حالة العنبية و الزبيبية، غايته انه يحتمل انه لحالة العنبية دخل، فلذا يحصل الشك و نحتاج الى الاستصحاب.

و لا يخفى ان العرف بحسب ارتكازه في مناسبة الحكم و الموضوع ربما يعمم الموضوع، كما في العنب اذا غلى يحرم، و مثل الماء المتغير بالنجاسة ينجس، فانه يرى بحسب ارتكازه ان التغير واسطة في عروض النجاسة على الماء و ثبوتها له، و ان الماء هو الموضوع للنجاسة، و ان كان الحكم بحسب لسان الدليل هو ثبوت النجاسة للماء المتغير يوصف التغير، ففي المثال العرف معمم للموضوع كما كان معمما له في الحرمة الثابتة بحسب لسان الدليل لخصوص العنب.

و ربما يخصص الموضوع كما في مثل جواز التقليد، فان العرف بحسب ارتكازه مخصص للموضوع في قبال نظر العقل، فان العرف بحسب ارتكازه يرى ان الموضوع لجواز التقليد هو المجتهد الحي دون الميت.

و ينبغي ان لا يخفى ايضا ان الارتكاز العرفي بحسب مناسبات الحكم و الموضوع في نظره ليس هو بمثابة ان يكون قرينة على كون الظاهر من لسان الدليل هو ما يعم الزبيبية، و إلّا كان موجبا لكون الظاهر هو ما يعم الزبيبية و لا تصل النوبة الى الاستصحاب، بل المراد ان الارتكاز العرفي موجب لكون الموضوع للنقض بنظر العرف هو ما يعم الزبيبية، مع اعترافه بكون الموضوع لظاهر الدليل هو خصوص العنب.

ص: 345

.....

______________________________

الامر الثالث من الامور: ان المراد من قولهم العرف بحسب نظره المسامحي ليست المسامحة بمعنى الحقيقية الادعائية: أي ان العرف ليس تعميمه من باب الحقيقة الادعائية، بل مرادهم من المسامحة بنظر العرف هو ان الموضوع اذا كان بحسب لسان الدليل او نظر العقل خاصا، فتعميمه بنظر العرف هو تسامحه فيما كان موضوعا بحسب نظر العقل و لسان الدليل، و انه يتسامح عما هو الموضوع فيهما، لانه يرى بحسب ارتكازه ان الموضوع اعم، فالمراد بتسامح العرف هو تسامحه عن نظر العقل و لسان الدليل لا الحقيقة الادعائية، لوضوح ان العرف يرى ثبوت الموضوع حقيقة لا ادعاء.

الامر الرابع: ان المصنف يرى انه لا يعقل الاطلاق في دليل لا تنقض بحيث يشمل نظر العقل و لسان الدليل و نظر العرف، لان نظر العقل و لسان الدليل و نظر العرف امور متقابلة، و لا يمكن تحقق الاطلاق بحيث يشمل الامور المتقابلة إلّا اذا كان لها جامع مفهومي يكون الاطلاق ناظرا اليه و حينئذ يكون شاملا للامور المتقابلة، و لا جامع مفهومي في المقام بحيث يشمل هذه الامور المتقابلة، و عليه فلا بد و ان يكون النقض المنهي عنه في لسان دليل الاستصحاب هو النقض بحسب احد هذه الانظار معينا كما مر منه الاشارة الى هذا في استصحاب الامور التدريجية في التنبيه الرابع.

و اما غير المصنف ممن يرى امكان الاطلاق إلّا انه ايضا لا مجال له ايضا في دليل لا تنقض، لان دليل لا تنقض له ظهور في كونه بحسب خصوص النظر العرفي، و مع كونه ظاهرا في خصوص النظر العرفي لا وجه لدعوى الاطلاق فيه بحيث يشمل نظر العقل و لسان الدليل.

الامر الخامس: ان المراد من كون النقض في دليل الاستصحاب، هل هو بحسب نظر العقل او لسان الدليل او نظر العرف هو ان نظر العقل هو الطريق الى ما اراده الشارع من النقض في لسان دليل الاستصحاب؟ ... او ان لسان الدليل هو الطريق الى ما اراده الشارع من النقض؟ او ان نظر العرف هو الطريق الى ما اراده الشارع

ص: 346

.....

______________________________

من النقض؟ فلا يتوهم انه ليس للعقل و لا لنظر العرف حق الاختراع بعد ان كان لسان الدليل معينا لموضوع الحكم، لما عرفت من ان نظر العقل و العرف ليس الرجوع اليهما من باب انهما مخترعان، بل بما هما طريقان، و هما كلسان الدليل من حيث الطريقية لتعيين موضوع النقض، و الدليل انما كان معينا لموضوع الحكم المتيقن لا لموضوع النقض في دليل لا تنقض، فحال لسان الدليل كحال نظر العرف و نظر العقل من حيث كون الكل طريقا لتعيين الموضوع للنقض في دليل الاستصحاب.

اذا عرفت هذه الامور ... فالحق كما هو مختار المصنف و جملة المحققين: ان دليل الاستصحاب منزل على نظر العرف، فالمراد من النقض المنهي عنه هو ما يراه العرف نقضا، لا ما كان بحسب نظر العقل نقضا، و لا ما كان نقضا بحسب لسان الدليل، لانه كما ان العرف هو المرجع في تعيين الظهور، فالظاهر هو الذي يكون ظاهرا بحسب نظر العرف، لان الشارع حيث انه لا طريق له خاص في مقام محاوراته فهو من حيث المحاورة كواحد من العرف. كذلك الحال فيما اذا كان للموضوع مصاديق مختلفة، كموضوع النقض فانه له مصداق بنظر العقل و له مصداق بحسب لسان الدليل و له مصداق بحسب نظر العرف، فان الشارع ايضا كواحد من العرف في تعيين مصداق الظاهر الذي له مصاديق متفاوتة، فكما فيما اذا كان لا تنقض صادرا من واحد من اهل العرف لا ريب في ان مصداق النقض ما هو نقض بحسب نظر العرف، فكذلك فيما اذا كان الكلام صادرا من الشارع فانه- ايضا- كواحد من العرف في تعيين المصداق للظاهر من بين مصاديقه المتفاوتة.

فاتضح مما ذكرنا: انه لا بد و ان ينزل كلام الشارع في قوله لا تنقض اليقين بالشك على النقض الذي يراه العرف نقضا، دون النقض بحسب نظر العقل او لسان الدليل.

و لا ينبغي ان يقال: انه يتعين النقض بحسب نظر العقل لانه هو النقض الحقيقي دقة، لما عرفت من ان نظر العقل هو كطريق الى معرفة ما هو النقض الحقيقي في قوله

ص: 347

.....

______________________________

لا تنقض، فحاله كحال نظر العرف من هذه الجهة، لان النقض العرفي- ايضا- نقض حقيقي، و ليس هو بنقض ادعائي حتى يتقدم عليه النقض الحقيقي.

و لا ينبغي ان يقال: ان المتيقن هو النقض في لسان الدليل، بدعوى ان كلام الشارع لا بد و ان ينزل على ما هو النقض بحسب لسان دليله، و لا وجه للرجوع الى نظر غير نظره، لما عرفت ايضا من ان الشارع انما عين الموضوع في مقام الحكم المتيقن الثابت لموضوعه، و لم يعين الموضوع في دليل النقض، فحاله في الطريقية لتعيين موضوع النقض في لا تنقض كنظر العرف، و حيث عرفت انه لا بد من الرجوع الى العرف في تعيين ما هو المصداق للظاهر الذي له مصاديق متفاوتة، فيتعين كون المرجع في تعيين موضوع لا تنقض هو نظر العرف، دون لسان الدليل و دون نظر العقل.

و قد اشار المصنف الى بعض المقدمات، فاشار الى النسبة بين الانظار الثلاثة بقوله: ( (فلا مجال للاستصحاب في الاحكام ... الخ)).

و حاصله: انه في مقام استصحاب الاحكام الكلية لا يجري الاستصحاب بحسب نظر العقل، لان السبب للشك هو انتفاء بعض اوصاف ما كان متعلقا لليقين، فان الحكم الكلي كوجوب الانفاق- مثلا- على الاقارب او الزوجة ثبت لما كان حيا، فاذا شك في حياة من وجب الانفاق عليه لا يحرز الموضوع بحسب نظر العقل، لاحتمال دخل الحياة فيما هو الموضوع لوجوب الانفاق، بخلافه بنظر العرف و لسان الدليل فان موضوع الانفاق بحسبهما هو زيد و هو محفوظ في القضيتين، لان الحياة بحسب نظر العرف و لسان الدليل من حالات الموضوع لا مما يتقوم به الموضوع، ففي استصحاب الاحكام الكلية مما يصدق اتحاد الموضوع في القضيتين بحسب نظر العرف و لسان الدليل دون العقل. و الى هذا اشار بقوله: ( (فلا مجال للاستصحاب في الاحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم ب)) سبب ان منشأ الشك في الحكم هو ( (زوال بعض خصوصيات موضوعه)) فلا يكون الموضوع

ص: 348

.....

______________________________

بحسب نظر العقل محرزا ( (لاحتمال دخله فيه)) أي الاحتمال دخل بعض خصوصيات الموضوع في الموضوع، و على هذا فلا بد ( (و)) ان ( (يختص)) جريان الاستصحاب بنظر العقل ( (ب)) الاستصحاب في ( (الموضوعات)) دون الاحكام ( (بداهة انه اذا شك في حياة زيد)) يحصل بسبب الشك في حياته ( (شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة)) و هو الحكم بوجوب الانفاق عليه بحسب نظر العقل ( (بخلاف ما لو كان)) اتحاد الموضوع ( (بنظر العرف لو بحسب لسان الدليل ضرورة ان انتفاء بعض الخصوصيات و ان كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه)) أي في موضوع الحكم واقعا ( (إلّا انه ربما لا يكون)) لهذا الاحتمال دخل ( (بنظر العرف و لا في لسان الدليل)) لعدم كون تلك الخصوصيات المنتفية ( (من مقوماته)) أي من مقومات الموضوع بحسب نظرهما.

و اشار الى النسبة بين لسان الدليل و نظر العرف، و انه ربما يكون الموضوع بحسب نظر العرف محفوظا في القضيتين دون لسان الدليل بقوله: ( (كما انه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا)) أي ربما يكون الموضوع بحسب لسان الدليل شيئا خاصا، و لكنه بنظر العرف يكون الموضوع ما هو اعم منه ( (مثلا اذا ورد العنب اذا غلى يحرم كان العنب)) في لسان الدليل ( (بحسب ما هو المفهوم)) من لفظ العنب ( (عرفا هو خصوص العنب و لكن)) الموضوع للحرمة بنظر ( (العرف بحسب ما يرتكز في اذهانهم و يتخيلونه)) في مرتكزاتهم ( (من)) جهة ( (المناسبات بين الحكم و موضوعه)) امر اعم من العنب، و لذلك ( (يجعلون الموضوع للحرمة)) هو ( (ما يعم الزبيب و)) لاجل ارتكازهم ( (يرون العنبية و الزبيبية من حالاته المتبادلة)) أي من حالات الموضوع المتبادلة عليه لا من مقوماته ( (بحيث)) يرون انه ( (لو لم يكن محكوما بما حكم به العنب)) في حال الشك ( (كان)) ذلك ( (عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه و لو كان)) الزبيب ( (محكوما به)) أي بما حكم به العنب في حال

ص: 349

الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات و المناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه (1).

______________________________

الشك ( (كان)) ذلك ( (من بقائه)) أي مما كان الموضوع فيه باقيا و محفوظا في القضيتين.

(1) يشير بهذا الى الامر الثاني و هو ان العرف يكون مرجعا في مقامين في مقام تعيين مفاهيم الالفاظ و تشخيص الظهور و يكون مرجعا ايضا في مقام تعيين مصداق الظاهر فيما اذا تردد مصداقه بين افراد متفاوتة من مصاديقه من ناحية نظر العقل و لسان الدليل و نظر العرف، و لا منافاة بين كون العرف في مقام تشخيص الظهور يفهم ان العنب هو امر خاص، و بين كونه في مقام تعيين مصداق النقض يرى العرف ان الموضوع بحسب ارتكازه هو اعم من العنب بحيث يشمل الزبيب. و لا يخفى ان ارتكاز العرف انما يكون في قبال لسان الدليل فيما اذا لم يكن ارتكازه موجبا لجعل الحكم في لسان الدليل حكما للأعم من العنب، فانه اذا كان ارتكازه كذلك يكون نفس الظاهر من الدليل هو الحكم لما يعم الزبيب، بل انما يكون نظر العرف في قبال لسان الدليل فيما اذا كان ارتكازه في خصوص ما به يحصل النقض في مقام الشك، فلا يكون ارتكازه في مقام النقض قرينة صالحة لان يكون الموضوع في لسان الدليل هو ما يعم العنب، بحيث يوجب صرف ظاهر لفظ العنب من خصوص العنبية الى ما يعم الزبيبية، و اذا كان ارتكازه في مقام حفظ الموضوع في مقام النقض، فلا منافاة بين فهم العرف بما هو من ابناء المحاورة لكون العنب ظاهرا مفهوما فيما هو خاص لا يعم الزبيب، و بين كون الموضوع بحسب ارتكازه في مقام النقض هو اعم من العنب.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و لا ضير في ان يكون الدليل بحسب فهمهم)) أي بحسب فهم العرف بما هم من ابناء المحاورة يرجع اليهم في تشخيص مفهوم الظواهر

ص: 350

و لا يخفى أن النقض و عدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع، فيكون نقضا بلحاظ موضوع، و لا يكون بلحاظ موضوع آخر، فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره، من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ (1).

فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، لانه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية و منها الخطابات الشرعية، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم، لا محيص عن الحمل على

______________________________

( (على خلاف)) ما يرونه بحسب ( (ما ارتكز في اذهانهم)) في مقام بقاء الموضوع عند الشك و ان ارتكازهم على خلاف ما فهموه من ظاهر الدليل ( (بسبب ما يتخيلوه من الجهات و المناسبات)) في مقام تعيين مصداق النقض، و انما يكون ارتكازهم في قبال لسان الدليل ( (فيما اذا لم يكن)) ارتكازاتهم و مناسبات الحكم و الموضوع ( (بمثابة تصلح)) لان تكون ( (قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه)) و إلّا كان ذلك موجبا لان يكون نفس الدليل ظاهرا فيما يعم الزبيب، فلا حاجة الى الاستصحاب، بل لا موضوع له لعدم الشك.

(1) حاصله: ان النقض لما كان مختلفا بحسب الانظار الثلاثة، و لا مجال للاطلاق بحيث يعم الموضوع بحسب الانظار الثلاثة، اما لعدم امكانه كما يراه المصنف، او لكونه ظاهرا في ان الملحوظ فيه هو احد الانظار بخصوصه، فلا بد في تعيين ما هو الملحوظ من النقض في دليل الاستصحاب، و انه هل ينزل على النقض في لسان الدليل، او ينزل على النقض بنظر العقل، او يكون منزلا على النقض بحسب نظر العرف؟ و لذا قال (قدس سره): ( (فلا بد في تعيين ان المناط في الاتحاد)) في الموضوع هل ( (هو الموضوع العرفي او غيره)) من لسان الدليل و نظر العقل ( (من بيان ان خطاب لا تنقض قد سبق باي لحاظ)) من هذه اللحاظات الثلاثة.

ص: 351

أنه بذاك اللحاظ، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف، و إن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل، فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا، لبقاء الموضوع و اتحاد القضيتين عرفا، و لا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك و إن كان هناك اتحاد عقلا (1)، كما مرت الاشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب

______________________________

(1) حاصله ما مر بيانه: من انه كما ان الشارع هو كواحد من العرف في المحاورات العرفية، و لازمه الرجوع الى العرف في تشخيص ما هو الظاهر في مقام تعيين الظهورات للالفاظ الواردة في لسان الادلة الشرعية، كذلك الشارع كواحد من العرف في مقام تعيين المصداق في نظر الشارع اذا دار الامر بين المصداق في نظر العقل و المصداق بحسب ظاهر لسان الدليل.

و بعبارة اخرى: ان لا تنقض اليقين بالشك لو كان صادرا من بعض اهل المحاورة لكان المرجع فيما هو مصداق النقض هو النظر العرفي، فكذلك الحال فيما اذا صدر لا تنقض من الشارع و دار الامر بين مصداقه بنظر العقل او لسان الدليل او النظر العرفي، فان الشارع كواحد من العرف في تعيين ما هو المصداق للنقض عند الشارع.

فاتضح مما ذكرنا: انه لا بد بالاخذ بما يراه العرف نقضا في مقام الشك، و ان اتحاد الموضوع في القضيتين المرجع فيه هو النظر العرفي دون نظر العقل و لسان الدليل، فيتعين بما ذكرنا: ان الظاهر في دليل الاستصحاب ان المعول في النهي عن النقض فيه ما هو نقض للشك عند العرف، و ان الملحوظ للشارع في دليل لا تنقض هو النقض الذي يراه العرف نقضا، و لا بد من حمل كلام الشارع في الاستصحاب عليه ما لم تقم قرينة في لسان دليل الاستصحاب على ان الملحوظ للشارع هو النقض بحسب نظر العقل او لسان الدليل.

فاتضح من جميع ما ذكرنا: ان المناط في بقاء الموضوع و الاتحاد في القضيتين هو الاتحاد بحسب نظر العرف، فيجري الاستصحاب فيما كان الاتحاد بنظر العرف

ص: 352

الكلي، فراجع (1).

______________________________

متحققا، و ان لم يكن متحققا بنظر العقل او لسان الدليل، و اذا لم يكن الاتحاد بحسب نظر العرف متحققا فلا يجري الاستصحاب، و ان كان الاتحاد متحققا بنظر العقل او لسان الدليل، ففي مثل العنب يحرم اذا غلى يستصحب الحرمة للزبيب اذا غلى، لاتحاد الموضوع بنظر العرف و ان لم يكن الموضوع متحدا بحسب لسان الدليل، و في مثل جواز التقليد لا يجري الاستصحاب في جواز التقليد للميت لعدم تحقق الموضوع بحسب نظر العرف و ان كان الموضوع متحققا بحسب نظر العقل. و لذا قال (قدس سره): ( (فيستصحب مثلا ما ثبت بالدليل للعنب)) اذا غلى فيما ( (اذا صار)) العنب ( (زبيبا لبقاء الموضوع و اتحاد القضيتين عرفا و لا يستصحب)) الحكم ( (فيما لا اتحاد كذلك)) أي فيما لا اتحاد بحسب نظر العرف ( (و ان كان هناك اتحاد)) في موضوع القضيتين ( (عقلا)) كما عرفت في مثال جواز التقليد.

(1) حاصله: انه في التنبيه الثالث في ان القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، و هو ما اذا كان الشك في بقاء الحكم لاحتمال وجود فرد من افراد الكلي عند ارتفاع الفرد المتيقن، و انه لا مجرى للاستصحاب في هذا القسم لعدم اتحاد الموضوع، لان المتيقن هو الكلي المتحقق في ضمن الفرد المتيقن و قد ارتفع بارتفاع الفرد المتيقن ارتفاعه، و حدوثه في ضمن فرد آخر هو حدوث شي ء آخر غير ما كان متيقنا فلا اتحاد في القضيتين. و استثنى من هذا القسم ما اذا كان الكلي ذا مراتب و مراتبه هي افراده كالبياض او السواد، فان البياض له مراتب من حيث الشدة و الضعف، و في مثل هذا لو ارتفع الكلي بمرتبته الشديدة و شك في بقائه لاحتمال بقائه بمرتبته الضعيفة أو ارتفاعه مطلقا، فلا مانع من استصحابه لبقاء الموضوع لاجل الوحدة الاتصالية في الكلي ذي المراتب.

و فرع عليه بنحو لا يقال صحة استصحاب بقاء كلي الطلب فيما اذا ارتفع الوجوب و شك في بقائه في ضمن الاستحباب، فان الحكم اذا كان هو الارادة يكون

ص: 353

المقام الثاني: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده، و إنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها و خطابه (1).

______________________________

من الكلي ذي المراتب المتفاوتة بالشدة و الضعف، فان الطلب في ضمن الاستحباب هو بقاء الارادة بالمرتبة غير الاكيدة، و المرتفع هو الارادة في ضمن الوجوب و هي مرتبة من الارادة التي هي الارادة الاكيدة.

و اجاب عنه بما حاصله: ان اتحاد الموضوع في مسألة الوجوب و الاستحباب و ان كان متحققا إلّا انه بنظر العقل لا بنظر العرف، لان الوجوب و الاستحباب بنظر العرف هما كفردين منفصلين في الوجود متباينين، و ليسا هما عند العرف كواحد ذي وصفين متبادلين، فلا اتحاد في القضيتين بحسب نظر العرف، و حيث ان الاتحاد في القضيتين مناطه الاتحاد في نظر العرف فلا يجري الاستصحاب في الفرض المذكور لعدم الاتحاد في نظر العرف، و ان كان هناك بحسب نظر العقل.

(1)

المقام الثاني: تقدّم الامارة على الاستصحاب بالورود
اشارة

لا يخفى انه لا ريب في تقدم الامارة على الاستصحاب، و انه لو قامت الامارة في مرحلة البقاء على شي ء لا وجه للرجوع الى الاستصحاب، سواء كانت الامارة قائمة على خلاف ما يستلزمه جريان الاستصحاب، كما لو تيقن بالنجاسة و قامت الامارة على الطهارة، فان الامارة مفادها حينئذ هو الطهارة و مفاد الاستصحاب هو النجاسة، او كانت الامارة قائمة على ما يوافق الاستصحاب كما لو قامت الامارة على النجاسة ايضا. و على كل فمع قيام الامارة على شي ء لا يرجع الى الاستصحاب مطلقا، سواء كانت الامارة مخالفة للاستصحاب او موافقة له، و هذا مما لا خلاف فيه.

و انما الكلام في ان تقديم الامارة على الاستصحاب هو: لانها واردة عليه، أو لانها حاكمة عليه، او انها ليست واردة و لا حاكمة، بل التوفيق العرفي بينهما يقتضي تقديمها عليه؟ و الى هذا اشار بقوله: ( (و انما الكلام في انه)) أي و انما الكلام في ان

ص: 354

.....

______________________________

تقديمها على الاستصحاب هل هو ( (للورود او الحكومة او التوفيق بين دليل اعتبارها)) أي ان التقديم للامارة لا لاجل الورود و لا للحكومة، بل لاجل التوفيق العرفي بين دليل اعتبار الامارة ( (و خطابه)) أي و بين خطاب لا تنقض الذي هو دليل الاستصحاب.

و لا يخفى انه سيأتي في التعادل و التراجيح بيان معنى التخصّص و الورود، و الحكومة و التخصيص، و التوفيق العرفي، و به يتضح الفرق بينهما ... و مجمله: ان التخصّص هو الخروج بالذات حقيقة لا بلحاظ الجعل و البيان، كمثل خروج الجاهل عن مثل اكرم العالم. و الورود هو الخروج حقيقة بلحاظ الجعل و البيان، كمثل خروج مورد البيان من الشارع عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان. و الحكومة هي الخروج او الدخول بلسان رفع الموضوع او ثبوته و ان لم يرفع الموضوع فهو تخصيص بلسان رفع الموضوع، فالاول كما في مثل لا شك لكثير الشك، و الثاني كما في مثل الطواف في البيت صلاة. و التخصيص هو اثبات الحكم مع فرض ثبوت الموضوع، كما في مثل لا تكرم زيد العالم بالنسبة الى اكرم كل عالم. و التوفيق العرفي و هو كما يفهم منهم انه غير التخصيص الاصطلاحي، لان التخصيص اصطلاحا هو ان يكون الخاص اخص من العام، و اما التوفيق العرفي فهو تقديم احد الدليلين مع كون النسبة بينهما هي العموم من وجه، لا لاجل الورود و لا للحكومة، بل لان العرف يرى في مقام الجمع بينهما ان احد الدليلين اظهر من الآخر، فالتوفيق العرفي تخصيص في مورد العموم من وجه، كما في مثل كلّ من يطير لا بأس بخرئه و بوله، فان النسبة بينه و بين ما دلّ على نجاسة ما لا يؤكل لحمه العموم من وجه، و لكن تقدّم رواية من يطير، لانه اذا أعملنا قاعدة التعارض و التساقط في ما بين العموم من وجه يكون لازمه الغاء عنوان الطيران.

ص: 355

و التحقيق أنه للورود، فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين، و عدم رفع اليد عنه مع الامارة على وفقه ليس لاجل أن لا يلزم نقضه به، بل من جهة لزوم العمل بالحجة (1).

______________________________

(1) و توضيحه: ان الشك المأخوذ في الاستصحاب ان كان هو الشك في الحكم الفعلي، فبناء على الموضوعية في الامارة الذي لازمه جعل الحكم الفعلي على طبق الامارة و كونه منبعثا عن مصلحة غير مصلحة الواقع، و حيث لا يعقل كون الحكم الواقعي فعليا لمحالية فعلية الحكمين في مورد واحد، فلا محالة ينحصر الحكم الفعلي بما قامت عليه الامارة، و على هذا فلا يعقل الشك في الحكم الفعلي الذي به قوام الاستصحاب، و لازم ذلك كون الامارة واردة على الاستصحاب.

و اما بناء على الطريقيّة في الامارات: اما بمعنى جعل الحكم المماثل فيها المنبعث عن مصلحة الواقع فحيث لا تصيب الامارة لا حكم مماثل، و حيث لا قطع بالاصابة فللشك في الحكم الفعلي الواقعي مجال، فلا تكون الامارة واردة على الاستصحاب من ناحية الشك في الحكم الفعلي، لوضوح حصول الشك في الحكم الفعلي الواقعي الذي به يتقوّم الاستصحاب في حال قيام الامارة لاحتمال عدم اصابة الامارة.

و اما الطريقيّة بناء على جعل المنجزيّة و المعذريّة في الامارة فحصول الشك في الحكم الفعلي أوضح، لعدم جعل الحكم المماثل اصلا في مورد الامارة، و حيث المفروض عدم وصول الحكم الواقعي بالامارة لانها ظنية، فلا قطع بوصول الحكم الواقعي بالامارة حتى ينتفي الشك الذي به قوام الاستصحاب.

الّا ان الورود بناء على الطريقيّة سواء على جعل الحكم المماثل، او على جعل المنجزية و المعذرية، انما هو لاجل اليقين الذي به ينقض الشك، و هو قوله و لكن تنقضه بيقين آخر، فان المراد باليقين الذي به ينقض الشك في الاستصحاب هو الحجة، فبورود الحجة يرتفع موضوع الاستصحاب و هو الشك، لان المراد بالشك

ص: 356

.....

______________________________

الذي به قوام الاستصحاب هو عدم الحجة، فمع تحقق الحجة من الشارع يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة، و هذا يرجع الى ما يراه المصنف في المقام من الورود.

هذا كلّه من ناحية اليقين و الشك.

و لكن الورود الذي اختاره المصنف ليس من هذه الجهة، بل من ناحية ان مورد الاستصحاب هو كون الاخذ بالشك: نقضا لليقين بالشك أي ان قوام الاستصحاب هو اليقين و الشك، و كون الاخذ بخلاف اليقين نقضا لليقين بالشك، و مع قيام الحجة في مورد الاستصحاب على الحكم لا يكون الاخذ بها في مورد الشك في الحكم الفعلي من النقض اليقين بالشك، بل من نقض اليقين بالحجة، فلا موضوع حقيقة لنقض اليقين بالشك في حال قيام الامارة، و هذا هو معنى كون الامارة واردة على الاستصحاب لارتفاع موضوع النقض بسبب قيامها، و الاستصحاب ليس هو الّا حرمة النقض لليقين بالشك، فحيث لا يكون في مورد الامارة نقض حقيقة فلا محالة تكون الامارة واردة و رافعة للاستصحاب حقيقة.

فاتضح: انه في حال قيام الامارة على خلاف المتيقن ليس الاخذ بها من نقض اليقين بالشك، بل هو من نقض اليقين بالحجة، و حيث لا يكون الاخذ بها من نقض اليقين بالشك بل هو من النقض بالحجة تكون الامارة رافعة لموضوع الاستصحاب حقيقة، لان الاستصحاب كما هو متقوّم باليقين و الشك كذلك هو متقوّم بكون الاخذ بالشك نقضا لليقين بالشك.

و لا يخفى ان هذا انما يتمّ حيث يكون المراد من اليقين في قوله و لكن تنقضه بيقين آخر هو مطلق الحجة.

اما لو كان اليقين مختصا بخصوص اليقين: أي العلم، فغاية ما يدل عليه دليل الامارة هو اعتبار الامارة علما و يقينا تنزيلا لا حقيقة، و عليه فلا تكون الامارة رافعة للشك حقيقة و لا يكون النقض مرتفعا موضوعا حقيقة، بل هو مرتفع تعبّدا بلسان ان ما قامت عليه الامارة هو الواقع، و مرجع هذا الى الحكومة، لعدم ارتفاع النقض

ص: 357

.....

______________________________

حقيقة بواسطة الامارة، بل هو رفع للنقض تعبّدا لا حقيقة، و ليس الحكومة الّا ما كان رفعا للموضوع تعبّدا بلسان انه الواقع مع عدم الرفع حقيقة.

و على كل فبناء على كون المراد من النقض باليقين هو النقض بالحجة، يكون الاخذ بالامارة القائمة على خلاف المتيقن ليس من النقض بالشك حقيقة، بل هو من نقض اليقين باليقين. هذا اذا كانت الامارة قائمة على خلاف المتيقن، فان كونها واردة على الاستصحاب واضح.

و اما اذا كانت قائمة على وفق المتيقن، فالاخذ بها و ان كان موافقا للاخذ بالاستصحاب نتيجة، الّا انه مع ذلك فان الامارة واردة على الاستصحاب، لان الاخذ بالاستصحاب انما هو من باب ان رفع اليد عن المتيقن في حال الشك من نقض اليقين بالشك، و الاخذ بالامارة في حال الشك انما هو من باب انه لا شك بل هو اخذ باليقين.

و الحاصل: انه في مورد موافقة الامارة للاستصحاب فرق واضح بينهما، فان الاخذ بالاستصحاب هو من باب ابقاء اليقين في مقام الشك، و الاخذ بالامارة انما هو لوجود اليقين لا انه ابقاء لليقين السابق في مقام الشك.

و قد اشار الى الورود في مقام قيام الامارة على خلاف ما يقتضيه الاستصحاب، بان تكون الامارة قائمة على خلاف ما كان متيقنا سابقا، في ان الوجه في ورودها على الاستصحاب هو كون الاخذ بها من نقض اليقين السابق باليقين، و عليه فيكون النقض لليقين بالشك مرتفعا حقيقة بواسطة الامارة بقوله: ( (و التحقيق انه للورود)) لارتفاع النقض بالشك حقيقة بسببها ( (فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب)) قيام ( (امارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل)) هو من نقض اليقين السابق ( (باليقين)). و اشار الى ورود الامارة فيما لو كانت موافقة للاستصحاب بقوله: ( (و عدم رفع اليد عنه)) أي و عدم رفع اليد عن اليقين السابق ( (مع)) قيام ( (الامارة على وفقه)) أي على وفق الاستصحاب ( (ليس لاجل ان لا يلزم نقضه به

ص: 358

لا يقال: نعم، هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده، و لكنه لم لا يؤخذ بدليله و يلزم الاخذ بدليلها (1)؟

______________________________

بل من جهة لزوم العمل بالحجة)) أي ان الاخذ بالامارة القائمة على وفق الاستصحاب ليس لاجل ان الاخذ بها لئلا يلزم النقض لليقين السابق بالشك، بل لاجل قيام الحجة على العمل في حال الشك، فالاخذ بها من باب ان الامارة من اليقين، لا لانه من نقض اليقين بالشك.

(1) حاصله: ان الامارة انما تكون واردة على الاستصحاب حيث يسلم حجيتها في مورد الاستصحاب و بحجيتها يرتفع النقض، و كون الامارة حجة في مورد الاستصحاب اول الكلام، اذا المفروض كون الاستصحاب مورده الشك، و الامارة موردها الشك ايضا، فتقديم الامارة على الاستصحاب بفرض كونها هي الحجة دون الاستصحاب اشبه بالتحكم، فلم لا يؤخذ بالاستصحاب؟ و مع الاخذ به يكون الحكم متحققا في مقام الشك، و مع تحقق الحكم لا حاجة الى الامارة، لان الامارة انما يحتاج اليها حيث لا يكون هناك حكم في حال الشك.

و الحاصل: ان الاخذ بحجية الامارة دون الاستصحاب انما هي لاجل تقديم دليلها على دليل الاستصحاب، فلم لا يكون التقديم لدليل الاستصحاب على دليل الامارة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (لا يقال نعم هذا لو اخذ بدليل الامارة)) أي ان ورود الامارة على الاستصحاب انما هو لاجل الاخذ بدليل الامارة ( (في مورده)) أي في مورد الاستصحاب، لانه مع الاخذ بالامارة يرتفع النقض بالشك حقيقة ( (و لكنه لم لا يؤخذ بدليله)) أي بدليل الاستصحاب، فانه مع الاخذ بالاستصحاب لا حاجة الى الامارة، فلم لا يؤخذ بدليل الاستصحاب ( (و)) انه ( (يلزم الاخذ بدليلها)) أي بدليل الامارة و يكون هو الحجة دون دليل الاستصحاب؟ ... و الحاصل ان السبب في ورود الامارة على الاستصحاب هو تقديم دليلها على دليله فتتحقق الحجة في مورد الاستصحاب و تكون الامارة واردة، فلم لا يؤخذ بدليل

ص: 359

فإنه يقال: ذلك إنما هو لاجل أنه لا محذور في الاخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله، فإنه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر، إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها، و اعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به، إذ لولاه لا مورد له معها، كما عرفت آنفا (1).

______________________________

الاستصحاب و يقدم على الامارة؟ فلا يكون في مورد الاستصحاب حجة حتى تكون الامارة واردة عليه.

(1) حاصله: ان السبب في الاخذ بدليل الامارة في مورد الشك دون دليل الاستصحاب، هو ان موضوع دليل الامارة هو خبر العادل، و قد فرض انه قد اخبر العادل بما هو مؤدى الامارة، و صدق العادل الذي هو الدليل على الاخذ بما قامت عليه الامارة موضوعه خبر العادل، و هذا الموضوع عام و يجب الاخذ بالعام إلّا ان يقوم على تخصيصه دليل المخصص، و المفروض عدم المخصص سوى دليل الاستصحاب، فالاخذ بالاستصحاب في مورد خبر العادل دون ما اخبر به العادل لا يكون إلّا لتخصيص دليل الامارة، و حيث ان المفروض انه لا مخصص لدليل الامارة غير الاستصحاب، فتخصيص دليل الامارة اما ان يكون بلا مخصص، و هو واضح البطلان لبداهة لزوم كون التخصيص لا بد و ان يكون بمخصص، و اما ان يكون المخصص لدليل الامارة هو دليل الاستصحاب، و تخصيص دليل الامارة بدليل الاستصحاب دوري، لان الموضوع في دليل الاستصحاب هو لكون عدم الاخذ به من نقض اليقين بالشك، فموضوعه متقوم بان يكون من نقض اليقين بالشك، و انما يكون المورد من نقض اليقين بالشك مع اخبار العادل في مورده حيث يكون الاستصحاب مخصصا لدليل الامارة، لانه مع فرض الاخذ بما اخبر به العادل لا يكون نقضا لليقين بالشك، فدليل الاستصحاب انما يجري حيث يكون هو المخصص لدليل الامارة. و حيث ان الاخذ باي دليل كان لا بد من تحقق موضوعه، فالاخذ بدليل الاستصحاب يتوقف على تحقق موضوعه، و هو ان يكون الاخذ به من

ص: 360

.....

______________________________

نقض اليقين بالشك، و تحقق نقض اليقين بالشك انما يكون حيث لا يكون خبر العادل، و انما لا يكون خبر العادل حجة في المقام حيث يكون دليل الاستصحاب مخصصا له، فتخصيص دليل الامارة بالاستصحاب يتوقف على عدم تحقق حجية دليل الامارة، و لما كان موضوع الامارة هو خبر العادل فموضوعه متحقق، فعدم حجية دليل الامارة انما هو لاجل تخصيص حجيتها بدليل الاستصحاب، فتخصيص الامارة بالاستصحاب يتوقف على تحقق موضوع الاستصحاب، و تحقق موضوع الاستصحاب متوقف على عدم حجية دليل الامارة، و عدم حجية الامارة متوقف على تخصيصها بالاستصحاب، و نتيجة ذلك توقف حجية دليل الاستصحاب على حجيته، و هو الدور.

و قد اتضح مما ذكرنا: ان لزوم الدور انما هو لاجل ان موضوع دليل الاستصحاب متوقف على عدم حجية دليل الامارة، بخلاف موضوع دليل الامارة فانه غير متوقف على عدم حجية دليل الاستصحاب، لان موضوع دليل الامارة هو خبر العادل و المفروض تحققه، و موضوع دليل الاستصحاب هو نقض اليقين بالشك و هو متوقف على عدم حجية دليل الامارة، و لبداهة انه مع الاخذ بدليل الامارة لا يكون الاخذ بخلاف المتيقن من نقض اليقين بالشك، بل هو من نقض اليقين باليقين.

و مما ذكرنا يظهر ايضا: انه لا ينبغي ان يتوهم بان يقال: ان الدور جار من جهة الاخذ بدليل الامارة ايضا، لان حجية العام الذي هو دليل الامارة متوقفة على عدم تخصيصه، و عدم تخصيص العام في المقام متوقف على عدم حجية دليل الاستصحاب، و عدم حجية دليل الاستصحاب متوقف على حجية دليل الامارة، فحجية دليل الامارة تتوقف على نفسها و هو الدور.

و وجه دفع هذا التوهم قد ظهر مما ذكرنا، لوضوح الفرق بين توقف دليل الاستصحاب على عدم حجية دليل الامارة، فان التوقف من جانب دليل الاستصحاب انما هو من جهة توقف موضوعه على عدم حجية دليل الامارة، بخلاف

ص: 361

.....

______________________________

توقف حجية الامارة فانها غير متوقفة على عدم حجية دليل المخصص، لفرض تحقق موضوعها بخبر العادل. نعم لو كان الموضوع للمخصص متحققا لكان اللازم الاخذ بدليل المخصص من باب تقديم الاقوى حجة على الاضعف حجة، و حينئذ فان الدور يكون من جانب الاخذ بدليل العام، لان حجية العام تتوقف على عدم وجود حجة اخص منها و هو المخصص، و حجية المخصص لا تتوقف على عدم حجية العام، كما في مثل دليل لا تكرم زيدا العام بالنسبة الى دليل اكرم العلماء. و لما كان التوقف من جانب المخصص في المقام من جهة الموضوع كان الدور لازما من جهته لا من جهة الامارة، لان تحقق موضوعه يتوقف على عدم حجية دليل الامارة، بخلاف الموضوع في الامارة فانه لا يتوقف على عدم حجية المخصص، لان موضوع الامارة هو خبر العادل و هو متحقق، بخلاف موضوع دليل الاستصحاب فانه نقض اليقين بالشك و هو متوقف على عدم حجية دليل الامارة، و لذلك كان الدور لازما من جانبه لا من جانب دليل الامارة.

و الحاصل: ان موضوع الاستصحاب متقوم بان الاخذ بخلاف اليقين السابق من نقض اليقين بالشك، و لما كان الاخذ بالامارة ليس اخذا بالشك، بل اخذ باليقين فلا نقض لليقين بالشك. فموضوع الاستصحاب متوقف على عدم وجود الامارة في مورده بخلافه. و موضوع الامارة لا يتوقف على عدم الاخذ بالاستصحاب، لان موضوعها خبر العادل و قد أخبر، و بعد اخباره يتحقق موضوع الامارة.

فاتضح: ان الاخذ بالاستصحاب يتوقف على عدم وجود الامارة في مورده، بخلاف الامارة فان الاخذ بها لا يتوقف على عدم جريان الاستصحاب، فلذلك كان الدور من جانب الاستصحاب لا من جانب الامارة. بخلاف الخاص و العام فان الامر فيه بالعكس، لان الموضوع في العام متقوم بعدم وجود حجة اقوى منه، و الخاص حجة اقوى منه، و الخاص بعد ان كان هو الاقوى فلا يتقوم بعدم وجود

ص: 362

.....

______________________________

العام، اذ لا يتقوم الاقوى بعدم وجود الاضعف، نعم الاضعف متقوم بعدم وجود الاقوى.

و قد اشار المصنف (قدس سره) الى لزوم الدور من جهة الاخذ بدليل الاستصحاب في المقام دون دليل الامارة بقوله: ( (فانه يقال ذلك انما هو لاجل انه لا محذور في الاخذ بدليلها)) أي دليل الامارة. و حاصله: انه لما كان الاخذ بدليل الامارة لا محذور فيه، فلذلك كان اللازم الاخذ بدليل الامارة ( (بخلاف الاخذ بدليله)) أي بخلاف الاخذ بدليل الاستصحاب فانه فيه محذور، لانه يستلزم اما التخصيص بلا مخصص فيما اذا قدمنا دليل الاستصحاب على دليل الامارة من غير تخصيص لدليل الامارة، او الدور فيما اذا خصصنا دليل الامارة بدليل الاستصحاب، و لذا قال: ( (فانه يستلزم تخصيص دليلها)) أي دليل الامارة ( (بلا مخصص)) أو لا يكون التخصيص ( (الا على وجه دائر)) و ذلك فيما اذا خصصنا دليل الامارة بدليل الاستصحاب ( (اذ التخصيص به)) أي بدليل الاستصحاب ( (يتوقف على اعتباره معها)) أي مع الامارة ( (و اعتباره كذلك)) أي مع الامارة ( (يتوقف على التخصيص به)) لان المفروض ان دليل الامارة عام و قد تحقق موضوعه، و مع تحقق موضوع العام لا بد من الاخذ به إلّا ان يخصص، فتخصيص دليل الامارة بدليل الاستصحاب يتوقف على عدم اعتبار دليل الامارة و اعتبار دليل الاستصحاب الذي هو المخصص، و اعتبار دليل الاستصحاب كذلك يتوقف على تخصيص دليل الامارة بالاستصحاب، فتخصيص دليل الامارة بالاستصحاب يتوقف على عدم اعتبار دليل الامارة، و عدم اعتبار دليل الامارة يتوقف على تخصيصه بدليل الاستصحاب، فيتوقف التخصيص بالاستصحاب على نفسه و هو الدور ( (اذ لولاه لا مورد له معها)) أي اذ لو لا التخصيص لكان اللازم الاخذ بالعام، و مع الاخذ بالعام الذي هو دليل الامارة لا يكون مورد للاستصحاب، فكون المورد موردا للاستصحاب يتوقف على ان يكون الاستصحاب مخصصا للامارة، و كونه

ص: 363

و أما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا، فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتا و بما هو مدلول الدليل، و إن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا و واقعا، لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما أن قضية دليله إلغاؤها كذلك، فإن كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل، فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة (1)، هذا مع لزوم

______________________________

مخصصا لها لازمه توقف التخصيص به على نفسه، لان الاستصحاب يتوقف على موضوعه و هو النقض، و لا يتحقق النقض الا بعدم الامارة، لانه مع الاخذ بالامارة لا نقض لليقين بالشك ( (كما عرفت آنفا)).

(1)

حكومة الامارة على الاستصحاب، و النظر فيه

توضيحه يقتضي تقديم مقدمة: و هي ان الشيخ الاجل في رسائله يرى ان دليل الامارة حاكم على دليل الاستصحاب لا وارد عليه، و كلام الشيخ مبني على كون الغاية في دليل الاستصحاب- و هي قوله و لكن تنقضه بيقين آخر- هي اليقين أي العلم الحقيقي، لا أن الغاية للنقض هي الحجة، فانه لو كانت الغاية هي الحجة فلا مناص عن الورود، لان كون الغاية لدليل لا تنقض هي الحجة معناه عدم تحقق المغيى عند حصول ما هو الغاية له، و ارتفاع المغيى حقيقة بحصول غايته، و على هذا تبتني الحكومة عند الشيخ.

فاذا عرفت هذا ... فنقول: ان الغاية لدليل لا تنقض لما كانت هي اليقين الحقيقي فدليل الامارة حاكم على دليل الاستصحاب، لان الحكومة هي كون الحاكم شارحا للمحكوم: فتارة يكون الحاكم شارحا بدلالته المطابقية كقوله عليه السّلام: لا شك لكثير الشك، أو لا شك في النافلة، فان هذا الدليل بدلالته المطابقية شارح لادلة الشكوك من البناء على الاكثر او للبناء على الفساد، فنفي الحكم الدال عليه ادلة الشكوك بقوله لا شك لكثير الشك هو رفع الحكم بلسان رفع موضوعه، و معناه ان موضوع دليل الشكوك هو ما عدا شك كثير الشك و ما عدا الشك في النافلة، فانه لا يترتب

ص: 364

.....

______________________________

على هذين الشكين الحكم المستفاد من ادلة الشكوك، لا من ناحية البناء على الاكثر و لا من ناحية البناء على الفساد، فيكون لا شك شارحا لادلة الشكوك بالادلة المطابقية.

و اخرى: يكون الحاكم هو دليل الاعتبار لشي ء و المحكوم دليل الاعتبار لشي ء آخر، كما في مقامنا فان خبر العادل- مثلا- الدال على لزوم البناء على الاكثر عند الشك في الركعات بعد الفراغ من سجدتي الركعة الثانية ليس شارحا لاستصحاب عدم الاتيان بالركعة المشكوك اتيانها، و لكن دليل اعتبار الامارة شارح لدليل اعتبار الاستصحاب للدلالة الالتزامية الدال عليها دليل اعتبار الامارة، فان المستفاد من دليل اعتبار الامارة كمثل قوله صدق العادل امران: المدلول المطابقي و هو لزوم تصديق العادل و البناء على صدقه، و المدلول الالتزامي و هو الغاء احتمال الخلاف فيه، و ان ما اخبر به العادل و ان كان مما يحتمل خلافه بدوا، إلّا انه يجب الغاء هذا الاحتمال و عدم الاعتناء به. و لما كان الموضوع للاستصحاب هو الاعتناء بالشك، لان دليل اعتبار الاستصحاب هو النهي عن نقض اليقين بالشك: أي ان دليل الاعتبار في الاستصحاب هو كون المنهي عنه هو الاعتناء بالشك و جعله ناقضا لليقين، فاذا كان المتيقن- مثلا- هو الحلية ففي مورد الشك فيها لاحقا لا بد من الاخذ بالحلية المتيقنة، لان الاخذ باحتمال الحرمة نقض لليقين بالشك، فاذا قامت الامارة على الحرمة في حال الشك فدليل صدق العادل بدلالته الالتزامية يدل على الغاء احتمال الخلاف، و معناه كون الحكم هو الحرمة، فهذا الحكم صدق به و الغ احتمال ان لا يكون الحكم هو الحرمة، و لازم هذا هو الشرح لدليل لا تنقض و بيان ان الحرمة التي تدل عليها الامارة ليست هي من الاحتمال الذي يكون الاخذ به من موارد نقض اليقين بالشك، بل هو مورد يلزم البناء فيه على الحرمة، فلا يكون احتمال الحرمة من موارد نقض اليقين بالاحتمال.

و الحاصل: ان دليل اعتبار الامارة بواسطة دلالته على الغاء احتمال الخلاف يكون شارحا لدليل اعتبار الاستصحاب الذي كان دالا على النهي عن الاعتناء

ص: 365

.....

______________________________

بالاحتمال، و ان مورده هو في غير ما قامت عليه الامارة، فالنهي عن هذا الاعتناء هو في غير مورد الامارة، لانه في ما قامت عليه الامارة لا يكون الاخذ بالاحتمال اخذا باحتمال لا ينبغي الاعتناء به، لدلالة دليل اعتبار الامارة على ان احتمال كونه مما لا اعتناء به الغه و ابن على انه مما ينبغي الاعتناء به. و حيث ان الاحتمال لا يرتفع حقيقة بالبناء على الغائه فلا بد و ان يكون ارتفاعه ارتفاعا تعبديا بالبناء تعبدا على ارتفاعه.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا هو: ان دليل اعتبار الامارة بدلالته الالتزامية على الغاء احتمال الخلاف يكون شارحا لدليل الاستصحاب بكون احتمال الخلاف في مورد الامارة مرتفعا تعبدا، لان موضوع دليل الاستصحاب الذي هو متعلق النهي هو احتمال الخلاف للمتيقن، فان هذا هو المنهي عنه في دليل لا تنقض. و الحاصل:

ان الاخذ بخلاف المتيقن هو المنهي عنه في الاستصحاب، و لكن لما كان احتمال خلاف المتيقن مما يلزم الاخذ به لاجل اعتبار الامارة و الغاء احتمال عدم مطابقته تعبدا، فلا يكون احتمال الخلاف للمتيقن مما يشمله مورد النقض بسبب شارحية دليل اعتبار الامارة لاحتمال الخلاف الذي يكون موردا للنهي عن نقض المتيقن به، فدليل اعتبار الامارة يكون رافعا تعبدا لموضوع النهي في دليل الاستصحاب، و انما كان رفعا تعبدا لا واقعا لان البناء على تصديق العادل و الغاء احتمال عدم مطابقته للواقع لا يرتفع حقيقة، لشهادة الوجدان ببقاء احتمال عدم المطابقة، فلا بد و ان يكون ذلك رفعا للموضوع تعبدا لا حقيقة، و هذا هو معنى الحكومة ... هذا غاية ما يمكن تقريب الحكومة برأي الشيخ الاجل (قدس سره).

و قد اورد عليه المصنف بايرادين: الاول: ان مبنى ما ذكره الشيخ من الحكومة هو كون دليل اعتبار الامارة دالا بالدلالة الالتزامية على الغاء احتمال الخلاف، لوضوح ان الحكومة هي كون لسان دليل الحاكم شارحا لدليل المحكوم و رافعا لموضوعه، فلا بد و ان يكون ذلك مما يختص بالدلالة اللفظية المطابقية او الالتزامية.

ص: 366

.....

______________________________

و اما اذا كان الدليل لا دلالة له لفظية لا بالمطابقة و لا بالالتزام، بل كان لازم دلالته عقلا ذلك، فلا يكون شارحا و حاكما بحسب ما يستفاد منه، و دليل صدق العادل ليس له إلّا الدلالة المطابقية و هو لزوم تصديق العادل و الاخذ بمؤدى قوله، و اما دلالته على الغاء احتمال الخلاف فليست هي من الدلالات الالتزامية، بل هي دلالة عقلية، لان لازم الاخذ به عقلا عدم الاعتناء بخلافه و الغائه، و هذه الدلالة العقلية لازمة لكل دليل دل على الاخذ بشي ء، فكما ان دليل اعتبار الامارة لازمه عقلا الغاء احتمال الخلاف فيه، فان دليل الاستصحاب ايضا كذلك، فان الدليل الدال على الاخذ بالمتيقن لازمه ايضا الغاء احتمال الخلاف في البناء على المتيقن.

و الحاصل: انه يلزم عقلا لكل دليل دل على العمل بمفاده ان يكون احتمال خلاف ما ادى اليه مفاده ملغيا، و حينئذ فكما ان لازم مفاد الامارة عقلا الغاء احتمال خلافها، فان لازم دليل الاستصحاب ايضا هو الغاء احتمال خلافه عقلا و الاخذ بغيره، و على هذا فيكون كل من دليل اعتبار الامارة و دليل اعتبار الاستصحاب طاردا للآخر، لدلالة كل منهما عقلا على الغاء احتمال خلافه، فدليل الاعتبار في الامارة لازمه الغاء العمل بالاستصحاب المؤدى الى خلاف الامارة، و دليل الاعتبار في الاستصحاب ايضا لازمه الغاء العمل بالامارة القائمة على خلاف.

و الى هذا اشار بقوله: ( (و اما حديث الحكومة)) بان يكون دليل اعتبار الامارة حاكما على دليل اعتبار الاستصحاب ( (فلا اصل له اصلا)) فان أساسه مبني على كون دليل الاعتبار في الامارة ناظرا بدلالته اللفظية و لو التزاما الى دليل الاعتبار في الاستصحاب، و قد عرفت عدم بلوغ دليل الاعتبار في الامارة الى ان يدل بالدلالة اللفظية الالتزامية على الغاء احتمال خلافه، بحيث يكون في مرحلة الاثبات الدلالي دالا على ذلك، و لذا قال (قدس سره): ( (فانه لا نظر لدليلها)) أي لا نظر لدليل اعتبار الامارة ( (الى مدلول دليله)) أي الى مدلول دليل الاستصحاب ( (اثباتا و بما هو مدلول الدليل)) و مراده من الاثبات هو مرحلة الدلالة الالتزامية، نعم لدليل اعتبار

ص: 367

اعتباره معها في صورة الموافقة، و لا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (1)،

______________________________

الامارة دلالة عقلية على ذلك، و الحاكمية منوطة بالشرح المنحصر في الدلالة اللفظية دون الدلالة العقلية، و لذا قال (قدس سره): ( (و ان كان)) دليل الاعتبار في الامارة ( (دالا على الغائه)) أي على الغاء الاستصحاب ( (معها)) أي مع الامارة في مرحلة الدلالة العقلية، و هي مراده من قوله: ( (ثبوتا و واقعا)). ثم اشار الى الوجه في هذه الدلالة العقلية بقوله: ( (لمنافاة لزوم العمل بها)) أي بالامارة ( (مع العمل به)) أي بالاستصحاب ( (لو كان على خلافها)). ثم اشار الى ان هذه الدلالة العقلية موجودة ايضا في دليل اعتبار الاستصحاب بقوله: ( (كما ان قضية)) أي كما ان قضية دليل الاستصحاب ( (هو الغاؤها كذلك)) أي الغاء الامارة ايضا فيما لو كانت قائمة على خلافه ( (فان كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل)) و ان مدلوله هو الوظيفة له، و لازم هذا البيان عقلا هو الغاء اعتبار ما قام على خلافه ( (فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة)) له بحسب هذه الدلالة العقلية.

(1) هذا هو الامر الثاني الذي اورده على الحكومة. و حاصله: ان الحكومة اذا كانت مستفادة من الدلالة الالتزامية على الغاء احتمال الخلاف، فان لازم ذلك ان لا يكون دليل الامارة حاكما على دليل الاستصحاب فيما اذا كان الاستصحاب موافقا لما قامت عليه الامارة، لوضوح ان الدلالة الالتزامية هي الغاء احتمال الخلاف، فالدليل القائم على خلاف الامارة يجب الغاؤه، و اذا كان الاستصحاب موافقا للامارة فلا يكون من مصاديق ما قام على خلاف الامارة حتى يكون دليل الامارة حاكما عليه، و اذا لم يكن دليل الامارة حاكما عليه، و قد عرفت تحقق موضوعه باليقين السابق و الشك اللاحق، فلازم ذلك ان يكون قائما مع قيام الامارة، و من البعيد ان يلتزم به من يقول بحكومة الامارة على الاستصحاب، بل القائل بالحكومة يقول بها فيما اذا كان الاستصحاب موافقا للامارة او مخالفا لها. و الى هذا اشار بقوله: ( (هذا مع لزوم اعتباره)) أي يرد على الحكومة- مع ذكرنا من الايراد الاول-

ص: 368

فافهم (1) فإن المقام لا يخلو من دقة.

______________________________

ان لازم الحكومة المنوطة بالدلالة الالتزامية على الغاء احتمال الخلاف هو جريان الاستصحاب و اعتباره ( (معها في صورة الموافقة)) لانه لم يكن قائما على خلافها حتى يدل على رفعه تعبد الغاء احتمال الخلاف ( (و لا اظن ان يلتزم به القائل بالحكومة)) بل ظاهر من يقول بالحكومة هي حكومة الامارة على الاستصحاب في صورة المخالفة و الموافقة من غير فرق بينهما اصلا.

(1) الظاهر من قوله فافهم المتعقب بمثل قوله فان المقام لا يخلو من دقة هو عدم الاشارة بها الى شي ء. و على فرض كونها اشارة في المقام، فيمكن ان يكون مراده من الامر بالفهم هو عدم ورود الايراد الثاني على القائل بالحكومة، لان موضوع الاستصحاب هو الشك و الشك متقوم بطرفين، ففيما لو كان المتيقن هو الحلية، ففي مقام الاستصحاب فان لازم الشك في كون الحلية هي الباقية في حال الشك هو كون الحلية محتملة و الحرمة محتملة ايضا، فالامارة القائمة على الحلية و الغاء احتمال الخلاف- و هي الحرمة- تكون رافعة تعبدا لموضوع الاستصحاب المتقوم بالشك في الحرمة، فانه حيث لا يكون شك في الحرمة تعبدا لا موضوع للاستصحاب المتقوم بالشك في الحرمة.

و يحتمل ان يكون مراده من الامر بالفهم: هو ان مبنى الحكومة على كون المراد من اليقين في قوله و لكن تنقضه بيقين آخر هو خصوص اليقين، و على هذا فالمراد من الغاء احتمال الخلاف المستفاد من دليل اعتبار الامارة هو تنزيل الامارة منزلة اليقين تعبدا، فدلالته على الغاء احتمال الخلاف و ان كانت عقلية، إلّا ان لازمها الحكومة لتنزيل الامارة منزلة اليقين تعبدا، بخلاف الاستصحاب فانه قاعدة يرجع اليها في مقام الشك في بقاء المتيقن، فما كان منزلا منزلة اليقين تعبدا لا بد من كونه رافعا للشك تعبدا، و ليست الحكومة الا الرفع لموضوع المحكوم تعبدا لا واقعا.

ص: 369

و أما التوفيق، فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق، و إن كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له، لما عرفت من أنه لا يكون مع الاخذ به نقض يقين بشك، لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (1).

______________________________

و الحاصل او بعبارة اخرى: ان حصر الشارحية في انها لا بد و ان تكون بالدلالة اللفظية مما لا دليل عليه، فان المدار على كون احد الدليلين شارحا للآخر و لو عقلا.

هذا مضافا الى ان دعوى الدلالة الالتزامية على الغاء احتمال الخلاف ليست من الجزاف، فانه بعد ان كان لسان الامارة ان ما قامت عليه هو الواقع، فانه يدل بالدلالة الالتزامية الواضحة على ان غير ما قامت عليه الامارة لا بد من الغائه، لانه مخالف للواقع الذي قامت عليه الامارة.

و منه يظهر: ان الغاء احتمال الخلاف في الاستصحاب ليس لانه هو الواقع، بل لانه ليس هنا غيره من القواعد الجارية عند الشك: أي ان المتيقن هو الذي يؤخذ به عند الشك لا غيره مما تقتضيه القواعد، بخلاف الغاء احتمال الخلاف في الامارة فانه لان الامارة هي الواقع، و بين هذين الالغاءين فرق واضح نتيجته حكومة الامارة على الاستصحاب. و اللّه العالم.

(1)

تقديم الامارة على الاستصحاب بالتخصيص و النظر فيه

توضيحه: ان المستفاد من كلمات القوم ان هناك جمعا عرفيا و توفيقا عرفيا، و الجمع العرفي يشمل الجمع بين الدليلين بنحو الورود و الحكومة و التوفيق العرفي، و اما التوفيق العرفي في اصطلاحهم فهو غير الورود و غير الحكومة، و هو فيما اذا كان بين الدليلين عموم و خصوص من وجه، و حينئذ لا وجه للتخصيص الاصطلاحي لانه منوط بكون احد الدليلين اخص من الآخر، و لكنه في التوفيق العرفي يكون العرف بحسب ارتكازه مقدما لاحد الدليلين على الآخر مع انه لا ورود له و لا حكومة على الآخر، فالتوفيق العرفي بحسب الاصطلاح- كما سيأتي التعرض له في باب التعارض- هو تقديم احد الدليلين مع كون النسبة بينهما هي العموم من وجه، لا للورود او الحكومة بل لانهم يرونه- بحسب ارتكازهم- مقدما.

ص: 370

.....

______________________________

و لا يخفى ان التوفيق العرفي حيث لا بد فيه من تحقق الموضوع لكل من الدليلين فلا مجال له في المقام، لما عرفت من كون الامارة اما واردة على الاستصحاب لارتفاع الموضوع حقيقة، او حاكمة و انه لا بقاء للموضوع تعبدا في الاستصحاب مع قيام الامارة، فلا مجال للتوفيق العرفي الاصطلاحي. هذا كله في التخصيص الاصطلاحي و التوفيق العرفي.

و اما التخصيص الاعم من التخصيص الاصطلاحي، بان يقال ان المدار في تقديم الخاص على العام هو كون الخاص اظهر من العام، و هذا المناط موجود في المقام، لان الامارة و الاستصحاب و ان كان بينهما عموم من وجه لصدق الامارة في مورد لا يقين سابق فيه، و صدق الاستصحاب دون الامارة في مورد اليقين السابق الذي لم تقم امارة فيه في حال الشك، و صدقهما معا في المتيقن السابق الذي قامت الامارة فيه في حال الشك ... إلّا ان دليل اعتبار الامارة مقدم على دليل الاستصحاب لانه اظهر منه، فيكون دليل الامارة مخصصا لدليل الاستصحاب و ان كان بينهما عموم من وجه ... او يدعى التقديم للامارة للاجماع على تقديمها على الاستصحاب ... او يدعى تقديم الامارة عليه لعدم القول بالفصل بين تقديمها عليه في باب القضاء و بين غيره، و تقديمها على الاستصحاب في باب القضاء مما لا اشكال فيه، فانه في باب التداعي يقدم قول المدعي مع قيام الامارة عليه على قول المنكر الذي تكون له أمارة ايضا مع كون قوله موافقا للاستصحاب.

و يرد على هذه الدعوى و هي تقديم الامارة من باب التخصيص:

أولا: ان التخصيص منوط بحفظ الموضوع في كلا الدليلين، و بعد قيام البرهان على الورود او الحكومة لا موضوع للاستصحاب مع الامارة اما حقيقة او تعبدا، فلا وجه لدعوى التخصيص.

و ثانيا: ان التخصيص الاصطلاحي لا مجال له في المقام، لانه لا بد فيه من كون الخاص اخص من العام و المفروض هنا العموم من وجه، و اما التخصيص الاعم

ص: 371

.....

______________________________

فمرجعه الى التوفيق العرفي او الى الحكومة، و ليس هناك شي ء يسمى بالتخصيص الاعم في قبال التخصيص الاصطلاحي الخاص و في قبال التوفيق العرفي و الحكومة، و اذا كان في المقام فمرجعه الى التوفيق العرفي او الحكومة، و قد عرفت ما يرد عليهما بناء على الورود. نعم بناء على ما قربناه في الحكومة المنفي هو التوفيق العرفي.

و الحاصل: انه ان بنينا على ان المراد باليقين هو الحجة فالمتحصل هو الورود، و ان بنينا على ان المراد به هو اليقين الحقيقي فالحكومة.

و اما الاجماع فهو اولا منقول و لا حجية للمنقول من الاجماع، كما مر في باب الاجماع.

و ثانيا: انه محتمل المدرك لاحتمال كون مدرك المجمعين هو الورود او الحكومة او التوفيق العرفي، و مع احتمال المدرك لا يكون الاجماع دليلا بما هو اجماع.

و اما عدم القول بالفصل ففيه: أولا: انه ان رجع الى القول بعدم الفصل فمرجعه الى الاجماع، و إلّا فلا حجية لنفس عدم القول بالفصل، لوضوح ان عدم القول لا يستلزم القول بالعدم، و الذي يمنع هو الاتفاق على القول بالعدم، لا الاتفاق على عدم القول.

و ثانيا: ان سبب التقديم للامارة على الاستصحاب هو ما ذكرناه: من كونها اما واردة على الاستصحاب او حاكمة. و اما المصنف حيث يرى الورود قال (قدس سره): ( (و اما التوفيق)) العرفي ( (فان كان)) مرادهم به الجمع العرفي بحيث يشمل الورود فيكون المراد ( (ب)) التوفيق بين دليل الامارة و دليل الاستصحاب هو ( (ما ذكرنا)) من ان الجمع بينهما يقتضي تقديم الامارة لان دليل اعتبارها وارد على دليل اعتبار الاستصحاب ( (فنعم الاتفاق)) بين مرادهم و مرادنا ( (و ان كان)) مرادهم ( (ب)) التوفيق هو ( (تخصيص دليله)) أي دليل الاستصحاب ( (بدليلها)) أي بدليل الامارة ( (فلا وجه له)) لانه لا بد في التخصيص من حفظ الموضوع لكل من الدليلين و لا موضوع للاستصحاب مع الامارة ( (لما عرفت من انه لا يكون مع الاخذ

ص: 372

خاتمة لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الاصول العملية، و بيان التعارض بين الاستصحابين (1).

أما الاول: فالنسبة بينه و بينها هي بعينها النسبة بين الامارة و بينه، فيقدّم عليها و لا مورد معه لها، للزوم محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس و عدم محذور فيه أصلا، هذا في النقلية منها (2).

______________________________

به نقض يقين بشك لا انه غير منهي عنه)) لاجل الامارة ( (مع كونه من نقض اليقين بالشك)).

(1)

خاتمة: بيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الاصول

اشارة

هذه الخاتمة تشتمل على امرين: الاول: بيان النسبة بين الاستصحاب و ساير الاصول كالبراءة و الاحتياط و التخيير.

الثاني: بيان التعارض بين الاستصحابين، كما في الاستصحاب السببي و المسببي.

(2)

ورود الاستصحاب على الاصول العملية

توضيحه: ان نسبة دليل الاستصحاب الى ادلة الاصول النقلية هو الورود، و هي البراءة الشرعية في الشبهة البدوية الثابتة بدليل ما لا يعلمون، و الاحتياط النقلي و هو مختار الاخباريين في الشبهة البدوية بدليل التثليث او غيره من الاخبار المذكورة في مبحث البراءة.

و الوجه في كونه هو الورود ما ذكره المصنف في حاشيته على الرسائل.

و حاصله: ان الموضوع في البراءة او الاحتياط هو الشك في حكم الشي ء من كل جهة، و الغاية لاصل البراءة هو العلم بالحكم باي وجه و عنوان. و لعل الوجه في كون الموضوع فيما هو الشك من كل جهة هو اطلاق ما لا يعلمون، فيكون المتحصّل منها ان ما لا يعلمون حكمه بكل وجه هو مرفوع حتى يعلموا بحكمه بوجه من الوجوه.

و يحتمل ان يكون الوجه في كون الموضوع في ساير الاصول هو الشك من كل جهة، ان المرفوع فيها هو المؤاخذة، و المؤاخذة كما تكون على الحكم الواقعي كذلك تكون على الحكم الظاهري، فموضوع ساير الاصول هو الشك في الحكم من كل

ص: 373

.....

______________________________

جهة، بخلاف الاستصحاب فان الموضوع في الاستصحاب هو الشك في الحكم الذي كان متيقنا لا من كل وجه.

و لا يخفى ان الذي يظهر من الاساتذة المحشين في المقام: هو ان المراد من كون الشك في ساير الاصول هو الشك من كل جهة، هو ان الشك في الاصول- غير الاستصحاب- هو الشك في الحكم اعم من الحكم الواقعي و الظاهري، بخلاف الاستصحاب فان الشك فيه من جهة الشك في الحكم الواقعي. و لعل الوجه فيه هو ان الاستصحاب لما كان هو الشك اللاحق المسبوق باليقين بالحكم، و الظاهر من اليقين بالحكم هو الحكم الواقعي، و حيث كان متعلق الشك هو متعلق اليقين- فلا بد من ان يكون متعلق الشك هو الحكم الواقعي، فلا يكون الشك في الاستصحاب هو الشك من كل جهة، فتأمّل.

و يحتمل ان يكون مراده من ان الشك في الاستصحاب ليس هو الشك في الحكم من كل جهة، هو ان الموضوع في الاستصحاب هو الشك في الحكم لا من كل وجه، هو ان الاستصحاب لما كان متقوّما باليقين السابق و الشك اللاحق، و ان متعلق الشك هو متعلق اليقين، فلازم ذلك كون الموضوع في الاستصحاب هو الشك في الحكم الذي كان لا الشك في الحكم من كل جهة، لان الحكم او الموضوع ذا الحكم لما كان متعلق اليقين السابق فالمتيقن السابق هو حكم معلوم، و حيث انه لا بد من كون الشك اللاحق متعلقا بما تعلق به اليقين السابق، فلا محالة يكون الشك اللاحق متعلقا بالحكم الذي كان لا بالحكم من كل جهة. و بعد تمامية هذا فلا بد من كون دليل الاستصحاب واردا على دليل البراءة، لان موضوع البراءة هو المشكوك حكمه من كل جهة، و الغاية لها هو العلم بالحكم و لو بجهة من الجهات، و الموضوع في الاستصحاب حيث لم يكن هو المشكوك من كل جهة بل كان هو خصوص المشكوك في الحكم الذي كان، و بعد تحقق موضوع الاستصحاب يكون المشكوك مما علم الحكم فيه بعنوان نقض اليقين بالشك، و لازم هذا ارتفاع الموضوع حقيقة في البراءة،

ص: 374

.....

______________________________

لانها حكم ما لم يعلم حكمه اصلا، فما علم حكمه بوجه من الوجوه هو الغاية لها، و بعد تحقق موضوع الاستصحاب تكون الغاية قد تحققت به، و يكون المشكوك مما علم حكمه حقيقة بوجه من الوجوه، و مع تحقق الغاية في البراءة لا بد من ارتفاع المغيّى بحصول الغاية حقيقة.

و ينبغي ان لا يخفى ان كون موضوع الاستصحاب هو الشك في الحكم الذي كان لا ينافي ان يكون الشك في الحكم شكا فيه من كل جهة، فانه بعد انقلاب اليقين السابق الى الشك ففي حال الشك يشك في الحكم من كل جهة. ثم انه لو كان اليقين السابق متعلقه الحكم الظاهري يكون الشك شكا من كل جهة، لفرض الشك في الحكم الواقعي في مورد الحكم الظاهري، و الشك في الحكم الظاهري لانقلاب اليقين الى الشك في الحالة اللاحقة، و على هذا يكون الموضوع في الاستصحاب كالبراءة و هو المشكوك من كل جهة، فكون حكم هذا المشكوك من كل جهة هو حرمة نقضه لا يكون رافعا للموضوع في البراءة، لدلالتها على ان حكم المشكوك من كل جهة هو الحلية و الاذن فيتعارضان، و كون حكمه معلوما بعنوان نقض اليقين يعارضه كون حكم هذا المشكوك ايضا معلوما بواسطة عنوان كونه مما لا يعلم حكمه، و كما ان الغاية للبراءة هي العلم بالحكم بوجه من الوجوه، كذلك الغاية للاستصحاب هو اليقين بالحكم بوجه من الوجوه، فدليل البراءة يقول ان حكم هذا المشكوك هو الترخيص، و دليل الاستصحاب يقول ان حكمه هو حرمة نقض اليقين السابق فيه.

و مما ذكرنا يظهر ايضا انهما يتعارضان حيث يكون الموضوع في كل منهما هو الشك في الحكم من كل جهة، فانه ايضا بمقتضى البراءة هو ان حكم هذا المشكوك هو الاذن و الترخيص، و حكمه بمقتضى الاستصحاب هو حرمة النقض لليقين السابق و الاخذ به.

و اتضح- ايضا- مما ذكرنا: ان دليل الاستصحاب انما يكون واردا على دليل البراءة فيما اذا كان الموضوع في البراءة هو المشكوك من كل جهة، و الموضوع في

ص: 375

.....

______________________________

الاستصحاب هو المشكوك في حكمه لا من كل جهة، و على التعارض فلا بد ايضا من تقديم دليل الاستصحاب على بقية الاصول النقلية، للتوفيق العرفي، و هو دعوى ان دليل الاستصحاب اظهر من ادلة بقية الاصول النقلية، لان الاستصحاب حيث انه الجري على طبق اليقين السابق فاليقين لوثاقته حدوثا كانه لا يؤثر فيه الشك، فهو باق على حاله و وثاقته، و ليس في مورد ساير الاصول وثيق، بل ليس فيه غير الشك و عدم العلم، و هذه الدعوى لتقديم الاستصحاب لا باس بها.

و على كل حال فبناء على رأي المصنف من كون الموضوع في ساير الاصول هو المشكوك من كل جهة، و في الاستصحاب هو المشكوك لا من كل جهة- فلا بد من ورود دليل الاستصحاب على البراءة، لان تحقق الحكم في البراءة يتوقف على تحقق موضوعه، و هو كون موردها مشكوكا من كل جهة، و تحقق موضوعها يتوقف على تخصيص دليل الاستصحاب في المورد الذي يكون هناك يقين سابق و شك لاحق، لانه لو جرى دليل الاستصحاب لكان المورد مما علم حكمه بوجه من الوجوه، و تخصيص دليل الاستصحاب اما بلا مخصّص و هو باطل قطعا لانه التزام بتحقق المعلول بلا علة، و اما ان يكون المخصّص هو نفس دليل البراءة و هو دوري، لان تخصيص الاستصحاب بالبراءة متوقف على تحقق موضوعها، و تحقق موضوعها يتوقف على رفع حكم دليل الاستصحاب، و رفع حكم الاستصحاب متوقف على تخصيصه بدليل البراءة، فتخصيص الاستصحاب بالبراءة يتوقف على نفسه. و هذا بخلاف رفع البراءة بالاستصحاب فانه يكون بالتخصيص لا بالتخصيص، لان موضوع الاستصحاب هو الشك في الحكم الذي كان و هو متحقق، و لا يرتفع بحكم البراءة لوضوح ان الشك في الحكم الذي كان موجودا في حال البراءة، و مع تحقق الموضوع في الاستصحاب يجري الاستصحاب، و بجريانه يكون المورد مما علم حكمه بوجه من الوجوه لتحقق الحكم فيه بعنوان حرمة نقض اليقين بالشك، و مع تحقق الحكم فيه بالوجه الذي دلّ عليه دليل الاستصحاب يكون المورد مما يخرج عن البراءة

ص: 376

.....

______________________________

تخصّصا لان موضوع البراءة هو ما لا يعلم حكمه بوجه من الوجوه، فما علم حكمه بوجه من الوجوه خارج تخصّصا عن البراءة، و هذا هو معنى الورود فان الورود هو التخصّص الذي يكون بسبب جعل الشارع لا بذاته، كخروج الجاهل بالذات عن موضوع العالم في اكرام العالم.

و اما بناء على التعارض و ان التقديم للاستصحاب لاجل اظهرية دليله لوثاقة اليقين فيه فلا دور في المقام، لتحقق الموضوع في كل منها و يكون التقديم للاستصحاب لاجل الاظهرية.

الآن ان يقال: ان الاظهرية توجب ان يكون الاظهر اقوى حجة من الظاهر، و لذا يتقدّم الخاص على العام لانه اقوى حجة، و قد عرفت ان تقديم العام على الخاص يتوقف على عدم وجود حجة في مورده اقوى منه، بخلاف تقديم الخاص على العام فانه بعد ان كان الموضوع في الخاص متحققا، و هو كونه اقوى حجة من العام، فتقديمه على العام لا يتوقف على شي ء، بخلاف تقديم العام على الخاص فانه يتوقف على ان لا يكون هناك حجة اقوى منه، و عدم وجود ما هو الاقوى يتوقف على تقديم العام فيلزم الدور، و هذا بعينه جار في الاظهرية.

و المصنف حيث يرى ان الاستصحاب يتقدّم على ساير الاصول للورود، و حاله حال الامارة بالنسبة الى الاستصحاب ... اشار الى ذلك بقوله: ( (فالنسبة بينه)) أي بين الاستصحاب ( (و بينها)) أي بين الاصول النقلية كالبراءة الشرعية و الاحتياط النقلي على رأي الاخباريين ( (هي بعينها النسبة بين)) دليل ( (الامارة و بينه)) أي و بين دليل الاستصحاب، و قد عرفت ان النسبة بينهما هي الورود فالنسبة بين الاستصحاب و البراءة النقلية هي الورود ( (فيقدّم عليها)) أي فيقدم الاستصحاب عليها لانه وارد عليها ( (و لا)) يكون لها ( (مورد معه)) لان ثبوت البراءة في مورد الاستصحاب لازمه اما التخصيص بلا مخصص و هو باطل، او كون التخصيص بنفس دليل البراءة و هو دوري، و اليه اشار بقوله: ( (للزوم محذور التخصيص الّا

ص: 377

و أما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها، ضرورة أنه إتمام حجة و بيان و مؤمن من العقوبة و به الامان، و لا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح (1).

______________________________

بوجه دائر في العكس)) و مراده من العكس هو الاخذ بدليل البراءة دون الاستصحاب، لوضوح عدم امكان جريانهما معا، حيث لا يعقل ان يكون متيقن الحرمة سابقا في حال الشك محكوما بالحرمة و محكوما بالبراءة في البراءة، فالاخذ لا بد و ان يكون باحدهما، و الاخذ بالبراءة لازمه ما عرفت من المحذور، و هو اما التخصيص بلا مخصص او التخصيص على وجه دائر، و هذا بخلاف الاخذ بدليل الاستصحاب فان الاخذ به لا محذور فيه لتحقق موضوعه، و عدم توقف تحقق موضوعه على عدم حكم البراءة، و مع تحقق موضوعه يجري و بجريانه يرتفع موضوع البراءة كما عرفت، و الى هذا اشار بقوله: ( (و عدم محذور فيه اصلا))، و اشار الى كون هذا الكلام في الاصول الشرعية بقوله: ( (هذا في النقلية)).

(1) لا يخفى ان الاصول العقلية هي البراءة العقلية- و هي قاعدة قبح العقاب بلا بيان- و الاحتياط العقلي و التخيير العقلي، و لا ريب في ورود دليل الاستصحاب عليها جميعا.

اما على البراءة العقلية فلأن موضوعها اللابيان و الاستصحاب بيان.

و اما الاحتياط العقلي فموضوعه احتمال العقوبة في الاخذ بأحد المحتملين بخصوصه، و مع جريان الاستصحاب في احد المحتملين يحصل الامان من العقوبة فيما اذا كان مخالفا للواقع.

و اما التخيير فموضوعه عدم تحقق الترجيح لاحد المحتملين، و دليل الاستصحاب مرجح لاحد المحتملين.

فاتضح: انه بدليل الاستصحاب يحصل البيان فيرتفع موضوع البراءة العقلية و يحصل المؤمّن من العقوبة، و يرتفع به موضوع الاحتياط العقلي و يحصل به

ص: 378

و أما الثاني: فالتعارض بين الاستصحابين (1)، إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التّضاد في زمان الاستصحاب، فهو من باب تزاحم الواجبين (2) و إن كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في

______________________________

الترجيح، و يرتفع به موضوع التخيير العقلي. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (و اما العقلية)) أي و اما نسبة الاستصحاب الى الاصول العقلية ( (فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها)) و انه هو الورود ( (بداهة عدم الموضوع معه لها)) أي مع تحقق الاستصحاب يرتفع الموضوع فيها ( (ضرورة انه)) أي ضرورة ان الاستصحاب ( (اتمام حجة)) شرعية ( (و بيان)) شرعي، و به يرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ( (و)) هو ايضا ( (مؤمن من العقوبة و به)) يحصل ( (الامان)) من تبعة التكليف الواقعي و به يرتفع موضوع الاحتياط ( (و لا شبهة في ان الترجيح به)) أي بالاستصحاب ( (عقلا صحيح)) أي ان الاستصحاب بعد ان دلّ الدليل من الشارع عليه فالترجيح به لاحد المحتملين على الآخر صحيح عند العقل، و بهذا يرتفع موضوع التخيير.

فاتضح ورود الاستصحاب على الاصول العقلية كلها ايضا.

(1)

تعارض الاستصحابين

قد عرفت ان المقام الاول كان الكلام فيه من ناحية حال الاستصحاب و النسبة بينه و بين الامارة، و بينه و بين الاصول الأخر النقلية العقلية.

و اما المقام الثاني فالكلام فيه من جهة الاستصحابين من ناحية التعارض بينهما.

و المراد من التعارض ليس ما كان نتيجته تساقط المتعارضين في الحجية اما في ذاتها او في فعليتها، بل المراد من التعارض ما يعمّ ما كان نتيجته تساقطهما او الاخذ باحدهما تعيينا او تخييرا كما سيظهر ذلك.

(2) توضيحه: بعد ما عرفت ان المراد من التعارض بين الاستصحابين ما يشمل ما كان نتيجته التساقط او الاخذ باحدهما تعيينا او تخييرا، فالمراد من التعارض على

ص: 379

.....

______________________________

هذا هو عدم امكان الاخذ بكلا الاستصحابين، و عدم الاخذ بكلا الاستصحابين الذي اشار اليه المصنف في عبارته في مقامين: الاول: ما كان ذلك لعدم القدرة على الاخذ بهما. الثاني: ما كان التعارض للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما، و سيأتي الكلام فيه.

و اما الاول و هو ما كان التعارض في الاستصحابين لاجل عدم القدرة، فهو كما اذا علم بوجوب الانفاق على احد الاقارب ثم شك في بقاء هذا الوجوب في الزمان اللاحق و لو لاحتمال غناه و عدم حاجته، و علم ايضا بوجوب التصدق بدرهم ثم شك في بقائه و لو لاحتمال عدم حياة من نذران يتصدق عليه بالدرهم، فالاستصحاب في كلا المشكوكين جار، و لكنه كان في حال جريان الاستصحابين لا يملك الّا درهما واحدا، فاما ان يصرف الدرهم في نفقة القريب او في التصدق، فالاستصحابان في المقام من جهة عدم القدرة على الاخذ بهما معا متعارضان.

و لا يخفى ان التعارض من ناحية عدم القدرة على الجمع يرجع الى التزاحم لاحراز الملاك في كليهما. و قد ذكر المصنف في حاشية الكتاب 22] ان الحكم التخيير بينهما ان لم يحرز اهمية احدهما، و الّا فيقدّم الاهم ... ثم اشكل على نفسه بما حاصله: ان الاهمية و المهميّة في الحكمين الواقعيين باعتبار ملاك الحكم فيهما، لا في استصحابهما، فان الملاك في استصحابهما هو نقض اليقين بالشك، و هو فيهما على حدّ سواء فلا وجه لتقديم الاهم، بل لا بد من الحكم بالتخيير في مقام الاستصحاب مطلقا، و ان كان في مقام اليقين بهما لا بد من تقديم الاهم منهما.

ثم اجاب عنه بما نصه: و ذلك أي ان لزوم تقديم الاهم- لان الاستصحاب انما يتبع المستصحب، فكما ثبت به الوجوب يثبت به كل مرتبة منهما فيستصحب. و لعل الوجه في ذلك هو ان الاستصحاب لما كان بلسان ابقاء المتيقن فالمتيقن لما كان في

ص: 380

أحدهما، فتارة يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر، فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة و قد كان طاهرا، و أخرى لا يكون كذلك. فإن كان أحدهما أثرا للآخر، فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب، فإن الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب، و جواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب أثره الشرعي، فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به و رفع نجاسته، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته، بخلاف استصحاب طهارته، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة

______________________________

احدهما اهم فلازم الحكم بابقائه هو تقديمه على ابقاء المهم، فالاستصحاب كما يثبت به بقاء الوجوب المستصحب كذلك يثبت به مرتبة الوجوب المستصحب، لانه كما يلزم البناء على الوجوب ابقاء له في حال الشك، كذلك يلزم الحكم باهميته ابقاء له ايضا في حال الشك، و لذلك كان الوجوب الاستصحابي في حال الشك تابعا للوجوب الواقعي المتيقن.

و على كل فقد ظهر ان تعارض الاستصحابين في المثال المذكور هو من ناحية عدم القدرة، و قد اشار الى ذلك بقوله: ( (فالتعارض بين الاستصحابين ان كان لعدم امكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما)) فانه لو كان تعارضهما للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما كان عدم امكان اجتماعهما لتكاذبهما لا لعدم القدرة على امتثالهما و هو الفرض الآتي. و على كلّ فان كان تعارض الاستصحابين لعدم امكان العمل بهما ( (كاستصحاب وجوب امرين)) و هو وجوب الانفاق- مثلا- و وجوب التصدق و قد ( (حدث بينهما التضاد)) لعدم القدرة ( (في زمان الاستصحاب فهو من باب تزاحم الواجبين)) كما عرفت تفصيله.

ص: 381

الثوب بالشك، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته، و هو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته.

و بالجملة فكل من السبب و المسبب و إن كان موردا للاستصحاب، إلا أن الاستصحاب في الاول بلا محذور، بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال، فاللازم الاخذ بالاستصحاب السببي، نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا، فإنه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه و عموم خطابه (1).

______________________________

(1) هذا هو الامر الثاني و هو ما كان تعارض الاستصحابين للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احد الاستصحابين، و قد ذكر له في المتن فرعين: الاول: ما كان المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر كما في المثال المذكور في المتن، و هو ما اذا غسل ثوب نجس بماء مشكوك الطهارة، فانه بعد غسله بذلك الماء يتعارض الاستصحابان و يعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما، فان استصحاب الطهارة في الماء المشكوك الطهارة يقتضي طهارة الماء و تطهير الثوب النجس به، و استصحاب النجاسة في الثوب بعد غسله بهذا الماء يقتضي نجاسة الثوب و نجاسة الماء الذي غمس الثوب به لاجل ملاقاته للنجس. و من جهة العلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما يتعارض الاستصحابان، لانه لو كان استصحاب الطهارة للماء هو الجاري فلازمه طهارة الثوب به و انتقاض حالته السابقة به و هو العلم بنجاسته، و ان كان استصحاب نجاسة الثوب هو الجاري كان مرجعه الى ابقاء نجاسة الثوب و تنجيس الماء به، و لا يعقل جريانهما معا و لذلك يتعارض الاستصحابان، هذا اذا غمس الثوب في الماء. و اما اذا كان التطهير بالصب فيتعارضان في نجاسة الثوب، لان استصحاب طهارة الماء، يقتضي طهارته، و استصحاب نجاسة الثوب يقتضي نجاسته. و على كل حال فيتعارض الاستصحابان لانتقاض الحالة السابقة في

ص: 382

.....

______________________________

احدهما، فانه لو جرى استصحاب طهارة الماء لانتقضت الحالة في استصحاب نجاسة الثوب، و اذا جرى استصحاب نجاسة الثوب لانتقضت الحالة السابقة في الماء، لان لازم بقاء نجاسة الثوب عدم بقاء طهارة الماء، فالاستصحابان متعارضان.

و مختار المصنف في هذا الفرع هو ورود الاستصحاب الجاري في طهارة الماء على الاستصحاب الجاري في نجاسة الثوب، لانه طهارة الثوب به من آثاره، بخلاف عدم طهارة الماء فانه ليس من آثار استصحاب نجاسة الثوب.

و الوجه في وروده عليه ان الاستصحاب متقوّم بكون الاخذ بالشك نقضا لليقين بالشك. اما اذا كان الاخذ به نقضا لليقين بالحجة فلازمه ارتفاع نقض اليقين حقيقة و هو معنى الورود، و من الواضح ان لازم جريان الاستصحاب في طهارة الماء هو كونه حجة على تطهير الثوب به، فلا يكون الاخذ بطهارة الثوب بعد غسله به من نقض اليقين بالنجاسة بالشك، بل هو من نقض اليقين بالنجاسة بالحجة على طهارته. و لما كان الموضوع لاستصحاب طهارة الماء يتمّ باليقين السابق و الشك اللاحق و عدم قيام الحجة على نقضه، و هذا الموضوع حاصل بتمامه في استصحاب طهارة الماء لليقين السابق بطهارته و الشك اللاحق فيها، و لم تقم حجة على نقض هذا اليقين، لانه ليس نجاسة الماء من آثار استصحاب نجاسة الثوب، فلا يكون استصحاب نجاسة الثوب حجة قائمة على نقض اليقين بطهارة الماء بالحجة. و هذا بخلاف الموضوع في استصحاب نجاسة الثوب، فانه و ان كان فيه يقين سابق و شك لاحق، الّا ان عدم قيام الحجة على النقض غير متحقق فيه، لقيام استصحاب طهارة الماء فانه حجة على نقضه، فتقديم استصحاب طهارة الماء لا يتوقف تحقق الموضوع فيه على شي ء، بخلاف الموضوع في استصحاب نجاسة الثوب فانه يتوقف على عدم جريان استصحاب طهارة الماء، لانه من آثار جريان استصحاب طهارة الماء تطهيره به و عدم نجاسته بعد تطهيره به، فالاخذ باستصحاب نجاسة الثوب يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء. و عدم جريان استصحاب طهارة الماء: اما

ص: 383

.....

______________________________

لتخصيصه بلا مخصص و هو باطل ضرورة، و اما لتخصيصه بنفسه الاستصحاب الجاري في نجاسة الثوب، و تخصيصه به دوري، لان التخصيص به يتوقف على تحقق موضوعه، و تحقق موضوعه يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء، و عدم جريان استصحاب طهارة الماء يتوقف على تخصيصه باستصحاب نجاسة الثوب، و هذا دور واضح. و اما جريان استصحاب طهارة الماء فلا يلزم من جريانه شي ء لتمامية موضوعه و عدم توقفه على عدم جريان استصحاب نجاسة الثوب لانه ليس من آثاره.

و بعبارة اخرى: ان الشك في طهارة الماء ليس مسببا عن الشك في نجاسة الثوب، بخلاف الشك في نجاسة الثوب فانه مسبب عن الشك في طهارة الماء، لبداهة انه لو كان الماء طاهرا لحصل العلم بطهارة الثوب بعد غسله به، فالسبب للشك في نجاسة الثوب بعد غسله به هو الشك في طهارة الماء، فاذا كان الاستصحاب الجاري في طهارة الماء حجة على طهارته فلازمه ارتفاع النقض بالشك في نجاسة الثوب حقيقة، لان الاخذ بخلاف النجاسة المتيقنة ليس من نقض اليقين بالشك، بل هو من نقض اليقين بالحجة، بخلاف الاخذ باستصحاب نجاسة الثوب فانه ليس من آثاره الشك في نجاسة الماء، فلا يكون الاخذ باستصحاب نجاسة الثوب مما يرتفع به نقض الطهارة السابقة، بل الاخذ بعدم الطهارة المتيقنة هو من نقض اليقين بالشك.

و مما ذكرنا ظهر وجه تسميته باستصحاب السببي و المسببي، لانه بعد ان كان تطهير الثوب من آثار طهارة الماء كانت طهارة الماء المستصحبة سببا لطهارة الثوب، و الشك في نجاسة الثوب مسبب عن الشك في طهارة الماء، و لازم ذلك كون الاستصحاب فيها موجبا لعدم جريان الاستصحاب في نجاسة الثوب كما عرفت.

و قد ظهر ايضا: انه في كلّ مورد كان بين الاستصحابين سببيّة و مسببيّة فالاستصحاب يجري في خصوص السبب دون المسبب لوروده عليه كما عرفت. و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (فتارة يكون المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية

ص: 384

.....

______________________________

للمستصحب الآخر)) و المراد من كون المستصحب الآخر من آثاره الشرعية هو كون الشك فيه مسببا عن الشك في الآخر كما في نجاسة الثوب و طهارة الماء، لبداهة انه لو كان الماء معلوم الطهارة لما حصل الشك في نجاسة الثوب بعد غسله به ( (فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه)) لما عرفت من ان لازم كون احدهما بخصوصه من آثار الآخر هو كون الشك فيه- أي في المسبب- مسببا عن الشك في السبب ( (كالشك في)) بقاء ( (نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهار و قد كان طاهرا)) ثم شك في طهارته، فان السب للشك في نجاسة الثوب بعد الغسل بالماء المشكوك الطهارة هو الشك في طهارة الماء.

ثم اشار الى الفرع الثاني الآتي و هو ما اذا علم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما، و لم يكن الشك في احدهما مسببا عن الشك في الآخر، لانه ليس احدهما بخصوصه من الآثار الشرعية للآخر، فلا يكون الشك فيه مسببا عن الشك في الآخر بقوله: ( (و اخرى لا يكون كذلك)) و سيأتي الكلام فيه. ثم اشار الى الحكم فيما اذا كان احدهما اثرا للآخر بقوله: ( (فان كان احدهما اثرا للآخر فلا مورد الّا للاستصحاب في طرف السبب)) و لا مجال لجريان الاستصحاب في المسبب ( (فان الاستصحاب في طرف المسبب)) لما كان موضوعه متقوّما بعدم الحجة على خلافه يكون جريان الاستصحاب فيه متوقفا على عدم جريان الاستصحاب في السبب، و لما كانت اركان الاستصحاب في السبب متحققة فلا بد من التخصيص له، و تخصيصه اما بلا مخصّص، او بوجه دائر كما عرفت.

فاتضح: ان جريان الاستصحاب في المسبب يتوقف على التخصيص للاستصحاب في السبب، و لذلك كان الاستصحاب في المسبب موجبا ( (لتخصيص الخطاب)) في السبب: أي لا بد من تخصيص لا تنقض الشامل للسبب حتى يكون مجال لجريان الاستصحاب في المسبب ( (و)) معنى تخصيص الخطاب في طرف السبب هو ( (جواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب اثره الشرعي)) لان

ص: 385

.....

______________________________

لازم ترتيب أثره هو عدم جريان الاستصحاب في المسبب ( (فان من آثار طهارة الماء)) الذي هو السبب ( (طهارة الثوب المغسول به و رفع نجاسته)) في غسله به و انه لا نقض للشك في النجاسة المتيقنة في غسلها به، بل هو من نقض اليقين بالحجة، بخلاف الاستصحاب في نجاسة الثوب فانه ليس لازمه انه لا نقض لليقين بالشك في طهارة الماء، لانه ليس من آثاره ( (فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين)) بالشك ( (ب)) النسبة الى ( (طهارته بخلاف استصحاب طهارته اذ لا يلزم منه نقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك بل)) يكون نقضها من نقض اليقين ( (باليقين)) و هو الحجة القائمة، فالأخذ باستصحاب طهارة الماء نقض لليقين بنجاسة الثوب ( (بما هو)) حجة ( (رافع لنجاسته و هو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته)) لان لازم الحكم بطهارته هو تطهير النجس به و رفعه لنجاسته ( (و بالجملة فكلّ من السبب و المسبب و ان كان موردا للاستصحاب)) من جهة اليقين و الشك ( (إلّا ان الاستصحاب في الاول)) و هو السبب يجري ( (بلا محذور)) لتمامية موضوعه من غير توقف على عدم جريان الاستصحاب في المسبب ( (بخلافه في الثاني)) أي بخلاف جريان الاستصحاب في المسبب ( (ففيه محذور التخصيص بلا وجه)) أي اما من غير مخصّص، او كان بمخصّص الّا ان كونه مخصصا لا يكون ( (إلّا بنحو محال)) و هو الدور.

و الحاصل: ان الاخذ باستصحاب السبب لازمه التخصّص في طرف المسبب، لتقوّم موضوع الاستصحاب في المسبب بعدم قيام الحجة في مورده، و مع قيام الاستصحاب السببي في مورده يكون خروجه عن لا تنقض اليقين بالشك بعدم موضوعه و هو التخصّص، بخلاف الاخذ بالاستصحاب في المسبب فان لازمه التخصيص، و التخصيص غير معقول لانه اما بلا مخصّص او بوجه دائر.

و قد ظهر مما ذكرنا: ان المانع من جريان الاستصحاب في المسبب هو جريان الاستصحاب في السبب لانه به يرتفع موضوع الاستصحاب في المسبب، فاذا لم يجر

ص: 386

و إن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر (1)، فالاظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا، لوجود المقتضي إثباتا و فقد المانع عقلا.

______________________________

الاستصحاب في السبب فلا بد عن جريان الاستصحاب في المسبب، لارتفاع المانع و تحقق اليقين السابق و الشك اللاحق فيه.

و بعبارة اخرى: انه اذا لم يجر الاستصحاب في السبب فالموضوع في طرف المسبب يتحقق بجميع شئونه الثلاثة: من اليقين، و الشك، و عدم قيام الحجة في مورده على خلافه. و الى هذا اشار بقوله: ( (نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه)) من الوجوه: أي لو لم يجر الاستصحاب السببي بوجه من الوجوه ( (لكان الاستصحاب المسببي جاريا فانه لا محذور فيه حينئذ)) أي حين عدم جريان الاستصحاب السببي لا بد ان يجري الاستصحاب المسببي ( (مع)) فرض ( (وجود اركانه و عموم خطابه)).

(1) هذا هو الفرع الثاني و هو ما اذا كان تعارض الاستصحابين للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما، و لم يكن المستصحب في احدهما من الآثار الشرعية للآخر، كما لو علم بطهارة اناءين من الماء ثم علم بنجاسة احدهما اجمالا، فان الاستصحابين متعارضان للعلم بانتقاض الحالة السابقة في احدهما، لوضوح انه بعد العلم الاجمالي بنجاسة احدهما مجردا لا يمكن جريان الاستصحاب في كليهما، لان لازم جريانه في كل منهما طهارتهما معا، و هذا مما يعلم بعدمه، لوضوح فرض العلم الاجمالي بنجاسة احدهما، و ليس احدهما اثرا شرعيا للآخر، لبداهة انه ليس لازم طهارة احدهما بالاستصحاب طهارة الآخر.

ص: 387

أما وجود المقتضي، فلاطلاق الخطاب و شموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال (1)، فإن قوله عليه السّلام في ذيل بعض أخبار الباب

______________________________

(1) توضيحه: انه قد ذكروا لهذا الفرع فروضا: الاول: ان يكون الاثر لاحدهما دون الآخر، كما لو علم بنجاسة احد الإناءين و لكن بعد خروج احدهما عن محل الابتلاء، و قد قالوا انه في هذا الفرض يجري الاستصحاب في الاناء الذي لم يخرج عن محل الابتلاء، لليقين بطهارته سابقا و الشك في نجاسته لاحقا، و لا مانع من جريان الاستصحاب فيه، لعدم جريان الاستصحاب في الخارج عن محل الابتلاء، فانه لا يجري الاستصحاب فيه لعدم الاثر و ان كان له يقين سابق و شك لاحق، و حيث لا يجري فيه الاستصحاب فلا تحصل المعارضة للاستصحاب الجاري في ما كان في محل الابتلاء.

و لكن الانصاف خروج هذا الفرض عن العنوان، لان العنوان هو تعارض الاستصحابين، و لما كان الاستصحاب غير جار في احدهما فلا يكون مشمولا للعنوان.

الثاني: ان يترتّب الاثر على كل واحد من الاستصحابين، و يلزم جريان الاستصحاب في كل منهما مخالفة عملية قطعية، كما في ما لو علم بطهارة الإناءين ثم علم بنجاسة احدهما، فان جريان الاستصحاب في طهارة كل منهما لازمه المخالفة العملية القطعية للتكليف الالزامي، فان التكليف باجتناب النجس تكليف الزامي، و لازم جريان استصحاب الطهارة في كل واحد من الإناءين هو طهارتهما و جواز ارتكابهما معا، و لازم ذلك المخالفة العملية القطعية للتكليف الالزامي بوجوب اجتناب النجس المعلوم بالاجمال. و اما ارتكاب احدهما فهو و ان لم يلزم منه مخالفة قطعية الّا انه يلزم منه مخالفة احتمالية، و التكليف المعلوم بالاجمال حيث تجب موافقته القطعية فلا يعقل- ايضا- الترخيص في احد اطرافه.

و الحاصل: انه بعد ان كان التكليف المعلوم بالاجمال مما تجب موافقته، فكما ان جعل الترخيص في كلا الطرفين قبيح للمخالفة القطعية، فالترخيص في احد الاطراف

ص: 388

.....

______________________________

- ايضا- قبيح، لوضوح منافاة المنع عن ارتكاب النجس المعلوم بالاجمال و الترخيص في احد الاطراف مع احتمال كونه هو النجس، فانه لو كان هو النجس لكان اذنا في ارتكابه، فكما انه لا يجوز الترخيص في كلا الطرفين للعلم بالمناقضة بين وجوب الاجتناب و جواز الارتكاب، كذلك لا يجوز الترخيص في احد الاطراف لاحتمال المناقضة، لان المحال لا بد و ان يكون مقطوع العدم.

و قد اتضح مما ذكرنا: ان الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الطرفين هو وجود المانع لا عدم المقتضي، لتحقق اركان الاستصحاب في كل واحد من الطرفين لليقين السابق و الشك اللاحق، و سيأتي الجواب عمّا ذكره الشيخ الاجل في الرسالة- من عدم المقتضي- في الفرع الآتي.

الثالث: ان يترتّب الاثر على كل واحد من الاستصحابين، و لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية، كما لو علم بنجاسة الإناءين تفصيلا ثم علم بطهارة احدهما، فالاظهر جريان الاستصحاب في كلا الطرفين عند الماتن، لوجود المقتضى و عدم المانع. اما وجود المقتضي فلان كل واحد من الطرفين متيقن سابقا مشكوك لاحقا، و اما عدم المانع فلان المانع هو المخالفة القطعية او الاحتمالية للتكليف الالزامي، و لما لم تكن الطهارة المعلومة بالاجمال حكما الزاميا فلا مخالفة قطعية و لا احتمالية لتكليف الزامي، نعم غاية ما يلزم منه المخالفة الالزامية و لا مانع من جهتها كما سيأتي بيانه.

و بعبارة اوضح: ان دليل الاستصحاب هو لا تنقض اليقين بالشك، و من الواضح ان كلّ واحد من الطرفين متيقن سابقا و مشكوك لاحقا، و اطلاق قوله عليه السّلام لا تنقض اليقين بالشك شامل له، لان قوله لا تنقض اليقين بالشك له اطلاق شامل للفرض، لجواز ان يصرّح المولى و يقول لا تنقض اليقين بالشك و ان كان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال حيث لا تلزم مخالفة عملية.

ص: 389

و لكن تنقض اليقين باليقين لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله عليه السّلام في صدره لا تنقض اليقين بالشك لليقين و الشك في أطرافه، للزوم المناقضة في مدلوله، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي و الايجاب الجزئي، إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الاخبار مما ليس فيه الذيل، و شموله لما في أطرافه، فإن إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك.

و أما فقد المانع، فلاجل أن جريان الاستصحاب في الاطراف لا يوجب إلا المخالفة الالتزامية، و هو ليس بمحذور لا شرعا و لا عقلا (1).

______________________________

و قد اشار الى ما ذكرنا بقوله: ( (و ان لم يكن المستصحب في احدهما من الآثار للآخر)) كما في السبي و المسببي ( (فالاظهر جريانهما)) أي الاظهر جريان الاستصحاب في كلا الطرفين لكنه ( (فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي)) الالزامي ( (المعلوم اجمالا لوجود المقتضي اثباتا)) و هو اطلاق لا تنقض اليقين بالشك ( (و فقد المانع عقلا)) كما سيشير اليه في ذيل عبارته ( (اما وجود المقتضي)) في مرحلة الاثبات ( (فل)) أجل ( (اطلاق الخطاب)) في قوله لا تنقض اليقين بالشك ( (و شموله للاستصحاب في اطراف المعلوم بالاجمال)).

(1) توضيحه كما مرّت الاشارة اليه في مقامات كثيرة قد تقدّمت هو: ان الشيخ الاجل (قدس سره) في رسائله يظهر منه قصور المقتضي في مقام الاثبات عن شمول دليل الاستصحاب لاطراف المعلوم بالاجمال.

و حاصله: ان دليل الاستصحاب له صدر و له ذيل، اما صدره فهو لا تنقض اليقين بالشك، و اما ذيله فهو قوله و لكن تنقضه بيقين آخر، و يلزم من شمول دليل الاستصحاب لمورد العلم الاجمالي مناقضة الصدر و الذيل، فان صدره يدل على حرمة نقض اليقين بالشك، و لما كان كل واحد من اطراف المعلوم بالاجمال متيقنا سابقا و مشكوكا لاحقا، فبمقتضى الصدر يحرم نقضه، و بمقتضى الذيل و هو قوله

ص: 390

.....

______________________________

و لكن تنقضه بيقين آخر الشامل الذيل بمقتضى اطلاقه للنقض باليقين التفصيلي و الاجمالي جواز النقض باليقين الاجمالي، فشمول دليل الاستصحاب لمورد العلم الاجمالي يستلزم المناقضة بين صدره و ذيله، لان صدره يقتضي حرمة نقض اليقين السابق بالشك، و ذيله يقتضي جواز نقضه باليقين الاجمالي فيتناقضان.

و بعبارة اخرى: ان الصدر يدل على ان كل متيقن سابق شك فيه لاحقا يحرم نقضه بالشك، و لازمه حرمة نقض اليقين السابق في كلا طرفي المعلوم بالاجمال.

و الذيل يدل على جواز النقض في احدهما، لانه بعد ان كان شاملا لليقين الاجمالي و كان احدهما مما علم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فيه فلا يحرم نقضه. فمدلول الصدر هو السلب الكلي: أي عدم جواز النقض في كل واحد من طرفي المعلوم بالاجمال بعنوانه الخاص، و مدلول الذيل هو الايجاب الجزئي و هو جواز النقض بعنوان احدهما، و من الواضح ان الموجبة الجزئية نقيض للسالبة الكلية.

و على هذا فان كان الذيل اظهر كان لازمه عدم حرمة النقض في احد المتيقنين بعنوان كونه احد المتيقنين، و حيث لا تعيين لهذا العنوان في احدهما بعنوانه الخاص به فتعيين احد المتيقنين بخصوصه ترجيح بلا مرجح، و الاخذ باحدهما بعنوان التخيير ليس متعلقا للعلم الاجمالي، لان متعلق العلم الاجمالي هو احدهما واقعا لا احدهما مخيّرا.

مضافا الى ان احدهما مخيّرا لم يكن متعلقا للعلم التفصيلي السابق، فان اليقين التفصيلي السابق كان متعلّقا بكل واحد منهما بعنوانه بخصوصه، فهو خارج عن مصداق حرمة النقض، فان ما لا يقين به لا يحرم نقضه، فعنوان احدهما مخيّرا لا يقين به سابقا حتى يكون مما يجوز نقضه باليقين الاجمالي. فاذا كان تعيين احدهما بخصوصه من الترجيح بلا مرجح، و عنوان احدهما مخيّرا ليس من افراد المعلوم السابق التفصيلي و لا المعلوم اللاحق الاجمالي، فيكون المستفاد من دليل لا تنقض

ص: 391

.....

______________________________

هو خروج مورد العلم الاجمالي عن ان يكون مشمولا له، فدليل الاستصحاب لا يكون شاملا لمورد العلم الاجمالي. هذا اذا كان الذيل اظهر.

و اما اذا لم يكن الذيل اظهر، فان دليل الاستصحاب لا يكون له ظهور مبيّن في شموله لمورد العلم الاجمالي، لاحتمال ان يكون المراد من اليقين الذي يجوز نقض اليقين التفصيلي به في قوله و لكن تنقضه بيقين آخر هو خصوص اليقين التفصيلي، و احتمال ان يكون المراد منه هو ما يعم اليقين الاجمالي، فيكون من الكلام المحفوف بالقرينة المجملة، و هو من المجمل لما مرّ في مبحث الظهور انه لا بناء من العقلاء على الاخذ بظهور الكلام المحفوف بمحتمل القرينية، و هو من المجمل لا المبيّن.

و يرد عليه أولا: ان الظاهر من اليقين في الذيل كونه متعلقا بما تعلق به اليقين و الشك في الصدر، فيكون الظاهر من قوله و لكنه تنقضه بيقين آخر هو اليقين التفصيلي، لان الظاهر من النقض باليقين الجائز كونه متعلقا بما تعلّق به النقض لليقين المنهي عنه، فان الظاهر من قوله لا تنقض اليقين بالشك و لكن تنقضه بيقين آخر كون الناقض لليقين السابق الذي يحرم نقضه بالشك هو اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين السابق و الشك اللاحق، فان كان اليقين السابق يقينا تفصيلا فلا ينقض الّا بيقين تفصيلي، و ان كان اجماليا فيصح نقضه باليقين الاجمالي، و على هذا فيختصّ النقض لليقين التفصيلي باليقين التفصيلي دون اليقين الاجمالي.

ثانيا: انه لو سلّمنا ان للذيل قابلية الشمول لليقين الاجمالي، الّا انه حيث كان اليقين في الذيل مجردا عمّا يدل على العموم، فلا بد و ان يكون شموله لليقين الاجمالي بالاطلاق، و سوقه للاطلاق انما يتمّ حيث يكون مسوقا للبيان من هذه الجهة. و حيث كان نقض اليقين لليقين ليست قضية تعبديّة، بل هي قضية ارشادية الى حكم العقل، لعدم كون العمل على طبق اليقين من المجعولات الشرعية، فهو قضية ارشادية لتأكيد ما يحكم به العقل لا للتحديد، و لا حكم للعقل في نقض اليقين 23]

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول ؛ ج 8 ؛ ص393

ص: 392

.....

______________________________

التفصيلي باليقين الاجمالي، و انما يحكم في نقض اليقين التفصيلي، فلم تسق القضية للاطلاق.

نعم لو كان قوله و لكن تنقضه بيقين آخر واردا لتحديد ما ينقض به اليقين السابق تحديدا تعبديا، لكان للقضية اطلاق شامل لليقين الاجمالي في مقام نقض اليقين التفصيلي به. و حيث كان ظاهره انه قضية ارشادية لحكم العقل فيكون مسوقا للتأكيد لا للتحديد حتى يكون له اطلاق و اذا لم يكن له اطلاق فلا يكون مما يحتمل شموله لليقين الاجمالي.

و بعبارة اخرى: ان ظاهر القضية في الذيل انه قضية ارشادية الى ما يحكم به العقل فيكون ظاهرا في التأكيد، و لازم ذلك ظهوره في عدم الاطلاق.

و الفرق بين هذا الايراد الثاني و الايراد الاول هو: ان الاول دعوى ظهور النقض في كون المتعلق واحدا، و في الثاني دعوى كون ظاهر اليقين الارشاد الى الذي يجوز النقض به عند العقل و ما يراه العقل ناقضا و هو خصوص اليقين التفصيلي.

و ثالثا: لو سلّمنا ظهور هذه القضية الواردة في صحيحة زرارة في شمولها لليقين الاجمالي، و ان لازم ذلك هو عدم شمول هذه الصحيحة لأطراف العلم الاجمالي للمناقضة بين الصدر و الذيل، الّا ان اخبار اعتبار الاستصحاب لا تنحصر بهذه الصحيحة، بل هناك اخبار آخر ليس فيها هذا الذيل، فتكون تلك الاخبار حجة على الشمول لاطراف العلم الاجمالي، لدلالتها على حرمة نقض اليقين بالشك من دون ان يكون فيها الذيل الموجود في صحيحة زرارة الموجب للاجمال، و من الواضح انه اذا كانت هناك اخبار احدها مجمل لا شمول فيه و باقيها لها دلالة على الشمول 24]، فلا بد من الاخذ بها.

ص: 393

.....

______________________________

إلّا انه ينبغي ان لا يخفى ان هذا فيما اذا لم يكن الذيل اظهر من الصدر. اما اذا كان الذيل اظهر فيكون للصحيحة ظهور فيما عدا مورد العلم الاجمالي، و به يقيّد ما ليس فيه الذيل.

و على كل فقد اشار الى ما ذكره الشيخ من القصور في مرحلة الاثبات- و ان دليل اعتبار الاستصحاب قاصر في مقام الدلالة عن ان يكون شاملا لمورد العلم الاجمالي- بقوله: ( (فان قوله عليه السّلام في ذيل بعض اخبار الباب و لكن تنقض اليقين باليقين)) بدعوى شمول الذيل للنقض باليقين الاجمالي، و لازم ذلك وقوع المناقضة بين الصدر و الذيل لو شمل الدليل اطراف العلم الاجمالي كما مرّ بيانه. و اشار الى الايراد الاول و الثاني عليه بقوله: ( (لو سلم)) أي انه لا نسلم هذه المناقضة لظهور الذيل في كون متعلق اليقين فيه هو المتعلق لليقين السابق و الشك اللاحق، و لازم ذلك انه لا ينقض اليقين التفصيلي إلّا باليقين التفصيلي، و لكون القضية ارشادية الى ما يحكم به العقل فهي للتأكيد لا للتحديد. و لكنه لو سلمنا ( (انه يمنع عن شمول قوله عليه السّلام في صدره)) و هو قوله عليه السّلام ( (لا تنقض اليقين بالشك لليقين و الشك في اطرافه)) أي في اطراف العلم الاجمالي، لانه لو شمله ( (ل)) اقتضى ( (لزوم المناقضة في مدلوله)) صدرا و ذيلا ل ( (ضرورة المناقضة بين السلب الكلي)) المستفاد من الصدر ( (و الايجاب الجزئي)) المستفاد من الذيل.

و اشار الى الايراد الثالث بقوله: ( (إلّا انه لا يمنع عن عموم النهي في ساير الاخبار)) الأخر ( (مما ليس فيه الذيل)) الموجود في صحيحة زرارة ( (و)) لما كان ساير الاخبار ليس فيه الذيل المذكور فلا مناقضة في مدلوله، فلا مانع عن ( (شموله لما في اطرافه)) أي فلا مانع من شمول ساير الاخبار لاطراف العلم الاجمالي، و الوجه في ذلك ما اشار اليه بقوله: ( (فان اجمال ذاك الخطاب)) و هو صحيحة زرارة ( (لذلك)) أي للذيل الموجب للمناقضة المستلزم لاجمال الخطاب فيها ( (لا يكاد

ص: 394

.....

______________________________

يسري الى غيره)) من الاخبار الأخر ( (مما ليس فيه ذلك)) الذيل الّا انك قد عرفت ان هذا الايراد مبني على عدم كون الذيل اظهر من الصدر كما مرّ بيانه.

و لما ثبت وجود المقتضي في مقام الاثبات في اخبار الاستصحاب لان يشمل اطراف العلم الاجمالي، اما في جميعها حتى صحيحة زرارة، أو خصوص غيرها من اخبار الاستصحاب، اشار الى فقد المانع في خصوص ما لا يلزم من جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية بقوله: ( (و اما فقد المانع فلاجل ان جريان الاستصحاب في الاطراف لا يوجب)) مخالفة عملية كما في المثال المتقدّم و هو ما اذا علم بنجاسة الإناءين ثم علم اجمالا بطهارة احدهما، فانه لا يوجب جريان استصحاب النجاسة في كلا الإناءين مخالفة عملية لعدم كون الطهارة حكما إلزاميّا، و ان لزم من جريانهما مخالفة قطعية إلّا انه ليست مخالفة عملية، و قد عرفت ان المانع هي المخالفة العملية، لان الترخيص في الاطراف المستلزم للمخالفة العملية القطعية او الاحتمالية للتكليف الالزامي قبيح، اما مثل النهي عن جميع الاطراف غير المستلزم للمخالفة العملية فلا قبح فيه، فلا يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في جميع اطراف العلم الاجمالي في هذا الفرض، لانه لا يوجب الّا المخالفة القطعية للعلم الاجمالي بطهارة احدهما و هي مخالفة غير عملية. نعم لما كانت الطهارة حكما شرعيا فجريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ( (لا يوجب إلّا المخالفة الالتزامية و هو ليس بمحذور)) حتى يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ( (لا شرعا)) لعدم الدليل الشرعي على وجوب الموافقة الالتزامية و كونها مانعا عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ( (و لا عقلا)) لما مرّ في مبحث القطع عدم قيام الدليل العقلي على وجوب الموافقة الالتزامية، و لو تنزّلنا و سلّمنا قيام الدليل العقلي على وجوب الموافقة الالتزامية ففي مورد العلم الاجمالي بتكليف مثل الطهارة يجب الالتزام بان الحكم الواقعي في احدهما هو الطهارة، و هذا

ص: 395

و منه قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا و لو في بعضها، لوجوب الموافقة القطعية له عقلا، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية، كما لا يخفى (1).

______________________________

لا يمنع عن جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي الذي لازمه كون الحكم الظاهري هو وجوب الاجتناب.

(1) يشير بهذا الى الفرع الثاني الذي مرّت الاشارة اليه، و هو ما اذا كان الاثر مرتّبا على كل واحد من الاستصحابين و لزم من جريانهما مخالفة عملية، كما لو علم بطهارة الإناءين ثم علم اجمالا بنجاسة احدهما، فان جريان الاستصحابين في طرفي المعلوم بالاجمال لازمه الترخيص في ارتكابهما معا، و لازم ذلك جواز المخالفة العملية القطعية للمعلوم بالاجمال و هو قبيح، لوضوح انه من القبيح من المولى ان يجمع بين امره بلزوم اجتناب النجس في الإناءين و إذنه في ارتكاب ما يعلم انه ليس بنجس منهما، هذا في ما يلزم منه المخالفة القطعية العملية و هو جريان الاستصحاب في كلا طرفي العلم الاجمالي.

و اما جريان الاستصحاب في احد الاطراف فهو ايضا محال، لان العلم الاجمالي بالنجس تجب موافقته القطعية، و وجوب موافقته القطعية مستلزم لقبح الاذن- ايضا- فيما يحتمل مطابقته للمنهي عنه المفروض وجوب موافقته القطعية و لزوم تحصيل اليقين بعدم ارتكابه، لما مرّ بيانه مرارا من ان المحال لا بد و ان يكون مقطوع العدم.

فاذا وجبت الموافقة القطعية فمعنى ذلك انه يجب تحصيل اليقين باجتناب النجس مثلا، فكما ان الترخيص في جميع الاطراف محال صدوره من المولى لان لازمه القطع بالاذن في المخالفة القطعية، فكذلك الترخيص في بعض الاطراف لان لازمه احتمال صدور المحال من المولى، و المحال لا بد و ان يكون مقطوعا بعدمه، فوجوب الموافقة القطعية كما يقتضي عدم جواز الترخيص في جميع الاطراف، كذلك يقتضي عدم جواز الترخيص في بعض الاطراف.

ص: 396

تذنيب لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل، و قاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه، و أصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقرّرة في الشبهات الموضوعية إلّا القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات، لتخصيص دليلها بأدلتها (1)، و كون النسبة بينه و بين بعضها عموما من وجه لا يمنع

______________________________

و بعبارة اخرى: ان كون العلم الاجمالي علّة تامة لازمه وجوب الموافقة القطعية و حرمة المخالفة القطعية و الاحتمالية. و الى هذا اشار بقوله: ( (و منه قد انقدح عدم جريانه)) أي عدم جريان الاستصحاب ( (في اطراف العلم بالتكليف فعلا اصلا)) اما وجه الانقداح فهو ما ذكره من كون المانع هو المخالفة العملية، و ان ما يحرم مخالفته العملية فلا يجوز الاذن في اطرافه ( (و لو في بعضها)) لان العلم الاجمالي حيث كان علة تامة فهو مستلزم ( (لوجوب الموافقة القطعية له عقلا)) و اذا وجبت الموافقة القطعية فلا يجوز المخالفة القطعية و لا الاحتمالية، لما مرّ بيانه من استلزامه القبح و هو محال و المحال لا بد و ان يكون مقطوعا بعدمه، لان احتمال المحال كالقطع بالمحال ( (ففي جريانه)) أي ففي جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي ( (لا محالة يكون محذور المخالفة القطعيّة، او الاحتمالية)) لانه في جريانه في جميع الاطراف يكون محذور المخالفة القطعية، و في جريانه في بعض الاطراف يكون محذور المخالفة الاحتمالية، و هي في المحالية كالمخالفة القطعية ( (كما لا يخفى)).

(1)

النسبة بين الاستصحاب و بعض القواعد الفقهية

هذا التذنيب لبيان الحال في الاستصحاب مع قواعد فقهيّة دلّت عليها النصوص او الاجماع في موارد خاصة، و قد ذكر المصنف منها: قاعدة التجاوز، و قاعدة الفراغ، و اصالة الصحة في عمل الغير، و اشار الى غيرها بقوله: ( (الى غير ذلك من)) القواعد كمثل قاعدة اليد المدلول عليها بخبر حفص بن غياث، و فيه ( (اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال عليه السّلام: نعم، قال الرجل: اشهد انه في يده و لا أشهد انه له: فلعله لغيره، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ فيحل الشراء

ص: 397

.....

______________________________

منه؟ قال: نعم، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: فمن اين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك، ثم قال عليه السّلام: و لو لم يحز هذا لم يقم للمسلمين سوق)(1). و ما ورد في احتجاج امير المؤمنين عليه السّلام في قضية فدك يدل على ان اليد امر مفروغ عنه و انه من المعلوم في الاسلام. فلا بد في ترتيب الاثر على ان ما في يد الشخص له حتى تقوم الحجة على انه ليس له. و مثل قاعدة على اليد ما اخذت، و قاعدة الالزام و غيرها.

و نقتصر على التعرّض للقواعد التي ذكرها في المتن:

اما قاعدة التجاوز فهي مستفادة من مثل صحيح زرارة (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة. قال عليه السّلام: يمضي. قلت رجل شك في الاذان و الاقامة و قد كبّر. قال عليه السّلام: يمضي. قلت رجل شك في التكبير و قد قرأ. قال عليه السّلام: يمضي. قلت شك في القراءة و قد ركع قال عليه السّلام: يمضي.

قلت شك في الركوع و قد سجد قال عليه السّلام: يمضي على صلاته، ثم قال عليه السّلام يا زرارة اذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء)(2) ... و يستفاد من هذا امران:

الاول: ان مورد هذه القاعدة هو الشك في وجود الشي ء بعد تجاوز محلّه، اما انها في الشك في الوجود فلان ظاهر الاسئلة في الرواية كلها هو الشك في وجود الشي ء، و اما كونه بعد تجاوز محلّه فلظاهر السؤال و الجواب، اما السؤال فواضح، و اما الجواب فلظاهر قوله عليه السّلام: اذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره.

الثاني: ان موردها هو الشك في وجود اجزاء المركب سواء كانت وجوبية او استحبابية، فان التكبير و القراءة و الركوع اجزاء الصلاة، و الاذان و الاقامة من الامور الاستحبابية.

ص: 398


1- 25. ( 1) وسائل الشيعة ج 18، باب 25 من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى حديث 2.
2- 26. ( 2) وسائل الشيعة: ج 5، باب 23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 1.

.....

______________________________

و منه يظهر ان مورد قاعدة التجاوز هو حال الاشتغال بالعمل المركب من امور.

و الى هذا اشار بقوله: ( (ان مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل)). الّا انه يمكن ان يقال: ان الاذان و الاقامة ليست من اجزاء الصلاة الاستحبابية، بل هي من مقدمات الصلاة، و عليه فلا اختصاص لقاعدة التجاوز بحال الاشتغال في العمل، بل تجري في حال الفراغ منه، هذا بناء على كون قاعدة التجاوز غير قاعدة الفراغ.

و اما بناء على كونهما قاعدة واحدة، و ان المدار على الشك في الشي ء سواء في اصل وجوده او في صحته، فعدم اختصاص قاعدة التجاوز بحال العمل أوضح، و عليه فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في اثناء العمل فيما اذا شك في صحة ما اتى به.

و على كل الذي ينبغي ان يقال: ان قاعدة التجاوز هي الشك في الشي ء بعد تجاوز محلّه، و لازم هذا ان يكون الشك فيها في الجزء او الشرط، و قاعدة الفراغ هي الشك في الشي ء بعد الفراغ عنه، و لازم هذا ان يكون الشك في قاعدة الفراغ في العمل الماتي به، و اما الشك من ناحية الصحة لما اتى به فترجع الى الشك في الوجود، لان ما اتى به اذا كان ليس بصحيح فهو بحكم العدم. فجعل الفرق بين قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ هو الشك في ناحية الوجود في التجاوز و في الصحة في الفراغ لا وجه له. فظاهر المصنف هو اختصاص قاعدة التجاوز بحال الاشتغال بالعمل.

و اما قاعدة الفراغ بناء على كون موردها هو خصوص الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه، فهي قاعدة تدل على الحكم بصحة العمل في حال الشك في صحته بعد الفراغ منه، و مدركها مثل ما عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام (قال عليه السّلام: كل ما شككت فيه مما مرّ قد مضى فامضه كما هو)(1) و ما عن بكير بن اعين (قال قلت له عليه السّلام: الرجل يشك بعد ما يتوضأ. قال عليه السّلام هو حين يتوضأ اذكر

ص: 399


1- 27. ( 1) تهذيب الاحكام: ج 2، ص 344.

.....

______________________________

منه حين يشك)(1) و غير ذلك مما ورد في بابي الوضوء و الصلاة مما يدل على عدم الاعتناء بالشك فيما بعد الفراغ.

و اما قاعدة الصحة في عمل الغير فيمكن ان يدل عليه ما مرّ ما عن ابن مسلم- من قوله عليه السّلام: كل ما شككت فيه مما مرّ قد مضى فامضه كما هو- فان اطلاقه يشمل كل ما شك فيه مما قد مضى سواء كان من عمل نفسه او عمل غيره. و العمدة فيها هو الاجماع، مضافا الى انه لو لا اصالة الصحة في عمل الغير للزم ما يخلّ بالنظام في امر المعاش و المعاد.

اذا عرفت مدرك هذه القواعد ... فاعلم انه لا اشكال في تقديم هذه القواعد المذكورة الثلاثة و قاعدة اليد ايضا على الاستصحاب، و لكن الكلام في وجه تقديمها.

و قبل الكلام في وجه التقديم ينبغي بيان النسبة بينها و بين الاستصحاب.

اما النسبة بين قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ و الاستصحاب فهو العموم المطلق، فان الاستصحاب اعم منهما، لانه ما من مورد من موارد قاعدتي التجاوز و الفراغ الّا و فيه استصحاب عدم وجود المشكوك و استصحاب عدم اتيانه على وجه يكون مطابقا للجزء او الشرط المامور به.

لا يقال: انه على فرض حصول الحالتين المتبادلتين و الشك في المتقدم و المتأخر فيهما لا يجري الاستصحاب كما مرّ بيانه، و اذا لم يكن الاستصحاب جاريا في مورد من مواردهما كانت النسبة بينهما و بينه هي العموم من وجه، لصدقهما في مورد تبادل الحالتين دونه، و صدقه في غير مورد قاعدتي التجاوز و الفراغ، و تصادقهما في موردهما في غير تبادل الحالتين.

فانه يقال: بعد تسليم امكان فرض تبادل الحالتين في الجزء و الشرط، ان الاستصحاب- ايضا- جار في مورد تبادل الحالتين لكنه ليس استصحاب نفس عدم

ص: 400


1- 28. ( 1) تهذيب الاحكام: ج 1، ص 101.

.....

______________________________

وجود الجزء و الشرط او عدم صحتهما، بل هو استصحاب عدم تحقق الاتيان بالمركب المامور به او عدم تحقق الاثر المرتب عليه.

فاتضح: ان النسبة بينهما و بينه هي العموم و الخصوص و هما اخص منه، فاذا لم نقل بانهما من الامارات، كما يظهر من قوله عليه السّلام هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك، فان دعوى دلالة هذا على الامارية غير بعيد، بتقريب ان من اتى بعمل مركب ذي اجزاء مرتبة علم بها و صار بصدد الاتيان بها، فان علمه الارتكازي بها يكون باعثا له و لو في حال عدم التفاته الى ان يأتي بكل جزء او شرط في محلّه و كما أمر به، فالمظنون نوعيا ان هذا الشخص قد اتى بحسب علمه الباعث له على الاتيان انه قد اتى بكل جزء او شرط في محلّه، و هذا هو معنى قوله عليه السّلام هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك، فيكون الامر من الشارع بالبناء على الاتيان بالمشكوك كما أمر به جعلا منه و اعتبارا لهذا الظن، و ليس الامارة الّا ما كان الجعل فيها باعتبار كونها ظنا.

فبناء على كون قاعدة التجاوز و الفراغ قاعدة واحدة فكلاهما من الامارة، و بناء على كونهما قاعدتين فالاماريّة مما تختص بقاعدة الفراغ، لان قوله عليه السّلام اذكر وارد في موردها.

إلّا انه يمكن ان يقال: انه لا ظهور في الرواية في كون الأذكريّة هي العلة للجعل، و انما الغلبة فيها هي الأذكريّة و الغلبة تصلح ان تكون حكمة للتعبّد لا علة، فاحتمال انها حكمة في هذا التعبّد هو الظاهر، و عليه فلا دلالة على ان الجعل فيهما او في خصوص قاعدة الفراغ من باب الامارية. مضافا الى ما ورد في قاعدة الفراغ و هي رواية الخاتم فإن مضمونها انه يشك في بلوغ ماء الوضوء الى ما تحت الخاتم مع التفاته الى انه لم يدر خاتمه في حال وضوئه، فيجيب الامام بالبناء على الصحة و عدم الاعتناء بالشك، و هذا ما يدل على كونها اصلا لا امارة، لانه مع الالتفات الى عدم ادارة خاتمه لا مجال للاذكريّة. و لاجل ذلك بنى المصنف على ان تقديمهما على

ص: 401

عن تخصيصه بها بعد الاجماع على عدم التفصيل بين مواردها، مع لزوم قلة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها، إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها، كما لا يخفى (1).

______________________________

الاستصحاب من باب التخصيص لعدم كونهما من الامارة، و الّا لكانا واردين على الاستصحاب على رأيه كما مرّ بيانه في تقديم الامارات على الاستصحاب. و الى هذا اشار بقوله: ( (تكون مقدمة على استصحاباتها)) أي ان القواعد المذكورة و هي قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ تكون مقدّمة على الاستصحابات الجارية في مواردهما، المقتضية تلك الاستصحابات للبناء على عدم الاتيان بالجزء او الشرط المشكوك او البناء على عدم الاتيان صحيحا. و الى هذا اشار بقوله: ( (المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات)) الّا انه لا بد من تقديم قاعدتي التجاوز و الفراغ عليه لانهما اخص منه فتقدّما عليه ( (لتخصيص دليلها)) أي لتخصيص دليل تلك الاستصحابات ( (بأدلتها)) أي بادلة قاعدتي التجاوز و الفراغ.

(1) الظاهر ان مراده من البعض هو قاعدة اليد او قاعدة الصحة، فان النسبة بينهما و بين الاستصحاب هو العموم من وجه، لصدق قاعدة اليد فيما لا حالة له سابقة كما لو ولد الشخص مالكا لما في يده. و دعوى جريان استصحاب العدم الازلي في هذا المورد غير مسموعة لانه من المثبت. و الوجه في كونه من المثبت ان قاعدة اليد مقتضاها كون هذا الشخص مالكا، و استصحاب العدم الازلي هو كون هذا الشخص لم يكن مالكا لما لم يكن موجودا، و لازمه ان يكون في حال كونه موجودا لم يكن مالكا.

و بعبارة اخرى: ان قاعدة اليد تدل على كون هذا الشخص مالكا، فلا يعارضها الّا استصحاب كون هذا الشخص الموجود ليس بمالك، لا استصحاب كونه ليس بمالك لانه ليس بموجود، ففي الفرض المذكور- و هو كونه يولد مالكا- استصحاب العدم الازلي مثبت، لان مورد التعارض هو هذا الشخص الموجود، و بعد كون

ص: 402

.....

______________________________

مقتضى قاعدة اليد كون هذا الشخص الموجود مالكا، فانما يعارضها استصحاب كون هذا الشخص الموجود ليس بمالك، و المفروض عدمه لفرض عدم الحالة السابقة، و كون حال عدمه ليس بمالك انما يقتضي ذلك باللازم و هو من المثبت.

و صدق الاستصحاب بدون قاعدة اليد في غير مورد قاعدة اليد. و تصادقهما في مورد قاعدة اليد التي كانت الحالة السابقة فيها هو عدم ملكية الشخص لما في يده. و صدق قاعدة الصحة في عمل الغير بدون الاستصحاب في مورد تبادل الحالتين على المستصحب. و صدق الاستصحاب بدون قاعدة الصحة في غير مورد قاعدة الصحة كعمل الشخص نفسه مثلا. و تصادقهما في مورد قاعدة الصحة في غير تبادل الحالتين.

فاذا عرفت هذا ... فالوجه في تقديم قاعدة الصحة او قاعدة اليد مع انه بينهما و بين الاستصحاب هو العموم من وجه: هو انه لو لم نقدّم قاعدة الصحة و قاعدة اليد على الاستصحاب للزم الاستهجان، و السبب في الاستهجان هو ان مورد تبادل الحالتين من الموارد النادرة القليلة، و لازم ذلك هو كون التعبّد في قاعدة اليد و قاعدة الصحة يختص بهذا المورد النادر، لان تعارضهما مع الاستصحاب في غير هذا المورد يكون موجبا لتساقطهما، و حمل التعبّد على هذا المورد النادر من المستهجن، للزوم خروج جلّ الموارد عن هذا التعبّد للتساقط بواسطة التعارض، و كثرة التخصيص الموجبة لحصر العام في مورد نادر قبيح، اذ لا داعي للتعبّد بنحو عمومية العام ثم تخصيصه بما يوجب اختصاصه بالفرد النادر، بل ينبغي من اول الامر تعيين هذا التعبّد في ذلك المورد الخاص. مضافا الى ان التعارض انما يقتضي التساقط حيث لا يكون احد المتعارضين اظهر من الآخر، و في مثل قاعدة اليد التي ورد فيها انه لولاها لما قام للمسلمين سوق يوجب كونها اظهر من الاستصحاب، لان قيام السوق انما هو في غير ما تبادل فيه الحالتان. مضافا الى دعوى الاجماع على عدم التفصيل في موردهما و ان العمل بهما في مورد يلازمه العمل بهما في كل مواردهما.

ص: 403

و أما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدّم عليها، لأخصيّة دليله من دليلها، لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها، و اختصاصها بغير الاحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها (1)،

______________________________

و قد اشار المصنف الى الوجهين اللذين يوجبان تقديم قاعدة اليد و قاعدة الصحة على الاستصحاب و هما الاجماع و الاستهجان- و ان كانت النسبة بين الاستصحاب و بينهما هي العموم من وجه- بقوله: ( (و كون النسبة بينه)) أي كون النسبة بين الاستصحاب ( (و بين بعضها)) كقاعدة اليد و قاعدة الصحة كانت ( (عموما من وجه لا يمنع)) ذلك ( (عن تخصيصه)) أي عن تخصيص الاستصحاب ( (بها بعد الاجماع على عدم التفصيل بين مواردها)). و اشار الى لزوم الاستهجان بقوله: ( (مع لزوم قلة المورد لها)) أي لزوم قلّة المورد لمثل قاعدة اليد او قاعدة الصحة ( (جدا)) لما عرفت من انه لو لم يعمل بهما في مورد الاستصحاب للزم اختصاصهما بمورد تبادل الحالتين في الاستصحاب و هو نادر جدا ف ( (لو قيل بتخصيصها)) أي لو قيل بتخصيص القواعد التي بينها و بين الاستصحاب عموم من وجه ( (بدليلها)) أي بدليل الاستصحابات في مواردها او بتساقطهما للزم قلة المورد لتلك القواعد ( (اذ قلّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما لا يخفى)).

(1)

النسبة بين الاستصحاب و القرعة

قد استثنى المصنف القرعة في صدر عبارته عن القواعد التي تقدّم على الاستصحاب، لان القرعة لا تتقدم على الاستصحاب بل هو متقدّم عليها و هي غير متقدّمة عليه، فلذلك افردها ليذكر وجه تقديم الاستصحاب عليها.

و لا بأس بالاشارة الى دليل القرعة و هو على نحوين:

الاول: ما ورد في رواية محمد بن حكيم و هو قوله عليه السّلام: (كل مجهول ففيه القرعة)(1)

ص: 404


1- 29. ( 1) وسائل الشيعة ج 18: 189/ 11 باب 13 من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى.

.....

______________________________

و ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طريق العامة: (القرعة لكل امر مشكل)(1) و المراد من المجهول ما جهل حكمه، و المراد من المشكل ما اشكل حكمه و لم يتضح.

و لا ريب ان هاتين الروايتين الموضوع فيهما هو الشك في الحكم، و هذا هو الذي يتقدّم الاستصحاب عليه.

و اما النحو الثاني: و هو مثل ما ورد في الموارد الخاصة، كمثل قطيع غنم نزا الراعي على واحدة منها، و مثل فيما لو وقع الحر و العبد و المشرك على امرأة فادعى كل واحد منهم الولد، و مثل ما لو اوصى بعتق ثلث مماليكه، فانه لا اشكال في تقديم القرعة في هذه الموارد الخاصة.

و على كلّ فقد ذكر في المتن وجهين لتقديم الاستصحاب على القرعة- و المراد تقديم دليل الاستصحاب على دليل القرعة بالنحو الاول و هو قوله عليه السّلام كل مجهول ففيه القرعة و القرعة لكل امر مشكل- الاول: ان الاستصحاب اخص من دليل القرعة، لان موضوع القرعة هو الشك في الحكم سواء كانت له حالة سابقة ام لم تكن، و موضوع الاستصحاب هو الشك فيما له حالة سابقة، فالاستصحاب اخص منها و الخاص مقدّم على العام.

لا يقال: ان النسبة بين القرعة و الاستصحاب هي العموم من وجه، لقيام الاجماع على عدم جريان القرعة في الشبهات الحكمية، فالشبهة الحكمية مورد الاستصحاب دون القرعة، و مورد القرعة دون الاستصحاب هي الشبهة الموضوعية التي ليست لها حالة سابقة، و يتصادقان في الشبهة الموضوعية التي لها حالة سابقة، فلا وجه لدعوى كون النسبة بينه و بينها هي العموم و الخصوص مطلق.

فانه يقال: انه سيأتي في التعادل و التراجيح انه لا بد و ان تلحظ النسبة بين العام و الخاص بما لهما من الدلالة اللفظية، و لا تلحظ النسبة بينهما بعد تخصيص العام

ص: 405


1- 30. ( 1) عوالي اللئالي ج 2، ص 112( ط. الاولى).

.....

______________________________

باحد المخصصات حتى يوجب ذلك انقلاب النسبة بينهما، لان التخصصات الواردة على العام كلها في مرتبة واحدة، فلا وجه لتخصيص العام اولا باحدها ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الخاص الآخر حتى يوجب ذلك انقلاب النسبة بين العام و الخاص الثاني. و دليل القرعة لما كان بحسب دلالته اللفظية عاما يشمل الشبهة الحكمية و الموضوعية، فتخصيصه بالاجماع في عدم الاخذ بالقرعة في الشبهة الحكمية لا يوجب انقلاب النسبة بينه و بين الاستصحاب، بل لا بد من ملاحظة دليل القرعة مع الاستصحاب من دون ملاحظة تخصيص دليل القرعة بالاجماع، و على هذا فالنسبة بينهما على حالها و هي العموم و الخصوص.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (و اما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها)) في غير الموارد الخاصة التي ورد الدليل الخاص بلزوم استعمال القرعة فيها كما عرفت، ففي غير هذه الموارد الخاصة يتقدم الاستصحاب على القرعة ( (لأخصّية دليله من دليلها)) لان موضوع القرعة هو الشك في حكم الشي ء مطلقا سواء كانت له حالة سابقة ام لا، بخلاف الاستصحاب فان موضوعه اخص ( (لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها)) و لا بد من تقديم الخاص على العام. و قد اشار الى ما مرّ في لا يقال: من دعوى كون النسبة بينهما هي العموم من وجه بقوله: ( (و اختصاصها بغير الاحكام اجماعا)) و بعد تخصيصها بالاجماع على عدم تأتي القرعة في الشبهات الحكمية تكون النسبة بينهما العموم من وجه. و اشار الى الجواب عنها بقوله: ( (لا يوجب الخصوصية في دليلها)) أي ان تخصيص دليل القرعة بالاجماع لا يوجب خروج العموم فيها الى الخصوص لتكون النسبة بينهما هي العموم من وجه، لانه النسبة انما تلاحظ قبل التخصيص، و عليه فالنسبة بينهما هي العموم و الخصوص ( (بعد عموم لفظها لها)) أي لانه بعد عموم اللفظ الوارد في دليل القرعة للشبهات الحكمية فتخصيصه بالاجماع على عدم تأتّيها في الشبهات الحكمية لا يوجب انقلاب النسبة.

ص: 406

هذا مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه، حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم، كما قيل، و قوّة دليله بقلّة تخصيصه بخصوص دليل (1).

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني الموجب لتقديم الاستصحاب عليها، و حاصله:

ان كثرة التخصيصات الواردة على دليل القرعة موجبة لوهن ظهور العموم فيها.

اما كثرة التخصيصات لها فلوضوح عدم الاخذ بالقرعة في الشبهات الحكمية للاجماع، و عدم الاخذ بها- ايضا- في كثير من الشبهات الموضوعية، كمورد العلم الاجمالي سواء في الشبهة المحصورة او في غيرها، فان القرعة لو جرت في مورد العلم الاجمالي لأوجبت انحلاله، لانها تكون كما لو كان الاستصحاب في احد الطرفين مثبتا للتكليف و في الطرف الثاني نافيا له، فان ذلك يوجب انحلال العلم الاجمالي، و القرعة لو أخذ بها في مورد العلم الاجمالي لكانت كذلك، لانها موجبة لتعيين التكليف في احد الاطراف بخصوصه و هو الطرف الذي اصابه سهم القرعة، و كذا لا يؤخذ بالقرعة في كثير من الشبهات الموضوعية غير المقرونة بالعلم الاجمالي.

و اما كون كثرة التخصيص موجبة لوهن الظهور في عموم الدليل، فلان حجية الظهور انما هي لبناء العقلاء على الاخذ به، لتطابق الارادة الاستعمالية و الارادة الجديّة عندهم، و كثرة التخصيصات مما توجب الوهن في مرحلة الارادة الجديّة، و انه لم يرد منه جدّا ظهوره العمومي، و قوة احتمال انه اريد منه مصاديق خاصة.

و لاجل ذلك قالوا ان دليل القرعة يحتاج الى الجبر بعمل الاصحاب في المورد الذي يؤخذ فيه بالقرعة. و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (هذا مضافا الى وهن دليلها)) أي مضافا الى ما قلنا من لزوم تقديم دليل الاستصحاب عليها لانه اخص منها، ان دليل القرعة موهون ظهوره ( (بكثرة تخصيصه حتى)) بلغ من الوهن الى حدّ انه ( (صار العمل به في مورد محتاجا الى الجبر بعمل المعظم)) من الاصحاب ( (كما قيل و)) ليس الاستصحاب كذلك، فانه اقوى ظهورا من دليل القرعة و ذلك لاجل ( (قوة

ص: 407

لا يقال: كيف يجور تخصيص دليلها بدليله؟ و قد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه، و موجبا لكون اليقين باليقين بالحجة على خلافه، كما هو الحال بينه و بين أدلة سائر الامارات، فيكون- هاهنا أيضا- من دوران الامر بين التخصيص بلا وجه غير دائر و التخصص (1).

______________________________

دليله ب)) سبب ( (قلة تخصيصه بخصوص دليل)) فلو فرضنا انه كان بينهما عموم من وجه للزم تقديم الاستصحاب عليها لقوة ظهوره على ظهورها.

(1) حاصله: ان لسان دليل القرعة كما ورد في رواية زرارة انها أمارة، لانه عليه السّلام قال بعد ان سئل- بما حاصله-: ان القرعة تخطئ و تصيب، فاجاب عليه السّلام (ليس من قوم فوضوا امرهم الى اللّه ثم اقترعوا الا خرج سهم المحق)(1).

و المتحصّل من هذا ان القرعة هي الطريق الذي لا يخطئ في تعيين الواقع، و هذا اللسان يدل على ان القرعة ان لم توجب القطع فلا اقل من كونها اقوى الامارات الظنية، و قد عرفت فيما مرّ من ان الامارة واردة على الاستصحاب و رافعة لموضوعه حقيقة، لان موضوعه متقوّم بكون الاخذ بخلاف المتيقن في حال الشك لا بد و ان يكون من مصاديق نقض اليقين بالشك لا من نقض اليقين بالحجة، لما عرفت من ان المراد من قوله و لكن تنقضه بيقين آخر هو الحجة لا خصوص صفة اليقين.

و على هذا فلما كانت القرعة بتسبيب من اللّه هي طريق الى تعيين الواقع فلا يكون الاخذ بالقرعة القائمة على خلاف المتيقن من نقض اليقين بالشك بل من نقض اليقين باليقين، فتقديم الاستصحاب عليها المتقوّم بكونه نقضا لليقين بالشك يتوقف على تخصيص دليل القرعة، و تخصيصه اما بلا مخصّص و هو باطل، او يكون المخصص له هو نفس دليل الاستصحاب، و لازمه الدور لتوقف التخصيص به على تحقق موضوعه، و هو متوقف على عدم حجية دليل القرعة، و عدم حجية دليل

ص: 408


1- 31. ( 1) راجع وسائل الشيعة ج 18، باب 13 من ابواب كيفية الحكم حديث 4.

فإنه يقال: ليس الامر كذلك، فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة و إن كان من المشكل و المجهول و المشتبه بعنوانه الواقعي، إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك، و الظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة، فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة، رافع لموضوعه أيضا (1)،

______________________________

القرعة يتوقف على التخصيص به، فلا يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب. و لذا قال (قدس سره): ( (كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله)) لان التخصيص لا يكون إلّا في حال بقاء موضوع الخاص ( (و)) لا بقاء لموضوع دليل الاستصحاب لانه ( (قد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا)) رافعا ( (لحكمه)) مع بقاء موضوعه ( (ل)) وضوح ( (كون)) لسان دليل القرعة انها من ( (اليقين)) و عليه فيكون الاخذ بخلاف اليقين السابق من نقض اليقين ( (باليقين ب)) سبب قيام ( (الحجة على خلافه)) فتكون القرعة واردة على الاستصحاب ( (كما هو الحال بينه و بين ادلة ساير الامارات)) كما عرفت من ورود دليل الامارات على دليل الاستصحاب، و إلّا لزم اما التخصيص بلا مخصّص، و اما التخصيص بنحو يستلزم الدور ( (فيكون هاهنا ايضا)) كذلك ( (من)) انه يستلزم ( (دوران الامر بين التخصيص بلا وجه غير دائر)) فيما اذا قدّم المورود و هو دليل الاستصحاب على الامارة أ ( (و التخصيص)) و هو فيما اذا قدّم الوارد على المورود و هو دليل الامارة على الاستصحاب، و لا ريب في تقديم التخصّص على التخصيص، لوضوح عدم استلزام فساد اصلا في كون دليل الامارة رافعا لموضوع الاستصحاب حقيقة.

(1) حاصله: ان الامر بالعكس، لإمكان ان يقال ان دليل الاستصحاب هو الوارد على دليل القرعة و ان كانت القرعة من الامارات لانها سهم المحق.

و توضيح ذلك: ان موضوع القرعة في ادلتها العامة ثلاثة: عنوان المشكل، و عنوان المجهول، و عنوان المشتبهة. و لا يكون الامر مشكلا الّا اذا لم يكن له وجه

ص: 409

.....

______________________________

من الوجوه اصلا، اما اذا كان له وجه باي نحو كان فلا يكون ذلك الامر من مصاديق المشكل. و كذلك عنوان المجهول فان المجهول ما جهل وجه الحجة فيه باي نحو كانت الحجة، و متى كان وجه للحجة مبيّنا باي نحو كان لم يكن ذلك الامر من المجهول وجه الحجة فيه. و مثله المشتبه فان المشتبه هو ما اشتبه على الانسان وجه الحجة فيه، و متى كان له وجه مبين باي عنوان كان لا يكون ذلك الامر من مصاديق المشتبه. فالقرعة و ان كانت امارة و طريقا الى تعيين الواقع بتسبيب من اللّه، الّا انه لما كان الموضوع فيها هو ما لم يبيّن له وجه اصلا باي نحو من الوجوه فأماريتها انما تكون في غير مورد الاستصحاب، لان الامر في الاستصحاب قد بيّن الوجه فيه بعنوان نقض اليقين بالشك، و لازم ذلك هو رفع موضوع القرعة به حقيقة، اذ بعد بيان الوجه بواسطة دليل الاستصحاب لا يكون المورد مما اشكل الحال فيه، و لا مما جهل الحال فيه، و لا مما اشتبه الحال فيه.

و الحاصل: ان موضوع الاستصحاب هو الشك في الحكم الواقعي، فموضوع الاستصحاب هو المشكل و المجهول و المشتبه من جهة خصوص الحكم الواقعي، لا من كل جهة كما في موضوع دليل القرعة، فان الموضوع فيها هو المشكل و المجهول و المشتبه مطلقا بكل وجه من الوجوه. اما كون الموضوع في الاستصحاب هو المشكل و المجهول و المشتبه من جهة خصوص الحكم الواقعي فللزوم كون متعلق الشك في الاستصحاب هو متعلق اليقين، و لما كان اليقين متعلقا بالواقع لبداهة انه في مقام الشبهة الموضوعية يكون اليقين متعلقا بالموضوع و هو مستلزم لليقين بالحكم بالضرورة، و لا بد من اتحاد متعلق الشك و اليقين في الاستصحاب، و لازمه كون متعلق الشك في الاستصحاب هو الحكم الواقعي. و اما كون الموضوع في القرعة هو عنوان المشكل و المجهول و المشتبه مطلقا، فلانه لم يكن في لسان دليلهما ما يعيّن كون متعلق الاشكال و الجهالة و الاشتباه فيها هو خصوص الحكم الواقعي، بل الظاهر فيها هو ما لا يتبيّن الحال فيه باي وجه من الوجوه.

ص: 410

.....

______________________________

و اذا كان الموضوع في الاستصحاب هو خصوص المشكوك حكمه الواقعي، و الموضوع في القرعة هو المشكوك مطلقا و هو الذي لم يبيّن الحال فيه بوجه من الوجوه، فلا مناص من ورود دليل الاستصحاب على دليل القرعة، و ان كان لسان القرعة لسان الامارة و تعيين الواقع. فان المتحصّل من الجمع بين الدليلين هو انه اذا لم يبيّن الحال بوجه من الوجوه فحينئذ تكون القرعة بتسبيب من اللّه سهم المحق، اما اذا بيّن بوجه من الوجوه فلا تكون القرعة كذلك، و حيث قد بيّن في الاستصحاب وجه الحكم بعنوان نقض اليقين بالشك، فلا يكون من المشكل حقيقة و لا من المجهول و لا من المشتبه، بل هو يكون مما اتضح الحال فيه و علم حكمه بوجه و لم يلتبس الامر فيه. فدليل الاستصحاب هو الوارد على دليل القرعة لانه به يرتفع موضوعها حقيقة، و كلما كان رافعا لموضوع حقيقة كان واردا عليه.

و الى ما ذكرنا اشار بقوله: ( (فانه يقال ليس الامر كذلك)) بل الامر بالعكس و دليل الاستصحاب هو الوارد على دليل القرعة ( (فان المشكوك مما كانت له حالة سابقة)) أي الاستصحاب ( (و ان كان من المشكل و المجهول و المشتبه)) إلّا انه ( (بعنوانه الواقعي)) لا مطلقا، و من الواضح ان المشكل و المجهول و المشتبه بخصوص عنوانه الواقعي اذا بيّن حكمه بعنوان نقض اليقين بالشك لا يكون من المشكل و المجهول و المشتبه مطلقا، بل يكون مما بيّن حكمه بوجه من الوجوه و هو عنوان نقض اليقين بالشك. و الى هذا اشار بقوله: ( (إلّا انه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك)) و قد عرفت الوجه في كون الموضوع في الاستصحاب هو خصوص المشكوك من جهة حكمه الواقعي ( (و)) ذلك بخلاف دليل القرعة فان ( (الظاهر من دليل القرعة)) هو ان المشكوك لا يكون موضوعا لها إلّا ان يكون مشكوكا مطلقا و من كل جهة، فلا بد في مقام ( (ان يكون)) المشكوك ( (منها)) من ان يكون مشكوكا ( (بقول مطلق لا في الجملة فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق

ص: 411

فافهم (1). فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الامر بينه و بين رفع اليد عن دليله، لوهن عمومها و قوّة عمومه، كما أشرنا إليه آنفا، و الحمد للّه أولا و آخرا، و صلّى اللّه على محمّد و آله باطنا و ظاهرا.

______________________________

عليه)) أي الصادق على المشكوك بعنوانه الواقعي ( (حقيقة رافع لموضوعه ايضا)) أي لموضوع دليل القرعة.

(1) لعله اشارة الى ان هذا يكون نقضا منه لما بنى عليه، من كون الوجه في تقديم دليل الاستصحاب هو التخصيص، و لا وجه ايضا لدعوى تقديمه لوهن دليل القرعة، بل لو كان بينهما عموم من وجه، او كان دليل القرعة بمنتهى القوة، للزم تقديم دليل الاستصحاب لانه يكون رافعا لموضوع دليل القرعة حقيقة، و مع ارتفاع موضوع دليل القرعة حقيقة لا وجه للتخصيص، بل الخروج يكون تخصّصا و لا داعي لدعوى الوهن، بل يقدّم عليه و ان كان دليل القرعة في غاية القوة.

و يمكن ان يكون اشارة الى انه لا وجه لدعوى كون الموضوع في الاستصحاب هو خصوص المشكوك حكمه من جهة الواقع، دون القرعة فان الموضوع فيها هو المشكوك بقول مطلق، فان المراد من المشكوك فيهما واحد و هو المشكوك من جهة الواقع، و كل منهما قد جعل حجة فعلية في حال الشك، و لعل في بعض ادلة القرعة ما يشير الى ان المشكوك فيها هو الحكم الواقعي، و هو ما ورد في مقام السؤال عنها ان القرعة تصيب و تخطئ، فان الاصابة و الخطأ انما هما بالنسبة الى الحكم الواقعي، لا الى الحكم بأي وجه كان و بأي عنوان جعل فانه لا اصابة فيه و لا خطأ، فان المجعول فيه الحجة بعنوان نقض اليقين بالشك لا اصابة فيه و لا خطأ اذا تحقق موضوعه و هو اليقين و الشك، و لعلّه لهذا عقّب قوله: ( (فافهم)) بالرجوع الى التمسك فيها بان الظهور فيها في العموم موهون، لعدم العمل بها على مقتضى عمومها، بخلاف الظهور في عموم الاستصحاب فانه قوي، و لذا لا بد من تقديم

ص: 412

.....

______________________________

الظهور فيه على الظهور فيها، فقال (قدس سره): ( (فلا بأس برفع اليد عن دليلها ...

الى آخر الجملة)).

تمّ بعون اللّه و لطفه و منّه الفراغ من الاستصحاب في يوم السبت سابع رجب سنة الواحد و الثمانين بعد الالف و الثلاثمائة- 7 رجب سنة 1381- هجرية، على صادع الوحي فيها و آله الف صلاة و الف سلام و تحيّة. نسأله تعالى بحقهم التوفيق للإتمام و لمراضيه، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 413

ص: 414

الفهرس

ص: 415

ص: 416

الفهرس

الخبر الثاني: صحيحة زرارة في الشك في الطهارة من الخبث 1

تقريب دلالتها على الاستصحاب لا على قاعدة اليقين 7

اشكال تطبيق التعليل على عدم وجوب الاعادة 9

جواب المصنف عن الاشكال و توجيه التعليل 12

التعليل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء و الايراد عليه 22

تصحيح التعليل و دفع ما اورد عليه 23

الخبر الثالث: صحيحة زرارة في الشك في الركعات 28

الاشكال على الصحيحة 29

الذّبّ عن الاشكال 31

اشكال اختصاص الصحيحة بالشك في الركعات 33

الجواب عن الاشكال 35

الخبر الرابع: رواية الخصال 36

اشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب 38

الجواب عن الاشكال 39

الخبر الخامس: مكاتبة القاساني 41

الخبر السادس و السابع و الثامن: من اخبار الحل و الطهارة 44

دلالة المغيى على الحكم الواقعي و الغاية على الاستصحاب 48

الايراد على صاحب الفصول 52

ايراد آخر على صاحب الفصول 53

الاحكام الوضعية 56

اختلاف الحكم الوضعي و الحكم التكليفي 58

ص: 417

انحصار الحكم الوضعي و عدمه 60

الاشارة الى وجهين لكون الانحصار و عدمه لا وقع له 62

اطلاق الحكم الوضعي على ثلاثة أنحاء 66

عدم مجعولية النحو الاول لا تبعا و لا استقلالا 68

ايراد المصنف (قده) على دعوى الشيخ الاعظم (قده) من كون السببيّة و الشرطية منتزعة عن التكليف 70

الايراد على ما ينسب الى المشهور 73

مجعولية النحو الثاني تبعا للتكليف 79

مجعولية النحو الثالث أصالة لا تبعا للتكليف 85

وهم و دفع 92

جريان الاستصحاب و عدمه في الانحاء الثلاثة 97

تنبيهات الاستصحاب 101

الاول: اعتبار فعلية الشك و اليقين 101

الاشارة الى فروع ثلاثة 103

الثاني: استصحاب مؤديات الامارة 110

الثالث: استصحاب الكلي و أقسامه الثلاثة 118

القسم الثاني من استصحاب الكلي 121

اشكالان للشيخ الاعظم (قده) على القسم الثاني و الجواب عنهما 122

القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي 129

مختار المصنف (قده) في القسم الثالث عدم الجريان مطلقا 130

الرابع: استصحاب الامور التدريجيّة و الاشكال فيها 141

ص: 418

جريان الاستصحاب في الزمان كالليل و النهار 146

الفعل المقيد بالزمان 151

التعرض لكلام الفاضل النراقي (قده) 158

إزاحة وهم الفاضل النراقي (قده) 163

الخامس: الاستصحاب التعليقي 165

اشكالان في جريان الاستصحاب التعليقي و الجواب عنهما 166

السادس: استصحاب عدم نسخ الشرائع السابقة 177

وجوه لمنع استصحاب الشرائع السابقة 178

التعرض لجواب الشيخ الاعظم (قده) عن اشكال صاحب الفصول 187

السابع: الاصل المثبت 193

الوجه في عدم حجية الاستصحاب في اللوازم المثبتة 198

الفرق بين مثبتات الاستصحاب و الامارات 209

الثامن: موارد ثلاثة توهم كون الاصل فيها مثبتا 212

الاول: استصحاب الفرد لترتيب أثر الطبيعي عليه 212

الثاني: الاستصحاب في الخارج المحمول 214

الثالث: استصحاب الجزء و الشرط و المانع 217

استصحاب عدم التكليف لنفي العقاب 221

التاسع: ترتيب بعض الآثار العقلية و العادية على الاصل 227

العاشر: اعتبار ترتب الاثر على المستصحب بقاء 231

الحادي عشر: أصالة تأخر الحادث 235

ص: 419

شرطية احراز اتصال زماني الشك و اليقين 247

صور العلم بتاريخ احد الحادثين 258

تعاقب الحالتين المتضادتين 267

الثاني عشر: استصحاب الامور الاعتقادية 271

النبوة من حيث جريان الاستصحاب و عدمه 284

محاججة الكتابي لبعض السادة الافاضل 292

الثالث عشر: موارد الرجوع الى العام و استصحاب حكم المخصص 297

لحاظ الزمان و قيديته في كلّ من العام و الخاص 302

الرابع عشر: المراد بالشك في الاستصحاب خلاف اليقين 315

ورد قرائن تدل على ان المراد بالشك عدم اليقين 317

دعوى الاجماع و ايراد المصنف عليها 322

تتمة فيها مقامان 330

المقام الاول: الموضع الاول: المراد من بقاء الموضوع 330

الموضع الثاني: الاستدلال على بقاء الموضوع 334

الموضع الثالث: المدار في اتحاد القضيتين في الموضوع 340

المقام الثاني: تقدّم الامارة على الاستصحاب بالورود 354

حكومة الامارة على الاستصحاب، و النظر فيه 364

تقديم الامارة على الاستصحاب بالتخصيص و النظر فيه 370

خاتمة: بيان النسبة بين الاستصحاب و سائر الاصول 373

ورود الاستصحاب على الاصول العملية 373

ص: 420

تعارض الاستصحابين 379

النسبة بين الاستصحاب و بعض القواعد الفقهية 397

النسبة بين الاستصحاب و القرعة 404

الفهرس 415

آل شيخ راضى، محمد طاهر، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - قم، چاپ: دوم، 1426 ق.

ص: 421

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.